|
|
شرفة الروائع نصوص خالدة ، خطتها أقلام عربية ، فاستحقت أن تخلد في هذه الشرفة . |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
18-09-2020, 06:00 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
يوميات أو عاديات أو كما يقال
ماذا تفعل النساء في هذا الوقت من الصباح ، فالأولاد في غياهب المدرسة ، والرجال غادروا. وأعمال المنزل انتهت والشمس أرسلت مع فراغ الوقت أشعتها . ومن بقي في الضحى ، رجال كسالى توسدوا أكفهم وأرسلوا بصرهم إلى داخلهم وراحوا يتثاءبون . ونساء فرغن في الليل من العطاء، وانكفأن على وجوهن في نوم بارد. قالت إحداهن على الهاتف: - سأستحم .... - سأحضر قهوتي ... ردت الأخرى. - هل سيأتي؟ - سيمضي كما تمضي الوعود النيئة.... الأفضل ألا يأتي..! كان لابد من انشغال يكسرهذه الرتابة أو كسل رقيق يستحضرأحلام يقظة تفضي إلى المحرمات... رفعت قامتها وأرسلت بصرها إلى فسحة الزقاق الفارغة من الأجساد ، ممنية النفس بوجه يمنحها ابتسامة. إذا انتشر الفراغ الحار، فماذا تفعل النساء في هذا الوقت من الصباح؟ إن حدث المطر الآن، وكان رقيقا كغيمة، وانهار الدفء دفعة واحدة، أين تمضي النساءبهذاالفيض من الحنين ؟ إن هبت الريح الشاكية على النوافذ وزرعت حكايا الدروب الرمادية ، هل تحتمل النساء ذاكرة ملونة إذا ما حضرت في غير أوانها ! الباب يقرع ، هرعت مثل طفلة لتفتحه ... أطل وجه بدفتر وقلم وشاربين أشعثين تلعثم بالقول : - نريد قراءة عداد الكهرباء ، إن أمكن ... في غبش النهار المتوحد تسقط التفاصيل الكبيرة ، تغدو أصغرها حادة كالسكين ، وتسأل في سرها : " أين يغادر كل هذا العدد من الناس؟ ... لماذا لا يأتي الذين نرغب بمجيئهم ؟ ...." ترتعش ملامح قارئ العدادات مرة أخرى ، وراح يفسر بغير تبرير أسباب انقطاع الكهرباء ، وشرح بعناءتفاصيل الفاتورة ... في تلك الأثناء كان يطوف في الفناء لحن من صيف مضى ، أسكت كل ثرثرتها الداخلية ، وأعاد السؤال محيرا : " ماذا تفعل النساء في هذا الوقت من الصباح ؟... " كانت برودة النسمات التي ربتت على وجهها ، قد أفاقتها من شرودها ،لترفع قامتها وتلقي نظرة متلهفة على الزقاق الخاوي ، عن ملامح لاتهتم لعدادات الوقت و لا تحسب بالقلم والدفتر تكاليف العمر الباهظة ، تمنحها دون كلفة ومن القلب ابتسامة طازجة كهذا الصباح . جلست وأشغلت اللحظات المذهولة في جولة عقيمة على محطات التلفاز ، الصور الملونة المتلاحقة ، لن تعدو صورا سقطت من أوهام الآخرين ، وسالت على الأرضية ، ووجوه المذيعين مع ضيوفهم بدوا لها جوقة من المتملقين والسحرة العجائز بحركاتهم المثيرة للشفقة ، وهم يؤدونها بلا جمهور ... " أوه ... لا أحد يهتم ... " أطفأت التلفاز و المصابيح ، وأغلقت الأبواب و النوافذ ، ثم أصلحت من هندامها وشعرها ، وهمت بالخروج ، لكن جرس الهاتف والساعة راحا يقرعان السكون برنين أعادها إلى اللحظة الغريبة التي كانت مسحت يقظتها بما يشبه النسيان ، واستغربت هذا الفراغ الذي يعوم فيها ، الساعة قاربت الحادية عشرة وسيأتي الأولاد منهكين ذاهلين من إرهاصات الواجبات الدرسية ، والطريق ، و الجوع .... لن يغفروا لي تقاعسي ... سيملأون البيت بزعيقهم وفوضى أجسادهم الواثبة ... بوجودهم الجميل ، الواعد بأن الحياة حاضرة ، وأن على الكائن الطافي على مركب من الملل أن يفتح عبينيه ويلتفت إلى غنى ألوانها ، وحدثت نفسها : " إذا لم ينشغل الوقت بولادة اللحظة الآتية ، فكيف ستبدو عليه هيئة أيامنا ... والآتي إذا كان ممضوغا ، لاجديد يمنحنا إياه ، فماجدوى حياتنا ... " واسترسلت في تحضير الطعام ، راضية ، مرتاحة بأنها أمسكت جواب السؤال " ماذا تفعل النساء في هذا الوقت من الصباح ؟ |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|