|
|
|
|
منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول هنا نتحاور في مجالات الأدب ونستضيف مقالاتكم الأدبية، كما نعاود معكم غرس أزاهير الأدباء على اختلاف نتاجهم و عصورهم و أعراقهم . |
![]() |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]()
![]() \ / في حضرته .. أي الكلمات ترتضي التعبير عنه ، فلا تخجل منه !؟ كيف لمثلي أن تقدّم لصفحة تخصصها لمثله !!؟ وأنا الجاهلة بكل ما يتعلق بالشعر .. واللغة !! ولكنني فلسطينية !! ثم إن لي قلب ، هو عربي مسلم .. فهل هذا سيشفع لي أن أقدّمه ؟!! الكلمات تتوقف على اول كل سطر .. تعبتُ ان استحضرها تدفقي هذه المرة وفقط .. لأجلي ! لا تريد ! لأجله ؟ لا تجرؤ ! اذا .. علي ان اصمت وأبدأ ! درويشيات عنه .. ومعه ، \ / " محمود سليم حسين درويش ، شاعر فلسطيني بل اهم شعراء فلسطين ، الذي ارتبط اسمه بشعر الثورة والوطن ، والذي طوّر الشعر العربي الحديث وادخل فيه الرمزية ، والذي في شعره يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى ".* هذه .. صفحته ![]() * من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() ![]() \ / سألتك: هزّي بأجمل كف على الارض غصن الزمان! لتسقط أوراق ماض وحاضر ويولد في لمحة توأمان: ملاك..وشاعر! ونعرف كيف يعود الرماد لهيبا إذا اعترف العاشقان! أتفاحتي! يا أحبّ حرام يباح إذا فهمت مقلتاك شرودي وصمتي أنا، عجبا، كيف تشكو الرياح بقائي لديك؟ و أنت خلود النبيذ بصوتي و طعم الأساطير و الأرض.. أنت ! لماذا يسافر نجم على برتقاله و يشرب يشرب يشرب حتى الثماله إذا كنت بين يديّ تفتّت لحن، وصوت ابتهاله لماذا أحبك؟ كيف تخر بروقي لديك ؟ و تتعب ريحي على شفتيك فأعرف في لحظة بأن الليلي مخدة و أن القمر جميل كطلعة وردة و أني وسيم.. لأني لديك! أتبقين فوق ذراعي حمامة تغمّس منقارها في فمي؟ و كفّك فوق جبيني شامه تخلّد وعد الهوى في دمي ؟ أتبقين فوق ذراعي حمامه تجنّحي.. كي أطير تهدهدني..كي أنام و تجعل لا سمي نبض العبير و تجعل بيتي برج حمام؟ أريدك عندي خيالا يسير على قدمين و صخر حقيقة يطير بغمرة عين ! |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() بل اراه يبتسم وتلك العُلا تقدمّه للقراء بطريقة بسيطه ولا أرقى .... |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() ![]() \ / الجدارية كاملة ( 1 ) هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في المَمَرِّ اللولبيِّ… أرى السماءَ هُنَاكَ في مُتَناوَلِ الأَيدي . ويحملُني جناحُ حمامةٍ بيضاءَ صَوْبَ طُفُولَةٍ أَخرى . ولم أَحلُمْ بأني كنتُ أَحلُمُ . كُلُّ شيءٍ واقعيٌّ . كُنْتُ أَعلَمُ أَنني أُلْقي بنفسي جانباً… وأَطيرُ . سوف أكونُ ما سأَصيرُ في الفَلَك الأَخيرِ . .. وكُلُّ شيء أَبيضُ ، البحرُ المُعَلَّقُ فوق سقف غمامةٍ بيضاءَ . والَّلا شيء أَبيضُ في سماء المُطْلَق البيضاءِ . كُنْتُ ، ولم أَكُنْ . فأنا وحيدٌ في نواحي هذه الأَبديَّة البيضاء . جئتُ قُبَيْل ميعادي فلم يَظْهَرْ ملاكٌ واحدٌ ليقول لي : (( ماذا فعلتَ ، هناك ، في الدنيا ؟ )) ولم أَسمع هُتَافَ الطيِّبينَ ، ولا أَنينَ الخاطئينَ ، أَنا وحيدٌ في البياض ، أَنا وحيدُ … .. لاشيء يُوجِعُني على باب القيامةِ . لا الزمانُ ولا العواطفُ . لا أُحِسُّ بخفَّةِ الأشياء أَو ثِقَلِ الهواجس . لم أَجد أَحداً لأسأل : أَين (( أَيْني )) الآن ؟ أَين مدينةُ الموتى ، وأَين أَنا ؟ فلا عَدَمٌ هنا في اللا هنا … في اللازمان ، ولا وُجُودُ .. وكأنني قد متُّ قبل الآن … أَعرفُ هذه الرؤيا ، وأَعرفُ أَنني أَمضي إلى ما لَسْتُ أَعرفُ . رُبَّما ما زلتُ حيّاً في مكانٍ ما، وأَعرفُ ما أُريدُ … سأصيرُ يوماً ما أُريدُ .. سأَصيرُ يوماً فكرةً . لا سَيْفَ يحملُها إلى الأرضِ اليبابِ ، ولا كتابَ … كأنَّها مَطَرٌ على جَبَلٍ تَصَدَّعَ من تَفَتُّح عُشْبَةٍ ، لا القُوَّةُ انتصرتْ ولا العَدْلُ الشريدُ .. سأَصير يوماً ما أُريدُ .. سأصير يوماً طائراً ، وأَسُلُّ من عَدَمي وجودي . كُلَّما احتَرقَ الجناحانِ اقتربتُ من الحقيقةِ ، وانبعثتُ من الرمادِ . أَنا حوارُ الحالمين ، عَزَفْتُ عن جَسَدي وعن نفسي لأُكْمِلَ رحلتي الأولى إلى المعنى ، فأَحْرَقَني وغاب . أَنا الغيابُ . أَنا السماويُّ الطريدُ . .. سأَصير يوماً ما أُريدُ .. سأَصير يوماً كرمةً ، فَلْيَعْتَصِرني الصيفُ منذ الآن ، وليشربْ نبيذي العابرون على ثُرَيَّات المكان السُكَّريِّ ! أَنا الرسالةُ والرسولُ أَنا العناوينُ الصغيرةُ والبريدُ .. سأَصير يوماً ما أُريدُ .. هذا هُوَ اسمُكَ / قالتِ امرأةٌ ، وغابتْ في مَمَرِّ بياضها . هذا هُوَ اسمُكَ ، فاحفظِ اسْمَكَ جَيِّداً ! لا تختلفْ مَعَهُ على حَرْفٍ ولا تَعْبَأْ براياتِ القبائلِ ، كُنْ صديقاً لاسمك الأُفُقِيِّ جَرِّبْهُ مع الأحياء والموتى ودَرِّبْهُ على النُطْق الصحيح برفقة الغرباء واكتُبْهُ على إحدى صُخُور الكهف ، يااسمي : سوف تكبَرُ حين أَكبَرُ سوف تحمِلُني وأَحملُكَ الغريبُ أَخُ الغريب سنأخُذُ الأُنثى بحرف العِلَّة المنذور للنايات يا اسمي: أَين نحن الآن ؟ قل : ما الآن ، ما الغَدُ ؟ ما الزمانُ وما المكانُ وما القديمُ وما الجديدُ ؟ .. سنكون يوماً ما نريدُ .. لا الرحلةُ ابتدأتْ ، ولا الدربُ انتهى لم يَبْلُغِ الحكماءُ غربتَهُمْ كما لم يَبْلُغ الغرباءُ حكمتَهمْ ولم نعرف من الأزهار غيرَ شقائقِ النعمانِ ، فلنذهب إلى أَعلى الجداريات : أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةُ ، كلامُ الله عند الفجر أَرضُ قصيدتي وأَنا البعيدُ أَنا البعيدُ .. في كُلِّ ريحٍ تَعْبَثُ امرأةٌ بشاعرها - خُذِ الجهةَ التي أَهديتني الجهةَ التي انكَسَرتْ ، وهاتِ أُنوثتي ، لم يَبْقَ لي إلاّ التَأمُّلُ في تجاعيد البُحَيْرَة . خُذْ غدي عنِّي وهاتِ الأمس ، واتركنا معاً لا شيءَ ، بعدَكَ ، سوف يرحَلُ أَو يَعُودُ |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() - \ / الجدارية كاملة ( 2 ) وخُذي القصيدةَ إن أَردتِ فليس لي فيها سواكِ خُذي (( أَنا )) كِ . سأُكْملُ المنفى بما تركَتْ يداكِ من الرسائل لليمامِ . فأيُّنا منا (( أَنا )) لأكون آخرَها ؟ ستسقطُ نجمةٌ بين الكتابة والكلامِ وتَنْشُرُ الذكرى خواطرها : وُلِدْنا في زمان السيف والمزمار بين التين والصُبَّار . كان الموتُ أَبطأَ . كان أَوْضَح . كان هُدْنَةَ عابرين على مَصَبِّ النهر . أَما الآن ، فالزرُّ الإلكترونيُّ يعمل وَحْدَهُ . لا قاتلٌ يُصْغي إلى قتلى . ولا يتلو وصيَّتَهُ شهيدُ .. من أَيِّ ريح جئتِ ؟ قولي ما اسمُ جُرْحِكِ أَعرفِ الطُرُقَ التي سنضيع فيها مَرّتيْنِ ! وكُلُّ نَبْضٍ فيكِ يُوجعُني ، ويُرْجِعُني إلى زَمَنٍ خرافيّ . ويوجعني دمي والملحُ يوجعني … ويوجعني الوريدُ .. في الجرّة المكسورةِ انتحبتْ نساءُ الساحل السوريّ من طول المسافةِ ، واحترقْنَ بشمس آبَ . رأيتُهنَّ على طريق النبع قبل ولادتي . وسمعتُ صَوْتَ الماء في الفخّار يبكيهنّ : عُدْنَ إلى السحابة يرجعِ الزَمَنُ الرغيدُ .. قال الصدى : لاشيء يرجعُ غيرُ ماضي الأقوياء على مِسلاَّت المدى … [ ذهبيّةٌٌ آثارُهُمْ ذهبيّةٌٌ ] ورسائلِ الضعفاءِ للغَدِ ، أَعْطِنا خُبْزَ الكفاف ، وحاضراً أَقوى . فليس لنا التقمُّصُ والحُلُولُ ولا الخُلُودُ .. قال الصدى : وتعبتُ من أَملي العُضَال . تعبتُ من شَرَك الجماليّات : ماذا بعد بابلَ؟ كُلَّما اتَّضَحَ الطريقُ إلى السماء ، وأَسْفَرَ المجهولُ عن هَدَفٍ نهائيّ تَفَشَّى النثرُ في الصلوات ، وانكسر النشيدُ .. خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ عالية ٌ… تُطِلُّ عليَّ من بطحاء هاويتي … غريبٌ أَنتَ في معناك . يكفي أَن تكون هناك ، وحدك ، كي تصيرَ قبيلةً… غَنَّيْتُ كي أَزِنَ المدى المهدُورَ في وَجَع الحمامةِ ، لا لأَشْرَحَ ما يقولُ اللهُ للإنسان ، لَسْتُ أَنا النبيَّ لأَدَّعي وَحْياً وأُعْلِنَ أَنَّ هاويتي صُعُودُ .. وأَنا الغريب بكُلِّ ما أُوتيتُ من لُغَتي . ولو أخضعتُ عاطفتي بحرف الضاد ، تخضعني بحرف الياء عاطفتي ، وللكلمات وَهيَ بعيدةٌ أَرضٌ تُجاوِرُ كوكباً أَعلى . وللكلمات وَهيَ قريبةٌ منفى . ولا يكفي الكتابُ لكي أَقول : وجدتُ نفسي حاضراً مِلْءَ الغياب . وكُلَّما فَتَّشْتُ عن نفسي وجدتُ الآخرين . وكُلَّما فتَّشْتُ عَنْهُمْ لم أَجد فيهم سوى نَفسي الغريبةِ ، هل أَنا الفَرْدُ الحُشُودُ ؟ .. وأَنا الغريبُ . تَعِبْتُ من ” درب الحليب ” إلى الحبيب . تعبتُ من صِفَتي . يَضيقُ الشَّكْلُ . يَتّسعُ الكلامُ . أُفيضُ عن حاجات مفردتي . وأَنْظُرُ نحو نفسي في المرايا : هل أَنا هُوَ ؟ هل أُؤدِّي جَيِّداً دَوْرِي من الفصل الأخيرِ ؟ وهل قرأتُ المسرحيَّةَ قبل هذا العرض ، أَم فُرِضَتْ عليَّ ؟ وهل أَنا هُوَ من يؤدِّي الدَّوْرَ أَمْ أَنَّ الضحيَّة غَيَّرتْ أَقوالها لتعيش ما بعد الحداثة ، بعدما انْحَرَفَ المؤلّفُ عن سياق النصِّ وانصرَفَ المُمَثّلُ والشهودُ ؟ .. وجلستُ خلف الباب أَنظُرُ : هل أَنا هُوَ ؟ هذه لُغَتي . وهذا الصوت وَخْزُ دمي ولكن المؤلِّف آخَرٌ… أَنا لستُ مني إن أَتيتُ ولم أَصِلْ أَنا لستُ منِّي إن نَطَقْتُ ولم أَقُلْ أَنا مَنْ تَقُولُ له الحُروفُ الغامضاتُ : اكتُبْ تَكُنْ ! واقرأْ تَجِدْ ! وإذا أردْتَ القَوْلَ فافعلْ ، يَتَّحِدْ ضدَّاكَ في المعنى … وباطِنُكَ الشفيفُ هُوَ القصيدُ .. بَحَّارَةٌ حولي ، ولا ميناء أَفرغني الهباءُ من الإشارةِ والعبارةِ ، لم أَجد وقتاً لأعرف أَين مَنْزِلَتي ، الهُنَيْهةَ ، بين مَنْزِلَتَيْنِ . لم أَسأل سؤالي ، بعد ، عن غَبَش التشابُهِ بين بابَيْنِ : الخروج أم الدخول … ولم أَجِدْ موتاً لأقْتَنِصَ الحياةَ . ولم أَجِدْ صوتاً لأَصرخَ : أَيُّها الزَمَنُ السريعُ ! خَطَفْتَني مما تقولُ لي الحروفُ الغامضاتُ : ألواقعيُّ هو الخياليُّ الأَكيدُ .. يا أيها الزَمَنُ الذي لم ينتظِرْ … لم يَنْتَظِرْ أَحداً تأخَّر عن ولادتِهِ ، دَعِ الماضي جديداً ، فَهْوَ ذكراكَ الوحيدةُ بيننا ، أيَّامَ كنا أَصدقاءك ، لا ضحايا مركباتك . واترُكِ الماضي كما هُوَ ، لا يُقَادُ ولا يَقُودُ .. ورأيتُ ما يتذكَّرُ الموتى وما ينسون … هُمْ لا يكبرون ويقرأون الوَقْتَ في ساعات أيديهمْ . وَهُمْ لايشعرون بموتنا أَبداً ولا بحياتهِمْ . لا شيءَ ممَّا كُنْتُ أو سأكونُ . تنحلُّ الضمائرُ كُلُّها . ” هو ” في ” أنا ” في ” أَنت ” . لا كُلٌّ ولاجُزْءٌ . ولا حيٌّ يقول لميِّتٍ : كُنِّي ! .. .. وتنحلُّ العناصرُ والمشاعرُ . لا أَرى جَسَدي هُنَاكَ ، ولا أُحسُّ بعنفوان الموت ، أَو بحياتيَ الأُولى . كأنِّي لَسْتُ منّي . مَنْ أَنا ؟ أَأَنا الفقيدُ أَم الوليدُ ؟ .. الوقْتُ صِفْرٌ . لم أُفكِّر بالولادة حين طار الموتُ بي نحو السديم ، فلم أكُن حَيّاً ولا مَيْتاً، ولا عَدَمٌ هناك ، ولا وُجُودُ .. تقولُ مُمَرِّضتي : أَنتَ أَحسَنُ حالا ً. وتحقُنُني بالمُخَدِّر : كُنْ هادئاً وجديراً بما سوف تحلُمُ عما قليل … .. رأيتُ طبيبي الفرنسيَّ يفتح زنزانتي ويضربني بالعصا يُعَاونُهُ اثنانِ من شُرْطة الضاحيةْ .. رأيتُ أَبي عائداً من الحجِّ ، مُغمىً عليه مُصَاباً بضربة شمسٍ حجازيّة يقول لرفِّ ملائكةٍ حَوْلَهُ : أَطفئوني ! … .. رأيتُ شباباً مغاربةً يلعبون الكُرَةْ ويرمونني بالحجارة : عُدْ بالعبارةِ واترُكْ لنا أُمَّنا يا أَبانا الذي أخطَأَ المقبرةْ ! .. رأيت ” ريني شار ” يجلس مع ” هيدغر ” على بُعْدِ مترين منِّي ، رأيتهما يشربان النبيذَ ولا يبحثان عن الشعر … كان الحوار شُعَاعاً وكان غدٌ عابرٌ ينتظرْ .. رأيتُ رفاقي الثلاثَةَ ينتحبونَ وَهُمْ يَخيطونَ لي كَفَناً بخُيوطِ الذَّهَبْ .. رأيت المعريَّ يطرد نُقَّادَهُ من قصيدتِهِ : لستُ أَعمى لأُبْصِرَ ما تبصرونْ ، فإنَّ البصيرةَ نورٌ يؤدِّي إلى عَدَمٍ …. أَو جُنُونْ .. رأيتُ بلاداً تعانقُني بأَيدٍ صَبَاحيّة : كُنْ جديراً برائحة الخبز . كُنْ لائقا ً بزهور الرصيفْ فما زال تَنُّورُ أُمِّكَ مشتعلاً ، والتحيَّةُ ساخنةً كالرغيفْ ! .. خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ . نهرٌ واحدٌ يكفي لأهمس للفراشة : آهِ ، يا أُختي ، ونَهْرٌ واحدٌ يكفي لإغواءِ الأساطير القديمة بالبقاء على جناح الصَّقْر ، وَهْوَ يُبَدِّلُ الراياتِ والقممَ البعيدةَ ، حيث أَنشأتِ الجيوشُ ممالِكَ النسيان لي . لاشَعْبَ أَصْغَرُ من قصيدته . ولكنَّ السلاحَ يُوَسِّعُ الكلمات للموتى وللأحياء فيها ، والحُرُوفَ تُلَمِّعُ السيفَ المُعَلَّقَ في حزام الفجر ، والصحراء تنقُصُ بالأغاني ، أَو تزيدُ .. لاعُمْرَ يكفي كي أَشُدَّ نهايتي لبدايتي أَخَذَ الرُّعَاةُ حكايتي وتَوَغَّلُوا في العشب فوق مفاتن الأنقاض ، وانتصروا على النسيان بالأَبواق والسَّجَع المشاع ، وأَورثوني بُحَّةَ الذكرى على حَجَرِ الوداع ، ولم يعودوا … .. رَعَويَّةٌ أَيَّامنا رَعَويَّةٌ بين القبيلة والمدينة ، لم أَجد لَيْلاً خُصُوصِيّاً لهودجِكِ المُكَلَّلِ بالسراب ، وقلتِ لي : ما حاجتي لاسمي بدونكَ ؟ نادني ، فأنا خلقتُكَ عندما سَمَّيْتَني ، وقتلتَني حين امتلكتَ الاسمَ … كيف قتلتَني ؟ وأَنا غريبةُ كُلِّ هذا الليل ، أَدْخِلْني إلى غابات شهوتك ، احتضنِّي واعْتَصِرْني ، واسفُك العَسَلَ الزفافيَّ النقيَّ على قفير النحل . بعثرني بما ملكتْ يداك من الرياح ولُمَّني . فالليل يُسْلِمُ روحَهُ لك يا غريبُ ، ولن تراني نجمةٌ إلاّ وتعرف أَنَّ عائلتي ستقتلني بماء اللازوردِ ، فهاتِني ليكونَ لي - وأَنا أُحطِّمُ جَرَّتي بيديَّ - حاضِريَ السعيدُ .. - هل قُلْتَ لي شيئاً يُغَيِّر لي سبيلي ؟ - لم أَقُلْ . كانت حياتي خارجي أَنا مَنْ يُحَدِّثُ نفسَهُ : وَقَعَتْ مُعَلَّقتي الأَخيرةُ عن نخيلي وأَنا المُسَافِرُ داخلي وأَنا المُحَاصَرُ بالثنائياتِ ، لكنَّ الحياة جديرَةٌ بغموضها وبطائرِ الدوريِّ … لم أُولَدْ لأَعرفَ أَنني سأموتُ ، بل لأُحبَّ محتوياتِ ظلِّ اللهِ يأخُذُني الجمالُ إلى الجميلِ وأُحبُّ حُبَّك ، هكذا متحرراً من ذاتِهِ وصفاتِهِ وأِنا بديلي … |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() الجدارية كاملة ( 3 ) أَنا من يُحَدِّثُ نَفْسَهُ : مِنْ أَصغر الأشياءِ تُولَدُ أكبرُ الأفكار والإيقاعُ لا يأتي من الكلمات ، بل مِنْ وحدة الجَسَدَيْنِ في ليلٍ طويلٍ … .. أَنا مَنْ يحدِّثُ نَفْسَهُ ويروِّضُ الذكرى … أَأَنتِ أَنا ؟ وثالثُنا يرفرف بيننا ” لا تَنْسَيَاني دائماً ” يا مَوْتَنا ! خُذْنَا إليكَ على طريقتنا ، فقد نتعلَّمُ الإشراق … لا شَمْسٌ ولا قَمَرٌ عليَّ تركتُ ظلِّي عالقاً بغصون عَوْسَجَةٍ فخفَّ بِيَ المكانُ وطار بي روحي الشَّرُودُ .. أَنا مَنْ يحدِّثُ نفسَهُ : يا بنتُ : ما فَعَلَتْ بكِ الأشواقُ ؟ إن الريح تصقُلُنا وتحملنا كرائحة الخريفِ ، نضجتِ يا امرأتي على عُكَّازَتيَّ ، بوسعك الآن الذهابُ على ” طريق دمشق ” واثقةً من الرؤيا . مَلاَكٌ حارسٌ وحمامتان ترفرفان على بقيَّة عمرنا ، والأرضُ عيدُ … .. الأرضُ عيدُ الخاسرين [ ونحن منهُمْ ] نحن من أَثَرِ النشيد الملحميِّ على المكان ، كريشةِ النَّسْرِ العجوز خيامُنا في الريح . كُنَّا طيِّبين وزاهدين بلا تعاليم المسيح . ولم نكُنْ أَقوى من الأعشابِ إلاّ في ختام الصَيْفِ ، أَنتِ حقيقتي ، وأَنا سؤالُكِ لم نَرِثْ شيئاً سوى اسْميْنَا وأَنتِ حديقتي ، وأَنا ظلالُكِ عند مفترق النشيد الملحميِّ … ولم نشارك في تدابير الإلهات اللواتي كُنَّ يبدأن النشيد بسحرهنَّ وكيدهنَّ . وكُنَّ يَحْمِلْنَ المكانَ على قُرُون الوعل من زَمَنِ المكان إلى زمان آخرٍ … |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() الجدارية كاملة ( 4 ) كنا طبيعيِّين لو كانت نجومُ سمائنا أَعلى قليلاً من حجارة بئرنا ، والأَنبياءُ أَقلَّ إلحاحاً ، فلم يسمع مدائحَنا الجُنُودُ … .. خضراءُ ، أرضُ قصيدتي خضراءُ يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في خُصُوبتها . ولي منها : تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات ودقَّةُ المعنى … ولي منها : التَّشَابُهُ في كلام الأَنبياءِ على سُطُوح الليلِ لي منها : حمارُ الحكمةِ المنسيُّ فوق التلِّ يسخَرُ من خُرافتها وواقعها … ولي منها : احتقانُ الرمز بالأضدادِ لا التجسيدُ يُرجِعُها من الذكرى ولا التجريدُ يرفَعُها إلى الإشراقة الكبرى ولي منها : ” أَنا ” الأُخرى تُدَوِّنُ في مُفَكِّرَة الغنائيِّين يوميَّاتها : (( إن كان هذا الحُلْمُ لا يكفي فلي سَهَرٌ بطوليٌّ على بوابة المنفى … )) ولي منها : صَدَى لُغتي على الجدران يكشِطُ مِلْحَهَا البحريَّ حين يخونني قَلْبٌ لَدُودُ … .. أَعلى من الأَغوار كانت حكمتي إذ قلتُ للشيطان : لا . لا تَمْتَحِنِّي ! لا تَضَعْني في الثُّنَائيّات ، واتركني كما أَنا زاهداً برواية العهد القديم وصاعداً نحو السماء ، هُنَاكَ مملكتي خُذِ التاريخَ ، يا ابنَ أَبي ، خُذِ التاريخَ … واصنَعْ بالغرائز ما تريدُ .. وَلِيَ السكينةُ . حَبَّةُ القمح الصغيرةُ سوف تكفينا ، أَنا وأَخي العَدُوّ ، فساعتي لم تَأْتِ بَعْدُ . ولم يَحِنْ وقتُ الحصاد . عليَّ أَن أَلِجَ الغيابَ وأَن أُصدِّقَ أوَّلاً قلبي وأتبعَهُ إلى قانا الجليل . وساعتي لم تأتِ بَعْدُ . لَعَلَّ شيئاً فيَّ ينبُذُني . لعلِّي واحدٌ غيري . فلم تنضج كُرومُ التين حول ملابس الفتيات بَعْدُ . ولم تَلِدْني ريشةُ العنقاء . لا أَحَدٌ هنالك في انتظاري . جئْتُ قبل ، وجئتُ بعد ، فلم أَجد أحداً يُصَدِّق ما أرى . أنا مَنْ رأى . وأَنا البعيدُ أَنا البعيدُ .. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]()
مَنْ أَنتَ ، يا أَنا ؟ في الطريقِ اثنانِ نَحْنُ ، وفي القيامة واحدٌ . خُذْني إلى ضوء التلاشي كي أَرى صَيْرُورتي في صُورَتي الأُخرى . فَمَنْ سأكون بعدَكَ ، يا أَنا ؟ جَسَدي ورائي أم أَمامَكَ ؟ مَنْ أَنا يا أَنت ؟ كَوِّنِّي كما كَوَّنْتُكَ ، ادْهَنِّي بزيت اللوز ، كَلِّلني بتاج الأرز . واحملني من الوادي إلى أَبديّةٍ بيضاءَ . عَلِّمني الحياةَ على طريقتِكَ ، اختَبِرْني ذَرَّةً في العالم العُلْوِيِّ . ساعِدْني على ضَجَر الخلود ، وكُنْ رحيماً حين تجرحني وتبزغ من شراييني الورودُ … .. لم تـأت سـاعـتُنا . فـلا رُسُـلٌ يَـقِـيـسُـونَ الزمانَ بقبضة العشب الأخير . هل استدار ؟ ولا ملائكةٌ يزورون المكانَ ليتركَ الشعراءُ ماضِيَهُمْ على الشَّفَق الجميل ، ويفتحوا غَدَهُمْ بأيديهمْ . فغنِّي يا إلهتيَ الأثيرةَ ، ياعناةُ ، قصيدتي الأُولى عن التكوين ثانيةً … فقد يجدُ الرُّوَاةُ شهادةَ الميلاد للصفصاف في حَجَرٍ خريفيّ . وقد يجدُ الرعاةُ البئرَ في أَعماق أُغنية . وقد تأتي الحياةُ فجاءةً للعازفين عن المعاني من جناح فراشةٍ عَلِقَتْ بقافيةٍ ، فغنِّي يا إلهتيَ الأَثيرةَ يا عناةُ ، أَنا الطريدةُ والسهامُ ، أَنا الكلامُ . أَنا المؤبِّنُ والمؤذِّنُ والشهيدُ .. ما قلتُ للطَّلَلِ : الوداع . فلم أَكُنْ ما كُنْتُ إلاّ مَرَّةً . ما كُنْتُ إلاّ مرَّةً تكفي لأَعرف كيف ينكسرُ الزمانُ كخيمة البدويِّ في ريح الشمال ، وكيف يَنْفَطِرُ المكانُ ويرتدي الماضي نُثَارَ المعبد المهجور . يُشبهُني كثيراً كُلُّ ما حولي ، ولم أُشْبِهْ هنا شيئاً . كأنَّ الأرض ضَيِّقَةٌ على المرضى الغنائيِّين ، أَحفادِ الشياطين المساكين المجانين الذين إذا رأوا حُلْماً جميلاً لَقَّنُوا الببغاءَ شِعْر الحب ، وانفتَحتْ أَمامَهُمُ الحُدُودُ … .. وأُريدُ أُن أُحيا … فلي عَمَلٌ على ظهر السفينة . لا لأُنقذ طائراً من جوعنا أَو من دُوَارِ البحر ، بل لأُشاهِدَ الطُوفانَ عن كَثَبٍ : وماذا بعد ؟ ماذا يفعَلُ الناجونَ بالأرض العتيقة ؟ هل يُعيدونَ الحكايةَ ؟ ما البدايةُ ؟ ما النهايةُ ؟ لم يعد أَحَدٌ من الموتى ليخبرنا الحقيقة … / أَيُّها الموتُ انتظرني خارج الأرض ، انتظرني في بلادِكَ ، ريثما أُنهي حديثاً عابراً مَعَ ما تبقَّى من حياتي قرب خيمتكَ ، انتظِرْني ريثما أُنهي قراءةَ طَرْفَةَ بنِ العَبْد . يُغْريني الوجوديّون باستنزاف كُلِّ هُنَيْهَةٍ حريةً ، وعدالةً ، ونبيذَ آلهةٍ … / فيا مَوْتُ ! انتظرني ريثما أُنهي تدابيرَ الجنازة في الربيع الهَشّ ، حيث وُلدتُ ، حيث سأمنع الخطباء من تكرار ما قالوا عن البلد الحزين وعن صُمُود التينِ والزيتونِ في وجه الزمان وجيشِهِ . سأقول : صُبُّوني بحرف النون ، حيث تَعُبُّ روحي سورةُ الرحمن في القرآن . وامشوا صامتين معي على خطوات أَجدادي ووقع الناي في أَزلي . ولا تَضَعُوا على قبري البنفسجَ ، فَهْوَ زَهْرُ المُحْبَطين يُذَكِّرُ الموتى بموت الحُبِّ قبل أَوانِهِ . وَضَعُوا على التابوتِ سَبْعَ سنابلٍ خضراءَ إنْ وُجِدَتْ ، وبَعْضَ شقائقِ النُعْمانِ إنْ وُجِدَتْ . وإلاّ ، فاتركوا وَرْدَ الكنائس للكنائس والعرائس / أَيُّها الموت انتظر ! حتى أُعِدَّ حقيبتي : فرشاةَ أسناني ، وصابوني وماكنة الحلاقةِ ، والكولونيا ، والثيابَ . هل المناخُ هُنَاكَ مُعْتَدِلٌ ؟ وهل تتبدَّلُ الأحوالُ في الأبدية البيضاء ، أم تبقى كما هِي في الخريف وفي الشتاء ؟ وهل كتابٌ واحدٌ يكفي لِتَسْلِيَتي مع اللاَّ وقتِ ، أمْ أَحتاجُ مكتبةً ؟ وما لُغَةُ الحديث هناك ، دارجةٌ لكُلِّ الناس أَم عربيّةٌ فُصْحى/ |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() الجدارية كاملة ( 6 ) ويا مَوْتُ انتظرْ ، ياموتُ ، حتى أستعيدَ صفاءَ ذِهْني في الربيع وصحّتي ، لتكون صيَّاداً شريفاً لا يَصيدُ الظَّبْيَ قرب النبع . فلتكنِ العلاقةُ بيننا وُدّيَّةً وصريحةً : لَكَ أنَتَ مالَكَ من حياتي حين أَملأُها .. ولي منك التأمُّلُ في الكواكب : لم يَمُتْ أَحَدٌ تماماً ، تلك أَرواحٌ تغيِّر شَكْلَها ومُقَامَها / يا موت ! ياظلِّي الذي سيقودُني ، يا ثالثَ الاثنين ، يا لَوْنَ التردُّد في الزُمُرُّد والزَّبَرْجَدِ ، يا دَمَ الطاووس ، يا قَنَّاصَ قلب الذئب ، يا مَرَض الخيال ! اجلسْ على الكرسيّ ! ضَعْ أَدواتِ صيدكَ تحت نافذتي . وعلِّقْ فوق باب البيت سلسلةَ المفاتيح الثقيلةَ ! لا تُحَدِّقْ يا قويُّ إلى شراييني لترصُدَ نُقْطَةَ الضعف الأَخيرةَ . أَنتَ أَقوى من نظام الطبّ . أَقوى من جهاز تَنَفُّسي . أَقوى من العَسَلِ القويّ ، ولَسْتَ محتاجاً - لتقتلني - إلى مَرَضي . فكُنْ أَسْمَى من الحشرات . كُنْ مَنْ أَنتَ ، شفَّافاً بريداً واضحاً للغيب . كن كالحُبِّ عاصفةً على شجر ، ولا تجلس على العتبات كالشحَّاذ أو جابي الضرائبِ . لا تكن شُرطيّ سَيْرٍ في الشوارع . كن قويّاً ، ناصعَ الفولاذ ، واخلَعْ عنك أَقنعةَ الثعالب . كُنْ فروسياً ، بهياً ، كامل الضربات . قُلْ ماشئْتَ : (( من معنى إلى معنى أَجيءُ . هِيَ الحياةُ سُيُولَةٌ ، وأَنا أكثِّفُها ، أُعرِّفُها بسُلْطاني وميزاني )) .. / ويامَوْتُ انتظرْ ، واجلس على الكرسيّ . خُذْ كأسَ النبيذ ، ولا تفاوِضْني ، فمثلُكَ لا يُفاوِضُ أَيَّ إنسانٍ ، ومثلي لا يعارضُ خادمَ الغيبِ . استرح … فَلَرُبَّما أُنْهِكْتَ هذا اليوم من حرب النجوم . فمن أَنا لتزورني ؟ أَلَدَيْكَ وَقْتٌ لاختبار قصيدتي . لا . ليس هذا الشأنُ شأنَكَ . أَنت مسؤولٌ عن الطينيِّ في البشريِّ ، لا عن فِعْلِهِ أو قَوْلِهِ / هَزَمَتْكَ يا موتُ الفنونُ جميعُها . هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد الرافدين . مِسَلَّةُ المصريّ ، مقبرةُ الفراعنةِ ، النقوشُ على حجارة معبدٍ هَزَمَتْكَ وانتصرتْ ، وأِفْلَتَ من كمائنك الخُلُودُ … فاصنع بنا ، واصنع بنفسك ما تريدُ .. وأَنا أُريدُ ، أريدُ أَن أَحيا … فلي عَمَلٌ على جغرافيا البركان . من أَيام لوط إلى قيامة هيروشيما واليبابُ هو اليبابُ . كأنني أَحيا هنا أَبداً ، وبي شَبَقٌ إلى ما لست أَعرف . قد يكون ” الآن ” أَبعَدَ . قد يكونُ الأمس أَقربَ . والغَدُ الماضي . ولكني أَشدُّ ” الآن ” من يَدِهِ ليعبُرَ قربيَ التاريخُ ، لا الزَّمَنُ المُدَوَّرُ ، مثل فوضى الماعز الجبليِّ . هل أنجو غداً من سرعة الوقت الإلكترونيّ ، أَم أَنجو غداً من بُطْء قافلتي على الصحراء؟ لي عَمَلٌ لآخرتي كأني لن أَعيش غداً. ولي عَمَلٌ ليومٍ حاضرٍ أَبداً . لذا أُصغي ، على مَهَلٍ على مَهَل ، لصوت النمل في قلبي : أعينوني على جَلَدي . وأَسمع صَرْخَةَ الحَجَر الأسيرةَ : حَرِّروا جسدي . وأُبصرُ في الكمنجة هجرةَ الأشواق من بَلَدٍ تُرَابيّ إلى بَلَدٍ سماويّ . وأَقبضُ في يد الأُنثى على أَبَدِي الأليفِ : خُلِقتُ ثم عَشِقْتُ ، ثم زهقت ، ثم أَفقتُ في عُشْبٍ على قبري يدلُّ عليَّ من حينٍ إلى حينٍ . فما نَفْعُ الربيع السمح إن لم يُؤْنِس الموتى ويُكْمِلْ بعدهُمْ فَرَحَ الحياةِ ونَضْرةَ النسيان ؟ تلك طريقةٌ في فكِّ لغز الشعرِ ، شعري العاطفيّ على الأَقلِّ . وما المنامُ سوى طريقنا الوحيدة في الكلام / وأَيُّها الموتُ التَبِسْ واجلسْ على بلَّوْرِ أَيامي ، كأنَّكَ واحدٌ من أَصدقائي الدائمين ، كأنَّكَ المنفيُّ بين الكائنات . ووحدك المنفيُّ . لا تحيا حياتَكَ . ما حياتُكَ غير موتي . لا تعيش ولا تموت . وتخطف الأطفالَ من عَطَشِ الحليب إلى الحليب . ولم تكن طفلاً تهزُّ له الحساسينُ السريرَ ، ولم يداعِبْكَ الملائكةُ الصغارُ ولا قُرونُ الأيِّل الساهي ، كما فَعَلَتْ لنا نحن الضيوفَ على الفراشة . وحدك المنفيُّ ، يا مسكين ، لا امرأةٌ تَضُمُّك بين نهديها ، ولا امرأةٌ تقاسِمُك الحنين إلى اقتصاد الليل باللفظ الإباحيِّ المرادفِ لاختلاط الأرض فينا بالسماءِ . ولم تَلِدْ وَلَداً يجيئك ضارعاً : أَبتي ، أُحبُّكَ . وحدك المنفيُّ ، يا مَلِكَ الملوك ، ولا مديحَ لصولجانكَ . لا صُقُورَ على حصانك . لا لآلئَ حول تاجك . أَيُّها العاري من الرايات والبُوق المُقَدَّسِ ! كيف تمشي هكذا من دون حُرَّاسٍ وجَوْقَةِ منشدين ، كَمِشْيَة اللصِّ الجبان . وأَنتَ مَنْ أَنتَ ، المُعَظَّمُ ، عاهلُ الموتى ، القويُّ ، وقائدُ الجيش الأَشوريِّ العنيدُ فاصنع بنا ، واصنع بنفسك ما تريدُ .. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() الجدارية كاملة ( 7 ) وأَنا أُريدُ ، أُريد أَن أَحيا ، وأَن أَنساك …. أَن أَنسى علاقتنا الطويلة لا لشيءٍ ، بل لأَقرأ ما تُدَوِّنُهُ السماواتُ البعيدةُ من رسائلَ . كُلَّما أَعددتُ نفسي لا نتظار قدومِكَ ازددتَ ابتعاداً . كلما قلتُ : ابتعدْ عني لأُكمل دَوْرَةَ الجَسَدَيْنِ ، في جَسَدٍ يفيضُ ، ظهرتَ ما بيني وبيني ساخراً : ” لا تَنْسَ مَوْعِدَنا … ” - متى ؟ - في ذِرْوَة النسيان حين تُصَدِّقُ الدنيا وتعبُدُ خاشعاً خَشَبَ الهياكل والرسومَ على جدار الكهف ، حيث تقول : ” آثاري أَنا وأَنا ابنُ نفسي ” . - أَين موعدُنا ؟ أَتأذن لي بأن أَختار مقهىً عند باب البحر ؟ - لا …. لا تَقْتَرِبْ يا ابنَ الخطيئةِ ، يا ابن آدمَ من حدود الله ! لم تُولَدْ لتسأل ، بل لتعمل …. - كُن صديقاً طَيِّباً يا موت ! كُنْ معنىً ثقافياً لأُدرك كُنْهَ حكمتِكَ الخبيئةِ ! رُبَّما أَسْرَعْتَ في تعليم قابيلَ الرمايةَ . رُبَّما أَبطأتَ في تدريب أَيُّوبٍ على الصبر الطويل . وربما أَسْرَجْتَ لي فَرَسا ً لتقتُلَني على فَرَسي . كأني عندما أَتذكَّرُ النسيانَ تُنقِذُ حاضري لُغَتي . كأني حاضرٌ أَبداً . كأني طائر أَبداً . كأني مُذْ عرفتُكَ أَدمنتْ لُغَتي هَشَاشَتَها على عرباتك البيضاءِ ، أَعلى من غيوم النوم ، أَعلى عندما يتحرَّرُ الإحساس من عبء العناصر كُلّها . فأنا وأَنتَ على طريق الله صوفيَّانِ محكومان بالرؤيا ولا يَرَيَان / عُدْ يا مَوْتُ وحدَكَ سالماً ، فأنا طليق ههنا في لا هنا أو لا هناك . وَعُدْ إلى منفاك وحدك . عُدْ إلى أدوات صيدك ، وانتظرني عند باب البحر . هَيِّئ لي نبيذاً أَحمراً للاحتفال بعودتي لِعِيادَةِ الأرضِ المريضة . لا تكن فظّا ً غليظ القلب ! لن آتي لأَسخر منك ، أَو أَمشي على ماء البُحَيْرَة في شمال الروح . لكنِّي - وقد أَغويتَني - أَهملتُ خاتمةَ القصيدةِ : لم أَزفَّ إلى أَبي أُمِّي على فَرَسي . تركتُ الباب مفتوحاً لأندلُسِ الغنائيِّين ، واخترتُ الوقوفَ على سياج اللوز والرُمَّان ، أَنفُضُ عن عباءة جدِّيَ العالي خُيُوطَ العنكبوت . وكان جَيْشٌ أَجنبيٌّ يعبر الطُرُقَ القديمةَ ذاتها ، ويَقِيسُ أَبعادَ الزمان بآلة الحرب القديمة ذاتها … / .. يا موت ، هل هذا هو التاريخُ ، صِنْوُكَ أَو عَدُوُّك ، صاعداً ما بين هاويتين ؟ قد تبني الحمامة عُشَّها وتبيضُ في خُوَذ الحديد . وربما ينمو نباتُ الشِّيحِ في عَجَلاتِ مَرْكَبَةٍ مُحَطَّمةٍ . فماذا يفعل التاريخُ ، صنوُكَ أو عَدُوُّكَ ، بالطبيعة عندما تتزوَّجُ الأرضَ السماءُ وتذرفُ المَطَرَ المُقَدَّسَ ؟ / .. أَيها الموت ، انتظرني عند باب البحر في مقهى الرومانسيِّين . لم أَرجِعْ وقد طاشَتْ سهامُكَ مَرَّةً إلاّ لأُودِعَ داخلي في خارجي ، وأُوزِّعَ القمح الذي امتلأتْ به رُوحي على الشحرور حطَّ على يديَّ وكاهلي ، وأُودِّعَ الأرضَ التي تمتصُّني ملحاً ، وتنثرني حشيشاً للحصان وللغزالة . فانتظرني ريثما أُنهي زيارتي القصيرة للمكان وللزمان ، ولا تُصَدِّقْني أَعودُ ولا أَعودُ وأَقول : شكراً للحياة ! ولم أكن حَيّاً ولا مَيْتاً ووحدك ، كنتَ وحدك ، يا وحيدُ ! .. تقولُ مُمَرِّضتي : كُنْتَ تهذي كثيراً ، وتصرخُ : يا قلبُ ! يا قَلْبُ ! خُذْني إلى دَوْرَة الماءِ …/ .. ما قيمةُ الروح إن كان جسمي مريضاً ، ولا يستطيعُ القيامَ بواجبه الأوليِّ ؟ فيا قلبُ ، يا قلبُ أَرجعْ خُطَايَ إليَّ ، لأَمشي إلى دورة الماء وحدي ! .. نسيتُ ذراعيَّ ، ساقيَّ ، والركبتين وتُفَّاحةَ الجاذبيَّةْ نسيتُ وظيفةَ قلبي وبستانَ حوَّاءَ في أَوَّل الأبديَّةْ نسيتُ وظيفةَ عضوي الصغير نسيتُ التنفُّسَ من رئتيّ . نسيتُ الكلام أَخاف على لغتي فاتركوا كُلَّّ شيء على حالِهِ وأَعيدوا الحياة إلى لُغَتي !.. .. تقول مُمَرِّضتي : كُنْتَ تهذي كثيراً ، وتصرخ بي قائلا ً : لا أُريدُ الرجوعَ إلى أَحَدِ لا أُريدُ الرجوعَ إلى بلدِ بعد هذا الغياب ألطويل … أُريدُ الرجوعَ فَقَطْ إلى لغتي في أقاصي الهديل .. تقولُ مُمَرِّضتي : كُنْتَ تهذي طويلا ً ، وتسألني : هل الموتُ ما تفعلين بي الآنَ أَم هُوَ مَوْتُ اللُغَةْ ؟ .. خضراءُ ، أَرضُ قصيدتي خضراءُ ، عاليةٌ … على مَهَلٍ أُدوِّنُها ، على مَهَلٍ ، على وزن النوارس في كتاب الماءِ . أَكتُبُها وأُورِثُها لمنْ يتساءلون : لمنْ نُغَنِّي حين تنتشرُ المُلُوحَةُ في الندى ؟ … خضراءُ ، أكتُبُها على نَثْرِ السنابل في كتاب الحقلِ ، قَوَّسَها امتلاءٌ شاحبٌ فيها وفيَّ . وكُلَّما صادَقْتُ أَو آخَيْتُ سُنْبُلةً تَعَلَّمْتُ البقاءَ من الفَنَاء وضدَّه : (( أَنا حَبَّةُ القمح التي ماتت لكي تَخْضَرَّ ثانيةً . وفي موتي حياةٌ ما … )) .. كأني لا كأنّي لم يمت أَحَدٌ هناك نيابةً عني . فماذا يحفظُ الموتى من الكلمات غيرَ الشُّكْرِ : ” إنَّ الله يرحَمُنا ” … ويُؤْنِسُني تذكُّرُ ما نَسِيتُ مِنَ البلاغة : ” لم أَلِدْ وَلَدا ً ليحمل مَوْتَ والِدِهِ ” … وآثَرْتُ الزواجَ الحُرَّ بين المُفْرَدات …. سَتَعْثُرُ الأُنثى على الذَّّكَر المُلائِمِ في جُنُوح الشعر نحو النثر …. سوف تشُّبُّ أَعضائي على جُمَّيزَةٍ ، ويصُبُّ قلبي ماءَهُ الأَرضيَّ في أَحَدِ الكواكب … مَنْ أَنا في الموت بعدي ؟ مَنْ أَنا في الموت قبلي قال طيفٌ هامشيٌّ : (( كان أوزيريسُ مثْلَكَ ، كان مثلي . وابنُ مَرْيَمَ كان مثلَكَ ، كان مثلي . بَيْدَ أَنَّ الجُرْحَ في الوقت المناسب يُوجِعُ العَدَمَ المريضَ ، ويَرْفَعُ الموتَ المؤقَّّتَ فكرةً … )). من أَين تأتي الشاعريَّةُ ؟ من ذكاء القلب ، أَمْ من فِطْرة الإحساس بالمجهول ؟ أَمْ من وردةٍ حمراءَ في الصحراء ؟ لا الشخصيُّ شخصيُّ ولا الكونيُّ كونيٌّ … |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]()
كأني لا كأني …/ كلما أَصغيتُ للقلب امتلأتُ بما يقول الغَيْبُ ، وارتفعتْ بِيَ الأشجارُ . من حُلْم إلى حُلْمٍ أَطيرُ وليس لي هَدَفٌ أَخيرٌ . كُنْتُ أُولَدُ منذ آلاف السنين الشاعريَّةِ في ظلامٍ أَبيض الكتّان لم أَعرف تماماً مَنْ أَنا فينا ومن حُلْمي . أَنا حُلْمي كأني لا كأني … لم تَكُنْ لُغَتي تُودِّعُ نَبْرها الرعويَّ إلاّ في الرحيل إلى الشمال . كلابُنا هَدَأَتْ . وماعِزُنا توشَّح بالضباب على التلال . وشجَّ سَهْمٌ طائش وَجْهَ اليقين . تعبتُ من لغتي تقول ولا تقولُ على ظهور الخيل ماذا يصنعُ الماضي بأيَّامِ امرئ القيس المُوَزَّعِ بين قافيةٍ وقَيْصَرَ …/ كُلَّما يَمَّمْتُ وجهي شَطْرَ آلهتي ، هنالك ، في بلاد الأرجوان أَضاءني قَمَرٌ تُطَوِّقُهُ عناةُ ، عناةُ سيِّدَةُ الكِنايةِ في الحكايةِ . لم تكن تبكي على أَحَدِ ، ولكنْ من مَفَاتِنِها بَكَتْ : هَلْ كُلُّ هذا السحرِ لي وحدي أَما من شاعرٍ عندي يُقَاسِمُني فَرَاغَ التَخْتِ في مجدي ؟ ويقطفُ من سياج أُنوثتي ما فاض من وردي ؟ أَما من شاعر يُغْوي حليبَ الليل في نهدي ؟ أَنا الأولى أَنا الأخرى وحدِّي زاد عن حدِّي وبعدي تركُضُ الغِزلانُ في الكلمات لا قبلي … ولا بعدي / .. سأحلُمُ ، لا لأُصْلِحَ مركباتِ الريحِ أَو عَطَباً أَصابَ الروحَ فالأسطورةُ اتَّخَذَتْ مكانَتَها / المكيدةَ في سياق الواقعيّ . وليس في وُسْعِ القصيدة أَن تُغَيِّرَ ماضياً يمضي ولا يمضي ولا أَنْ تُوقِفَ الزلزالَ لكني سأحلُمُ ، رُبَّما اتسَعَتْ بلادٌ لي ، كما أَنا واحداً من أَهل هذا البحر ، كفَّ عن السؤال الصعب : (( مَنْ أَنا ؟ … هاهنا ؟ أَأَنا ابنُ أُمي ؟ )) لا تساوِرُني الشكوكُ ولا يحاصرني الرعاةُ أو الملوكُ . وحاضري كغدي معي . ومعي مُفَكِّرتي الصغيرةُ : كُلَّما حَكَّ السحابةَ طائرٌ دَوَّنتُ : فَكَّ الحُلْمُ أَجنحتي . أنا أَيضاً أطيرُ . فَكُلُّ حيّ طائرٌ . وأَنا أَنا ، لا شيءَ آخَرَ / .. واحدٌ من أَهل هذا السهل … في عيد الشعير أَزورُ أطلالي البهيَّة مثل وَشْم في الهُوِيَّةِ . لا تبدِّدُها الرياحُ ولا تُؤبِّدُها … / وفي عيد الكروم أَعُبُّ كأساً من نبيذ الباعة المتجوِّلينَ … خفيفةٌ روحي ، وجسمي مُثْقَلٌ بالذكريات وبالمكان / وفي الربيع ، أكونُ خاطرةً لسائحةٍ ستكتُبُ في بطاقات البريد : (( على يسار المسرح المهجور سَوْسَنَةٌ وشَخْصٌ غامضٌ . وعلى اليمين مدينةٌ عصريَّةٌ )) / .. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]()
