الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة > قسم الرواية

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 29-08-2024, 09:41 AM   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

***
انسلب فهمان من حرسه وخرج هائمًا على وجهه يمرّ على الأكواخ والجحور ويخاطب الناس كالمجنون بقوله: لا تخافوا، سأقتله، سأقتل إبليس، لن تقوم الحرب لو قُتل إبليس.
وظلّ يردّد كلماته كالمجنون، ولأنه شخصية هامة تبعه أحد الصحفيين وصوّره، وهبط الظلام وهو ما زال يهيم في الحارات والأزقة والجحور. جاء خبره إلى مهديّ فكلّف حرسه الشخصي بإحضاره.
ذهب الحرس إليه بينما هو يشاهده عبر القناة وهو يصرخ ويبكي ويتوّعد إبليس فبكى لبكائه.

***

تركّزتْ القوّات الأجنبيّة في المناطق الحيويّة من معابر ومسطحات مائيّة ومضايق وكذلك مناطق الحدود بين الدول العربيّة المتنازع عليها، ومن مناطق منابع الماء إلى روافدها تركّزتْ أوروبا هناك بحجة القضاء على حرب عربيّة شاملة بين المنطقة بعضها من بعض، لكن الغرض الأساسيّ هو ضرْب الاقتصاد الأسيويّ والتحكم في سير التجارة العالميّة.
وعلى الصعيد الآخر لم تسكت آسيا ولم تعبأ بقرارات الأمم المتحدة، فزحفتْ هي الأخرى نحو المنطقة وتمركزتْ أيضًاً في بعض الممرّات والمعابر والمضايق الحيوية.
ولم يكن تمركزها هذا وليد اليوم، فهي معدة مسبقًا خطة دفاع إستراتيجي في حال زحْف القوات الأمريكيّة وحلفائها إلى المنطقة العربيّة.
ومنذ بدْء دخول القوات الأجنبيّة تزايد عدد الوافدين إلى مصر من رجال الأعمال العرب ونظرائهم من الغرب.
وفدوا من أجل الحفاظ على دمائهم وأموالهم، تلك الأموال المعرّضة للنهب والسلب على إثر الفوضى العارمة التي سرطنت أنحاء المنطقة العربيّة وبعض الدول الأجنبيّة.
ففي بعض الأراضي الأجنبيّة التي تعرضت للضربات الأخيرة قامت شعوبها بالثورات، فخشي رجال الأعمال الكبار على مصانعهم وأموالهم فوفدوا إلى مصر التي أصبحت دار أمن، يقيمون مصانعهم ويضعون عملاتهم الأجنبيّة في مصارفها.
وشرعوا في بناء المصانع واستصلاح الأراضي وبناء ناطحات السحاب.
ولكي يحققوا ذلك اضطروا لبيع عملاتهم الأجنبيّة ليشتروا العملة المحليّة فضلا عن أنّ مهديّ منع تداول الدولار بين أيدي رجال الأعمال والمستثمرين.
وبدأ الجنيه المصريّ يتعافى شيئًا فشيئًا، وبمرور الوقت بدأ يرتفع، وعلى لسان أحد خبراء الاقتصاد قال: يبدو أنّ الجنيه المصريّ في الفترة القادمة سيصبح بنصف دولار.
ولقد تحوّل ظنّ مهديّ إلى يقين، وشعبه في طريقه للرخاء بعد الأحداث التالية.
في الحقيقة أنّ الصراع بدأ أول ما بدأ هناك، هناك في تايون منذ نحو سبع سنوات تقريبًا عندما دخلت القوات الأمريكيّة ردًا على الرفض المتكرر من الصين بعدم تعويم اليوان، وكان صراعًا يأخذ محمل الهزل، أمَا وقد تمرّكزتْ الكتلتين في المنطقة العربيّة بات الصراع فيها يأخذ محمل الجد.
وعلى أثره وجّهتْ الصينُ أسلحتها النوويّة إلى مناطق تمركز القوات الأمريكيّة هناك.
والآن بدأ الصراع الغربيّ الأسيويّ في المناطق الإستراتيجيّة في سوريا واليمن وغيرها من المناطق الهامة كالمعابر والمضايق والقنوات فضلاً عن هذا الصراع القديم في تايوان.
وبالنسبة لقناة السويس فخرجتْ من حسابات الكتلتين وذلك بسبب تماسك البني الداخليّة لها تماسكًا متينًا بفضل القائد مهديّ والقوات المسلحة التي ظهرتْ معادنها الثمينة حين تمّ تجميد مرتباتهم لمدة ثلاثة أعوام. وللأسف لم يمنع مهديّ أيّ سفن حربيّة عبر قناة السويس كي لا ينقض الاتفاقات الدوليّة من جهة ومن جهة أخرى لا يجعل دولته عرْضة للهجوم بسبب عدم توفير الدعم اللوجستي لسفنهم الحربيّة.
وانقسمَ العالم آنذاك إلى كتلتين، أمريكا وحلفائها من الغرب ومن جهة أخرى روسيا والصين وحلفائهما.
وتحوّلتْ الجيوش العربيّة من حرّيتها إلى تبعيتها للاستعمار الجديد، وذاقتْ الشعوب مرارة ظلميْن، ظلم الحكام العرب العملاء آنذاك وظلم رقّ الاستعمار.
وطفح على الأراضي العربيّة كثير من المنظمات الإرهابيّة والعصابات، وعاد عصر الفتوات حتى أنّهم باتوا يرتدون اللاسات والجلابيب ويحملون النبابيت.
ودُقّتْ طبول الحرب، ولم تكن بدايتها على أرض العروبة، بل بدأتْ في تايوان كما ذكرت سالفًا، تبادل إطلاق النيران بين الصين وأمريكا من أجل استعادة تايوان.
تبادل الاثنان الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة وأكثر المتضرّرين من هذه الهجمات مدنيي تايوان والصين.
ولأنّ العالم مقبلٌ على حرْبٍ نوويّة في منطقة الشرق الأوسط، ولأنّ وجود أمريكا في تايوان احتلال صارخ، لم تكتفِ الصين باستخدام الأسلحة الكيماويّة والجرثوميّة بل هددت بالنوويّ مباشرة حيث قالتْ على وسائل إعلامها أنّه لا مفرّ من استخدام الرؤوس النوويّة لتحرير تايوان، ثمّ تابعتْ كلامها: أمّا الحرب الدائرة الآن في منطقة الشرق الأوسط فلن تكون الصين البادئة في استخدام الصواريخ النوويّة العابرة للقارات، وإذا استخدمتها أمريكا فلا بديل لنا إلّا ضرْب المنطقة كلّها بترسانة الأسلحة النوويّة التي تمتلكها الصين وحلفاؤها.
وهذا موقف طبعيّ من الصين، ففي المطامع يغلب على القوى الطامعة في التورتة طبْع الانتقادات واستخدام الأسلحة التقليدية والتلويح من بعيد بإطلاق الرؤوس النوويّة، لكن عندما يتعلق الأمر بأخذ قطعة من أرضين أحدهما فليس لدى المحتل إلّا التهديد المباشر باستخدام النوويّ.
وعلى أرض سوريا تبادل إطلاق النيران بين القوات الغربيّة الأمريكيّة المتمركزة في أحد جهاتها وهي منطقة الشمال وبين الروس والمتمركزة في الجنوب هي وحلفائها.
كذلك بدأ الصراع الحربيّ وسقوط آلاف القتلى والجرحى حول المعابر والمضايق التي تؤمّن الدعم اللوجستيّ للنفط والغاز والسفن الحربيّة المحملة.
وقد بدا واضحًَا من خلال المعارك أنّ كفّة الأمريكان وحلفائها أرجح قليلاً.
ونتيجة ذلك، تزايد عدد الوافدين أكثر وأكثر من كلّ أرض إلى مصر هروبًا من الحرب وتداعياتها مما كان له عظيم الأثر في زيادة الاحتياط الأجنبيّ من العملة الأجنبيّة الدولاريّة وغيرها إثر قدومهم بأموالهم وإنفاقها، ونتيجة لذلك لم يتوانَ البنك المركزيّ المصريّ في طبع النقود المحليّة ليل نهار التي تستقرّ في جيوب الأجانب بعد تخلصهم من العملة الأجنبيّة التي لديهم.
والغلاء ارتفع عالميًا بطريقة لم تحدث منذ الحرب العالميّة الثانية 1945، ولقد حققتْ سياسة الرئيس مهديّ ارتفاع الناتج المحليّ بقيمة لم يشهدها الاقتصاد المصريّ من قبل.
كما أنّه جنّب مصر بذكائه وقوّته الخوض أو المشاركة في الحرب العالميّة الثالثة.
وأنشأ حضارة وجد فيها المواطن المصريّ العزة والكرامة والعدل، حضارة من أنفاق الثري إلى قمم الشموس.
وبدأتْ أنفاق المواطنين المصريّين تُردم شيئًا فشيئًا، والخيام الورقيّة والصوفيّة تتحوّل إلى أطلال رغم أنّ القليل من الشعب بكى على هذه الأطلال الورقيّة والصوفيّة، لأنّهم أصلاء وهؤلاء هم أنفس معادن الناس.
وبدأتْ المنازل تُشيّد، وتمّ استيراد الكثير من الملابس الحريريّة والقطنيّة الفاخرة من الخارج التي أقبل عليها المصريون يرتدونها داعيين لفهمان ومهديّ بطول البقاء.

***

ذهب رجل المائة ألف جنيهًا صاحب الكلية التي زعم أنّها تالفة إلى الطبيب وردّ له المبلغ بعد تمنع جامح من الطبيب.
استقل سيارته المتواضعة وظلّ يجوب شوارع مصر مستعبرا متأوها وهو يحدث نفسه قائلا: أخشى أن تتصارعوا يا بني وطني على القبور قبل القصور، وقماش الخيام قبل أبراج السحاب، وكسْرة الخبز قبل الكباب، ومعطف الورق قبل معطف الحرير، كم أخشى يا أغنياء بلدي أن يسيل لعابكم وتشرئب أعناقكم وتدور أعينكم على ما ليس لكم فيكون رنين الفخار لدىَ فقراء مصر أطرب على مسامعكم من رنين الذهب الذي لديكم.
كم أخشاكم يا أهل بلدي أن تأتون يوماً لمهديّ تطلبون منه مائدة من السماء بعد أن ملأ جيوبكم بالدولارات.
وقف بسيارته فجأة وسرعان ما قال: المعدة الجائعة تشبع، لكن إذا شبعت تقنع صاحبها آنذاك بأنّها جائعة على الدوام، صدق المثل القائل: "ما يملأ عين ابن آدم إلّا التراب".
سار بسيارته قليلا وقال حينها بتوجع: يا ترى يا مهديّ أغنيتَ شعبك على حساب مَن! أخشى أن يسبح قومُك ...
وقبل أن يكمل فرمل سيارته فتوقف فجأة حتى كاد يُقذف في زجاج السيارة الأمامي ثم ما لبث أن أكمل: .. بأطواق النجاة على بحور دماء العالم يا مهديّ.
أوجعته الكلمة التي تساءل بها فشهق على أثرها شهقة أزهقت روحه فيه رغبة وطواعية منه حتى لا يرى دماء الغرب تسيل بسهام مهدي الذي أطلقه من مختبر فهمان فطين المصري ffc-2.







 
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2024, 12:11 PM   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

***
مرّ عامٌ على تبادل إطلاق النيران بين الكتلتين المتحاربتين، وفي هذه الأثناء حقّقتْ الولايات المتحدة الأمريكيّة نصرًا مؤزّرًا على الروس وحلفائها، وتقدّمتْ قواتها إلى معظم المناطق الإستراتيجيّة؛ بينما تراجع الروس وآثروا القهقرى ليعلنوا بعدها مباشرة الرغبة في الجلوس على طاولة المفاوضات.
ومنذ هذه اللحظة وهي لحظة إعلان الرغبة في إجراء المفاوضات مع الأمريكان توقع أكثر الساسة انتهاء الحرب، بينما قلة منهم توقعوا تطور الحرب من تقليدية إلى نووية إذ لن يتعامل الأمريكان مع الروس إلا من قبيل المنتصر والمهزوم وعلى ذلك يرى الأمريكان أنه يتوجب عليهم إملاء شروطهم على الطرف الروسي بينما يرى الروس أنهم ليسوا في موقف ضعف على أساس أنهم قادرون على تحويل الكرة الأرضية إلى قطعة من جحيم جهنم.
واجتمعوا، وبعد مداولات عديدة استمرت عدة ساعات قدم الروس فيها عدة تنازلات منها إبرام عدة صفقات تجارية بين آسيا كطرف أول وأمريكا كطرف ثانٍ تصب كلّها في مصلحة الطرف الثاني بالطبع، هذا فضلا عن تعويض الأمريكان بمبلغ ضخم بسبب ما تكبدته من خسائر في هذه الحرب.
ولم يشترط الروس علي الأمريكان إلّا شرطًا واحدًا وسط كل هذه التنازلات وهو الانسحاب المشترك من كافة المنافذ والمضايق وكافة المواقع الإستراتيجية واللوجستية من المنطقة العربية في آن واحد.
وكان رد جورج رامسفيلد هو طلب مهلة ليفكر في العرض المقترح من الروس.
وبعد مداولات عديدة بين قادة الحرب من الطرف الأمريكي قررّوا الموافقة على العرض باستثناء انسحاب جيوشها من المنطقة العربية، وهذا ما رفضه الروس رفضًا قاطعًا، حيث قالوا: نحن لسنا مضطرين للخنوع الكامل ولدينا أسلحة نوويّة، وسوف نحوّل بها الكرة الأرضية إلى أجيج مشتعل، والآن اعلموا أيها الأمريكان أنّ رؤوسنا النووية محملة على صواريخ عابرة للقارات تنتظر الإذن بالإطلاق.
ولقد تفاجأ الساسة والعسكريون من كلّ أنحاء العالم ردّ الأمريكان الغريب وأرجعوا ذلك لتدخل يعقوب إسحاق في الأمر حيث هو من زجّ بجورج رامسفيلد بعدم الموافقة على إنهاء حالة الحرب إلّا بشروط أمريكيّة خالصة .
***
العالم يغلي وعلى وشك الانفجار كانفجار النجم حال موته، لم يستطع فهمان متابعة تجاربه على المصادم الذي يبغي من ورائه الذهاب إلى إبليس رغم إصراره وإيمانه بأنّ إبليس السبب فيما وصل إليه العالم حتى الآن من دمار.
أمّا جاك فلم يستطعْ هو الآخر عمل أيّ رصد لنجم سحابة أورط رغم إيمانه بأنّه سيتحوّل إلى ثقبٍ أسود في أي لحظة؛ وعليه فلابد أن يتحرك سريعًا حتى يدحره عن طريق شراعه الضوئيّ المقترح في رسالة الدكتوراه.
ورغم الفائدة العظيمة التي يبغياها من وراء عملهما إلّا أنّ الأحداث جثمتْ على صدريهما فاختنقا، وانصهر قلباهما في بوتقة الحرب الدائرة.
أمام موقع التجارب على المصادم ffc-2 ظل فهمان يلكم الطاولات والحوائط حسرة وغضبا على رفض جورج رامسفيلد للمقترح الروسي، ونفس الحال بالنسبة لجاك ولكن في موقعه، أمام مراصد ناسا.
سقط فهمان على الأرض مغشيًا عليه لأنه رهيف القلب، بينما نجد جاك ممسكا بصفيحة معدنية كانت بجانبه مرسوم عليها خريطة العالم، وأخذ يثقبها بأصابعه الفولاذيّة، فلمّا شارف على الانتهاء منها بكى ثمّ احتضنها ووضعها على الأريكة.
ولأنه ذو قلب جسور انتفض فجأة واتّجه إلى باب المرصد ولم يفتحه بل اقتلعه من مكانه وتذكّر ولأول مرّة ذاك البركان الذي ضرب ولاية كاليفورنيا منذ أربعة عشر عاماً تقريبًا وتذكّر أنّهم لقّبوه ب "فتى البركان الملثّم" فقال لنفسه: الآن أنا فتى بركان البيت الأبيض.
أقبل عليه حرسه شاهرين مسدساتهم ظنًا منهم أنّه كان في مشاجرة مع شخص استطاع التسلل والوصول إلى مخدعه.
فلما رأى منهم ذلك قال لهم: لا شيء خطر، انتظروني هنا حتى أعود، لعلي أستطيع أن أطفئ حرائق البيت.



***






جاك في البيت الأبيض
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
وصل جاك إلى مبنى البيت الأبيض وما زال يتوقّد حنقًا على وتيرة الأحداث التي قدْ تُنذر بزوال العالم ولاسيما أن مؤجج هذا الصراع هو رئيس جورج رامسفيلد بإيعاز من يعقوب إسحاق.
وصل إلى البوابة الرئيسة للبيت الأبيض، دلف إلى أحد حرّاسها، ثمّ قال له بابتسامة هادئة رغم أن غضبه يكاد يتحول إلى لهيب: «أريد مقابلة فخامة الرئيس.»
تفحّصه الحارس بنظرة عميقة، وأوغل في شرارة عينيه وطأطأة بشرته وتذبذب جوارحه، تبين حقيقته ولم تخدعه ابتسامته الهادئة، عندئذ قال له الحارس بهدوء: «هل أخذت موعدًا من فخامة الرئيس يا دكتور جاك؟»
أجابه بسؤال: «أتعرفني؟»
- «وهل تظنّ أنّ حارس البيت الأبيض لا يعرف مَن هو مثلك يا جاك، يكفي أنّك تُسمِّي نفسك جاك الولايات المتحدة الأمريكيّة.»
صمت هنيهة ثمّ قال: «أنا سعيد برؤيتك، وأرجو أن تُهدّئ من روعك وتملك أعصابك العائمة في بركان غضبك.»
- «لا شأن لك بغضبي، فقط أخبره أنّي أريد لقاءه.»
انتحى الحارس جانبًا ليكون بعيدًا عن سمع أذني جاك، بينما جاك يرمقه مقطبا.
كلّم الحارس رئيس حرس البوابات وأخبره بحالته، فأخبره رئيس الحرس بمنعه من الدخول والانتظار لحين إشعار آخر.
ومرّت ساعة وما زال جاك ينتظر على أحد المقاعد، وبدأ الظلام يهبط وئيدًا، فنهض وأقبل على الحارس وهو يزفر غضبا، وقال: «بعد إذنك، افتحْ البوابة واتقِ شرّي، أنت ومن وراءك.»
رد ّالحارس: «لا تضطرني يا جاك أن أفعل ما أكره وتكرهه أنت، انتظرْ حليمًا أو انصرفْ راشدا.»
ضربة جاك ضربة قوية في قضيبه فتقلصت ملامح الحارس ألما وسقط طريحا، حاول النهوض فلم يستطع. مضى جاك قدما واخترق الباب، خطا خطوات وهو يلتفت يمينًا ويسارًا يريد أن يعرف السابلة إلى حجرة الرئيس، لكنْ سرعان ما التفّ حوله حرس البوابات ولم يكن بينهم رئيسهم.
أحصاهم جاك عددا وقال لهم متوعدا: «دعوني، أريد مقابلة الرئيس.»
هاتف أحدهم رئيس الحرس فأتى مسرعا وهو يكلم الرئيس بشأن جاك.
أقبل إليه رئيس الحرس وقال له ممتعضا وأنفاسه تتلاحق: «أهذه طريقة تدخل بها البيت الأبيض يا جاك، اتفضل الرئيس بانتظارك.»
ورغم دخول جاك عليه متجها إلا أن الرئيس نهض له والتزمه وبش له، هكذا تراءى له.
أما جاك فلم يبد له أي احترام؛ بل لم يبسط يده إليه.
أنزل الرئيس يده بعد أن أخذ تلك الصفعة النفسية وتجاوز أيضا عن هذه الأخرى وبادره بقوله: «لعلّك فكّرت في عرضي السابق وقرّرت أن تصنع الطائرة.»
هز جاك طرف أذنه اليمنى بإبهامه وكأنه يريد أن يطرح أرضا بكلمة الرئيس التي سمعتها أذنيه، وسرعان ما قال: «أشعلتَ الحربَ أنت ويهودك، ماذا ستجني أمريكا من وراء الحروب؟»
واستطرد مستدركا بصوت عال: «بل ماذا ستجني أنت من العرش؟»
لم يعد يحتمل الرئيس استخفاف جاك به لذلك قال: «تأدب أيّها الفتى، وإيّاك تظنّ أنّ وكالة ناسا أو حبّ الشعب الأمريكيّ لك سينفعانك عندما تتطاول على رئيسك، أنا هنا على هذا العرش أحمي بلدي ممن يريدون بها السوء.»
- «أيّ سوء؟» قالها جاك باستخفاف.
- «من الشرق يأتينا الإرهاب، ومن آسيا يسرقون ملكتنا الفكرية ويتربصون بنا عبر المضايق والممرات المائيّة ليقطعوا عنا إمدادات النفط وخطوط الغاز، ولا يتورعون بالفعل أو القول لإلحاق الأذى بنا رغم أزمتنا الاقتصادية الخانقة.»
وسرعان ما هرول وفتح التلفاز وأراه أسعار النفط التي فاقت الخيال ثم قال له: «أرأيت كيف فعلت بنا ودول الخليج، أما آسيا فقد منعت النفط عنا.»
ثمّ حدّ إليه النظر وقال ممتعضا متعجرفا: «وهم صنيعتنا ونحن الذين ثبّتناهم على كراسي الحكم.»
قال جاك: «أيّها الرئيس، أنا غير مقتنعٍ بما تقول، مَن كان قبلك أفضل منك وقد ساهم في الخروج مِن أزمتنا الاقتصاديّة إلى حدٍّ كبير.»
ثم أقبل إليه بضع خطوات ورفع سبابته في وجهه وقال محذرا متوعدا: «ارفعْ يدك من هذه الحروب، اسحبْ الجيوش الأمريكيّة وخذ تعويضات الحرب التي عرضها عليك الروس والصين، انسحبْ بالجنود من أرض العرب إلى أرض أمريكا فهي (الأرض) الأولى بأن تدب أقدام الأمريكيين عليها.»
لما همّ الرئيس بالحديث بادره جاك بقوله: «اسمع، ليس لنا شأن بهرمجدون والهيكل والمسيا الملك وأرض الميعاد والنيل إلى الفرات وسائر تلك المخططات الصهيونية القذرة، شأننا هو (يشير في تلك اللحظة بسبابته إلى السماء) ذاك الرابض في السماء، ارفعْ يدك عن العالم، ارفعْ يدك عن أمريكا.»
قال الرئيس ممتعضا: «ما شأنك أنت بالسياسة والحرب يا فتى، لابدّ أن تحكم أمريكا ولا تُحكم، حتى لو اضطررت لإبادة العالم كلّه، ولا مانع أن تضحّي أمريكا ببعض جنودها مِن أجل أن يعيش شعبها كله في كرامة وكبرياء، اذهبْ أيّها الجاهل إلى ناساتك ولا تعدْ.»
تملك الغضب جاك وجرت الدماء في عروقه وأخذ يتمتم بعبارات الحنق، وتحولت عيناه إلى جمرتين وقال بصوت كالرعد: «أنت جرثومة يا خادم يهود، أنت عضو خبيث في الجسد الأمريكي يجب بتره، وأنا باتره.»
وانقضّ عليه ليخنقه، وطوقه بذراعيه وأخذ يضغط حتى جحظت عينا الرئيس واندلع لسانه وقبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بادر إليه حرس القصر وانتزعوه من يديه.
أخرجَ أحدّ الحرس مسدسه من غمده ليطلق الرصاصة على جاك، لكنّ رئيس الحرّاس رفع يده إلى أعلى في الوقت المناسب فطاشت في الهواء ثمّ قال للحارس: «أجننت! أتودّ أن يثور الشعب على الحكومة! هل تظنّ أنّ وسائل الإعلام الأمريكيّة سترحمنا؟ ألا تعرف ماذا يمثل جاك لأمريكا وللعالم؟»
ونظر إلى كل الحرس وأمرهم بالصمت.
التفوا جميعا حوله والذعر يتملكهم، وتمكنوا منه وهو يسب ويلعن في رامسفيلد ويرميه بأفظع الشتائم، بينما توارى رامسفيلد خلف ظهر رئيس الحراس.
استطاع جاك بعد لحظات التخلص من قبضتهم وركض كالوحش نحو رامسفيلد ولكن رئيس الحراس لكمه لكمة شديدة ارتد على إثرها للوراء وسرعان ما هجم عليه الحراس من جديد قبل أن ينهض.
أمرهم رئيس الحرس بأن يتركوه، وفور أن نهض قال لجاك: «جاك امضِ لحال سبيلك ولن يمسك سوء، امض وحسبك ما فعلت.»
قال جاك: «لن أمضي حتى يأمر هذا الصعلوك (يشير إلى الرئيس) بانسحاب بلدي من أرض العروبة وترك الحرب بلا عودة.»
لم يجد رئيس الحرس بدا من تهديده بعد إصراره فقال: «جاك، لو قتلتك الآن لن أُعاقب فيك، وأمور الحرب هذه سياسة دول وشأنها وليس لنا أن نتدخل فيها، ولا بديل لك الآن إلا أن تمضي.»
ردّ جاك: «لن أمضي قبل أن يعدني هذا الأخرق (يشير إلى الرئيس) بألا تتدخل أمريكا في شئون أحد.»
قال رئيس الحرس: «جاك، أنت بذلك تثير فتنة ببلدك، لا أريد أن أؤذيك لأني لا أريد للبيت الأبيض أن يصطدم بوكالتك فتتسبب في عودة الثوار مرة أخرى.»
وفور أن انتهى من قوله كرّ جاك مرة أخرى يريد الفتك بالرئيس، فوقف رئيس الحرس حائلا بينه وبين وقال له بثقة: «إذن لا محيص، قاتلني أنا.»
وأمر جميع الحرس بعمل دائرة كبيرة أشبه بحلبة المصارعة، وكل منهما يحمل بداخله أمرا، فجاك يريد هزيمته ليفتك بالرئيس، ورئيس الحرس يريد الفوز ليصرف جاك عن المشهد.
لم ينصاع الحرس للأمر، واندفعوا إلى جاك في لحظة خاطفة وتمكنوا منه وقيدوه.
أمرهم رامسفيلد بسلسلته ووضعه في أحد حجرات البيت حتى يُنظر في أمره.











