لم يقتصر أعداء الدين من نشر الجهل بالدين الإسلامي وتعزيز وجوده بل عمدوا أيضا إلى محاولة تجهيل المسلمين بلغة دينهم لغة القرآن الكريم: " اللغة العربية" وهاك تفصيل ذلك وبيانه.
ب ـ الجهل باللغة العربية: من الجهل الذي يؤدي إلى سوء فهم نصوص الشريعة ومن ثم تعدد الآراء وتفرقها هو الجهل باللغة العربية لذا عد تعلم اللغة العربية من العلوم الواجب على المجتهد معرفتها إذ علم اللغة العربية علم لا يحل الاجتهاد في الشريعة إلا بالاجتهاد فيه فالمجتهد بلا بد مضطر إليه
يقول الإمام ابن عبد البر رحمه الله: "ومما يستعان به على فهم الحديث ما ذكرناه من العون على كتاب الله عز وجل وهو العلم بلسان العرب ومواقع كلامها وسعة لغتها...وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يكتب إلى الآفاق أن يتعلموا السنة والفرائض واللحن ـ يعني النحو ـ كما يتعلم القرآن..
ولقد كان عبدالله بن عمر رضي الله عنهما يضرب ولده على اللحن وما ذاك إلا لأن القرآن الكريم إنما نزل بلسان العرب على الجملة وطلب فهمه إنما يكون من هذا الطريق خاصة
وكثيرا ما يقع الخطأ والاشتباه في فهم النصوص الشرعية بسبب الجهل بلسان العرب يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "... إن القرآن نزل بلسان العرب دون غيره: لأنه لا يعلم من إيضاح جمل علم الكتاب أحد جهل سعة لسان العرب وكثرة وجوهه وجماع معانيه وتفرقها ومن علمه انتفت عنه الشبه التي دخلت على من جهل لسانها .
وكم من شبهة دخلت على أهل الفرقة والبدعة لجهلهم بلسان العرب ولقد عد الإمام الشاطبي من المآخذ التي تؤخذ على أهل البدع والتي تعد من سماتهم: تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة العربيين مع العُرُوّ عن علم العربية الذي يفهم به عن الله ورسوله: فيفتاتون على الشريعة بما فهموا ويخالفون الراسخين في العلم وإنما دخلوا في ذلك من جهة تحسين الظن بأنفسهم واعتقادهم أنهم من أهل الاجتهاد والاستنباط وليس كذلك كما حكي عن بعضهم أنه سئل عن قول الله عز وجل: رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [ آل عمران:117 ]، فقال: هو هذا الصرصر، يعني صرار الليل" ثم ذكر رحمه الله أمثلة كثيرة تبين جهلهم بالعربية ثم قال: " فمثل الاستدلالات لا يعبأ بها وتسقط مكالمة أهلها.... إذ هو خروج عن طريقة كلام العرب إلى اتباع الهوى فحق ما حكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حيث قال: إنما هذا القران كلام فضعوه مواضعه ولا تتبعوا به أهواءكم ، أي : فضعوه على مواضع الكلام ولا تخرجوه عن ذلك فإنه خروج عن طريقه المستقيم إلى اتباع الهوى.
وعن الحسن رحمه الله أنه قيل له: أرأيت الرجل يتعلم العربية ليقيم بها لسانه ويقيم بها منطقة؟ قال: نعم ! فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ بالآية فيعياه توجيهها فيهلك. وعنه أيضا قال: أهلكتكم العجمة تتأولون القرآن على غير تأويله .
