بحسب الدراسة المنشورة في دورية "سايكولوجيكال ساينس" (Psychological science)، التي قُسِّمت إلى عدة تجارب لتحديد السن التي تصل القدرات العقلية فيها إلى قمَّتها، وجدت أن لكل واحدة من هذه القدرات سِنًّا مختلفة تكون الأبرز فيها، ثم تتضاءل بالتدريج لتحل محلها قدرة أخرى. (5)
في إحدى تلك التجارب، حلَّل الباحثان جوشوا هارتشورن (Joshua Hartshorne) ولورا جيرمين (Laura Germine) نتائج 2450 شخصا طبيعيا تتراوح أعمارهم بين 18-89 عاما، خضعوا لمقياس ويكسلر للذكاء للبالغين (Wechsler Adult Intelligence Scale)، ونتائج نصف هذا العدد ممَّن خضعوا لمقياس ويكسلر للذاكرة (Wechsler Memory Scale). وجد الباحثان أن المهام الخمس التي تتضمَّن المعرفة المكتسبة (المفردات والمعلومات والفهم والحساب والتشابهات) تصل إلى قمَّتها بوضوح في وقت متأخر من العمر عن الأداء في كل المهام الأخرى تقريبا، مثل تذكُّر الوجوه وترتيب القوائم المعكوسة وتركيب الأشكال، وكلها مهام تخضع للاختبار في المقياسين المستخدمين في الدراسة.
لفهم النتائج أكثر، اختار الباحثان في تجربة تالية اختبارات مهارات بعينها من نتائج التجربة الأولى، وهي المفردات (Vocabulary)، والبحث عن الرمز (Digit symbol coding)، والذاكرة البصرية العاملة (Visual working memory) التي تصل إلى قمَّتها في أواخر سن المراهقة وأوائل العشرينيات وأوائل الخمسينيات من العمر على التوالي. تقيس هذه المهارات الثلاثة القدرة على الحفظ والتذكُّر، بالإضافة إلى الانتباه، كما أن الحصيلة اللغوية لشخص ما تعكس أفكاره وبالتالي من الممكن استنتاج معدل ذكائه من خلالها، لذا يتضمَّن اختبار الذكاء مهمة خاصة بالحصيلة اللغوية والمفردات.
أُجريت التجربة الثانية على عينة ضخمة مُكوَّنة من 10394 شخصا تتراوح أعمارهم من 10-69 عاما، خضعوا للاختبار عن طريق الإنترنت، وجاءت نتائجها لتُشير إلى أن المهام التي تقيس الذاكرة العاملة، سواء اللغوية أو البصرية، تبلغ قمَّتها في سن الثلاثين، بينما سرعة معالجة البيانات تحدث قبل ذلك، وحصيلة المفردات تبلغ ذروتها متأخرا في سن الخامسة والستين تقريبا.
يبدو أن التقدُّم في العمر يمنح الإنسان مزية إضافية في حصيلته اللغوية، وبالتالي معدل ذكائه، ولكن ماذا عن قدراته الاجتماعية؟ تختبر التجربة الثالثة الإدراك العاطفي (Emotion recognition) بطريقة شائقة للغاية لدى عينة من 11532 شخصا تتراوح أعمارهم بين 10-71 عاما، إذ عُرِضت صور لعيون مجموعة من الأشخاص بدون ظهور باقي ملامح الوجه، وعلى المشاركين اختيار أكثر كلمة عاطفية ملائمة من القائمة، وذلك لكل صورة على حِدَة. كشفت النتائج أن القدرة على إدراك مشاعر الآخرين تكون في أوجها في العقدين الخامس والسادس من العمر، أي إنها تتطوَّر ببطء أكثر من الذاكرة العاملة ولكنها تظل على القمة لفترة أطول من أيٍّ من المهارات الأخرى جميعا..