وكشّر وحش السماء عن أنيابه
مرّتْ ثلاثة أيام على هذه السلاسل التي تكبّله، لم يعبأ جاك بحبسه وإنما شغله الشاغل منصبّ على نجم سحابة أورط، قال في نفسه: ما كنتُ أظن أنه سوف يأتي يوم ويمنعني شيء عن متابعة رصد النجم. تبا لهذه السلاسل اللعينة، منعتني عن وحشين، أحدهما رابض في السماء يروم إلى التهام العالم (يقصد تحول نجم سحابة أورط إلى ثقب أسود ومن ثم يلتهم العالم)، أما اللعين الآخر فهذا الرابض بعرشه في البيت الأبيض.
كلما دخل عليه حارس السجن ليدخل له الطعام كان جاك يقول للحارس راجيا بأن يحاول أن يصل إلى رئيس ناسا ليخبره بمكانه لأن العالم كله تحت قبضة نجم. وأن العالم كله مجرد لقمة سيلوكها في فمه فور تحوله إلى ثقب أسود، سيبدأ بمحتويات سحابة أورط حتى إذا انتهى منها دخل على كواكب المجموعة الشمسية فالتهمها واحدا واحدا، بدءا من نبتون ومنتهيا بالشمس.
استمع له الحارس، فهاله الأمر فبحث في شأنه.
تابع رسالتيه المسجلتين على اليوتيوب الخاصتين بالماجستير والدكتوراه.
ولما شاهد اللجنة وهي تمنحه شهادة الدكتوراه في الخيال العلمي في حضور الساسة الأمريكيين واليهود ولاسيما أنه شاهد بعض أعضاء حركة الصهيونية العالمية ارتاب في أمر جاك، فتارة يقول بأنه عميل صهيوني وتارة يقول إن كثرة العلم أفسدت عقله، وهذا دفعه للتفكير في أمر لجنة المناقشة بأنها غير نزيهة لوقوعها تحت طائلة الحركة الماسونية.
ولذلك لم يسمع له واكتفى بالسكوت.
أما رئيس ناسا فقد افتقده كثيرا منذ أول يوم غاب فيه، فهو معتاد دائما أن ينظر إليه وهو يتابع رصد نجم سحابة أورط.
ولقد قضى الثلاثة أيام الفائتة ما بين البحث عنه ورصد نجم السحابة، وبين الفينة والأخرى يبكي لفقدانه.
وفي مساء اليوم الثالث وهو مقبل على مراصد ناسا لمتابعة النجم تذكر شيئا، فضرب جبهته وقال لنفسه: كيف يفوتني أمر كهذا؟! الحرس، الحرس، لابد أن حرسه يعلمون بمكانه.
فهرول نحو سيارته، ثم ارتد للخلف مرة أخرى وقال: ألقي نظر أولا على النجم ثم أذهب إلى حرسه.
نظر واقفا، بعد مضي لحظات تسمر كأن على رأسه الطير، ثم ضغط برأسه على التلسكوب الراصد يحدق في النجم، مرت لحظات أخرى لم يتحرك من الصدمة، فجأة خرّ على كرسيه فاتحا محجرا عينيه على مصراعيهما، أما دماء وجهه فقد غادرت منه هاربة.
صرخ مناديا باسم جاك، ثم قفز من كرسيه وتوجه نحو الباب قاصدا حرس جاك.
استقلّ سيارته الطائرة حتى عثر على كبير حرس جاك، وسأله عنه فقصّ له الحارس ما حدث من ثلاثة أيام وليلة فائتين، فأخذ يفكر ويمعن في التفكير حتى هداه إلى الذهاب إلى البيت الأبيض، بل تأكد أنّه هناك.
استقلّ سيارته الطائرة وحلّق قريبًا من البيت الأبيض، ثمّ هبط على مقربة منه، وتقدّم إلى البوابة الرئيسة وطلب مقابلة الرئيس.
هاتف الحارس رئيس الحرس، وفور أن سمع منه مقدم رئيس ناسا قال في نفسه: ها قد جاء ما تكره يا رئيس البيت الأبيض، لقد حان إطلاق سراحك يا أيها الجاك العظيم.
دخل رئيس ناسا من البوابة وقابل في طريقه رئيس الحرس فسأله عن جاك فأجابه: «هون عليك أيها الرئيس، فإني أجدك ملتاعا إلى أقصى الحدود، لعلك تريد الرئيس، هلم بنا إليه.»
فور دخوله ألقى عليه التحية، ورد عليه رامسفيلد التحية بدهاء ومكر.
شعر رئيس ناسا بأن رامسفيلد يخفي أمرا رغم دهائه ومكره، وأسرّ ذلك في نفسه، وجاء كلامه معبرا عما يجيش بداخله، وكان كلامه: «سيادة الرئيس قال لي الدكتور جاك إنّه سوف يأتي هنا، وقد بحثت عنه في كلّ مكان فلم أجده، فقلتُ لعّله في ضيافتك.»
- «كنتُ سأرسل إليك اليوم، وأحمد الربَّ أنّك أتيت، جاك جاسوس للعرب، وحفاظًا على وكالة ناسا العالمية آثرتُ أن أخفي الخبر لحين ملاقاتك.»
لم يخش رئيس ناسا من قول الرئيس لأن جاك في مأمن من قبضته ولاسيما بعدما رصد الكارثة عبر تلسكوب الرصد.
ولذلك قال له متوعدا عاقبة فعله بجاك: «ملاقاتي! ملاقاتي أنا! بل عليك ملاقاة العالم كلّه.»
وفور الانتهاء من قولته وثب قائما وسأله بثقة: «أين الدكتور جاك فخامة الرئيس؟»
- «عجبا لك من رجل! أقول لك إنه جاسوس وتسألني عنه! الأحرى بك بأن تطلب له محاميا.» زفر زفرات طويلة محاول إمساك نفسه عن رامسفيلد، وآثر أن يتلطف معه فقال: «سيادة الرئيس، جاك الولايات المتحدة الأمريكية هو رمز دولتنا وقوميتنا الحقيقي، ولابد من إحضاره الآن، فقد تحقق كل ما قاله مخالفا بذلك الرأي الجمعي العالمي بشأن نجم سحابة أورط، للأسف، قد تحول النجم إلى ثقب أسود والعالم كله قد يتحول إلى مضغة له خلال بضع سنوات فقط.» فور أن أنهى كلمته انهدّ على الكرسي.
قال الرئيس غير مكترث لكلام رئيس ناسا حقدا وحنقا على جاك: «إن كان هناك من سيخلّص العالم من الشرِّ فهو أنا، لذلك أريد طائرة مخفية.»
هبّ به صارخا معنفا: «أقول لك العالم على وشك الفناء وتقول لي أنا أنا، من أنت أمام جاك الولايات المتحدة الأمريكية! وماذا تفعل بطائرة مخفية في حربك ضد آسيا والعالم كله معرض للانصهار في ثقب أسود، بوق إسرافيل في انتظارنا أيها الرئيس.»
ارتد رامسفيلد للوراء، ودون مقدمات هاتف رئيس الحرس بإحضار جاك. ثم نظر إلى رئيس ناسا وقال: «خذه هو لك.»
خرج من البيت الأبيض ليجد جاك بانتظاره في السيارة.
فور أن استقل السيارة وطار بها قال له: «تحوّل النجم إلى ثقب أسود يا جاك.»
رغم توقع جاك بتحوله إلا أنه تفاجأ بهذه الكارثة، فصاح به: «ألم تر النجم؟»
أومأ رئيس ناسا برأسه يمنة ويسرة ناهيا والدمع ينفجر من محجري عينيه.
قال جاك مستدركا: «وجدتَ ظلاما؟»
أومأ برأسه هذه المرة لأعلى وأسفل إشارة بالإثبات عن سؤاله.
قال جاك باستسلام: «إذن، قهرته جاذبيّته رغم كتلته الصغيرة وانكمشَ على نفسه متحولاً إلى ثقبٍ أسود، يا ويل هذا العالم مما ينتظره، يا ويله.»
وصل أخيرا، نزل جاك عن السيارة قفزا وهرول لا يلوي على شيء نحو المرصد. حاول رئيس ناسا إدراكه -حتى تلاحقت أنفاسه- فلم يتمكن، عينا جاك تتقافزان لتسبقاه، فور وصوله قفز نحو التلسكوب، حدق به، فوجد الثقب يتنفس أبخرة على شكل هيجان من البلازما يلفظها بسرعة تقارب سرعة الضوء من على جوانبه وحوافه، يدور حول نفسه وهو يمارس زفيرا فضلا عن شهيق أقل ولكنه كارثي.
وصل رئيس ناسا في اللحظة التي كان جاك يحدق في مركز الثقب المظلم، ووجد أن بعض الدلائل تشير إلا أن فمه مفتوح معظم الوقت.
فخر على الكرسي مصعوقا وهو يردد: «جسر أينشستاين مفتوح بصورة شبه دائمة.»
قال رئيس ناسا باكيا: «تقصد أنه جائع على الدوام؟»
أجابه: «نعم، لكنّ أملَ النجاة موجود بسبب أن معدل زفيره أكثر من معدل شهيقه، إلا إذا، إلا إذا ..»
تمتم ثم سكت. وكان سكوته بمنزلة رمي سهام القلق في روع رئيس ناسا فقال مضطربا:
-«إلا إذا ماذا؟»
- «نجاتنا منه مقترنة بنجاة الأجرام من حوله بأن تتحول إلى فرائس له.»
- «وإن لم تنج، تكن النهاية إذن؟»
- «نعم، كلنا سوف نكون له بنكهة جيدة، لكن لا تخش، فما دمت موجودا فلن يتمكن من هذا العالم.»
سكت هنيهة ثم قال: «سيادة الرئيس، أريد صورا أوضح لهذا الملعون.»
على الفور أرسل رئيس ناسا إلى المراصد المتطورة والتلسكوبات المتموضعة على متن الأقمار الصناعيّة للتأكد ممّا رآه هو وجاك.
وبعد أن جاءته قال: «للأسف صور المراصد الفضائيّة تؤكّد مما رأيته سيادة الرئيس.»
ساد الصمت لحظات، أمسك جاك خلالها الصور التي أرسلتها المركبة الفضائية غير المأهولة التي تسبح في الفضاء خارج المجموعة الشمسيّة، حدق بها جيدا، ونقر بإصبعه على موضع في إحدى الصور منها وهو يقول بعد فكر وتدبر: «هذا هو أمل النجاة، بصمة بخار ماء.»
قال رئيس ناسا: «ماذا تقصد يا جاك؟»
- «عندما تتبلور الفكرة جيدا في رأسي سأخبرك.»
صمتا هنيهة، قال جاك بعدها: «سيادة الرئيس أريد أن تعقد اجتماعا سريا فورا.»

***

وحضر جميع أعضاء وكالة ناسا.
نظر بك إلى جاك نظرة إعجاب، وقال له: «لقد صدق ظنك يا جاك وهزمتنا جميعا.»
ناوله جاك صور الرصد وقال: «أرجو أن أستفيد بخبرتك سيدي بك، فأرجو إبداء رأيك.»
حدق بك جيدا بالصور، قال وهو يطاطئ رأسه: «إنّ قذفه الشديد وصعوبة التهامه ينذر بفنائه قريبًا، فقذفه ينهي حياته، وصعوبة التهامه تدلّ على الضعف الشديد لجاذبيّته.»
قال جاك: «وماذا يحدث لو وقعت بعض الأجرام في أفق حدثه، تكون الكارثة إذن؟»
أجابه بك: «قلت لك يا جاك جاذبيته ضعيفة، ونجاتنا من فكه المفترس محتمة.»
قال جاك: «وماذا لو ذهبت إليه بعض الأجرام طوعا أو كرها، كثير من الأجرام عائمة في الفضاء سيدي بك.»
بُهت بك وهو يحدق به، ولم يجد وسيلة لحفظ ماء وجه غير السكوت.
قال جاك: «لدينا أمل، بصمة بخار الماء.»
اندفعت أكتافهم إلى الأمام قليلا، وسلطوا أنظارهم إليه، وكاد بعضهم أن يبسط يديه إليه كالغريق، ومضت لحظات صمت وهم ينتظرون كلمته في وجل وترقب وجلودهم تقشعر.
قال جاك: «يا سادة، من مراصد التحليل الطيفي لأشعة الثقوب السوداء وُجِد بصمة بخار ماء في المنطقة المحيطة به، وظهر آثارها على بعد ملايين الكيلومترات.»
ردّ بكْ عليه: «بصمة بخار الماء في الغالب نتيجة البلازما الحارة التي يطلقها الثقب على مسافات بعيدة وتصيب بعض المذنبات التي تحتوي على 80 % جليد ماء، لكن لم تخبرنا ما علاقة بصمة بخار الماء بالأمل؟»
ردّ جاك على الفور: «هذا الثقب من أنواع الثقوب الدوارة، وفي وسط فمه ثقب دودي، وعلى طول الشريط الحدودي الواقع تحت جاذبية أفق حدثه بصمة بخار ماء، فضلا عن أن معظم الوقت ثقبه الدودي مفتوح وهذا يدل على أنه (الثقب الدودي) يحتوي على المادة السالبة، وهذا كله يسهل علينا اختراقه.»
قال أحد الأعضاء البارزين: «طبعا، الثقب الدودي مُرغم على الفتح معظم الوقت لأن المادة السالبة هي المسئولة عن ذلك.»
فهم بك ما يرمي إليه جاك، ولذلك صاح به متمتما: «هل جُننت يا جاك؟! كيف تفكر في الذهاب إليه؟»
قطب رئيس ناسا فور صياح بك، وقال ممتعضا خوفا عليه: «ماذا تظن نفسك يا جاك؟ أنت أبله، أنت فاكر إن اللجنة عندما منحتك رسالة الدكتوراه في خزعبلاتك أنك عبقري، وعلى حق! تريد أن تذهب إليه بشراعك الشمسي المزعوم وجهازك الشامل، جهازك هذا مجرد وهم، لذلك لن أدعمك. جاك، لقد تخطيت حدودك، وحان الوقت كي تعرف قدرك.»
سكت رئيس ناسا، وساد الصمت في المجلس، وكأن معركة شرسة أقيمت وانتهت بسحق جاك وهزيمته هزيمة منكرة، أما جاك فإنه متأكد بأن رئيس ناسا أغلظ له في القول خوفا عليه، ولم يجد بدا في مواصلة فيما عزم عليه، قال: «ألم أقل لكم إن هذا النجم سيتحول إلى ثقب أسود ونكرتم علي؟! ألم أقدم رسالة الدكتوراه في ابتكار شراع شمسي وجهاز شامل، ورغم سخرية لجنة المناقشة فيما قدمته في الرسالة إلا أنهم لم يجدوا بدا في منحي الرسالة بسبب قوة حجتي وقوة استدلالاتي؟! وأقول لكم اليوم إني قادر على الخلاص من هذا الثقب اللعين، والأحرى بكم أن تصدقوني وتثقوا فيما قلت بعد أن ثبت صدقي فيما أنكرتم علي من قبل.»
قال أحدهم ساخرا: «أنت فاكر إن الموضوع لعبة، تريد أن تسبح في الفضاء بشراع شمسي عشر سنين بقوة دفع اندماج نووي ومحطات شمسية عملاقة على سطح القمر، إن نفقة الرحلة قد تستنزف كل اقتصاد العالم.»
كظم بك غيظه بمغادرة قاعة الاجتماع. أما رئيس ناسا فوثب منتفضا وأشار إلى جاك بسبابته معنفا بقوله: «جاك، أعرض عن هذا وإلا طردتك من الوكالة.»
هب فيهم جاك جميعا، وصرخ: «أنا أستطيع أن أحدد مساري إليه، وأراه أمامي رأي العين، أنا أستطيع أن أرسم خريطة فضائيّة بكل دقة لمجرة درب التبانة، وهذا المتمركز (يقصد الثقب الأسود) في أول سحابة أورط أهون علي من جناح بعوضة لو تكاتف العالم واتحد بدلا من تربص بعضهم بعضها، وإن كنتم ترتابون في قدرتي فإني أذكركم أيضا فضلا عما سبق بأني كنت حديث العالم يوم أطفأت حريق جامعة بيركلي بسيارة طائرة في حين عجزت طائرة الإطفاء العملاقة عن إطفائها، وإني أسألكم الآن، هل تذكرون فتى البركان الملثم الذي لم يعرفه أحد حتى الآن؟»
قالوا له: «وما علاقة هذا الفتى المعجزة بما نحن فيه؟ هل شرد عقلك لهذه الدرجة؟»
فاجأهم جاك: «أنا فتى البركان الملثم الذي كان ولا يزال حديث العالم -منذ أكثر من عشر سنين- ولاسيما أمريكا حتى الآن.»
تبسم رئيس ناسا ضاحكا فرحا وإعجابا بجاك الذي يعتبره أغلى من أولاده، بينما تسمر الباقون وكأن على رءوسهم الطير.
قال جاك: «والآن هل من الممكن أن أشرح خطتي؟»
قال رئيس ناسا: «اتفضل.»

قال جاك: «القمر نملك فيه بعض الخامات التي تصلح لصناعة مجموعة ليزرات قويّة، لكنها لن تكفي مطلقًا لخوض رحلة إليه، لابدّ من إرسال كلّ المواد اللازمة لبناء أجهزة ليزرات ضخمة عبر المصاعد الفضائيّة التي تمتلكها ناسا، على الفور. وعمل الشراع الضوئيّ على الفور.
وأنا سأعمل ليلاً ونهارًا على الجهاز الشامل. أرسلوا هيليوم -3 الى القمر اللازم لعملية الاندماج النوويّ، ذلك الهيليوم الذي اغتصبتموه أنتم وغيركم منه، وكثّفوا البحث عن المزيد والمزيد منه فقد نحتاج كلّ الكميّة الموجودة على سطح القمر، أريد خبراء الفيزياء النوويّة على القمر خلال أيام.»
لم يجدوا مفرا من الموافقة رغم عدم قناعاتهم بكل ما بينه، وكأنهم يقنعون أنفسهم بأنهم أغبياء، أو كأنهم يقنعون أنفسهم بأنه على صواب وذلك من خلال انغلاق عقولهم أمام أسطورة عبقريته.
وقبل فضّ الاجتماع كلّمه رئيس ناسا واضعا يده على كتف جاك: «فتى البركان الملثّم أهلاً بك في ناسا، أنقذتَ جامعة بيركلي سابقا والآن سوف تنقذ العالم كله في ساحة سحابة أورط.»