وأَنا أَنا ، لا شيء آخَرَ … لَسْتُ من أَتباع روما الساهرينَ على دروب الملحِ . لكنِّي أسَدِّدُ نِسْبَةً مئويَّةً من ملح خبزي مُرْغَماً ، وأَقول للتاريخ : زَيِّنْ شاحناتِكَ بالعبيد وبالملوك الصاغرينَ ، ومُرَّ … لا أَحَدٌ يقول الآن : لا . .. وأَنا أَنا ، لا شيء آخر واحدٌ من أَهل هذا الليل . أَحلُمُ بالصعود على حصاني فَوْقَ ، فَوْقَ … لأَتبع اليُنْبُوعَ خلف التلِّ فاصمُدْ يا حصاني . لم نَعُدْ في الريح مُخْتَلِفَيْنِ … أَنتَ فُتُوَّتي وأَنا خيالُكَ . فانتصِبْ أَلِفاً ، وصُكَّ البرقَ . حُكَّ بحافر الشهوات أَوعيةَ الصَدَى . واصعَدْ ، تَجَدَّدْ ، وانتصبْ أَلفاً ، توتَّرْ يا حصاني وانتصبْ ألفا ً ، ولا تسقُطْ عن السفح الأَخير كرايةٍ مهجورةٍ في الأَبجديَّة . لم نَعُدْ في الريح مُخْتَلِفَيْنِ ، أَنت تَعِلَّتي وأَنا مجازُكَ خارج الركب المُرَوَّضِ كالمصائرِ . فاندفِعْ واحفُرْ زماني في مكاني يا حصاني . فالمكانُ هُوَ الطريق ، ولا طريقَ على الطريق سواكَ تنتعلُ الرياحَ . أَُضئْ نُجوماً في السراب ! أَضئْ غيوماً في الغياب ، وكُنْ أَخي ودليلَ برقي يا حصاني . لا تَمُتْ قبلي ولا بعدي عَلى السفح الأخير ولا معي . حَدِّقْ إلى سيَّارة الإسعافِ والموتى … لعلِّي لم أَزل حيّاً / .. سأَحلُمُ ، لا لأُصْلِحَ أَيَّ معنىً خارجي . بل كي أُرمِّمَ داخلي المهجورَ من أَثر الجفاف العاطفيِّ . حفظتُ قلبي كُلَّهُ عن ظهر قلبٍ : لم يَعُدْ مُتَطفِّلاً ومُدَلّلاً . تَكْفيهِ حَبَّةُ ” أَسبرين ” لكي يلينَ ويستكينَ . كأنَّهُ جاري الغريبُ ولستُ طَوْعَ هوائِهِ ونسائِهِ . فالقلب يَصْدَأُ كالحديدِ ، فلا يئنُّ ولا يَحِنُّ ولا يُجَنُّ بأوَّل المطر الإباحيِّ الحنينِ ، ولا يرنُّ ّكعشب آبَ من الجفافِ . كأنَّ قلبي زاهدٌ ، أَو زائدٌ عني كحرف ” الكاف ” في التشبيهِ حين يجفُّ ماءُ القلب تزدادُ الجمالياتُ تجريداً ، وتدَّثرُ العواطف بالمعاطفِ ، والبكارةُ بالمهارة / .. كُلَّما يَمَّمْتُ وجهي شَطْرَ أُولى الأغنيات رأيتُ آثارَ القطاة على الكلام . ولم أَكن ولداً سعيداً كي أَقولَ : الأمس أَجملُ دائماً . لكنَّ للذكرى يَدَيْنِ خفيفتين تُهَيِّجانِ الأرضَ بالحُمَّى . وللذكرى روائحُ زهرةٍ ليليَّةٍ تبكي وتُوقظُ في دَمِ المنفيِّ حاجتَهُ إلى الإنشاد : (( كُوني مُرْتَقى شَجَني أَجدْ زمني )) … ولستُ بحاجةٍ إلاّ لِخَفْقَةِ نَوْرَسِ لأتابعَ السُفُنَ القديمةَ . كم من الوقت انقضى منذ اكتشفنا التوأمين : الوقتَ والموتَ الطبيعيَّ المُرَادِفَ للحياة ؟ ولم نزل نحيا كأنَّ الموتَ يُخطئنا ، فنحن القادرين على التذكُّر قادرون على التحرُّر ، سائرون على خُطى جلجامشَ الخضراءِ من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ … / .. هباءٌ كاملُ التكوينِ … يكسرُني الغيابُ كجرَّةِ الماءِ الصغيرة . نام أَنكيدو ولم ينهض . جناحي نام مُلْتَفّاً بحَفْنَةِ ريشِهِ الطينيِّ . آلهتي جمادُ الريح في أَرض الخيال . ذِراعِيَ اليُمْنى عصا خشبيَّةٌ . والقَلْبُ مهجورٌ كبئرٍ جفَّ فيها الماءُ ، فاتَّسَعَ الصدى الوحشيُّ : أنكيدو ! خيالي لم يَعُدْ يكفي لأُكملَ رحلتي . لا بُدَّ لي من قُوَّةٍ ليكون حُلْمي واقعيّاً . هاتِ أَسْلِحتي أُلَمِّعْها بمِلح الدمعِ . هاتِ الدمعَ ، أنكيدو ، ليبكي المَيْتُ فينا الحيَّ . ما أنا ؟ مَنْ ينامُ الآن أنكيدو ؟ أَنا أَم أَنت ؟ آلهتي كقبض الريحِ . فانهَضْ بي بكامل طيشك البشريِّ ، واحلُمْ بالمساواةِ القليلةِ بين آلهة السماء وبيننا . نحن الذين نُعَمِّرُ الأرضَ الجميلةَ بين دجلةَ والفراتِ ونحفَظُ الأسماءَ . كيف مَلَلْتَني ، يا صاحبي ، وخَذَلْتَني ، ما نفْعُ حكمتنا بدون فُتُوّةٍ … ما نفعُ حكمتنا ؟ على باب المتاهِ خذلتني ، يا صاحبي ، فقتلتَني ، وعليَّ وحدي أَن أرى ، وحدي ، مصائرنا . ووحدي أَحملُ الدنيا على كتفيَّ ثوراً هائجاً . وحدي أَفتِّشُ شاردَ الخطوات عن أَبديتي . لا بُدَّ لي من حَلِّ هذا اللُغْزِ ، أنكيدو ، سأحملُ عنكَ عُمْرَكَ ما استطعتُ وما استطاعت قُوَّتي وإرادتي أَن تحملاكَ . فمن أَنا وحدي ؟ هَبَاءٌ كاملُ التكوينِ من حولي . ولكني سأُسْنِدُ ظلَّّك العاري على شجر النخيل . فأين ظلُّكَ ؟ أَين ظلُّك بعدما انكسرَتْ جُذُوعُك؟ قمَّةُ الإنسان هاويةٌ … |
|||
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
|
|