[[]" هَرِمْنَا . . ! " ( 01 )
أعترف ، ما استطعتُ أن أكتب شيئاً عن الجرائم العربية ، لفرط ما غدت المآسي وجبتي اليوميّة . قضينا ستين عاماً رافضين التطبيع مع إسرائيل . لكنّنا فعلنا ما هو أفظع في حق الأمة العربيّة : قمنا بالتطبيع مع الهوان ، وشرّعنا بحكم العادة ، إراقة الدم العربي ، وفرش الأوطان بجثث لا نعرف لها رقما . أسقطنا من شرعنا واجب الحساب ، وحق المحاسبة ، فسقطنا كأمةٍ في أعين الآخرين . وما نفع كلّ ما سنرفعه من شكاوى لمجلس الأُمم إذن ، عندما تُنكّل بنا إسرائيل ، إن كنّا نُقيم في ضواحي التاريخ ، و يحكمنا قانون الغاب ؟
تقول الإحصائيات إنّ من بين 26 نِزاعاً مشتعلا في العالم ، يستفرد العرب والمسلمون حصرياً ب 23 منها . لا مجال لتعدادها هنا ، من يشكّك في الرقم ليتابع أية نشرة أخبار، فيشعر بالخزي والعار ، خاصة إن كانت القناة أجنبيّة .
هل بينكم من يخبرني ما الذي حلّ بنا ؟ وما هذا الذي يحدث عندنا ؟ وكيف غدت ليبيا مشروع عراق جديد ، تتحاور فيها القبائل و المليشيات بالرصاص الحي و الدبابات ، وبعد أن كانت سوريا في التسعينات تستقبل مليون لاجئ عراقي ، غدت تصدّر للعراق أفواج نازحيها ، وبعد أن كانت تباهي بمعالمها التاريخية ، غدت تطارد لصوص الأثار، ولا تملك دمعاً لتبكي ما حلّ بتاريخها من دمار .
وهل بينكم من أدرك ما الذي يحدث في مصر ؟ من يقتل من ؟ ومن الأولى بالسجن ؟ وما الذي يحدث في العراق ، حيث قطّاع طرق التاريخ تربّعوا على عرش الجماجم ، بمباركة الشركات البتروليّة ، فملأوا حساباتهم بمبالغ فلكيّة تصيب بالدوار ، وأفقروا الناس و أذّلوهم ، ورشّوهم بالرصاص الحيّ لأنهم طالبوا بحياة كريمة لا غير، بعد عقدين من ضريبة الدم .
وكيف طوّق خضار تونس حزام النار ، واغتال الرصاص بهجتها ، ومن سلّم اليمن غنيمة للدم و الدمار .
شخصياً ، تعطّلت قدرتي على الفهم ، أو على التحليل . أطالع مقالات و أشاهد حوارات ولا أفهم . سؤال لا جواب له يُلاحقني " كيف تمّ استدراجنا إلى هذا الخراب ؟ "
من عسانا نرثي ؟ ومن نبكي ؟ وحداد من نرتدي ؟ ولمن ننحاز ومن نتّهم ؟ وكيف ندافع عن أمة تبدو للعالم وكأن ديانتها الدم ؟ لقد ألحق المسلمون بالإسلام من الأذى ما لم يُلحقه به أعداؤه . ونكّلوا بأوطانهم ، كما لم يحلم أعداؤهم بالفتك بها لو أتيحت لهم الفرصة .
في غياب العقل ، ما جدوى جلوسك لكتابة مقالة ، لن يقرأها القتلة ولا الضّحايا . وهل مازال في اللغة ما يُقال أمام مشهد على هذا القدر من الدّمار ، وقد أفلسَت كل القضايا التي آمنتَ بها ، وكُنتَ جاهزًا - يا للحماقة - للموت من أجلها . لكنك لم تمُت ، أنت فقط هرِمْت.. ذلك أن الهَمّ يُهرم !
هَرِمْنا .. نحن خيول هَرِمَة ، هزيلة الأمل ، ما عادت تنفع للقتال . أحالتنا الخيبات إلى التقاعد . نحن جيل يجلس كل مساء أمام التلفزيون ليتفرج على أفول أحلامه . بينما الكلّ في ساحة الوَغى ، يخوض في داحس والغبراء حروب التكفير والتخوين ، والتخلّف والتعصّب والهمجيّة ، والمزايدات الوطنية ، التي ستأتي على ما بقي من أوطان ." في يدينا بقيّة من بلادٍ فاستريحوا كي لا تضيع البقية " قال يوماً إبراهيم طوقان خوفاً من ضياع ما بقيَ من فلسطين في يد تجّار القضايا ، الذين مذ رحيله زاد عددهم ونقص حياؤهم .
في القرن الحادي والعشرين ، مازلنا على عهد شاعرنا " ألا لا يجهلَنْ أحد علينا فنجهلَ فوق جهل الجاهلينَ ". لكأنّ التاريخ توقّف بنا في عصر الجاهليّة ! .
أحلام مستغانمي