***
في الوقت الذي كان يصارع فيه جاك أعضاء وكالة ناسا كان فهمان يصارع نفسه من أجل دفعها نحو العمل على مصادم ffc-2.
فإن كان جاك يود مصارعة ثقب أسود في السماء، وهو يعرف مكانه بالضبط، فإن فهمان يجبر نفسه من أجل البحث عن المعبر الذي يؤدي به إلى بوابة إبليس والذي أسماه بالوتر الناري المهتز وهو وتر واحد فقط من بين مليارات الأوتار الفائقة التي تكلم بها كثيرٌ من الفيزيائيين.
لم يستطع قلب فهمان ولا عقله استيعاب ما يحدث في العالم من حروب إلا من خلال أفعال إبليس.
أفعال إبليس وحزبه جاثمة على صدره، فصرخ استغاثة: وعزة الله وكبريائه لن أتركك أيها الإبليس اللعين، إن كنت تظن أنك في مأمن مني وأنت قابع خلف بُعد محجوب عن البشر فأنت حالم واهم، مصادمي ffc-2 سوف يكشف بُعدك، وسوف أطرق البوابة وأدخل.
وسـتعلم قوة الطين عندما تصارع النار.







 
رد مع اقتباس
قديم 14-09-2024, 03:47 AM   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

***

ولم تمر سوى أيام قلائل بعد فض اجتماع ناسا حتى شرعت بامتعاض شديد في التنفيذ العملي لما اقترحه جاك نظريًا في رسالة الدكتوراه.
وكانت الخطوة الأولى هو الدفع برئيس ناسا للضغط على صنّاع القرار الأمريكي من أجل صرف الدعم اللازم لتجهيزات الرحلة.
وثمة اتفاق مسبق بين جاك ورئيس ناسا من مقترح جاك من أجل الحصول على هذا الدعم.
فقد اتفق مع رئيس ناسا بإخفاء التكاليف الحقيقية للرحلة، لأنه يعلم مسبقا أن رامسفيلد سيرفض تقديم هذا الدعم إذا علم مقداره الحقيقي معللا بأنه يحتاج الأموال لدعم حربه ضد الكتلة الشرقية ولاسيما أن تلك الكتلة تهدده باستخدام السلاح النووي بعد هزيمتها من الكتلة الغربية في الحروب التقليدية الفائتة.
عندئذ، لن يجد رامسفيلد مشقة البتة في الضغط على الكونجرس لأن صناع القرار الحقيقيين فيه هم اليهود.
وبالتدقيق في خطة جاك نجده أنه اتبع سياسة الاستدراج حتى لا يجد رامسفيلد والكونجرس بدا من الاستمرار فيما بدءوه، لأنهم سيقولون عندئذ: لقد قُضي الأمر وتورطنا في هذا الدعم اللعين.
وجاك يعلم أنه في هذه الحالة ستضطر أمريكا للإعلان عن أمر الثقب، لأن تكاليف الرحلة الحقيقية أكبر مما يملكه صندوق النقد الدولي، بل أكثر مما في البنوك السويسرية قاطبة. فيتحقق لجاك ما أراد وتنتهي الحرب بلا رجعة على الرغم من أنه يعلم أن يعقوب إسحاق لن يألوا جهدا من أجل إقناع العالم لعدم الجدوى لتقديم الدعم لهذه الرحلة، والحقيقة أنه يريد إنهاك الكتلتين الشرقية والغربية بشريا واقتصاديا من أجل إفساح الطريق له للإعلان عن الحلم الذي طال انتظاره وهو الإعلان عن دولة إسرائيل الكبرى، ذاك المخطط الذي قرروا المضي فيه في اجتماع الكابينت المشئوم.
وأبطنا الأمر (رئيس ناسا وجاك)، أما أعضاء ناسا فمنهم من سكت عن الأمر عن قناعة ومنهم من تم تحييده، فلا هو مع الدعم أو ضده.
وقد رُصد الدعم لمستلزمات الرحلة والتي تشمل:
- الشراع الشمسي وهذا سوف يدفع ويسير بعشر سرعة الضوء حتى يصل إلى الثقب الأسود بعد عشرة أعوام بطاقة الاندماج النووي ليلا (لا يمكن تحقيق الاندماج إلا من خلال الطاقة الناجمة عن الانشطار النووي)، وبقوة الليزر الهائلة نهارا.
- الجهاز الشامل وهو المعجزة والذي يوفر لأعضاء الفضاء الذين يقلهم الشراع الشمسي الماء والطعام والتنفس.
- المحطتان الشمسيتان العملاقتان على القمر: من أجل توفير الطاقة الكهربائية اللازمة لدفع أشعة ليزر تستطيع أن تدفع الشراع لعشر سرعة الضوء.
- مفاعلو الاندماج والانشطار النوويّ على القمر: وهذا أشبه بالجهاز المزدوج، فالطاقة الناجمة من الانشطار النووي منه سوف تستخدم لإجراء عملية الاندماج، ومن ثم تحويلها إلى طاقة كهربائية يمكن توجيهها مباشرة عبر المحطات الليزريّة لتدفع الشراع الضوئيّ بسرعة معتبرة.
-محطات الليزر العملاقة على القمر: وهذه الأخيرة تستلزم جهدا خارقا فوق العادة، وسوف تستنزف ربع اقتصاد العالم في بنائهما.
***
وبالفعل حصلت ناسا على الدعم ورامسفيلد ويعقوب إسحاق يكادا ينفجران غيظا وغضبا، إذ توقفت الحرب بالفعل.
وأول خطوة قامت بها ناسا فور الحصول على الدعم هو إرسال المزيد من الروبوتات عبر المصاعد الفضائيّة لاستخراج هيليوم-3 اللازم لإجراء عمليات الاندماج النوويّ وصنْع محطات الليزر، كما أرسلت خبراء تصاميم الشراع الشمسيّ إلى القمر أيضا إليه ليبدءوا في صنعه.
ولقد أثير جدلاً واسعًا حول المحطات الليزريّة بين جاك وباقي خبراء ناسا، فناسا ترى أنّه يكفي محطة واحدة عملاقة بيد أنّ جاك رفض هذا رفضًا شديدًا وقال لابدّ من سبع محطات ليزريّة، وعلل ذلك بوجوب مشاركة القارات السبع في الرحلة، بل قال إن كل محطة ليزرية يجب أن يرفرف عليها علم قارة من القارات السبع.
ولقد سُئل جاك عن عدم إعلانه بأمر الثقب فقال آسفا: «العالم فيه المرضى والكهول وأصحاب القلوب الضعيفة، ومعرفتهم بأمر كهذا في الوقت الراهن دون أن يلمسوا منا أي تقدم لمجابهته سوف يودي بهم إلى حافة الهلاك.»
ومن أقواله أيضا في هذا الشأن:«إن الروس يساهمون بالفعل في إعداد الرحلة دون أن يشعروا.»
فقيل له عن كيفية ذلك فقال: «ألم تنقب روبوتاتهم المتواجدة على سطح القمر عن هليوم-3 اللازم لدفع شراعي بعملية الاندماج النووي.»
***
ولقد اندهشت موسكو بعد إصدار القرار بدعم رحلة جاك -الذي لا يعلمون من أمره شيئا- من تثاقل الكتلة الغربية في المضي قدما نحو الاستمرار في الحرب، حتى إنّ بعض القوات الأمريكيّة بأحلافها رحلوا عن بعض المناطق الإستراتيجية من المنطقة العربيّة.
لكن جهاز الاستخبارات الروسية gru لحظ أن وكالة ناسا أرسلت كما هائلا من الروبوتات إلى سطح القمر عبر مصاعدهم الفضائيّة،
فضلا عن إرسالهم لملايين المرايا التي تستخدم لعمل أجهزة الليزر.
وكذلك إرسال خبراء فيزياء نوويّة وخبراء فضاء وفلك، وسواء هؤلاء أو هؤلاء فقد استوطنوا القمر.
وبمتابعة أمر الخبراء أو أمر الروبوتات، وجدوا أن الروبوتات تشرع في البحث الدءوب عن هليوم-3، أما خبراء الفيزياء النووية فقد طفقوا يبنون مفاعلين نوويين، أحدهما للانشطار والآخر للاندماج.
وخبراء الفلك والفضاء وضعوا هيكلا لشراع شمسي بحيث يتمركز في مدار حول الأرض.
واجتمع كل رؤساء الكتلة الشرقية برئاسة الرئيس الروسي بحثا عن إيجاد تفسير مقنع لتصرفات الكتلة الغربية في أمر الحرب، وتفسير آخر مقنع حول خبراء ناسا.
وفسّروا تهدئة الأوضاع لخوفهم من الرءوس النووّية التي على مراكز إطلاق الصواريخ، كما فسّروا انسحاب بعض وحدات الجيش بأنّها وسيلة من وسائل الخداع والتمويه حتى يضربوا ضربتهم الكبرى.
وفسّروا إرسال المزيد والمزيد من الروبوتات إلى القمر للتنقيب عن هيليوم-3، ومن ثم زيادة قدرتهم النووّية في الحرب -هذا النوويّ الذي لم يستخدم حتى الآن- لكنهم لم يستطيعوا تفسير صنْع الشراع الشمسيّ ولا تفسير إرسال ملايين المرايا التي تستخدم في عمل الليزر، حتى قال أحد الخبراء الروس قولة مشهورة: «لعلّهم سيضربوننا بالليزر من على القمر.»
واستدرك: «لا ضير إذن، فنحن ننقب عن هيليوم-3 أيضا.»

خطتا فهمان وجاك لإنقاذ العالم:
لم ينشغل فهمان باكتمال النموذج القياسيّ للجسيمات بتاتًا، كلّ ما يشغله هو امتطاء جرافيتون جسيم الجاذبيّة والهروب معه للوصول إلى الشيطان.
ومن هذا المنطلق حاول فهمان أن يشارك صديق عمره الوحيد في همّه فكلّمه عبر البريد الإلكتروني وأعلن له عما يجيش في نفسه من خواطر.
ولقد حدث بينهما حوار طويل عبر البريد وها مستخلصها.
ألقى فهمان رسالة حبٍّ وتحية وسلام.
سأل فهمان: «جاك كيف حالك؟»
أجابه جاك: «بخير صديقي الحبيب غير أنّ الدنيا ليست بخير.»
- «نعم صديقي العالم سيحترق لو نفذت آسيا تهديدها وأطلقت رءوسها النوويّة.»
- «صح لسانك، لكنّي لم أقصد عما قصدته، إنّما قصدتُ شيئًا آخر، هناك كارثة ستقع.»
- «كارثة! لعلك تقصد مجيء كاجيتا للمصادم، لن أدعه يصنع قنبلة الثقب الأسود، لا تخفْ صديقي.»
- «ليس هذا ما أعني.»
سكت هنيهة ثمّ قال: «أتذكر نجم سحابة أورط الذي أخبرتك عنه؟»
- «أذكره .»
توقف كلاهما عن الكتابة، وكأن جاك لا يود إخباره.
فجأة شهق فهمان من تأخر إرسال رد جاك، ولذلك قال وهو يضع كلتا يديه على رأسه: «تحوّل؟»
كتب جاك بيد مرتعشة: «تحوّل.»
كتب: «وماذا ستفعل؟»
قص له جاك كل شيء بما أضمره بشأن الرحلة.
لم يكترث فهمان بعبقرية جاك وحكمته، وإنما أجهش بالبكاء، وأصابت جسده رعدة، وتصبب العرق من جبينه، وبعد لحظات من تلك المعاناة كتب: «تريد أن تلقي بنفسك في جحيم ثقب من أجل أن...»
بادره جاك برسالة مقاطعة: «من أجل أن يحيا العالم لا بأس أن يضحي جاك بنفسه.»
ظلا يبكيان، فلما طال انتظار جاك لرسالة فهمان كتب: «لا تخش صديقي، سأذهب إليه، سأمحوه من الوجود بدقّ عنقه.»
- «إنه ثقب أسود، ثقب أسود يا جاك.»
- «لكني قادر بفضل الرب التغلغل في أمعائه وعبوره لأخرج من دبره، عندئذٍ أطعنه في ظهره ولن تقوم له قائمة.»
- «كيف تطعنه؟»
- «بعد عبوري سأجد كونا آخر، هذا الكون من سيطعنه، بحيلتي وحسن منطقي.»
- «وما أدراك بأنهم قادرون على فعل ذلك، ربما يكونون أقل حيلة وعجزا منا.»
لم يجد جاك ما يرسله له، فهو يعلم أن الكون الذي خلف الثقب الأسود مجهول الهوية، بل قد يجد خلفه أناسا أحياء ماتوا في كون الأرض، بل قد يكونوا أناس يعرفهم وعاشوا بين ظهرانيه. بل قد يكون كونا يجد فيه أناسا قد أذن الرب لإسرافيل بالنفخ في البوق وهم الآن في مرحلة تطاير الصحف والمرور على الصراط وعرض الأعمال على الله.
ولم يجد جاك بُدا من التفاؤل، ولذلك كتب: «أنا متأكد أن خلف الثقب كونا قادرا على ضربه في دبره والقضاء عليه.»
- «أنت تغالط نفسك يا جاك، لكن لا بأس، اعلمْ أنه لن يطيب لي عيش أو مرقد بسبب فراقك، فلعنة الله على إبليس الذي سوف يفرق بيننا.»
وعاد البكاء من جديد.
بعد لحظات أرسل فهمان كالمستدرك: «هب أن الأمور مرت بسلام، أين الوقود الذي سوف تسير به بعد عبور هذا الجحيم؟»
كتب جاك بإصبع مضطرب: «سأستخدم أولاً الطاقة المتولدة من اتحاد الأكسجين والهيدروجين، أحصل على الأكسجين من الطحالب أو التحليل الكهربائيّ للماء، وأحصل على الهيدروجين من الفضاء، وأجعل وقود الأرض المتوفر على متن شرعي مخزنا استيراتيجيا لي.»
- «ما زلت تمني نفسك وتفرط في تفاؤلك، وإفراطك سيجنني، قل لي يا جاك، هل أنت مقتنع بما تقول؟»
- «لابد أن أقنع نفسي رغما عنها، لأنه ليس لدينا خيارا آخر، فدعنا نعيش لحظة التفاؤل حتى لا يقتلنا التشاؤم يا فهمان.»
عاود فهمان البكاء، وبكى بكاء مريرا، حيث وقع في روعه نجاح الخطة. فجهر له بذلك بقوله: «وتنجح خطتك.»
تأكد جاك أن فهمان يبكي بكاء مريرا بسبب نجاح الخطة، وهو يعلم سبب بكائه لكنه تجاهل ذلك وقرر ألا يجعل الأحزان تتلوى بداخل جوارحه.
قال جاك: «استشعر بكاءك مع أني لم أرك، تبكي يا فهمان بسبب نجاح الخطة؟!»
- «أنت تعلم لم أبكي؟»
تجاهله جاك ولم يرد عليه، عندئذ بادره فهمان برسالة: «سيتحطم الثقب ويقطع عليك خط الرجعة إلينا.»
حاول جاك أن يخفف آلامه فأرسل: «لا تخش يا فهمان، فإن دروب المجرات كلها أعلمها جيدا، وأنا قادر على العودة، لكن ..»
توقف جاك عن الكتابة، عندئذ أرسل له فهمان: «لكن ماذا؟ أقول لك أنا، أقل مسار يمكنك السير فيه من أجل العودة إلى الأرض سيستغرق نحو ثلاثمائة عام. فلعنة الله على إبليس.»
طرح جاك حديث الثقب أرضا وكلمه في شأن إبليس، أرسل: «هل ما زلت مصرا على عبور البعد المعكوف والوصول إلى كون إبليس بعد طرق بوابتهم.»
- «عشت من أجل ذلك، ولن يهدأ لي بال حتى أعبر الجسر المؤدي له، هو كما تعلم وتر من أحد الأوتار المهتزة التي أخبرنا بها الفيزيائيون.»
- «أنت تعلم أني غير مقتنع بوجهة نظرك، لكن ما دمت مصرا فيجب عليك تخطي الصعوبات من أجل الوصول إليه.»
- «جاك، لن أستطيع أن أصل إليه إلا بمساعدتك، لابد أن تأتي مصر من أجل ذلك، فالصعوبات جمة.»
- «ألا تعلم حجم الضرر الذي قد يقع على بلدك لو نزلت مصر، أتعلم ما معنى أن يُكتب في الصحف أن جاك قادم على أرض الوادي الجديد؟»
- «للأسف قد تتوتر العلاقة بين الكتلة الشرقية ومصر بسبب إقدامك للعمل على مختبري (ffc-2) لكن لا مفر من ذلك فأنا لن أستطيع الهجرة من هذا البعد الكوني إلى بُعد إبليس إلا بمساعدتك.»
- «معاند أنت يا فهمان، رأسك كالحجر، قلت لك من قبل أن تخليق جسر عبر ثقب أسود مجهري للعبور أمر في غاية الصعوبة وتصر على عبوره. قلت لك إن المعبر سينغلق قبل عبورك وتصر على عبوره، قلت لك إن قدراتك البشرية أضعف من أن تواجه إبليس على أرضه وتصر على العبور، وقلت لك إن تحديد الوتر الناري المهتز أمر في غاية الصعوبة، فقد تجد نفسك عبرت إلى جحيم الآخرة فتكوى في نار جهنم وأنت أتقى الأتقياء، أليس الوتر الناري الذي تسعى إليه هو وتر النار؟! فتعقل يا فهمان، تعقل، اعرض عن هذا الأمر.»
- «هذا الخسيس الرجيم يعبرنا في لحظة من خلال البعد المعكوف المطوي غير المرئي، ونحن لو أردنا عبور هذا البُعد فقد يستغرق منا آلاف السنين. هذا إن استطعنا أن نراه ونحدد موضعه في جيوب فضائنا، ولذلك فمصادمي (ffc-2)سوف يمكنني من الوصول إليه في بضع لحظات، ولن ينغلق الثقب علي فالمادة السالبة قادرة على فتحه.»
غضب جاك غضبا شديدا وأرسل في التو: «هل جننت؟ تريد أن تجعل فمه مفتوحا فيلتهمنا جميعا، إنه لن يذر منا أحدا.»
- «على رسلك يا صديقي، سيظل فم الثقب مفتوحا حتى أعبر فقط، عندئذ سينغلق ويتلاشي الثقب المجهري كله على الفور، أنا أستطيع أن أروضه جيدا.»
- «ويكون فهمان فطين المصريّ أول من استطاع في التاريخ البشري كله الوصول إلى إبليس من خلال ثقب أسود مجهري بوساطة مصادمه المعجزة (ffc-2)، آه يا رب هذا الكون!سآتيك إذن يا فهمان، فانتظرني.»

***



صراع حول قنابل الثقوب السوداء
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
بعد مرور بضعة أيام من عقد مؤتمره أعدّ كاجيتا حقائبه -بوجهه الشرير- متوجها إلى المصادم الثاني (ffc-1) الكائن في نفق أسفل نفق المصادم العتيق (hlc)، وقد صحبه في رحلته فريق عمله -وهو أفضل فريق نجح في إجراء أفضل تجارب التصادمات وأخطرها على (ffc-1)- من أجل إجراء بعض التجارب في المختبر والتي تحاكي التجارب التي يود إجرائها على مصادم الوادي الجديد (ffc-2).
والغرض النهائي من تلك التجارب التوصل إلى قنابل الثقوب السوداء.
وبعد فترة تجاوزت عاما كاملا تمكن من وضع معادلة نظرية لصنع قنابل الثقوب السوداء، تلك المعادلة لم يدر بها أحد من الخبراء والعلماء العاملين على المصادم (ffc-1)، وما بقي إلا أن ينفذها عمليا على مصادم الوادي الجديد، لأن مصادم سيرن (ffc-1) كما هو معروف بداهة أنه غير قادر على إمساك الجرافيتون، فبدون إمساكه لا يمكن لقنابل الثقوب السوداء أن تخرج إلى النور.
بعد ذلك أرسل رسالة مشفرة إلى رئيس وزراء اليابان -المجنون بداء العظمة- يخبره فيها بأنه توصل إلى المعادلة النظرية وسوف يتوجه بفريق عمله إلى الوادي الجديد بمصر لتطبيقها عمليا، وسوف يأتيه بقنابل الثقوب السوداء في غضون بضعة أشهر لا أكثر.
وأود أن أذكر القارئ بأن أثناء تجارب كاجيتا على مصادم (ffc-1) وقع الحدثين المصيرين في العالم، الأول هزيمة الكتلة الشرقية في الحرب القائمة ورفض رامسيفلد لتعويضات الحرب من أجل فض النزاع بإيعاز من الملعون يعقوب إسحاق.
والحدث الآخر هو تحوّل نجم سحابة أورط إلى ثقب أسود، والذي على أثره توقفت الحرب من أجل الإعداد لرحلة جاك.