ويقول الشاطبي أيضا : " ولعلك إذا استقريت أهل البدع المتكلمين أو أكثرهم وجدتهم من أبناء سبايا الأمم ومن ليس له أصالة باللسان العربي، فعما قريب يفهم كتاب الله على غير وجهه
ولقد أظهر بشر المريسي القائل بخلق القرآن من جهله باللغة العربية ما أظهره عند مناظرته للإمام عبدالعزيز الكناني في أكثر من موضع, كان جهله بالعربية من أسباب قوله بخلق القرآن. حتى قال الإمام عبدالعزيز عنه: " وإنما دخل الجهل على بشر ومن قال بقوله لأنهم ليسوا من العرب ولا علم لهم بلغة العرب ومعاني كلامها, فتأول القرآن على لغة العجم التي لا تفقه ما تقول وإنها تتكلم بالشيء كما يجري على لسانها وكل كلامهم ينقض بعضه بعضا, ولا يعتقدون ذلك من أنفسهم ولا يعتقده عليهم غيرهم لكثرة خطئهم ولحنهم وادعائهم لذلك وسمعت عبد الملك بن قريب الأصمعي وقد سأله رجل فقال له: أتدغم الفاء في الباء؟ فتبسم الأصمعي ـ وقبض على يدي وكان لي إلفاً صديقا ـ فقال: أما تسمع يا أبا محمد ؟ ثم أقبل على السائل وهو متعجب من مسألته فقال: يا هذا أتدغم الفاء في الباء في لغة ماني الساساني.. فأما العرب فلا تعرف هذا
إن جهل أصحاب البدع باللغة العربية جعلهم يقولون بأصولهم الاعتقادية البدعية والتي يفارقون بها جماعة المسلمين ويفرقون الأمة ويخالفون نصوص الكتاب والسنة وليس لهم مستند إلا الجهل والرأي والظن .
فقد جاء عمرو بن عبيد إلى أبي عمرو بن العلاء فقال: يا أبا عمرو: من العجمة أتيت. يا أبا عثمان إن الوعد غير الوعيد إن العرب لا تعد خلفا ولا عارا أن تعد شرا ثم لا تفعله، ترى إن ذاك كرما وفضلا إنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعله
فعلى المسلمين ولاة وعامة العناية باللغة العربية حكاية وفهما والحذر مما يحيكه أعداء الدين من المحاولات الأكيدة التي يعملونها لصرف المسلمين عن دينهم وكتاب ربهم بصرفهم عن اللغة العربية بوسائل شتى ودعاوى كاذبة, منها: أن اللغة العربية صعبة التناول والاستعمال ولا تواكب التقدم الحضاري المادي فأخذوا يدعون إلى إحلال اللهجة المحلية العامية مكانها كما دعوا إلى إحلال اللغة الأجنبية من إنجليزية أو فرنسية أو غيرها مكان اللغة العربية وجعل هذه اللغة الأجنبية هي لغة الدراسة واللغة الرسمية في البلاد كما عملوا إلى الدعوة إلى رسم المصحف بالرسم الإملائي الحديث وترك الرسم العثماني بدعوى التسهيل والتيسير وهدفهم صد المسلمين وتجهيلهم بالقرآن الكريم ولغته ..
إن بتنحية اللغة العربية أو إهمالها يتحقق للأعداء هدفان وتضرب الأمة المسلمة بذلك ضربتين هما:
1ـ جهل الناس بدينهم وبفهم كتاب الله تعالى إذ ليس المقصود من نزول القرآن قراءته فقط بل تدبر معانيه والعمل به ولا يكون ذلك إلا لمن يجيد اللغة العربية.
2ـ تمزيق الأمة المسلمة، والقضاء على عامل من عوامل وحدة الأمة وتحقيق جماعتها ألا وهو عامل اللغة, فاللغة لغة القرآن الكريم هي من عوامل جمع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فأنى اتجهت إلى قطر إسلامي ولقيت مسلما حييته بتحية الإسلام العربية " السلام وعليك... فرد السلام باللسان العربي، وإن سألته عن حاله أجابك بلسان عربي: الحمد لله؛ تسري بينهم الألفة والمحبة وإن اختلفت ألوانهم وأجناسهم فالذي يجمعهم كتاب ربهم القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبينوبهذه اللغة العربية لغة القرآن ولغة الدين يكتب الفكر وتكتب ثقافة الأمة أجمع فتتوحد الأمة وتستقل عن غيرها وتتبع كتاب ربها لا تتبع غيره ..
من بحث للشيخ / علوي عبد القادر السقاف ..