|
|
|
|
منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة. |
![]() |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]()
الإيجاز والإيحاء ليس المقصود بالإيجاز هنا كثرة المعنى مع قلة اللفظ أو معنى الاختصار فحسب([i])، وإنما المراد به معنى البلاغة، لأن الفائدة إذا ظهرت "بما يستحسن فهو إيجاز لخفته على النفس"([ii]) ولا أظن أن هناك فناً بلاغياً محبباً لأنفس العرب أكثر من التشبيه، ولذلك حينما يقول مصطفى ناصف بأن الاختصار في التشبيه "لا يمكن أن يعد وظيفة أو فائدة، إنما هو أسلوب في الصياغة ..... فإذا جعلنا الإيجاز وظيفة وجب أن يكون مقصدنا أن التشبيه الشعري يستطيع -دون التعبير المجرد- أن يحتفظ بقوة غير المحدود الذي لا ينفد ما نستدره منه آناً بعد آن"([iii]) فيه تضييق لمعنى الإيجاز عند البلاغيين العرب، إذ لم يقرن العرب الإيجاز بالاختصار أو الغموض فحسب، وإنما جعلوه دلالة على كل كلام جميل، والتشبيه كان لوناً جمالياً محبباً عند العرب، وبالتالي ففيه إيجاز بشكل عام، فما مظاهر الإيجاز والتشبيه؟لقد ذهب قدامة بن جعفر وعدد كبير من البلاغيين إلى أن من مظاهر الحسن في التشبيه أن يكون فيه إيجاز كأن يجمع الشاعر تشبيهات كثيرة في بيت واحد بألفاظ يسيرة([iv])، كما في قول امرئ القيس: له أيطلا ظبي وساقا نعامةٍ وإرخاءُ سرحانٍ وتقريبُ تتفلِ أو يشبه شيئاً بأشياء في بيت شعري واحد أو لفظ قصير([v])، وذلك كما في قول امرئ القيس: وتعطو برخصٍ غير شئنٍ كأنه أساريع ظبي ومساويك إسحل أو بحذف أداة التشبيه لتقريب الشبه بين الطرفين، بل لجعل أحد الطرفين هو الآخر، فالعرب قالت: هند مهرة، وزيد الأسد([vi])، أي أنهم كانوا يحذفون أداة التشبيه "في الشعر وسائر الكلام"([vii]) من أجل الإيجاز والمبالغة([viii])، فقولهم (رأيت أسداً) وأنت تريد التشبيه، يكون للمبالغة، بحيث أن الرجل بلغ في مشابهته للأسد مبلغاً توهم معه أنه أسد حقيقة([ix])، ففي قول امرئ القيس: سموتُ إليها بعد ما نام أهلُها سمّو حباب الماء حالاً على حالِ حذف الأداة للإيجاز([x])، فتحقق بذلك ثلاثة أمور: أولاً: مناسبة الكلام لموقف التخفي والحذر، فقد صور بطئ سموه إلى محبوبته وتخفيه عن الناس تصويراً دقيقاً، حتى أن من يشاهده يحسبه حباب الماء في سموه، ثانياً: التجانس بين اللفظتين (سموت-سمّو) بحذف الكاف. وأخيراً: خفة في نطق الشطر الثاني تشابه خفته في الرقي إلى محبوبته. ولا يتأتى الإيجاز في التشبيه من حذف أداة التشبيه فحسب إذ بالنظر إلى وجه الشبه سواء أكان مذكوراً أم محذوفاً، نجد أن الإيجاز يداخله في جميع أحواله، فالسكاكي ذهب إلى أن ذكر وجه الشبه ليس أمراً ملزماً للمتكلم، لأنه إذا ذكر كان مما وقع فيه التسامح؛ لأن من يدقق النظر في التشبيه يجد أن وجه الشبه يكون دومًا عقليًا إما حقيقة وإما مجازاً، وذلك لأن وجه الشبه يكون غير ما حدده المتكلم باللفظ، حتى ولو كانت الصفة المشتركة بين الطرفين حسية، وذلك لامتناع وجود الصفة المشتركة في المشبه به مثلما هي عليه في المشبه، إذ لا يمكن أن يكون المثلان في أمرين مختلفين شيئاً واحداً بحكم ضرورة العقل([xi])، لهذا فإن وجه الشبه لابد أن يكون كلياً مأخوذاً من المثلين بتجريدهما عن التعين الذي كان فيهما قبل إقامة