والمفاجأة أن كاجيتا متأكد من أن نجم سحابة أورط سيتحول إلى ثقب أسود، لم يكن مصدر تأكده نابع من مسائل علمية كجاك، وإنما لأنه أُخبر بذلك من لدن الكون المتواجد خلف النجم.
فكاجيتا كان يتواصل مع هذا الكون الذي لا يعلم بأمره أحد ولا جاك نفسه عبر بُعد الأحلام، ذلك البُعد الذي نعيش فيه أحيانا لحظات ونحن نائمون ولم ندر نحن البشر كيف دخلنا إليه ولا كيف خرجنا منه، كما لا ندري ما القوانين الفيزيائية التي تحكمنا فيه، غير أن واحدا من علماء الفيزياء البارزين تحدث عن هذا البُعد بقوله: يبدو أننا نعبر ثقب أسود قبل أن نتعايش مع الأحلام ونحن نائمون، وغالب الظن أن البُعد الذي نحلم فيه هو كون تعيش فيه الشياطين وربما الملائكة.
وكم تحادث كاجيتا مع هذا الكون وهو نائم، أو حتى إذا غفا، والغرض من تلك المحادثات هو أن يمكنهم من استعمار كوكب الأرض لإقامة الوزن بالقسط.
ولن يمكنهم من ذلك إلا إذا نجح جاك في الوصول إليهم، وسوف أميط اللثام عن فرضية وصول جاك إليهم من أجل أن يتمكنوا هم من الوصول إلى كوكب الأرض في الأحداث اللاحقة.
ولقد أخبر كاجيتا رئيس وزراء اليابان بأمر النجم، ولذلك أرسل الرئيس إلى وكالة الفضاء اليابانية للمساهمة في إعداد رحلة جاك دون علم ناسا بالأمر، ولقد أشار عليهم كاجيتا بتطوير إيريكا 300 ليكون الروبوت المعجزة في رحلة جاك اللاحقة، وليكون الوسيلة لنجاح رحلة جاك والوسيلة الأخرى هو السيطرة على رواد فضاء الشراع الشمسي الذي ابتكره جاك من أجل تحقيق مآرب الكون الذي يود غزو كوكب الأرض.
ولقد صممه الخبراء بوحي من كاجيتا على نفس طراز الكون الآخر بحيث أن يكون (إيريكا 300) واحدا منهم.

***

هبطتْ الطائرة بكاجيتا ورفاقه قادمة من إحدى مطارات سويسرا، في إحدى المطارات القريبة من محافظة الوادي الجديد، ومن ثم استقلوا سيارة متوجهين إلى المصادم مباشرة.
فور أن قرأ فهمان خبر قدوم كاجيتا وفريقه أرض الوادي الجديد أصابه الهلع، فهو لم ينس قول جاك له بأن يغلق المصادم أو يمنع كاجيتا من العمل على مصادمه لأن كاجيتا يود السيطرة على العالم هو ورئيس وزراء اليابان من خلال صنع قنابل الثقوب السوداء.
استقبله فهمان على باب المصادم الرئيس بدقات قلب تتصارع وبوجل بائن على ملامح وجهه.
قال فهمان: «حمداً لله على سلامتك أستاذنا.»
- «كيف حالك يا فهمان؟»
- «بخير حال.»
- «أنت معجزة يا فهمان.»
صمت لحظات ثم قال: «أخبرني عن حال رئيسكم العادل "مهدي".»
- «بخير هو الآخر، وأود أن أخبرك أننا شيدنا هذا الصرح العظيم (يشير فهمان إلى مصادمه ffc-2) من أجل السلام.»
لم يعجبه قول فهمان، ولذلك أخذ ينظر بعيدا كأنه يتأمل شيئا ما ثم قال بحنق: «أنت مسرور يا فهمان؟ أشعر بقوة كامنة داخلك تكاد تمزق قلبك، ولذلك سأعمل على تمزيقه أكثر.»
وضج بالضحك، وضحك خلفه فريقه، بينما فهمان صامت يحاول التماسك بيد أنه يشعر بدوار لجرأة كاجيتا عليه وكلامه المستفز.
توقف كاجيتا فجأة ثم قذف فهمان بكلمات كالسهام المسمومة: «رئيسكَ يعلم أن هذا الذي بناه من أجل السلام سوف يسبح المصريون فيه في بحور من دماء بني الأصفر. (يقصد كاجيتا أن سلاح قنبلة الثقوب السوداء الذي سوف يبتكره سيزيل الولايات المتحدة الأمريكية من خارطة العالم).»
لم يفهم فهمان مراد كاجيتا لكنه اشتم رائحة الشر من بين ثنايا كلماته فقال متمتما: «ماذا تقصد؟»
لم يرد كاجيتا إعلام مراده ولذلك حوّر الحديث وقال ساخرا: «هل ما زلت تود الذهاب إلى إبليس؟»
تفاجأ فهمان بعلم كاجيتا بالأمر، ولم يدر بماذا يجيبه، فبادره كاجيتا: «أنت تسعى إلى وهم يا فهمان، وإن كنت تريد أن تعرف أين إبليس الحقيقي أخبرتك بمكانه.»
حدق فهمان به، وتمتم، وسرعان ما سأله: «هل عرفت أي البوابات أطرقه كي أصل إليه؟»
استاء كاجيتا من قوله، وقال ممتعضا: «ما زلت تود الذهاب إلى الوهم وتترك الحقيقة، إبليس الأكبر هي أمريكا، وبدونها يسوف يسود السلام الذي ترنو إليه يا فهمان.»
ثم ما لبث أن اقترب من إحدى أذنيه وقال: «ترى ماذا فعلت ناسا في شأن النجم الذي تحول إلى ثقب أسود ولم تود إخبار العالم به؟» ثم ابتعد عنه قليلا.
قال فهمان متمتما: «كيف علمت بأمر كهذا؟ أحقا ما تقول؟»
أشار إليه كاجيتا بأن يصمت واضعا يده على فمه. ثم اقترب من إحدى أذنيه مجددا وقال: «أخبر صديقك هذا الجاك بأني سوف أساعده في دحر الثقب الأسود، وسوف أمنحه رمحا يضرب به مؤخرته فلا تبقى له قائمة.»
وابتعد عنه قليلا واضعا يده على فمه مجددا وقال: «جاك، جاك فقط من يعلم بالأمر.»
وتركه وأشار إلى رفاقه بأن يأتوا خلفه وهو يضج بالضحك وهم كذلك.
بعد مُضي لحظات من رحيله هو وفريقه وفهمان ينظر إليهم بغيظ، توقف كاجيتا فجأة وانتصب كالتمثال، إذ جاءه وحْى إمبراطوريّة الآلات الكبرى، فرد ّعليه في اللاوعي خلف ثقب سحابة أورط أنّ إيريكا 300 ستكون دليلهم إلى الأرض، وخاطبهم أنّه يجب أن تتّحد دولة الآلات بجانب إمبراطوريّة اليابان الكبرى لإذلال البشريّة الحمقاء ولاسيما الأمريكان منهم.
استقبل رئيس الأمن كاجيتا وفريقه ليكون بصحبتهم حتى يوصلهم إلى أماكن إقامتهم وهو أحد المباني الفاخرة التي شيدت فوق نفق المصادم مباشرة.

***
ما زال فهمان واقفا في مكانه كالتمثال رغم مغادرة كاجيتا بنحو ربع ساعة تقريبا.
ظل عقله هائما في الحوار الذي دار بينه وبين كاجيتا، وتيقن أن كاجيتا له مصادر سرية يعرف من خلالها كل حركات وكالة ناسا وخاصة جاك.
وتساءل: كيف يعرف هذا الرجل بأمر تحول النجم، بل كيف عرف بأمر كتمان ناسا للأمر؟
والأعجب كيف عرف بأمر عزمي على الذهاب إلى الشيطان؟
وأمسك رأسه وهو يقول: رباه رأسي سينفجر. ماذا أفعل مع هذا الكاجيتا؟
يبدو أنه تمكن من اختراق بريدي الإلكتروني وقرأ كل ما دار بيني وبين جاك.
وخشي فهمان من كاجيتا، إذ تبين له من الحديث الذي دار بينه وبينه بأنه يضمر شرا مستطيرا لأمريكا، وفهمان يعلم جيدا بأن لا أحد يستطيع أن يتمكن من دولة مثل أمريكا إلا من خلال سلاح قوي، ولا يوجد سلاح أفتك من قنابل الثقوب السوداء.
وتذكر قول جاك له: لن تعبر، العالم سينتهي قبل أن تعبر، العالم الذي تُضحّي من أجله سيضيع بسبب مصادمك يا فهمان.
وتذكر آخر كلمة قاله له: إذن فأنا أحملك ما سيحدث للعالم من جراء حمقك.
شعر فهمان بأن كلام جاك سيتحقق، وأن كاجيتا سينال من العالم قبل أن يتمكن هو من عبور جسر الشيطان.
لذلك استقل طائرة خاصة ومضى نحو القصر الرئاسي لمقابلة الرئيس مهدي عله يستطيع طرد كاجيتا وفريقه من المصادم قبل أن تقع الطامة الكبرى ويتوصل إلى ابتكار قنابل الثقوب السوداء.

***
دخل فهمان على الرئيس، بينما مهدي كان يفكر ويحدث نفسه: ما جاء بك يا ولدي اليوم إلا لأمر جلل، فما هو؟
وبعد أن ألقى التحية قال: «سيادة الرئيس، لي طلب عند جلالتك وأرجو أن لا تردني خائبا.»
قال مهدي: «فهمان يا ولدي، أنت ابن مصر، وصاحب فضل على أهلها جميعا، لذلك فرجاؤك أمر، فاسأل ما تشاء أعطيكه.»
- «أريدك أن تطرد كاجيتا وفريقه من مصر.»
تفاجأ مهدي من طلب فهمان الغريب، وكلمة الطرد شدت جوارحه، فسأله: «من كاجيتا هذا؟»
ولما همّ فهمان بالكلام استوقفه مهدي وهو يشير بسبابته وقال كالمستدرك: «آه، لقد ذكره لي من قبل العلماء الذين أتوا للعمل على المصادم فور أن قابلوني.»
لم يكترث فهمان بقول العلماء فيه، وإنما دخل في الموضوع مباشرة وذكر له سبب طلبه ألا وهي رغبة كاجيتا في صنع قنابل الثقوب السوداء من أجل تدمير العالم.
تفاجأ مهدي بكلام فهمان، وتدارسه جيدا فيما بينه وبين نفسه، وقرر في مكامن نفسه أن ينتهزها فرصة من أجل إنقاذ فلسطين من أنياب الصهيونية العالمية، كما قرر تحويل مصر لإمبراطورية تحكم العالم رغبة في رفع جباه المصريين التي لطالما مرغت في الرغام وداستها أحذية اليهود الغليظة وحلف الناتو على مدار قرون طوال، وكانت عصيهم الغليظة مسلطة على أدبار وأقدام المصريين والعرب عموما ولاسيما دول الخليج.
رفع سبابته في وجهه وقال له بشغف ورجاء: «فهمان، بل أنا أرجوك أن تصنع لي هذه القنابل، أتوسل إليك يا ولدي.»
نزل طلب الرئيس على قلب فهمان كالصاعقة، وظلّ يتساءل في نفسه: ماذا يريد الرئيس منها؟ إن من يملك تلك القنابل سوف تدفعه للطغيان.
وآثر فهمان ألا يصنع لأحد تلك القنابل، ولذلك قرر أن يماطله لا أن يرفض طلبه رغبة في تحقيق أمنيته ويحقق طلبه ويطرد كاجيتا.
أثناء ذلك كان مهدي ينظر إلى ملامح وجهه، وتفرسه جيدا بل وأوغل في جوارحه وتأكد أن فهمان لن يصنع له ولا لغيره هذه القنابل، ففكر أن يفصح له عن مراده بيد أنه فضل إرجاء الأمر حتى حين.
قال فهمان أخيرا: «أمهلني بضعة أيّام فقط، فأنا غير متأكد أني سأنجح في صناعتها.»
- «خذْ راحتك خالص.»
- «وماذا ستفعل فيما رجوتك إياه؟»
- «لا أستطيع أن أردّه، فنوغر صدْر اليابان وأمريكا علينا، وأنت تعلم أنه ليس من حقي أن أمنع أحدا من العمل على المصادم، كما أن فعل كهذا ليس في صالح الخزينة المصرية. لكني لدي حل يريحك ويريحني.»
قال فهمان مندفعا: «ما هو؟ أخبرني.»
أجابه: «لتكن أنت أسبق منه، فكما يقول المثل"اتغدى بيه قبل ما يتعشى بيك" فهمان اصنع قنابل الثقوب السوداء وسلمها لي وأنا على استعداد أن أطأ دولة مثل أمريكا تحت قدمي.»
تبودلت ملامح فهمان وحملت ملامح جديدة، ملامح الخوف، فقد كان خائفا من كاجيتا، والآن تضاعف خوفه بعد أن تأكد فهمان (بحسب معتقده) أن الرئيس يود القنابل من أجل أن يتحكم في مصائر العالم.
قال فهمان: «إن شاء الله.»
قالها وانصرف.
بعد انصرافه قال مهدي لنفسه: لن أستطيع أن أغير ما برأسك يا ولدي، فإن كان جاك حملك مسئولية ما سيحدث للعالم لو امتلك كاجيتا قنابل الثقوب السوداء فأنا أحملك أيضا إهدار فرصة أن تعيش مصر بعزة وشرف، وكذلك فلسطين.







 
رد مع اقتباس
قديم 19-09-2024, 07:55 AM   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020


مرض فهمان

عاد فهمان من القصر الرئاسيّ إلى المصادم مباشرة، واختلى بنفسه يُفكّر في أمر قنابل الثقوب السوداء.
حدق بجهة الغرب، وطفق يرددَ على مسامعه محادثته مع جاك، ولاسيما تحذيراته بشأن خطورة كاجيتا على العالم، وما نسي أنه أمره بإغلاق المصادم (FFC-2) من شدة خطورته، وإلا يفعل فسيحمله ما يحدث للعالم على إثر تمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء.
وضع كلتا يديه على رأسه وتوعد نفسه بالويل والثبور، ثم أخفضهما باسطي كلتيهما تلقاء عينيه، ينظر لإحداها تارة، ثم ينظر إلى الأخرى ويحادث نفسه: يا ويلي بما قدمت يداي.
نظر إلى مقصلة كانت معلقة في الحجرة، وأقدم عليها، أنزلها. توقف لحظة وتذكر توسل الرئيس مهدي -الذي يحبه- إليه بأن يتغدى بكاجيتا قبل أن يتعشى هو به، وقال همسا والدموع تنهمر من محجري عينيه: ثمة فرصة نجاة، أصنع القنبلة وأهديها للرئيس مهدي فيجنبنا حقد كاجيتا وجنون رئيس وزراء اليابان.
صمت لحظة يتدبر أمر ما قال ثم همس مجددا: لا لا، إن مهدي قال: فهمان اصنع قنابل الثقوب السوداء وسلمها لي وأنا على استعداد أن أطأ دولة مثل أمريكا تحت قدميّ.
عاد ونظر إلى المقصلة مرة أخرى ورفعها في الهواء وهو يقول: لابد أن تودع العلم وتنساه، فأنت يا فهمان الذي سعى بكل جوارحه لإنقاذ البشرية هو من سيكون السبب في هلاكها.
ولما همّ بقطع كلتا يديه خُيّل إليه بأن أباه يدق أذنيه بقوله: يا فهمان يا ولدي، لابد أن تعبر الجسر، كيف تعبر مبتور اليدين!
فألقى بالمقصلة وهو ينادي صارخا: أبتِ، أين أنت؟
أبتِ العالم سوف يفنى بسببي، أين أنت؟ كم أنا محتاج إليك يا فطين المصري.
واستدار فجأة وهو يقول: الجواب، الجواب.
وظل يبحث عنه في حجرته مع أنه يعرف مكانه، لكن عقله قد طار في رياح عاتية.
فلما يئس من العثور عليه، اندفع نحو الباب راكضا، تعثرت إحدى قدميه في ركن من أركان الجدران فوقع وشجّ رأسه، لم يضع يده على موضع الشج كما يفعل أي إنسان وإنما ركض ولم ير الدماء التي تنزف من رأسه.
ظل راكضا حتى استقل المصعد الكهربائي وهبط به، فتح باب المصعد وركض حتى وصل إلى الموضع الذي تُجرى فيه تجارب المصادم وظل يحدق به.
رآه بعض العاملين بالمختبر (FFC-2) فسعوا إليه هلعين ولاسيما حرسه الخاص، ولكنه نهرهم ودفعهم بكلتا يديه وهو يصرخ بهم: دعوني، لابد أن أسحقْ بدلا من البروتونات التي تتصادم.
فهمان سيتسبب في دمار العالم، فدمروني، دمروني ليستريح العالم من شري.
وبكى صارخا واضعا كلتا يديه على وجهه التي تسربلت بدماء رأسه.
أنزل يديه ونظر إلى الكاشف الذي تمكن من رؤية الجرافيتون، فخيّل له أنه (الجرافيتون) يأخذ الناس ويخفيهم خلف بوابة بُعدية، وهي بوابة الجحيم، هكذا رأت عيناه ما خُيّل له. كما تخيّل كاجيتا وهو يخرج لعابه له ويضحك ضحكاته المعهودة عنه وهو يقول له: لا تلعب أيها الغلام مع الكبار.
شعر فهمان بالعجز، ولم يطق المشهد ففر من المكان واستقل أحد المصاعد ليخرج من المصادم ويذهب إلى أبيه، آنذاك كان حرسه يتبعونه خوفا عليه.
فور أن خرج من المصعد ركض نحو تمثال أبيه المجنح.
ظل ينظر إليه -بينما حرسه آثر أن يرمقوه عن كثب- وجناحا أبيه يرفرفان في كافة ربوع المكان، ومع ذلك خُيّل إليه أنهما انفصلا عن جسده وخرا على الأرض.
فأحدثا صوتا كالصواعق، فجعل أصابعه في أذنيه حذر الموت.
فتدمرت نفسيته تماما لأنه أحس بأنه فقدَ السند الذي لطالما يقف بجانبه، في حياته، وبعد مماته بأثر أقواله التي جعلته بطلا خلد ذكراه التاريخ تخليدا فاق زعماءً كبارا في مصر كسعد زغلول وأحمد عرابي.
فأحسّ بألمٍ مفاجئ في الظهر، وتنميل في أطراف الجسد، و سدمتْ عيناه فأصبح يرى كلّ ما حوله كالضباب، وتصبب العرق من رأسه وجبينه وامتزج ببعض دماء رأسه، ولم تعد قدماه تحمله فخرّ مغشيًا عليه نتيجة حالة شلل نفسيّة أخرى كالتي جاءته من قبل حال العرض التقديميّ لرسالة الماجستير بجنيف.
لم يتمكن حرسه من إسناده قبل الوقوع، وسرعان ما حملوه إلى أكبر مستشفى بالوادي الجديد وأُجريت عليه الفحوصات وتبيّن منها أنّها النوبة القديمة قد عاودته تحت تأثير نفسي هائل جدًا.
***
جاء خبر فهمان إلى كاجيتا وهو في مرقده فقال في نفسه: يبدو أن الفتى عرف أكثر مما ينبغي له أن يعرف، فتبول على نفسه، لكن لا بأس يا فهمان، سترى أينا أسبق من الآخر، عبورك المزعوم أم خسف أمريكا بكلتا يدي هاتين (وظل يحدق بهما).
لن تصدقني لو قلت لك إني أريد أن تعيش وتتعافى لترى أينا أشد علما وأحسن مقيلا وأرفع يدا.
وفجأة نادى على رفاقه، فأقبلوا يردف بعضهم بعضا، فلما انتصبوا تلقاء وجهه قال لهم: «غدا نبدأ عملنا، غدا نحكم قبضتنا على هذا العالم فتأهبوا، فقد بوأت لكم منازل تليق بكم.»
***
انتشرَ خبر مرض فهمان على الفور عبر الصحف ووكالات الأنباء، وتضاربتْ الأنباء حول إمكانيّة شفائه، لدرجة أنّ صحيفة من الصحف العالميّة قالت: لو مات هذا الفتى فسوف يعود الشعب المصريّ ليحيا في الجحور والكهوف والخيام من جديد.

***
بينما الرئيس مهديّ قال في نفسه لما وصله الخبر: رحماك يا رب بولدي، لقد طُحن بين المطرقة والسندان، ما كان يجب علي أن أطلب منه صناعة قنابل الثقوب السوداء ونفسه تتوجس شرا من كاجيتا الشيطان بسبب تلك القنابل.

***

وصل الخبر إلى جاك وهو قائم على تصميم جهازه الشامل ومحطات الليزر القمرية في وكالة ناسا، فخر على الكرسي منهدا، بل مندكا كالجبل، وشعرَ أنّ نصفه قد انفصلَ عن جسده، وهمس: يلطف بك الرب يا صديقي وكل أهلي، سوف يتعثر العالم بدونك، ويتخبط بلا هدى بدونك، فأنت دليلهم يا معجزة الفيزياء النووية. وايم الله لم يجد الزمان بمثلك أبدا، فأنت حالة لن تتكرر.
وظلت يداه ترتعشان. وفجأة تلفت نحو هاتفه، تناوله واتصل برقم فهمان، الهاتف مغلق.
فخرج من وكالة ناسا متوجها نحو المطار وحرسه في إثره.
قابله رئيس ناسا وهو يعلم مسبقا بالخبر فقال له: «لن يفيده ذهابك إليه، فابق حيث أنت فالعالم في أشد الحاجة إليك.»
فدفعه جاك وهو يقول له: «بدون فهمان لن يستطيع العالم أن يعيش بأمان، فلابد أن أكون بجانبه لأن العالم في أشد الحاجة إليه كما قلت يا سيادة الرئيس.»