التشبيه([xii]). ويتابع العلوي ابن الأثير في ظهور إفادة التشبيه للإيجاز، لأن الغرض من تشبيه زيد بالأسد هو بيان حال زيد في اتصافه بشهامة النفس، وقوة البطش وجراءة الإقدام، وغير ذلك من الصفات الحسنة إلا أنّا لم نجد ما يدل على ذلك إلا بتشبيهه بالأسد لاختصاص بتلك الصفات، فكأن التشبيه أكشف وأبين عن المراد من قولنا: زيد شهم، شجاع، قوي البطش، جريء الجنان قادر على الاعتداء([xiii]). ثم يذكر العلوي عدداً من الشواهد والأمثلة على الاختصار العجيب والإيجاز البليغ في التشبيه منها قوله تعالى "مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيماً تذروه الرياح"([xiv]) حيث يقول العلوي "فانظر إلى ما اشتملت عليه هذه الآية من أنواع التشبيهات. أشياء بأشياء في معان وأوصاف بحيث لو فصلت لاحتاجت إلى شرح كبير مع اختصاصها بجزالة اللفظ وبراعة النظم وبلاغة المعاني وحسن السياق"([xv]). فما بلاغة التشبيه إذا حذفت منه الأداة ووجه الشبه؟ وهل يمكن حذف أحد طرفي التشبيه؟ الحذف في التشبيه يزيده مبالغة وقوة تأثير([xvi])، سواء أكان الحذف في الأداة، أو في وجه الشبه أو في كليهما، لكن إدراك قوة التشبيه أو المبالغة فيه تعتمد بالدرجة الأولى على ثقافة المتلقي، لذلك ذهب السكاكي إلى أن أقوى مراتب التشبيه في التأثير ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه كقولهم: زيد أسد، أما إذا أفرد المشبه به في الذكر وكان المشبه مقدراً أو مضمراً، فإنه يكون أقوى المراتب على الإطلاق، كقولهم: أسد في الخبر عن زيد([xvii]). وبهذا فقد كان جمال الصورة في بعض معانيه "في الإيجاز والامتلاء والبراءة من اللغو والفضول، حتى تجري مجرى الأمثال، وتنشد على اختلاف العصور والبيئات، فلا يمل إنشادها، ولا تحس النفس نبواً عنها، أو نفوراً منها، وإنما تحس كأن هذا الشعر مرآة صافية صادقة لكل نفس كريمة، ولكل قلب زكي، وخلق نقي"([xviii]). ([i]) انظر: دلائل الإعجاز 464. والمثل السائر 2/255 – 259. ([ii]) النكت في إعجاز القرآن 80. ([iii]) الصورة الأدبية 60. ([iv]) انظر: نقد الشعر 127. ([v]) انظر: المصدر نفسه 127. ([vi]) انظر: الوساطة 442-443، والمثل السائر 2/121. ([vii]) الصناعتين 261. ([viii]) انظر: الوساطة 442 - 443. وسر الفصاحة 235، 239، والمثل السائر 2/121. ([ix]) انظر: أسرار البلاغة 322، ودلائل الإعجاز 432. ([x]) انظر: سر الفصاحة 235، 239. ([xi]) يتفق السكاكي في هذا مع الإمام عبد القاهر الجرجاني. انظر: دلائل الإعجاز 100. ([xii]) انظر: مفتاح العلوم 335، 338-339. ([xiii]) انظر: المثل السائر 2/121. ويحيى بن حمزة بن على بن إبراهيم العلوي، الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز 1/276، دار الكتب العلمية، بيروت، 1982م. ([xiv]) الكهف 45. ([xv]) الطراز 1/276 – 277. ([xvi]) انظر: منهاج البلغاء وسراج الأدباء 91. ([xvii]) انظر: مفتاح العلوم 354 - 355. ([xviii]) محمد خلف الله أحمد، من الوجهة النفسية في دراسة الأدب ونقده 175، دار العلوم، الرياض، الطبعة الثالثة 1984م. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() الأخ الدكتور / عبد الرحيم |
|||
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
|
|