***



فرصة ذهبية
من رواية قنابل الثقوب السوداء
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
لم يجد كاجيتا فرصة سانحة أفضل من هذا الوقت الذي يقبع فيه فهمان في المستشفى ما بين الحياة والموت لا حول له ولا قوة.
لذلك هب منتفضا وتواصل مع فريق عمله -آنذاك، كل واحد منهم يقيم في حجرة منفصلة من حجرات المصادم الكائنة فوقه- ليستنفرهم على التأهب لخوض التجارب على المصادم FFC-2 . فلما تلاقوا داخل المصادم وهم على أهبة الاستعداد نهض منهم ناكامورا -وهو أبرز أعضاء فريقه- وقال: «نفسي فداء لليابان، ولن أترك حق بني وطني ولو مر عليه ألف عام، فإن لم أستطع الثأر ففي ظهري نسمات تخرج منه تعرف كيف تثأر لأجدادهم.»
قال كاجيتا في نفسه: لم أخش على مستقبل اليابان أكثر منك يا ناكامورا، فأنا أعرف حجم تطلعاتك التي كادت تلامس السحاب.
واصطفوا صفا، وكاجيتا واقف أمامهم، وطفقوا يزفرون ويشهقون بأريحية تامة؛ بينما خبراء الفيزياء يرمقونهم عن كثب.
ولج كاجيتا باب المصادم الرئيس، استقر في مكان ما وأمر كل واحد من فريقه بالوقوف في مكان مناسب.
وفجأة جاء واحد يبدو أنه مصري وقال: «سيدي كاجيتا، رئيسك يخبرك أن المصادم ملغم بأفراد المخابرات المصرية والأمريكية والروسية والموساد، فضلا عن أن هذه الدول أرسلت فيزيائيهم أيضا ليسلطوا أنظارهم عليك. يقول لك خذ حذرك.»
قال كاجيتا له: «اذهب أنت، فإن كاجيتا لا يعجزه شيء، لا في مكاننا هذا ولا من يسكنون خلف ثقب سحابة أورط.»
وظل يسترق النظر فيمن حوله، وقال همسا وهو يتأفف: تبا للخيانة والعمالة، كيف يخون هذا المصري وطنه من أجل حفنة دولارات! يبدو أن رئيس وزرائنا أغراه من أجل بناء إمبراطوريته الكبرى، عامة لا شأن لي بهذا الأمر؛ فشأني هو ثأر أجدادي.
صمت لحظة ثم عاود وقال همسا وهو ينظر إلى الخبراء الذين ينتظرونه لإجراء التجارب: سأعرف كيف أجعلكم تفرون من الصياد أيها الهداهيد، لكن في الوقت المناسب، أنتم بالنسبة لي كالذباب إلا فهمان الذي يصارع الموت.
توقف فجأة عن الهمس وتسمر مكانه وهو ينظر تارة تلقاء مدخل المصادم الرئيس مع أنه لا يراه، وتارة أخرى إلى صحيفة ملقاة على الأرض. ذهبت الدماء من وجهه، بعد لحظات قال همسا: «جاك.»
ورفع صوته بها شيئا فشيئا حتى وصل حد الصراخ الذي ينم عن الغضب الممزوج بالخوف.
والسبب أنه قرأ في الصحيفة خبرا يقول: فهمان المصري بين الحياة والموت، فهل يدركه جاك الأمريكي قبل أن يودع الحياة؟»
وأسفل الخبر لم يكن ظاهرا بسبب وجود صحيفة أخرى تغشاه.
فدهش الحاضرون حتى إنهم نظروا تلقاء ما ينظر كاجيتا ما بين النظر في الصحيفة ووجهة الباب.
فأقبل إليهم واحد من جهة ما ينظرون لكن وجهة الباب فقط، نظر إليه ناكامورا بحنق وهو يتمتم وجسده يرتعش: «جاك، لماذا جئت هنا؟»
فانتفض جسد كاجيتا، وهو إذ ذاك كان يركز نظره على العنوان المخط في الصحيفة، أما بقية الحاضرين فقد ألجمتهم الدهشة بسبب رعب كاجيتا وتفجع ناكامورا بدون سبب.
أقبل كاجيتا على الصحيفة، ورفعها من الأرض، ونظر أسفل الخبر وقرأ فيما قرأ أن جاك سيصل مصر خلال 24 ساعة.
فتنفس الصعداء ولاسيما بعد أن سمع -دون أن يرى- الحاضرين وهم يرحبون بالخبير الذي ظنه ناكامورا أنه جاك، وكان يقول في نفسه قبل لحظات من الترحيب: لو أدركني جاك وأنا هنا فلن أستطيع أن أصنع قنابل الثقوب السوداء.
أقدم عليه ناكامورا وهمس في إحدى أذنيه: «سيدي كاجيتا، هل يعلمون بأمر الثقوب السوداء؟»
أجابه بصوت لا يسمعه إلا هو بعد أن ازدرد ريقه بصعوبة بالغة منذ لحظات: «لا أظن أن أحدا يعلم بالأمر إلا الرئيس مهدي وجاك، لذلك أرسل مخابراته وعلماءه من أجل القبض عليّ حال الوصول إلى شيء، أما المخابرات الأمريكية أولئك الأنجاس فقد جاءوا ليحموني.»
قال كاجيتا وهو ينظر إلي فريقه: «هيا إلى موضع إجراء تجارب التصادمات.»
قال أحد أفراد فريقه: «سيدي، نعمل أمامهم فيفتضح أمرنا، ألم تقل منذ قليل بأنهم هداهيد ويجب أن يفروا مذعورين؟»
أجابه: «يا أبله، إن أمرنا مفضوح من مشارق الأرض حتى مغاربها، وما حان الوقت لتفر تلك الهداهيد مذعورة.»

التجربة الأولى لكاجيتا:
انضم أكبر خبراء الفيزياء النظرية إلى كاجيتا وفريقه لرصد تحليلات كاجيتا.
دُفع بحزمتي البروتونات من المسرع ليناك (4)، وتصادمتْ كالعادة بعد عشرين دقيقة من تسارعها في مجريي أنبوبي المصادم، ورصدتْ الكواشف المتطورة تفكْك البروتونات من كواركات وبوزونات وبقيّة الجسيمات المتحللة قبل أن تلتحم مرّة أخرى في جسيمات مستقرة.
وأُرسلت البيانات عبر شبكة الحوسبة إلى معظم أنحاء العالم، وقام كاجيتا بنفسه من تحليل بيانات المصادم على أهمّ الكواشف المتطورة من بينها أطلس ومتعقّب الألياف الضوئية SciFi.
التف الخبراء حول كاجيتا عند إقباله على رصد بيانات المجسات، قال كاجيتا: «هذه جسيمات جديدة يا سادة لم تُكتشف من قبل بفضل طاقة المصادم الخرافية (500 تيرا إلكترون فولت، والمصادم الحالي في سرن لا يمكنه استخدام عُشر معشار هذه الطاقة) ويجب علينا دراستها وتحديد كامل خواصها الفيزيائية والكيميائية.»
قال أبرز الخبراء له: «أكثر هذه الجسيمات رصدها فهمان من قبل ونحن عاكفون على تحليلها منذ هذا الحين.»
حدق كاجيتا به وقال ممتعضا: «ولماذا لم يحللها هو؟ أيها البلهاء، كاجيتا ليس كفهمان ذلك الغر المغرور.»
أظهروا ملامح الامتعاض من قوله بسبب إنكارهم لأقواله.
كره كاجيتا ما رمقه في وجوههم، صمت لحظات ثم قال: «دعونا من تلك الجسيمات، كل ما يعنينا منها هو إن كان الجرافيتون منها أم لا.»
قال أحد الخبراء: «فهمان رصده من قبل، لكنه لم يشأ أن يمسكه.»
قال كاجيتا منتفخا كالطاووس: «قل لم يعرف طريقة لأسره، وأنا سأسترقه.»
ثم ما لبث أن عزم على إجراء خوارزميات متعددة ليصل إلى الجرافيتون.
وبتطبيقها تـأكد من وجود الجرافيتونات من خلال إحصائه قبل هروبها.
قال كاجيتا: «الآن يا ناكامورا تأكدت أنه كان في التجربة السابقة، ذاك الملعون الذي حيّر خبراء الفيزياء منذ عقود طوال.»
حدق الخبراء به، قال أحدهم: «هل لنا أن تخبرنا كيف طبقت هذه الخوارزميات؟»
قال كاجيتا بامتعاض وهو يمكر بهم: «سأخبركم فيما بعد، لكن اعلموا أن الجسيمات كلّها بلا استثناء تتحلّل من نتيجة ارتطامات البروتونات ثمّ تستقر بعد ذلك بتجميع نفسها من جديد إلّا الجرافيتون، فالجرافيتون يتحلل من البروتون لكنّه لا يتجمع في جسيمات مستقرة أخرى، بل يهرب من غشائنا الكونيّ ليدخل غشاءً آخر له أبعاد وسمات أخرى.»
انفجر ناكامورا من الضحك بعد أن حاول أن يسيطر على نفسه مرارا فلم يستطع.
نظروا إليه جميعا وعلى وجوههم علامات الاستياء.
قطع أحد الخبراء الضحك على ناكامورا بسؤال: «يا كاجيتا نسألك عن الخوازمية ولا نسألك عما أخبرتنا به لأنه معلوم بالبداهة.»
وأفراد المخابرات يتابعون من بعيد، بل إن أحد أفراد المخابرات المصرية اندس بين الخبراء لكنه لم يفقه شيئا من الحوار الدائر.
قال كاجيتا لهم بامتعاض: «ما حاجاتكم للخوارزمية، إنها أسلوب نظري، الآن سأثبت لكم عمليا أن الشبح (يقصد الجرافيتون) كان موجودا بيننا ثم لاذ بالفرار، لكن عليكم أن تجازفوا بحياتكم؛ فقد يأخذ الجرافيتون أحدكم ويهرب به إلى أحد الأكوان الأخرى.»
ولقد ارتاب كاجيتا في أمر فرد المخابرات المتنكر، فملامح وجهه لا تتفاعل مع الأحداث كتفاعل الخبراء، فتبين له أن هذا جاسوس.
نظر إليه كاجيتا وقال له: «وأنت أيها الهدهد الكبير، سوف أجعل الجرافيتون يأخذك معه إلى بوابة الجحيم، فما رأيك؟»
فور أن أنهى كاجيتا كلمته التاع فرد المخابرات وكاد لا يستطيع أن يزدرد ريقه، فضلا عن ذهاب الدماء من وجهه.
فضحك كاجيتا. ثم ما لبث أن قال: «سنعيد التجربة وسأجعلكم الآن تمسكون بالجرافيتون، ولكن يجب على كل واحد منكم أن يمسك في يد أمه حتى لا يتوه في الوادي الجديد (يقصد كاجيتا أن الجرافيتون قد يأخذ أحدهم معه).»
ازداد فرد المخابرات خوفا، وظل ينظر فيما حوله لعله يستطيع أن يسلسل نفسه في جدار حتى لا يُسحب ويلقيه الجرافيتون في بوابة جهنم.»







 
رد مع اقتباس
قديم 01-10-2024, 05:51 AM   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

أعاد كاجيتا التجربة بالفعل، وفي موضع التصادمات وضعَ برادة حديد رقيقة جدًا عند كاشف أطلس وأجرى حزم البروتونات في مجري الأنبوبين، وكرّر نفس الطريقة بوضع البرادة عند متعقّب الألياف الضوئيّة SciFi في تصادم آخر.
وبالفعل كما توقّع، برادة الحديد اختفتْ بعد التصادمات بعد واحد فيمتو ثانية كما رصدتها شبكة الحوسبة.
قال ناكامورا بعد اختفاء البرادة بدهشة: «لقد جذب الجرافيتون البرادة وألقى بها حيث لا يعلم إلا بوذا، إنه موجود بالفعل.»
أما فرد المخابرات فقد تنفس الصعداء ولاسيما بعد أن أصابه وأصاب الحاضرين حالة اختناق لحظية لأن الجرافيتون سحب البرادة والهواء معا.
تلاشت حالات الاختناق اللحظية فور هروب الجرافيتون وإغلاق الثقب الأسود المجهري الذي تولد من عملية الارتطام بالطاقة الفائقة.
قال ناكامورا: «شعرت بأنه ازداد ثقلي أثناء التجربة، فهل حدث لكم ذلك أم إنه مجرد وهم؟»
حدقوا به ولم يدروا بماذا يجيبوه بيد أن كاجيتا قرعه على رأسه، ثم سحب يده وضربه على ظهرها وهو يقول: «كيف تعمل مع كاجيتا وأنت تسأل عن أمر بديهي كهذا؟!»
الغريب في قول كاجيتا أن الخبراء الذين يعملون معه ومنهم أساتذة جامعات من أجناس مختلفة ليس لديهم جواب عن سؤال ناكامورا.
أجاب كاجيتا ناكامورا وهو ينظر إليه متجاهلا باقي الموجودين: «ألا تعلم أن الجرافيتون كان موجودا منذ لحظات أيها التلميذ الفاشل!»
ضرب ناكامورا جبهته وفقه أخيرا إجابة كاجيتا وهو يقول: «لقد زادت الجاذبية الأرضية بفعل وجود الجرافيتون فزادت أوزاننا. معلمي اغفر لي.»
قال واحد من الحاضرين: «طبعًا هذا التثاقل عبارة عن زيادة الجاذبيّة الأرضيّة لحظة تخليق الجرافيتون مما يعني أنّ أوزاننا قد زادتْ.»
تولى كاجيتا وفريقه وهو يقول: «إلى اللقاء يا سادة في تجربة أخرى.»
قال أحدهم بمكر: «ولم لا تجريها الآن.»
صاح به كاجيتا وهو يقول: «مرهق، عقلي فصل، أريد أن أستريح.»

***
ظل فهمان في غرفة العمليات يصارع الموت، يلتف حوله أعظم أطباء العالم، أما الرئيس مهدي فينتظر بالخارج وهو في قمة الاضطراب، فهو أشد الناس حرصا على حياة فهمان، لأنه يرى فيه حلما طال انتظاره بعد أن اتخذ اليهودُ ظهور الأمريكان مطايا ليتمكنوا من الوصول إلى حلمهم الكبير، وهو الإعلان عن إسرائيل الكبرى ووضع دستور جديد في الأرض يخصهم هم بعد أن يلغوا جميع الأديان والمذاهب الخاصة بغيرهم.
وهو في غيبوبة تامة، لكن نفسه النقية كانت يقظة، إذ ظل يهلوس باسم كاجيتا والشيطان والجرافيتون. وكاد القلب أن يتوقف في اللحظة التي أثبت فيها كاجيتا عمليا وجود الجرافيتون. ففهمان هو الوحيد في الكون الذي يعلم بحركة الجرافيتون، بل ويعلم كيف يأسره في حين أن كاجيتا سيحاول إمساكه في التجربة الثانية (سيأتي ذكرها في النص القادم) ويعلم أن إثبات وجوده عمليا سيفتح المجال لإمساكه فيما بعد؛ ومن ثم يتمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء.

***

القبض على الجارفيتون «التجربة الثانية لكاجيتا» ج1
استراح كاجيتا بعض الوقت، ولما استحضر في مخيلته قدوم جاك هب منتفضا ودعى فريقه للذهاب إلى أحد المعامل الملحقة بالمصادم.
قال لهم بغل المحاربين: «هيا إلى المعمل لنعدّ السلاسل التي سوف تأسر الجرافيتون.»
وفور خروجه رأى الخبراء في انتظاره، ويندس من بينهم المخبر المصري، فقال في نفسه: لاصقة بغراء لا تنفك عني حتى تنزع جلدي، ويلي من هؤلاء المتطفلين، دولهم تريد حكم العالم بقنابل الثقوب السوداء، شأنهم شأن رئيسي المتغطرس.
فلما دنا منهم قالوا له وهم يبتسمون ابتسامة الماكرين: «نرجو أن تكون بخير وعافية.»
نظر إليهم باستياء ولم يرد عليهم.
دلف بفريقه وهم من خلفه نحو باب أحد المعامل الملحقة بالمصادم.
فلما دخلوا شرع في إعداد التجربة.
برّد الرابيديوم (أحد العناصر الكيميائيّة) إلى درجة حرارة الصفر المطلق، وذلك بإرسال حزمة هائلة من جهاز ليزر يعمل بطاقة هائلة (سحب الطاقة من الذرات يجعلها في حالة تبريد).
وضع بعد ذلك ذرات الرابيديوم تحت المجهر وانصرف.
قالوا له: «ألا تكمل التجربة؟»
قال: «أريد أن أتبول، أتريدون أن تجروا معي هذه التجربة أيضا؟»
فانفجر ناكامورا من الضحك، نظروا إلى ناكامورا بامتعاض ولم ينبسوا بكلمة.
قال كاجيتا: «أريد أن أحتسي بعضا من القهوة، انظروا أنتم إلى الذرات.»
نظروا إليها من المجهر، فوجدوا كراسي موسيقية في تنسيق بديع.
فارتسم على وجوههم الدهشة والإعجاب، حتى قال ناكامورا: «إنّ الليزر جعلها في حالة عزف موسيقي يفوق الخيال.»
داهمهم كاجيتا بعد أن احتسى القهوة وهو يقول: «هل شاهدتم النوتة الموسيقية؟»
قالوا: «وطربت آذاننا بعزفها.»
قال: «أتدرون ما حدث؟»
قالوا: «نحب أن نسمع منك.»
دعى كاجيتا ناكامورا لإحضار مغناطيس ثنائي القطب.
فلما تناوله قال: «كلّ ذرة تعمل كمغناطيس له خاصية كوانتيميّة تسمى اللف المغزلى spin، وأنا الآن سأتحكم في ذاك اللف المغزلي من خلال هذا المغناطيس (ويشير إلى المغناطيس الذي بيده).»
بعد أن تحكم في اللف المغزلي بالمغناطيس دعاهم للنظر في المجهر. فرأوا دوامات إعصارية رهيبة داخل ذرات الرابيديوم، سرعان ما تشكلت نهايات هذه الدوامات الإعصارية على هيئة مغناطيس.
فتساءلوا عن هذه الهيئة الغريبة.
قال كاجيتا: «إنه محاكاة لمغناطيس وحيد القطب يا سادة.»
فصعقوا من وقع الكلمات وتمتموا بكلمات كاجيتا، قال أحدهم متمتما: «أتقصد مغناطيس أحادي القطب بالفعل؟»
نظر إليه ولم ينبس بكلمة.
وأجرى كاجيتا بعض التجارب ليحول عملية المحاكاة إلى حقيقة كائنة، وفي النهاية صنع كاجيتا لأول مرة في تاريخ البشرية مغناطيس أحادي القطب، ذاك الحالم الذي لطالما طال انتظاره من عقود طوال فائتة.
قال كاجيتا لهم : «هأنذا أمتلك مغناطيس تبلغ طاقته مليارات المليارات طاقة المغناطيس العادي.»
همس لنفسه: والآن أستطيع أن أمسك الجرافيتون اللعين.
ثم قال لهم مستدركا رغبة في صرف أنظارهم عن مراده: «هيا ليذهب كل واحد منكم إلى بلده عله يفيدكم (يقصد المغناطيس) في دفع المركبات الفضائية.»
وما لبث أن ضحك ضحكات سخرية وقال: «لكن لا تنسوا أن تخبروهم أن الحرب على الأرض وليست في الفضاء.»

***
كل الصحف العالمية والعربية ولاسيما المصرية منهم صورت جاك وهو خارج من المطار القريب من محافظة الوادي الجديد. وحاولوا بشتى الطرق أن يعرفوا عما إذا كان سيخوض بعض التجارب على المصادم FFC-2 بيد أنه رفض الإجابة واكتفى بقوله أنه جاء للاطمئنان على صديقه فهمان ابن الزعيم الوطني الراحل فطين المصري.
وفور تخلصه من الصحفيين، وكذلك الجمهور المحتشد من الشعب المصري -المحب لفهمان وأبيه- الذي حضر لملاقاته لأنه صديق حبيبهم فهمان همس قائلا: صبرا علي أيها الكاجيتا الملعون، اطمئن على صديقي أولا ثم أذهب إلى المصادم لأدق عنقك قبل أن تدق أعناقنا بقنابلك اللعينة.

***

اجتمع كاجيتا بفريقه سرا، قال لهم: «الآن سنمسك بالجرافيتون، ولن نفعل ذلك إلا بمفردنا، يجب علينا أن نسرع في إمساكه وصناعة قنابل الثقوب السوداء قبل أن يُقبض علينا.»
ذهل الفريق، قال أحدهم: «كيف يقبضون علينا؟ أنحن نقترف إثما؟»
قال كاجيتا: «طبعا أنتم لا تعرفون أن أحد الجواسيس المصرية مندس بينهم، وقد علمت ذلك لأني أعرف كل خبراء الفيزياء البارزين على مستوى العالم. فور أن نبتكر القنابل سيقبض علينا الرئيس مهدي فورا. كما أن هؤلاء الخبراء الذين بالخارج يريدون أن يعرفوا عما أبتكره من سلاح على المصادم ليخبروا دولهم فترجح كفتهم إذا ما قامت الحرب من جديد، فالهدوء الذي فرضته أمريكا بسبب ثقب سحابة أورط.»
سكت برهة وانتفض جسده ثم هب قائلا: «هيا قبل أن يأتينا ذاك الجاك فيفسد علينا خطتنا هو ودولته اللعينة، مهلا أيتها الأمريكا؛ سأمحوك من خريطة العالم ثأرا لأجدادي، سأريكم أينا أشد بأسا وتنكيلا، قنبلتا هيروشيما وناجازاكي اللتان قتلتا أجدادي أم قنبلة الثقوب السوداء التي ستزيلكم عن الوجود كما أزالت دول أوروبا أجدادكم القدامى (يقصد كاجيتا الهنود الحمر "سكان أمريكا الأصليين" الذي أبيدوا عن آخرهم.»

***
فلما حضر أمام موضع التجارب وجد الخبراء منتظرين، نظر كاجيتا بعيدا فوجد وجوها غريبة ترمقهم، فقال في نفسه: هؤلاء رجال مخابرات لو علموا أني نجحت في ابتكار أي سلاح فلن أعود إلى بلدي.
علي الآن أن أتدارك الأمر، لابد أن أرسل لهم مخالبي ليفر كل هؤلاء الفئران حتى أستطيع أن أنجز مهمتي، فأرواح أجدادي ينتظروني على أحر من الجمر. أو أكشر عن أنيابي كالأسد حتى أراكم كالحمر المستنفرة تفر مذعورة.
ثم نظر إلى ناكامورا وأشار إليه برأسه، فبادله ناكامورا نفس الإشارة.
إشاراتان تنم على تنفيذهما لخطة سبق أن اتفقا عليها من قبل.
قال كاجيتا في نفسه: لابد أن ينتهي كل شيء بسرعة.
ثم قال للجمع: «حان الآن يا سادة لحظة الجدّ، سوف نُخلق ثقبا أسود من خلال المغناطيس الأحادي، فإما أن نحيا معا، أو نموت معا.»
قالها وهو يسارقهم النظر، فوجدهم ينظرون إليه نظر المغشي عليه من الموت، وقلوبهم بلغت حناجرهم، وكل واحد منهم يحاول أن يزدرد ريقه من شدة الخوف الذي تملكهم جميعا.
قال كاجيتا: «تالله لقد وهبت نفسي للعلم، ولا بأس أن أموت من أجله، هكذا تعلمت.»
وظل يتكلم حتى انصرفت عين مهدي عنه خوفا وهلعا، ثم تبعه بعض الخبراء، بينما ظل الباقون واقفين ما بين مصدق لما يقوله كاجيتا ويمنعه الحياء أو الخزي أو التضحية للوطن ومكذب لما لديه من علم في أن الثقوب السوداء التي تتولد من التجارب تتلاشى فور تكونها.
وهم في غمرات الخوف تسلل ناكامورا من بين أظهرهم حتى وقف عند أجراس الخطر منتظرا إشارة من كاجيتا.
رمقه كاجيتا ثم قال للخبراء: «لقد حانت لحظة الصفر، لنبدأ التجربة التاريخية.»
وفور أن تصادمت البروتونات وتكون ثقب أسود مجهري أشعل ناكامورا نيرانا حول المكان المتواجدين فيه ثم ضغط على أزرار أبواق الإنذار فلاذوا بالفرار بينما الأبواق تكاد تثقب الآذان.
ولم يكتف ناكامورا بهذا بل لحظة تكون الثقب الأسود قام بتشغيل صوت ثقب أسود من هاتفه وضخمه حتى كاد يفسد أذن من بالمكان، بل اهتزت بعض أعضائهم الداخلية.
هذا الجو المرعب كان له كلمة الفصل في فرار كل من بالمكان.
عاد ناكامورا من جديد.
أمسك كاجيتا بالمغانط أحادية ووضعها في الأماكن المخصصة لها ألا وهي الأماكن التي يمر عليها الجرافيتون للهروب إلى أحد الأكوان الأخرى، قبل وهو يكاد لا يأخذ نفسه من سرعة الحركة، وقال: «هيا ناكامورا، افصل شبكة حوسبة المصادم حتى لا تصل نتائج التجارب حول العالم، فيفتضح أمرنا، بسرعة. بسرعة.»
ثم نظر إلى واحد ممن يعملون معه، وقال: «أما أنت فضع برادة الحديد في موضع هروب الجرافيتونات ولا تنس أن تعزلها بعازل حتى لا تجذبها المغانط الأحادية.»
ولم تمر إلا بضع لحظات حتى أجرى كاجيتا البروتونات في أنابيب المصادم FFC-2 من أجل تصادم آخر.
وبالفعل، تفكّكتِ البروتونات وظلّتْ برادة الحديد كما هي. فصفق كاجيتا وتهلل وجهه، وصاح وكلتا يديه آخذة في الرفع والخفض رأسيا: «لقد نجحت، لقد نجحت، المغانظ قد أسرت الجرافيتونات، انظروا، برادة الحديد كما هي، برادة الحديد كما هي.»
وظل يردد الكلمة وهو يتراقص فرحا ونشوة.


***


القبض على الجرافيتون «التجربة الثالثة لكاجيتا» ج2

سأل كاجيتا: «والآن يا سادة سنقوم بتحويل الطاقة إلى مادة.»
نظروا له بدهشة، بيد أن أقلهم دهشة ناكامورا، حيث علم مراده، وفور أن فكر فيما يقصده كاجيتا فاقت دهشته دهشتهم جميعا، حيث قال: «الجرفيتونات العالقة في المغانط مجرد طاقة، ستحولها إلى مادة سيدي، كيف؟ الطاقة شيء غير مرئي، أما المادة فشيء مرئي نراها بأعيننا (يشير بإبهاميه إلى كلتا عينيه) ونتلمسه بأيدينا (يمرر كلتا يديه في الهواء رأسيا وأنامله صوب السماء)، فكيف تحول غير المرئي إلى مرئي؟ كيف؟»
قال كاجيتا: «لو تعلم عدد الجرافيتونات التي علقت بالمغانط لما قلت هذا القول يا ناكامورا، إنها جرافيتونات لا حصر لها.»
أدار عينيه على فريقه، ثم قال: «والآن علينا اتباع المكر والخديعة، لذلك اذهب يا ناكامورا ووصل شبكة الحوسبة بالمصادم حتى لا يرتابوا في أمر ما نفعل.»
قال أحد فريقه: «كيف سيدي؟ سيعلمون بما نفعله.»
قطب كاجيتا باستياء وقال: «لن نجري أي ارتطامات على المصادم في الخطوات القادمة، والآن بدل أن تتكلم بهذا الهراء أحضر لي جهاز الليزر.»
قال الباحث: «تقصد الليزر الذي كان يمسك به ناكامورا منذ بضع ساعات؟»
نظر إليه كاجيتا بحنق، ثم ما لبث أن هرول الباحث نحو الليزر وأحضره له.
قال كاجيتا: «أيها السادة، الآن سنحتاج إلى ألبرت أينشتاين، اذهبوا وأحضروه.»
نظر بعضهم لبعض، وهم في قمة الدهشة، بل ما اعتادوا أن يعصوا له أمرا؛ لذلك كان الواحد منهم ينظر إلى زملائه لواذا لعله يجيبه بما يطلب فيخرج هو من هذا المأزق.
أدار كاجيتا عينيه عليهم ثم قهقه -رافعا رأسه إلى أعلى قليلا- بسبب دهشتهم.
سكت فجأة، وساد الصمت لحظات، ثم تكلم وقد ارتسم على وجهه ملامح الضجر والانتقام: «ألا تدرون أين تجدون هذا الملعون الآن؟ والملعون الآخر الذي قتل البشرية؛ ذاك الروبرت أوبنهايمر الذي قتل أجدادي؛ بل قتل البشرية جميعا.»
قال ناكامورا: «وما علاقة أينشتاين بقنبلتي هيروشيما وناجازاكي سيدي كاجيتا؟»
أقبل إليه كاجيتا، فَلَهَدَه فِي صَدْرِه لَهْدَةً أوجعته، ثم قال: «ألم يكتب إلى الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه يجب على الولايات المتحدة تطوير القنبلة الذرية! وطوروها لتسقط على رءوسنا.»
وأشار بيده إليهم جميعا وهو يدعوهم إلى الانصراف بقوله: «هيا، هيا، انصرفوا أريدهما خلال 24 ساعة على الأكثر، أريدهما مكبلين بالسلاسل في الأيادي والأعناق، أريد أن تطرب أذني لرسف قيودهما، هيا.»
قال أحدهم متمتما: «سيدي كاجيتا أخبرنا أين هما وأنا أحضرهما لك حالا.»







 
رد مع اقتباس
قديم 07-10-2024, 02:18 AM   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

قال كاجيتا: «في مختبر لوس ألاموس بمنهاتن يا حمار.»
عاد الصمت مرة أخرى، ولقد قال ناكامورا في نفسه: يبدو أن كاجيتا قد ذهب عقله.
أما كاجيتا فأراد أن يبث فيهم روح الوطنية والشغف بالعلم، لذلك قال: «هيا إلى المصادم، لنجري الارتطام على المصادم لنستحضر روحي هذين الملعونين.»
جن جنونهم، بل أغشي على أحدهم.
في هذه اللحظة فاجأه ناكامورا بما لا يخطر على بال أحد، حتى كاجيتا نفسه، حيث قال: «ما رأيك سيدي كاجيتا أن نجري الارتطام ونتمكن من فتح الثقب الأسود المجهري بطريقة ما ثم نعبر جسر أينشتاين، وتلتقي هناك بأجدادك الذين راحوا ضحية قنبلتي هيروشيما وناجازاكي؟»
فور أن انتهى ناكامورا من كلامه حتى خر على الكرسي صعقا، وظل صامتا لحظات يفكر فيها في كلام ناكامورا، بعدها بدأت الدموع تفر من محجري عينيه وتخضل صدره، وقال: «مستحيل يا ناكامورا أن نراهم أحياء في بعد آخر بعبور ثقب أسود مجهري، لكن ما يبرأ سقمي ويشفي غليلي أني سأنتقم منهم وأقتّل أولئك الملاعين شر قتلة (يقصد أمريكا).»
***
نهض كاجيتا وتماسك، ثم قال مستاء: «للأسف سأضطر لأن أجري تجربة قائمة على معادلة آينشتاين التي تحدّد العلاقة بين الكتلة والطاقة وسرعة الضوء.»
قال ناكامورا: «المعادلة هي: الكتلة مضروبة في مربع سرعة الضوء، لكن المعادلة يراد بها تحويل الكتلة إلى طاقة كالقنبلة الذرية، فهل من الممكن تحويل الطاقة إلى كتلة؟»
أجاب كاجيتا: «الجرافيتونات عديمة الكتلة لكنّها تحمل طاقة، فلو استطعنا تحويل الطاقة إلى كتلة فقد أنجزنا عملا عجز عنه الفيزيائيّون على مرّ عقود طِوال، الفيزيائيّون استطاعوا منذ سنين تحويل فوتونات الضوء التي تحمل طاقة إلى مادة، فعندما حدث تصادم بين الفوتونات عن طريق الليزر تمّ إنتاج أزواج من الإلكترونات والبوزيترونات وهم عبارة عن مادة، أمّا مسألة تحويل الجرافيتونات التي تحمل طاقة إلى مادة فهذا هو التحدّي الأكبر لنا وعلينا بعمل التجارب لإتمام المهمة.»
قال ناكامورا همسا: والآن سيجري كاجيتا تصادما بين الجرافيتونات العالقة بالمغانط الأحادية، يا له من عبقري!
سلط كاجيتا بالفعل الليزر الخارق على الجرافيتونات العالقة في مجال المغناطيس الأحادي القطب، فلم تنفصل عن المغانط.
انتفض جسد كاجيتا، وكاد لا يتمالك نفسه من الهلع. أعاد تسليط الليزر وجسده يرتجف ويده اليسرى يمسك به قلبه بعدما أصابه ألم فيه، فلم تنفصل أيضا الجرافيتونات العالقة.
أعاد وكرر، وزاد جسده ارتجافا.
قال كاجيتا صارخا: «لازم تنفصل، لازم، أيتها المغانط الملعونة أتركي لي أصدقائي.»
وظل يهذي ويتمتم حتى خر على الكرسي منهدا.
نظر بعضهم إلى بعض وكاد الألم يعتصر قلوبهم. أما ناكامورا فهب منتفضا وهرول إلى الليزر وكرر ما فعله كاجيتا. لكن للأسف ما زالت
الجرافيتونات عالقة.
قال ناكامورا: «إن لم تنفصل الجرافيتونات فلن نتمكن من صناعة قنابل الثقوب السوداء.»
مرت لحظات، بعدها تصارعت دقات قلب كاجيتا، ثم أمسك بقلبه وصرخ ألما، ثم ما لبث أن أغشي عليه، دنوا منه وحملوه في أحد مصاعد المختبر قاصدين أحد أطباء المصادم القاطن في أحد المباني الكائنة فوق المصادم.
***
وصل جاك أخيرا، على مدار الرحلة وهو يفكر في أمرين اثنين لا ثالث لهما، الأول هو رجاؤه بالشفاء العاجل لفهمان، أما الآخر فإدراك كاجيتا قبل أن يتمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء فيركع العالم كله تحت أقدام اليابان، وتطرق بفكره بعيدا حيث قال: وما المانع أن ينتقم كاجيتا من دولتي لو امتلك هذه القنابل؟ ما المانع أن يُعاد التاريخ القديم كله عندما يحدث تغيير في موازين القوى العالمية؟
وقال مستدركا: فالدولة عندما تضعف وتزول حضارتها تظهر جميع مثالبها التاريخية وتطفو على السطح بعد أن كانت غريقة في بحر لجي، بل وتهبط محاسنها إلى القاع وبذلك يظهر فيها كل سوء، ويحدث العكس مع الدولة التي تزدهر حضارتها بعد تخلفها.
صادف لحظة دخوله نفس اللحظة التي كان فريق كاجيتا يحملونه إلى الطبيب.
فسأل ناكامورا: «ماذا حدث لعالمنا الجليل يا ناكامورا؟»
أجابه بوجه أصفر وبأنفس متلاحقة: «لقد كاد الثقب الأسود أن يلتهمه لولا أن أمسكنا بيده وجذبناه حتى تلاشى الثقب.»
وكذب عليه ناكامورا، فهو يعلم أن جاك لو علم بنجاحهم في القبض على الجرافيتونات ربما حدث ما لا يحمد عقباه لهم.
ظل ينظر جاك إلى كاجيتا المحمول على الأكتاف بعد أن اجتازوه وولوا. قال: أنت تكذب يا ناكامورا، ولقد أصيب أستاذكم الملعون لأنه أخفق في شيء كبير وهو يمارس التجارب على المصادم، على كل حال أحمد الرب أنه لم ينجح في صناعة القنابل.
انتبه جاك لنفسه، وقال: فهمان، فهمان.
وهرول مسرعا نحو غرفة العناية المركزة بمباني المصادم. فلما وصل سأل في الاستقبال عن فهمان فقيل له أنه في غيبوبة منذ ثلاثة أيام.
انتظر ودمعه لا ينقطع من الانهمار. وقع نظره على صحيفة بيد الممرضة التي بالخارج، فخطفها منها في غرابة شديدة، لأنه لمح خبرا عن فهمان.
الخبر: جاك الولايات المتحدة الأمريكية بمصر.
أسفل الخبر يتساءل المحرر: هل يا ترى زيارة لصديقه أم أنه اتخذ زيارة صديقه حجة لكي يجري تجارب على مصادم الوادي الجديد فيحصل لدولته على سلاح يقضي به على أسطورتي القنابل النووية والهيدروجينية؟
امتعض جاك وقال غاضبا بصوت مسموع: السلام هو مرادي أيها السفلة.
قلب الصحيفة فقرأ خبرا آخر: هل تزول الحضارة المصرية بموت الفتى فهمان المصري؟
انهمرت دموعه ثانية على إثر هذا الخبر بعدما قاومها غضبه منذ لحظات. قرأ من ضمن تفاصيل الخبر: الفتى في العناية المركزة منذ ثلاثة أيام، فهل مات والإدارة المصرية لا تريد إعلان خبر وفاته؟
حق لمصر أن تصدم وألا تمتلك الشجاعة لإعلان خبر وفاته، حق لمصر أن تحزن وتقيم حدادا أبديا إذا مات هذا الفتى.
وفجأة وهو يقرأ إذ خرج أحد الأطباء مسرعا وهو يطلب أكسجين. فأسرع إليه جاك وهو متفجع.
قال جاك: «طمأني يا دكتور على فهمان.»
قال الطبيب: «أخشى أن يموت، حالة صديقك هذه عجيبة، توقف القلب منا بضع مرات ثم يعود وينبض من جديد.»
قالها الطبيب وأخذ الأكسجين ودخل سريعا. انتفض جسد جاك وفي لحظة انهار فيها تمام الانهيار وهو يقول: أنا الوحيد الذي أعرف سبب هذه المعجزة، تموت وتحيى تموت وتحيى، رباه كيف له أن يمتلك كل هذه العزيمة في حب البقاء؟ أرغبتك في إنقاذ العالم من الشياطين استطاعت أن تحييك بعد موتك؟ أيها الرب ألطف به.







 
رد مع اقتباس
قديم 21-10-2024, 03:45 AM   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

***
وفي حجرة أخرى (الأولى لفهمان) يرقد كاجيتا طريحا على سرير العناية المركزة -فور أن وصل به فريقه- بعد أن صُدم في عدم قدرة الليزر في تحرير الجرفيتونات العالقة من أجل تحويلها فيما بعد إلى مادة من أجل صناعة قنابل الثقوب السوداء.
ينتظره بالخارج ناكامورا يتلو صلواته ويدعو لشفائه. وقال في نفسه: أرجو أن تحيى يا كاجيتا كي أحقق هدفي، فهدفي هو السيطرة على العالم ولا يكون لهذا الكون ربا سواي.
وآخر يعض في أظافره بأسنانه، ويده لا تكاد تثبت على حال بسبب رعشة كاملة تكهرب كل جسده وقال: يا ليتني أرى تلك المعجزة الكونية على يديك يا معلمي يا أغلى الناس، يا سيدي كاجيتا. قالها وانفجر في البكاء.
نظر إليه ناكامورا وقال في نفسه سخرية منه وغضبا: تراك تريد أن تسيطر على العالم مثلي يا عاضّ الأظافر.
أما كاجيتا فطريح على طاولة غرفة العناية المركزة، يفحصون قلبه، قال أحد الأطباء: «إنه مصاب بذبحة صدرية باغتته فجأة، فشراينه سليمة وقد ضاقت فجأة.»
قال طبيب آخر: «تقصد أنها ذبحة صدرية نجمت عن تأثير معنوي خارجي؟»
أجابه بنعم.
***
أما كاجيتا فله شأن آخر؛ فعقله الباطن في اللاوعي تمكن من التواصل مع كون الآلات، ذاك الكون الموجود في كوكب خلف ثقب سحابة أورط مباشرة.
سأله الآلي باستياء في اقتضاب: «أين إيريكا 300 أيها الأرضي؟»
أجابه كاجيتا: «لم تعلن ناسا للعالم بعد عن رحلة جاك حتى يأتيهم الدعم وينتهوا من إعدادات الرحلة، فالعالم قد ينقلب رأسا على عقب بسبب قنابل الثقوب السوداء.»
- «ما شأني أنا بقنابل الثقوب السوداء يا أحمق؟ اعمل على إعداد الرحلة حتى تأتينا إيريكا 300 وتكون دليلنا إليكم، فمنذ الأزل ونحن نحاول أن نأتيكم فلم نستطع، وبالتحديد يوم أن قتل قابيل أخاه هابيل.»
- «لك كل الشأن، فقدرتكم تفوق قدرة السلاح النووي ولكنها لن تستطيع أن تصمد أمام قنابل الثقوب السوداء، يجب علي أن أحوزها كي أمهد لكم الطريق لتعودوا بإيريكا لحكم الأرض.»
- «وما يمنعك أيها الأحمق؟»
قال له وهو يشعر بالعجز والشلل التامين: «الجرفيتونات عالقة بالمغانط ولا تنفك عنه، وبدونها يستحيل أن أتحصل على قنابل الثقوب السوداء.(لقد لاحظ أحد الأطباء في هذه اللحظة أن كاجيتا يهمس بشفتيه والدموع تنفجر من كلتا عينيه).»
- «استمع لعالمنا الفيزيائي يا كاجيتا.»
تقدم من الكون الآخر العالم الفيزيائي الكبير وكلمه بشأن الجرفيتونات. فقص عليه كاجيتا كل ملابسات التجارب.
قال له العالم الفيزيائي الآلي: «عليك بأسطوانة أحادية بشرط أن تكون مصنوعة من الياقوت المطعم بالنيوديميوم.»
وانتهى الحلم والتواصل اللاإرادي في البعد الكوني، ذاك التواصل الذي تغذية رغبة جامحة من لدن كاجيتا.

***
وأفاق كاجيتا، وأدار عينيه على الملتفون حوله من الأطباء يلتفون حوله.
نهض كأنّ ما به شيء، وانطلق مستندا على الجدار.
أمسكه الأطباء فنهرهم، وظل يصرخ على ناكامورا.
سمعه ناكامورا من الخارج، فظن أنه يستغيث، فضرب الباب ودخل عنوة.
وجد كاجيتا بجانب الجدار والأطباء يحاولون استعادته على الطاولة بيد أنه رفض.
نهرهم ناكامورا بقوله: «دعوه أيها الحمقى، إنه بصحة جيدة.»
قال كاجيتا: «خذني من هنا يا ناكامورا.»
فكر ناكامورا قليلا حيث قال في نفسه: يبدو أنك حصلت على طريقة تحرر بها الجرفيتونات العالقة. لا بأس لا يعنيني صحتك أيها الأحمق المهم أن تبتكر قنابل الثقوب السوداء ثم تودع الحياة لأنك إن لم تودعها فسأجبرك على توديعها بيدي.
سحبه ناكامورا من يده بعدما نهرهم جميعا.
قالوا له: «حالته خطيرة وقد يموت، أنت المسئول عما قد يحدث له.»
قال كاجيتا: «أنا المسئول عن نفسي، فدعوني.»
وأخذه ناكامورا، حتى إذا عبر الباب حملوه على الأكتاف.
قال كاجيتا: «امضوا بي إلى المختبر.»
نظر إلى عاضّ أظافره الذي كاد ينزعها كلها غيظا وحسرة على معلمه. ودعاه للاقتراب وهمس في أذنه بأن يحضر له أسطوانة مصنوعة من الياقوت المطعم بالنيوديميوم، وبيّن له كاجيتا أبعادها ومواصفاتها بالتحديد.


***

صنع الثقب الدودي (التجربة الرابعة لكاجيتا)ج3
إبراهيم أمين مؤمن-مصر
فور أن جاءته الأسطوانة نظر إليها بتأمل، ثم مرر يده اليمنى عليها ويناغيها كمناغة الأم لرضيعها، أما يده اليسرى فكان يمسك بها قلبه.
قال كاجيتا لفريقه وهو لا يكاد لا يستطيع التنفس: «الجرفيتونات العالقة لم تتحرر بسبب أن قوة تماسكها بالمغانط أكبر بكثير من قوة الليزر، وهذه الأسطوانة سوف توفر لنا الطاقة اللازمة لفصل تلك الجرفيتونات.»
وأشار إلى ناكامورا بتسليط الضوء على الأسطوانة بيد أن الباحث الذي قضم أظافره من قبل انتفض قائلا: «دعني أنا أشاركك هذه التجربة.»
قال كاجيتا وهو يشير إليه: «ما ينفك عنك شغفك بالعلم حتى يقتلك (يقصد العلم).»
وحقق له كاجيتا أمنيته.
هرول نحو مصدر يشع ضوءا رهيبا، وسلط هذا الضوء على الأسطوانة.
كان في الجهة المقابلة ينصب ناكامورا مجموعة من العدسات والمرايا لصناعة الليزر، مر الضوء خلالها فحصل كاجيتا على ليزر هائل.
وبقياس قوة هذا الليزر من خلال جهاز خاص صُعق كاجيتا.
فأشار إليهم دون أن يتكلم ليقرءوا ما على ذلك الجهاز الخاص. فصعق ناكامورا أيضا وكاد يطير عقله. أما قاضم أظافره فترك جهاز الضوء وأقبل على الجهاز الذي دون قوة الليزر ونظر في القراءة وقال: «ليزر بقوة 5.3 بيتا وات.»
فور أن قال ذلك نظر إلى كاجيتا الذي صاح بهم كي يحضروا له ورقة وقلم. أما ناكامورا فطفق يعد على أصابعه محاولة منه لإحصاء قوة الليزر المتولد.
قال ناكامورا: «سيدي كاجيتا، إن قوة أشعة الليزر المتولدة بهذه الطريقة تعادل 1000 مرة قوة جميع محطات الكهرباء حول العالم مجتمعة.»
قال كاجيتا: «وربما أكثر.» وسرعان ما همس إلى نفسه: يا للغرابة! كيف توصل هذا الآلي خلف الثقب الأسود أن يبتكر هذه الطريقة! ولم تستغرب يا كاجيتا وقد استطاعوا تحويل نجم صغير إلى ثقب أسود ليخلقوا خلاله معبرا يعبرون إلينا من خلاله؟! ملاعين.
***
أمسك كاجيتا بجهاز الليزر ذي الطاقة الخارقة، وأمر ناكامورا بالوقوف في الاتجاه المقابل ومعه جهاز ليزر يحمل نفس القوة.
قال له: «الآن سأحرر الجرفيتونات العالقة من المغانط، ثم استمر على الدوام في دفعها إليك، سوف تستقبلها أنتَ بتسليط الليزر من الجهاز الذي معك في الاتجاه المضاد قبل أن تهرب إلى كونها المجهول، ستعود الجرفيتونات مرتدة بتسليطك يا ناكامورا لتجد أمامها دفقات أخرى متحررة من المغانط، ويحدث بينهما ارتطام رهيب سوف يؤدي في النهاية إلى ضغطها جميعا لتتحول تلك الطاقة غير المرئية إلى مادة حجمها قدر حجم سن الدبوس؟ أفهمت يا ناكامورا؟ هيا لنبدأ.»
وسلط أشعته على الجرفيتونات العالقة بالمغانط، فلم تتحرر الجرفيتونات.
نظر بعضهم إلى بعض في قلق وتوتر، أما كاجيتا فلم يظهر على وجهه التوتر وإنما المرض قد فكك أوصاله، وما عادت يداه تثبت على حال من شدة الارتعاش.
ركز قاضم أظافره على معلمه فوجد أن المرض بلغ منه مبلغا، أسرع إليه وطلب منه يستريح، قال كاجيتا له: «لا بأس، سلط الليزر واستمر حتى تتحرر هذه الجرفيتونات العالقة، وأنت يا ناكامورا استمر على الدوام في إطلاق حزم الليزر ولا تتوقف أبدا حتى لا تهرب الجاذبية (يقصد الجرفيتونات) إلى كونها اللعين.»
مضى نحو ساعة، وبدأت الجرفيتونات تتحرر بالفعل، فأدركها ناكامورا وهو يقول: «أتظنين أيتها الجرفيتونات أن تهربي وأنا معي مثل هذا الليزر، عليك بالعودة لتصطدمي مرة أخرى بأخواتك الذين تحرروا من أسر المغانط.»
فلما رأى كاجيتا الجرفيتونات تتحرر وتتصادم مع بعضها نهض كالحصان، دفع قاضم أظافره بقوة حتى وقع على الأرض رغبة في تسليط الليزر بدلا منه.
وبتصادم الجرفيتونات بتسليط الليزر عليها في اتجاهين متضادين انضغطت جميعها حتى بدأ يظهر أمام الجميع وكأن بيض برغوت يتحرك أمامهم.
هنا صاح كاجيتا وقال: «لقد نجحت، لقد نجحت، لقد حولت الطاقة إلى كتلة، هذا هو سن الدبوس الذي سأنكئ به أدبار الأمريكيين.»
وظل هذا الرجل العجوز -الذي منذ ساعتين كان في غرفة العناية المركزة- يتراقص ويغني.
وفجأة توقف وأخذ يطأ بقدمه اليمنى الأرض، ويضغط بها بقوة ويحركها جهة اليمين وكأنه يريد أن يسحق شيئا تحت قدمه، أما وجهه فقد قطب وفتح ثغره على مصراعيه وهو يكز على أسنانه ويقول: «ها هي أعناق الأمريكيين تحت قدمي.»
***

التجربة الرابعة:
قال كاجيتا: «والآن علينا الآن ثقب سن الدبوس حتى نخلّق ممرا لانتقال أي مادة يجذبها ومن ثم ينقلها إلى بُعد آخر.»
قال ناكامورا: «تقصد عمل ثقب دودي سيدي كاجيتا، لكن كيف؟»
أجابه: «ليس ثقبا دوديا عاديا يا ناكامورا، إنه ثقب سالب، والآن أحضر لي يا ناكامورا بعضا من ذرات الرابيديوم.»
نظر بعضهم إلى بعض في دهشة لم تزايلهم أبدا.
قال قاضم أظافره متمتما: «إن الثقب الدودي السالب عندما يسلط عليه الليزر يظل ينفتح إلى ما لانهاية ما دامت تلك الأشعة مسلطة عليه، أهذا معناه أن سن الدبوس هذا يتحول إلى طاقة تغطي مساحة كبيرة؟»
قال كاجيتا: «كلامك صحيح، بل أستطيع أن أحول حجم سن الدبوس هذا إلى حجم ولاية كاليفورنيا في بضعة شهور دون أن يعلموا بمكاني.»
فور أن قال كاجيتا ذلك وضعوا أياديهم على ثغورهم، بينما عيونهم كادت تنفجر من شدة التوسيع دهشة.
تناول كاجيتا ذرات الرابيديوم من ناكامورا.
سلّط حِزم الليزر باستمرار على ذرات الرابيديوم.
قال: «والآن تحولت ذرات الرابيديوم إلى "تكاثف بوز آينشتاين" وهي حالة خامسة من حالات المادة بخلاف الحالات المعروفة.»
نظر إليها كاجيتا من خلال المجهر، ثم قال وهو لا يزال ينظر: «ذرات رابيديوم خاملة بعد سحب الطاقة منها، ذرات ثابتة، إلكتروناتها بلغت من الكبر عتيا، الآن سأغير اتجاه لفها المغزلي حتى تتحول إلى كتلة سالبة.»
وظل كاجيتا يغيّر في اتجاهها بالفعل بوساطة الليزر وهو يقول: «هيا يا أحبائي، هيا، ها قد انتهيت وحصلت على الثقب الدودي.»
ثم صاح كاجيتا بالجميع: «أجمعوا لي أكبر كمية من ذرات الرابيديوم السالبة، هيا.»
وبعد أن أمسكها قال: «المفاجأة يا سادة أن هذه الذرات متماثلة تماما، كل ذرة تماثل الأخرى تمام التماثل، أي أن كل ذرة ترتبط بالأخرى من خلال حبل مشيمة سري يسمى التابع الموجي، أي ما يربط الذرة بالذرة الأخرى هو التابع الموجي الذي حدثتنا عنه النظرية الموجية لشرودنجر.»
ضرب ناكامورا وهو يقول: «أيها البوذا العظيم، بينهم تواصل كمومي.»
قال كاجيتا: «نعم يا ناكامورا، بينهم تواصل كمومي، والآن سوف نزرع نصف هذه الذرات في مركز هذه البيضة (الطاقة التي حولوها إلى كتلة منذ قليل) والنصف الآخر سوف أحتفظ به، وحدي أنا دونكم جميعا، فهي محرمة، عند تسليط الليزر على هذه التي بيدي سوف ينتقل الفعل إلى ذرات الرابيديوم المتمركزة كثقب دودي في بيضة البرغوت حتى لو بين تلك التي بيدي وبين التي في البيضة ملايين السنوات الضوئية بشرط ألا يفصلنا عنها ثقب أسود، ومع استمرار التسليط يتوسع الثقب الدودي وتعمل الجرافيتونات بعد أن تتحول إلى طاقة على جذب المادة من حولها، ولن يتوقف التوسع إلا عندما يتوقف تسليط الليزر، وبذلك نكون قد انتهينا تماما من صناعة قنابل الثقوب السوداء. وما بقي سوى تجربتها، سوف نجربها تحت معادلة لأول مرة تدون في تاريخ الفيزياء وقد أسميتها معادلة كاجيتا للثقوب السوداء، وهي: «كلّ ساعة تسليط ليزر بقوّة جيجا وات تقوم بتوسعة الثقب واحد كيلومتر».»
***
تجربة القنبلة:
خرج كاجيتا وفريقه إلى الصحراء تقلهم سيارتان، ومعه خمس قنابل من قنابل الثقوب السوداء، توقفت السيارتان، صرّ كاجيتا أربع قنابل ووضعها في جيبه، أما الخامسة فقبض عليها بيده.
نزل كاجيتا ونزلوا خلفه، كان على مقربة منهم بعض الأشجار الصحراوية وبحيرة صغيرة، نظر إليهم كاجيتا وقال: «أشد ما يؤلمني أن يكون أول ما يلتهم في هذه القنبلة (ينظر إلى القنبلة التي بيده) تلك الأشجار البريئة وماء الحياة ولم تكن أجساد الأمريكان الآثمة.»
وضع كاجيتا القنبلة التي بيده على الأرض حتى لا تطير، ووضع عليها حجرا، نظر جيدا، بعد أن تأكد أنها أسفل الثقل ابتعد واستقل السيارة وأمر بقية الفريق بأن يتبعوه.
كل واحد منهم ينتظر نتيجة تجربة قنبلة الثقب الأسود في ترقب وشغف إلا قاضم أظافره، فجسده يرتعش، وعيناه يكادا ينخلعان من محجريهما صوب الحجر.
أمرهم بالتوقف بعد أن ابتعدوا عن القنبلة الملقاة على الأرض مسافة 2كم وبضعة أمتار ثم نظر حوله فوجد حجرا مسننا، فرفعه عن الأرض وخط به خطا أمامهم وقال: «إياكم أن تعبروا هذا الخط فتقعوا تحت جاذبية الثقب الأسود.»
وبسرعة، أمر ناكامورا بإحضار مقاريب من السيارة وأعطى كل واحد منهم مقرابا وهو يقول: «سترصدون عمل القنبلة بهذه المقاريب ثم تخبروني بالأحداث.»
وأعطى ناكامورا كاميرا تصوير يمكنها التصوير عن بُعد.
هرول قاضم أظافره وخطفها من ناكامورا خطفا. فنهاه كاجيتا قائلا: «لا تحزن، أعلم مقدار شغفك بالعلم، وسوف تشاهد كل شيء بالمقراب.»
فابتعد عنه قاضم أظافره مفكك الأوصال مكسور القلب ذليل النفس.
وتوجه كاجيتا إلى السيارة، كل واحد منهم ينظر إليه ويدعوا له بالتوفيق إلا ناكامورا، فقد كانت عيناه مسلتطان على الصرة التي تحتوي على القنابل وهو يقول في نفسه: «لولا هؤلاء (يقصد بقية الفريق) لانقضضت عليك وقتلتك لأمتلك تلك القنابل (وناكامورا يعلم أن القنابل ليس لها قيمة بدون ذرات الرابيديوم الموجودة مع كاجيتا).»
***

توجه كاجيتا إلى الليزر مباشرة، ومعه خمس مجموعات من ذرات الرابيديوم، كان يقبض عليها بحرص شديد لأنه لا يمكن تفعيل عمل القنبلة بدون تلك الذرات.
وضعها بطريقة مناسبة وسلّط عليها نبضات الليزر لمدة ساعتين، وقوة النبضة الواحدة واحد جيجا وات، وانتقل الفعل تماما إلى ذرات الرابيديوم الموجودة في القنبلة التي بالصحراء. ما بقي له سوى تحويل تلك الذرات إلى كتلة سالبة حتى يتمكن من فتح الثقب الدودي (ذرات الرابييوم) المتمركزة بالقنبلة (متمركزة وسط مجموعة لا تحصى ولا تعد من الجرافيتونات المضغوطة).
وبالفعل، تمكن من تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبة بالتحكم في لفها المغزلي.
***
قبل أن ينتهي كاجيتا من تحويل ذرات الرابيديوم إلى مادة سالبة ببضع ثوان كان قاضم أظافره ينظر صوب القنبلة من خلال المنظار، وجسده يرتجف بشدة، فجأة ألقى بالمقراب واتجه نحو السيارة.
نظروا إليه وأيقنوا أنه يود ركوب السيارة والنظر فيما سوف تفعله القنبلة عن قرب، فسعوا خلفه ليدركوه بيد أنه كان أسبق منهم، أدار السيارة قاصدا النظر إلى القنبلة عن كثب.
نادوا عليه في هلع، تخطى بعضهم الخط بيد أن ناكامورا نهاهم بقوله: «ارجعوا يا مجانين ستموتون.»
فعادوا أدراجهم، ونادى على قاضم أظافره: «ارجع يا زميلي، لا تكن مجنونا.»
لم يبلغ الصوت أذني قاضم أظافره بالطبع، حتى لو كان الصوت في محيط سماع أذنيه فلن يسمع أيضا، فقاضم أظافره لا يسمع إلا نداء واحدا يطرق أذنيه بشدة، هو صوت الشغف بالعلم.
بعد لحظات من تجاوز قاضم أظافره خط كاجيتا قد انتهى كما قلنا من تفعيل عمل القنبلة.
نظر فريق كاجيتا إلى القنبلة فوجدوا الأشجار والبحيرة وكل ما حولها في محيط 2كم طولا وعرضا وعمقا (أي أسفل سطح الأرض) قد انجذبوا تباعا تباعا وسط هالة كبيرة تمتد في كل الاتجاهات لمسافة 2كم من جميع الجهات.
أما قاضم أظافره فلأنه واقع في هذا المحيط فقد جذبه أفق حدث القنبلة والتهمته لتلقي به في كون آخر لا يعلمه أحد.
فور انتهاء عمل القنبلة ركضوا متوجهين إلى هناك، فلما وصلوا رأوا حفرة عميقة.
قال ناكامورا مذهولا: «هذه الحفرة عمقها بالضبط 2 كم، لن تزيد سنتيمترا واحدا.»
هاتفهم كاجيتا ليطمئن على عمل القنبلة، فقصوا عليه ما حدث. فأسرع نحو المكان والتقيا فيه.
قال كاجيتا وهو ينظر إلى الحفرة: «لأول مرة في تاريخ البشرية تنقص المساحة الكلية لكوكب الأرض ثمانية أمتار مكعبة، والآن حانت لحظة الانتقام.»
وأشار إلى كل واحد منهم وهو يقول: «إياكم أن يعلم أحد بأمر تلك القنابل.»
وتنبه إلى غياب قاضم أظافره فسأل عنه، فأخبروه ما حدث.
فتألم لذلك ألما شديدا وتأسف كثيرا.
في الصباح الباكر حزم كاجيتا وفريقه أمتعتهم متوجهين إلى بلادهم.



فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج1

زالت الخطورة عن فهمان، وأول من علم بزوالها هو الرئيس مهدي الذي كان يتابع حالته من قصر الاتحادية لحظة بلحظة، وقرر فريق الأطباء إخراجه على إثر ذلك.
على مدار الفترة الفائتة كان جاك يتابع ما يفعله كاجيتا في ffc-2 بطريقته الخاصة منذ لحظة وصوله فيما عدا لحظة خروج كاجيتا من حجرة العناية المركزة لأنه بالأساس لم يره لحظتها، ولم يكن بوسعه فعل أكثر من ذلك (المتابعة) لأنه واقف على باب حجرة العناية المركزة ترقبا لخروج فهمان، ولم يجلس قط.
لذلك أول ما وصله الخبر بأن كاجيتا عاد مجددا للعمل على المصادم ذُهل، ولأول مرة يترك باب الغرفة ويركض كالعدّاء -مفكك الأوصال، ووجهه تحوّل من اللون الأصفر إلى الأحمر في غمضة عين- حتى وصل إلى غرفة العناية المركزة التي دخلها كاجيتا فلم يجده بالفعل.
فعاد سائرا مهزوما مكسور النفس ولزم باب فهمان مجددا، وجل فكره منصب ما بين الخوف على فهمان وما سيحدث للعالم لو تمكن كاجيتا من صنع قنابل الثقوب السوداء (لحظتها كان كاجيتا يحاول تحويل الطاقة إلى مادة كما أخبرتكم سابقا).

***
وبعد مرور بضع ساعات جاءه الخبر عبر الهاتف أن كاجيتا وفريقه حزموا أمتعتهم قاصدين اليابان. فأنزل الهاتف وانتفض جسده بشدة، وأخذ يتمتم بقوله: أكيد تمكن الملعون من صنع قنابل الثقوب السوداء. ولم يدر ما يدور حوله لحظتها، ولم يقطع عنه عدم إدراكه بما يدور حوله إلا عندما اصطدم "الترول" الذي يحمل فهمان به. عندئذ نسي كل شيء والتفت كل جوارحه إلى فهمان، وانتفض جسده بشدة عندما رأى كامل جسده مسجى.
فسأل أحد الأطباء بجسد يرتعش خوفا: «إياك أن تقول لي إنه ...»
رفع المسئول الكمامة عن وجهه وقال: «إنه بخير فلا تخش دكتور جاك، لكنه في حالة غيبوبة.»
فور أن سمع منه ذلك كأن الروح التي انتزعت من جسده منذ لحظات قد عادت إليه وقال: الحمد للرب.

***
يرقد فهمان على سرير المستشفى وبجانبه جاك الذي لم يرفع عينيه عنه قط، كل همسة وكل لمسة وكل نفس يصدر عن فهمان تجد لها في جوارح جاك خنوع العبودية والخشوع لفهمان.
أما فهمان فهو في شأن آخر، فقد أتاه أبوه وهو نائم وقال له مستاء والغضب يتجول في ملامح وجهه: «لماذا أنت نائم؟ قم يا ولد فالعالم يحترق وهو بحاجة إليك، أدركْ فلسطين، أدركْ الأقصى.»
استيقظ فهمان على نداء أبيه، وشهق شهقة أفزعت جاك كثيرا، ثم ما لبث أن رفع يده اليسرى بشق الأنفس وهو يشير جهة الجدار الذي كان أبوه يقف فيه ويصرخ صراخا مكتوما: أبتِ، أبتِ لا تتركني. ثم داهمته الغيبوبة مرة أخرى.
انكب عليه جاك هلعا، يمسح جبينه الذي أغرق عرقه الوسادةَ في لحظات وقال: «لا بأس عليك يا صديقي، لا بأس، أنت بخير.»
قال جاك في نفسه: عزيمتك قوية يا فهمان، وعندما أزكاها أبوك لك ستبلغ عنان السماء، وايم الله إن هذا العرق الذي نز من جبينك كأنه المرض الذي غادر جسدك توا.
ولقد صدق حدس جاك، فقد استيقظ فهمان وقد شعر بتحسن غريب.
قبله جاك وحمد الرب على سلامته، لكن فهمان لم يقل له شيئا وإنما أخذ يفكر بعمق عن كيفية الوصول إلى الوتر الناري المهتز الذي يوصله للجسر الذي يعبره ويصل إلى الشيطان بعد دق بوابتهم.
فجأة التفت إلى جاك وقال: «جاك، جاك.»
نهض جاك وامتدت عنقه إليه وهو يربت بيده على كتفه ويقول: «لبيك، لبيك يا فهمان.»
- «هل من أخبار عن كاجيتا؟»
- «رحل عن مصر منذ بضع ساعات.»
- «بهذه السرعة!»
نظر فهمان في الجهة المقابلة لجاك، وتأسف قائلا والدمع على خديه: «رحيله بهذه السرعة يؤكد أنه قد أحدث أمرا، أخشى أن يكون قد تمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء.»
لم يعلق جاك واكتفى بالسكوت.
بعد لحظات قال فهمان بعد أن أدار وجهه مرة أخرى: «لابد أن أدرك كاجيتا قبل أن يفعل شيئا بهذا العالم، سوف تلتف حوله الشياطين وتوسوس له بفعل شيء به.»
قالها وأجهش ببكاء دموعه حارة كاللهيب، وقال بصوت متقطع: «جاك، لابد أن أدك الشياطين قبل أن يغووا كاجيتا. أرجوك ساعدني في الوصول إليهم.»
وظل يتوسل وجاك صامت لا يتكلم وإنما كان يحادث نفسه بقوله: هو صنعها بالفعل، وكم حذرتك يا فهمان أكثر من مرة بأن تمنع كاجيتا عن العمل على المصادم أو حتى تغلقه فلم تمتثل. أما سفرك إلى إبليس فلا أجد أي جدوى منه فضلا عن صعوبة الوصول إليه ومجابهته.
ترفق به جاك وقال والدمع يتفجر هو الآخر من محجري عينيه: «سأساعدك، حاضر، سأساعدك.»
نهض فهمان كالحصان وانطلقا معا إلى النفق لإجراء تجارب العبور إلى الشيطان.
***
جاء الخبر إلى يعقوب إسحاق بأن فهمان وجاك متواجدان أمام المصادم فتوجس شرا، قال أحد أعضاء المنظمة الماسونية له: «إني أرى أن تصدر أمرا باغتيال الاثنين معا خشية أن يحدث بينهما وفاق كما حدث بين بروفيسور بيتر والعالم المصري المغتال من قبل.»
قال يعقوب: «أختلف معك يا صديقي، أعتقد أن المنظمة لن توافقك الرأي، فرغم حب جاك لفهمان إلا أنه يدين بكامل الولاء للولايات المتحدة الأمريكية، بروفيسور بيتر نزل مصر من أجل مناصرة القضية الفلسطينية لذلك كان لابد من اغتيال العالم المصري والقبض على بروفيسور بيتر ورده إلى بلده، أما جاك فليس همه سوى الخلاص من الثقب الأسود المتواجد في مقدمة سحابة أورط.»
سكت لحظة ثم قال مستدركا: «كما أن الخلاص من جاك يفسح المجال للثقب الأسود بأن ينهي على العالم كله.»
قال العضو: «إذن لا جدوى من عرض الأمر على المنظمة.»
قال يعقوب: «سأكلف المخابرات الإسرائيلية بكافة أجهزته بأن يكثف جهوده في مراقبة فهمان وجاك، وسنخبركم بالتطورات لتقولوا فيه رأيكم الأخير.»
***
وقبل أن يشرعا في إجراء التجارب لخلق المعبر نحو بُعد الجنّ ناول فهمانُ جاك ورقة مكتوب فيها معادلة صنع قنابل الثقوب السوداء؛ تلك التي توصل إليها كاجيتا بعد جهد مضن وباستعانة آلي من كون آخر، وقال له وكلتا عينيه تتفجران دمعا: «أتظن أن كاجيتا توصل إلى هذه المعادلة أثناء فترة عمله على مصادمي؟»
قالها فهمان له وكان يرجو أن يجيبه جاك ب "لا" مع تأكده بأن كاجيتا قد توصل إلى المعادلة، لكنه كان يبحث عن بصيص من أمل، أي أمل يقلب الحقيقة.
نظر إليه جاك وقال: «لا جدوى من هذا الكلام الآن، علينا فقط بالبحث عن المعبر لأودعك الوداع الأخير.»
نكس فهمان رأسه في الأرض ولم ينبس بكلمة، أما جاك فرغم خوفه الشديد بتمكن كاجيتا من صنع القنبلة إلا أنه انتبه لقدرة فهمان الأسطورية في الوصول إلى معادلة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب حتى قال في نفسه: أعلم أنك معجزة في إتقان الفيزياء النووية يا فهمان.
لم يجد فهمان أي بارقة أمل في أن يكون كاجيتا لم يتوصل إلى صنع القنابل، رفع رأسه من النظر إلى الأرض وقال: «إذن علينا بإنجاز التجارب حتى أمنع إبليس من تسخير الجان لأذني كاجيتا فيحدث أمرا بهذا العالم المسكين.»
طأطأ جاك رأسه إعجابا بعزيمته وإخلاصه ومع ذلك قال في نفسه: علي أن أحاول معه محاولة أخيرة قبل تلبية رغبته.
لذلك قال جاك: «فهمان، أعاود وأكرر، لا أجد جدوى من السفر إلى الشيطان، وإن كنت كما قلتَ تودّ السفر إليهم من أجل فضّ النزاعات بين القوى المتشاركة في الحرب النوويّة فإنّي أقول لك دعهمْ فلن يثنيهم عن حربهم شيء من هذا القبيل حتى لو قتلت الشياطين جميعًا، لأن نفس الإنسان هي المتحكمة في أفعاله وليست الشياطين. ولن يردع النفس عن غيها سوى ذل الأعناق، وثقب سحابة أورط سوف يأخذ بنواصيهم فيخضعون.»
قال فهمان: «يا جاك، وساوس الشيطان تعاضد النفس في غيها، وتردعها في خيرها، يا جاك، أريد للناس الهداية من غير الحاجة إلى ذل أعناقهم، لا أريد أن أسمع عن الحروب مرة أخرى، لذلك لابد من قتل إبليس.»
- «لو افترضنا أن كلامك صحيح، فهل تستطيع أن تقتل إبليس إذا نجحت في اجتياز جسر الشيطان؟ إني أرى أن المعركة غير متكافئة وقتْلك محتم ولا ريب.»
بُهت فهمان، وأنزل رأسه خزيا، وأخذ يتمتم بكلام غير مفهوم تعبر عن عجزه وضعفه؛ فهو يعلم قدرة إبليس الخارقة.
أما جاك فقد فرت الدموع من عينيه وهو يخاطب نفسه: تعلم أن ذهابك إليه فيها خطورة شديدة عليك ومع ذلك تود أن تقاتله، ما أعظم إخلاصك وتضحيتك يا فهمان!
رفع فهمان رأسه بسرعة مع رفع يده أيضا: «فور طرق البوابة ربما يفتح لي الملك محرز، ملك الجان الأحمر، عدو إبليس اللدود.»
أعجزه جاك مرة أخرى بقوله: «ربما يكون الملك محرز نفسه وأتباعه مكبلين بأغلال النار، ولم لا! ألا ترى أن إغواء إبليس لهذا العالم بلغ المشرق والمغرب!»
بُهت فهمان مرة أخرى، وقال لنفسه: ما قيمة الحياة في عالم كهذا؟ لابد أن أحاول حتى لو نسبة نجاح العملية 1%.
ترصد جاك ملامح وجه فهمان وأيقن أنه لا جدوى من الحديث معه في هذا الأمر، لذلك قال: «أعلم أنّ وترنا لابدّ أن يكون نارياً، لا هو طيني ولا نوراني.»
رفع فهمان رأسه مع رفع يده لأعلى مرة أخرى وبادره بالتفاعل فيما قال توا: «بالضبط، وسنضطر نبحث عنه من بين ملايين الثقوب المجهرية وهنا مصدر الصعوبة، فالبُعد الذي أود طرقه لأحلّ به واحد من هؤلاء، وبطبيعة الحال يا جاك فإنّ البُعد مرتبط بخصائص الثقب وشكله.
قال جاك: «إذن حانت ساعة الصفر، لنبدأ التجارب.»

***







 
رد مع اقتباس
قديم 13-11-2024, 07:59 AM   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

***

فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج2

قبل أن يتشارك جاك التجارب مع فهمان نظر في الورقة التي دون فيها فهمان المعادلة الخاصة بصناعة قنابل الثقوب السوداء دون أن يجري أي تجارب، ولو تجربة واحدة، وقال له: «لولا تأكدي بأن الأفكار والتجارب تتبلور في ذهنك بسرعة وبدقة مذهلة كالتي بين يدي هذه (يشير إلى معادلة صناعة قنابل الثقوب السوداء) لِمَا وافقت على العمل معك، وقلت لك ليس لدي وقت لأهدره، ويجب علي أن أدرك ثقب سحابة أورط وأحطمه قبل أن يلتهمنا جميعا، ورغم عبقريتك التي طغت على عبقريات كل الموجودات فإني أرى أن احتمال نجاح عبورك إلى كوكب الجن احتمال ضعيف، لذلك أقول لك للمرة الأخيرة اصرف نظر عن هذا الموضوع.»
امتعض فهمان من قوله وآثر ألا يحاول إقناعه مجددا، لذلك اندفع نحوه وألقى كلماته كالقذائف شارحا له الأساس العلمي المبني على فكرة العبور دون الدخول في تفاصيل التجارب سواء كيفيتها أو ماهيتها.
فقهها جاك سريعا وقال: «أسأل الرب التوفيق لك.»
قال فهمان: «لابد من تخليق فقاعة دائرية أولا.»
قال جاك العبقري: «لعلك تريد تخليقها عن طريق ذرات الرابيديوم.»
- «هو كذلك يا صديقي، ولا بد أن تكون دائرية كالكرة، أي مغلقة تماما..» وذكر له فهمان قطرا مناسبا.
- «لا بأس، وما هي الخطوة التالية؟»
- «سأتمركز في وسطها.»
دهش جاك، وحدق به بكامل اتساع عينيه وقال: «فقاعة مغلقة تماما! ستحجب عنك الهواء، ستموت! ولن يحميك سوى ب..»
قاطعه فهمان وطلب منه الصمت، ثم أمره بأن ينظر خلفه.
فنظر بالفعل، فرأى شيئا مغطى، فأسرع إليه وأزاح الستار عنه، وقال دهشا: «بذلة فضائية!»
نظر فيها وقرأ "صُنع في أمريكا بوساطة جامعة بركلي".
استدار جاك مرة أخرى وقبل أن يقول شيئا رن هاتفه، نظر، إنه رئيس جامعة بركلي.
فلما أراد أن يكلم فهمان قال فهمان: «رُد على الهاتف أولا.»
وبالفعل فتح الهاتف، قال له رئيس جامعة بركلي: «لست أنت فحسب ولدنا، ففهمان ولدنا أيضا، وهو إنسان طيب محب للسلام؛ لذلك أهدت له جامعة بركلي الذي تعلّم فيها هذه البذلة، واعلم أنه طلبها منا؛ وليس ذلك فحسب بل أرسل إلينا كيفية تصميمها.»
وأغلق الخط، ونظر إلى فهمان بدهشة. وقبل أن يقول شيئا قال فهمان: «يا صديقي، لنترك الدهشة جانبا، فوقتكَ ثمين، فإنه لا يزال لديك الكثير لتعد شراعك الشمسي وسائر تجهيزات رحلتك.»
فترك الهاتف جانبا.
قال جاك له: «أنا واثق من دقة تصميمك الذي أرسلته إلى جامعة بركلي، طبعا ستوفر لك الأكسجين وتجعل الجو المحيط بك مناسبا.»
- «بالطبع.»
وجاءا معا بذرات الرابيديوم ونزعا منها الطاقة بعد تبريدها إلى درجة الصفر المئوي.
قال جاك: «والآن معنا ذرات خاملة، ماذا تفعل بعد ذلك؟»
أجابه: «ستصيبها يا جاك بالجنون، ستضربها بالليزر لتحولها إلى ذرات مجنونة من مادة سالبة.»
قال جاك: «إذن سأتحكم في لفها المغزلي. لا بأس، جار العمل.»
قال فهمان: «بعد تحويلها من مادة عادية إلى مادة سالبة ستسلط عليها الليزر كي تشكلها على هيئة كرة، لكن ليس قبل أن أقف في وسطها بالضبط.»
ورفع جاك البذلة من الأرض وألبسها إياه، ثم علم له على مكان تمركزه، فتمركز فهمان بالفعل ولكن لاحظ جاك أنه ممسك بشيء عجيب.
قال جاك: «ما تلك التي بيمينك يا فهمان؟»
قال فهمان: «هذا أحدث ما ابتكرته، إنه منظار ملحق به مجس حساس.»
قال جاك دهشا: «مجس! منظار!» تمتم جاك ثم ما لبث أن صمت لحظات، فقد جال بفكره بعيدا وتذكر الخلية الصمامية التي صممها فهمان وهو طالب في الفرقة الثانية وغدت الطريقة المفضلة التي تستخدمها الدول في إطفاء الحرائق الهائلة.
قال جاك: «أكيد المجس لرصد الأبعاد الكونية التي سوف تظهر خلف الثقوب السوداء، والمنظار لرؤية تلك الأبعاد.»
صمت برهة ثم ضحك ضحكات بدموع حارة، تلك هي ضحكات الألم، وقال: «من المفارقات العجيبة أن رؤية تلك المعجزة يعني لحظة الوداع.»
بادله فهمان نفس الشعور وقال: «يجب أن نضحي من أجل أن يحيا العالم بسلام يا جاك.»
قال جاك دامعا: «حسنا، حسنا، تمركز بمعجزتك وأنا سوف أعزف لك سيمفونية رائعة.»
ولما همّ جاك بالعمل رن هاتفه، إنه رئيس ناسا.
قال رئيس ناسا: «....»
قال جاك: «أنا في مهمة، وفور أن أنتهي منها سوف آتيك لأنظر في تجهيزات الرحلة.» وأغلق الخط على الفور وألقى الهاتف.
تمتم جاك مجددا، وأقبل إلى فهمان، وقال: «ممكن ألقي نظرة على تلك التي بيمينك؟»
فناوله فهمان إياها، نظر بها جاك وقال: «أيها الداهية، كيف صنعت تلك الكاميرا؟» يقولها وهو يقلبها رأسا على عقب، ثم نظر بها فرأي أنها تضخم حجم الأشياء إلى مليارات المرات.
نظر في جانب من الحجرة فرأى دبوسا، فسلط الكاميرا على سنه فقط فتحول السن إلى حجم هائل كحجم قرص الشمس.
فقال: «إنها حقا معجزة!»
وناولها إياها، ثم عاد، ولما همّ بمسك جهاز الليزر لمحت عيناه شخصا ينظر إليهما خلسة.
أدار عينيه الحادتين كالصقر فرأى أكثر من عين ترصده، فتلون وجهه، ثم ترك المكان وأمسك بواحد منهم وقال: «من أنت أيها الرجل؟»
أجابه بأنه باحث.
فسأله جاك عن مسألة بسيطة في علم الفيزياء من منهج الثانوي، فلم يستطع الإجابة عليها، حيث تهته وسكت على الفور.
فأمسكه من كرافتة بذلته وهو يكز على أسنانه وقال له: «أتعلم من أنا؟»
رغم علم الرجل به فإنه أنكر عدم معرفته به.
قال جاك وعيناه تقدحان شررا: «أنا متأكد أنك تعلم من أنا، اذهب لمن أرسلك للتجسس علينا، وأخبره بأني أنا جاك الولايات المتحدة الأمريكية لو رأيته لأهدرت كرامته أمام الجميع.»
أوجعته الكلمة، فقال غاضبا مستكبرا: «أتعلم من أنا يا جاك؟»
أجابه: «كلب، ومن أرسلك كلب مثلك، اذهب من هنا ولملم بقية كلابك وخذهم معك، وأخبر يعقوب إسحاق أن جاك لا يُعامل هكذا.»
ودفعه بقوة.
وانفضوا بالفعل جميعا وذهبوا.
عاد جاك مجددا إلى فهمان. قال فهمان: «كنتُ أخشى عليك منهم، وكدت أموت خوفا عليك.»
قال جاك: «يريدون أن يعرفوا ماذا نفعل يا فهمان، فدعك منهم إنهم لا يساوون عندي جناح بعوضة.»
قال فهمان: «ماذا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي يا جاك؟»
قال جاك مستاء: «يريد سلاحا يسيطر به على العالم ويعلن حكم دولة إسرائيل.»

***
بداية قال فهمان: «يا جاك، لو ولدت الثقوب السوداء -بشرط أن تكون دوّارة- وأنا في تلك الفقاعة السالبة لن تبتلعني الثقوب كما تعلم، وإنما سوف تدفعني بقوة بنفس مقدار قوة الجذب لو كنتُ خارج الدائرة.»
قال جاك دهشا: «وهذا يعني أنها ستدفعك حتى ترتطم بالجدار وربما تموت. وهذه معضلة ولا أجد لها حلا.»
- «لها حل، ولكن اعلم أن حياتي بين يديك.»
- «ونفسي فداء لك.»
- «سأظل ثابتا ولن تضيرني الثقوب.»
- «كيف ذلك بحق السماء؟»
- «يا جاك، عليك بتخليق عدد من الثقوب السوداء، على أن يتوفر فيها شرطان: الأول أن نجعل الثقوب السوداء المتولدة من الارتطام في حالة دوران كدائرة خارجية تستدير على دائرة ذرات الرابيديوم الداخلية، أما الآخر فهو أن تكون تلك الثقوب ذات طاقة واحدة. وبذلك أثبت مكاني بقانون نيوتن الثالث.»
أطرق جاك رأسه وقال: «فهمت، فقاعة ذرات الرابيديوم مادة سالبة، وبدلا من أن تجذبك الثقوب تدفعك بقوة مساوية تماما لقوة الجذب المفترضة لو كانت ذرات الرابيديوم التي تحيط بك مادة عادية.»
سكت جاك هنيهة ثم قال: «ولكن أخبرني، كيف ترى ما خلف الثقوب بالضبط؟»
قال فهمان: «سأقف أنا كما قلت لك في مركز الدائرتين (الأولى فقاعة ذرات الرابيديوم، والثانية الثقوب الدوارة التي تلتف حول الفقاعة)
ومعي هذا (يشير إلى المنظار الذي بيده)، بعد ذلك تضرب أنت بحزم الليزر جانبا من تلك الفقاعة لتندفع بدورها إلى مركز أحد تلك الثقوب السوداء و..»
بادره جاك بقوله: «وتعمل ذرات الرابيديوم السالبة على فتح معبر في الثقب الأسود المجهري بمنزلة ثقب دودي، يا للروعة! يا للمعجزة!»
قال فهمان: «وبذلك أتمكن من رؤية الثقوب بهذا (يشير إلى المنظار الذي بيده).»
قال جاك: «لنبدأ يا فهمان، لنبدأ.»
قال فهمان: «سنجري الارتطامات بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت كتجربة أولى لنرى ماذا تهدي لنا الثقوب السوداء المجهرية من أكوان خلفية.»
والموقف الآن أيها القرّاء: فهمان واقف في مركز دائرة من ذرات الرابيديوم ذات المادة السالبة وممسك بيده منظار يضخم الحجم لمليارات المرات، ويحتوي المنظار على مجس لرصد الأبعاد الكونية المتواجدة خلف الثقوب السوداء المجهرية.
أجرى جاك حزمتي البروتونات في مجريي أنبوبي المصادم ffc-2 بطاقة 300 تيرا إلكترون فولت، وبعد ثلث ساعة وصلت البروتونات إلى أقصى سرعتها وارتطمتْ مولّدة عدد من الثقوب السوداء، وبوساطة حاسوب مدون عليه برنامج خاص بتنسيق الثقوب تمكن من تموضع تلك الثقوب في حلقة دائريّة حول الفقاعة الرابيديوميّة.
ولقد أحدثت الثقوب بضعة اهتزازات في الحلقة الرابيديومية نتيجة للقوى الجاذبة لتلك الثقوب الدوارة التي تحولت بفعل ذرات الرابيديوم السالبة إلى قوة نافرة متساوية تماما مع قوة الجذب وذلك حسب قانون نيوتن الثالث كما ذكرت.
في نفس لحظة استدارة الثقوب كدائرة خارجية ضرب جاك بحزم الليزر مجموعة من ذرات الرابيديوم الملتفة حول فهمان من أجل الالتحام بقلب أحد الثقوب السوداء لتوليد ثقب دودي بمثابة ممر أو كوة ينظر فيها فهمان من خلال المنظار على الأكوان الخلفية.
توسعت الثقوب لحظيا في لحظة تسليط حزم الليزر على جزء من الفقاعة الرابيديومية، وخلّق جاك ثقبا دوديا ظهر من خلفه أكوان أخرى.
تمكن فهمان من رؤية ما خلفه بالفعل، وسقط مغشيا عليه على الفور.
***
أوقف جاك التجربة هلعا، وأخرجه من الفقاعة وكلتا يديه ترتعشان. أسرع جاك بنزع البذلة، ولما لامست يده فهمانَ رفعها سريعا وهو يتوجع.
أسرع نحو الثلاجة لعمل كمادات على جبينه وهو يقول: إن جبينه قطعة من نار. ترى ماذا حدث له؟ ماذا رأيت خلف الثقب يا فهمان؟
أقبل إليه ووضع الكمادات على جبينه وشرع في تفويقه.
أفاق فهمان أخيرا، وقال بصوت لا يكاد يُسمع لأن لسانه جاف تماما: «ماء، أريد ماء.»
فناوله الكوب، فشرب فهمان حتى ارتشف آخر قطرة ماء منه.
قال فهمان: «الحمد لله لقد نجاني الله بأعجوبة، كدت أصعق يا جاك، كدت أصعق.»
وألقى بنفسه في صدر جاك وعاود البكاء؛ بل واشتد أكثر.
قال جاك في نفسه: الحمد للرب أن نجاك، يبدو أنك رأيت شبحا لا نظير له.
سأله جاك وهو يربت على ظهره: «ماذا رأيت؟»
قال: «يبدو أني سافرت عبر الزمان، ورأيت، رأيت...» تمتم ثم صرخ متوجعا.
بادره جاك بشغف بالغ بسؤاله المعتاد: «ماذا رأيت يا فهمان؟ قل لي، هل رأيت وجه إبليس الحقيقي؟»
أجابه: «لقد سافرت عبر الزمن، سافرت إلى المستقبل، لا أدري كم عاما على وجه التحديد وإنما أنا متأكد أني رأيت النار.»
توسعت عينا جاك، وانتبه له جيدا يحدق به، وما لبث أن سأله على الفور: «أي نار؟ ربما تكون نيران الجن، أو ربما تكون..»
تمتم جاك وسكت. قال فهمان: «رأيت الجحيم يا جاك رأيت الجحيم، تخيل أني رأيت كاجيتا في الدرك الأسفل من النار.»
قال جاك في نفسه: لقد بلغت ذنوب هذا الملعون الآفاق، ترى ماذا سوف يفعل بالعالم بعد أن توصل إلى صناعة قنابل الثقوب السوداء؟
تنويه: يتبقى لنا الجزء الثالث، ففهمان لم يسافر بعد إلى إبليس.
================================================== ================================================== ================================================== ================================================== ==============================================

فهمانُ يرى الشيطانَ باستخدام الفيزياء النووية ج3

بعد أن برأ فهمان تماما من الصاعقة التي أصابته بعد أن سافر إلى المستقبل وشاهد بنفسه أهل النار يعذبون -وقد كان منهم كاجيتا- دعا جاك مجددا لاستئناف التجارب قائلا: «جرّب التصادم هذه المرة على 350 تيرا إلكترون فولت.»
ابتسم جاك له وهو يقول: «300 تيرا إلكترون فولت سفّرتك إلى المستقبل حيث انتهت الحياة الأرضية، فما بالك ب 350!»
بادله فهمان الابتسامة، ثم قال حزينا: «هل تصدقني لو قلت لك إني أفضل السفر إلى إبليس في وقتنا الحاضر عن السفر إلى المستقبل لرؤية أهل الجنة؟»
تقلصت ملامح جاك بعد الابتسامات العريضة التي كانت تبسط وجهه بسطا بسبب إخلاص فهمان الذي لم يعهد بمثله في الحياة، وقال بتأثر وهو يهز رأسه: «أصدقك.»
- «ما دمت تصدقني فعلام الانتظار، هيا نجري الارتطام.»
***
توجه جاك على الفور إلى ليناك 64 (هو من يدفع حزم البروتونات) لوضع حزمتي البروتونات، ووقف فهمان مجددا داخل الفقاعة الرابيديومية بعد أن ارتدى البذلة الفضائية وأمسك بالمجس.
كانت يدا جاك تضطرب بشدة خوفا على صديقه من أن يحدث له مكروه مرة أخرى.
أطلق جاك حزمتي البروتونات وتصادمت بعد ثلث ساعة، وتولدت الثقوب السوداء المجهرية، وبوساطة برنامج حاسوب تمكن جاك من جعلها في صورة دائرية كما كان سابقا في التجربة الأولى (تجربة 300 تيرا إلكترون فولت).
أمسك فهمان بالمنظار في انتظار أن يضرب جاك جانبا من ذرات الرابيديوم السالبة في أحد قلوب الثقوب السوداء -التي تحيط به في شكل دائرة- لتخليق الثقب الدودي ليرى به ما خلفه (الثقب الأسود) من أكوان. لكنه لم يتمكن إذ حدثت كارثة!
حدث خلل في جهاز الليزر، فأحدث تفاوتا في قوى حزم الليزر المنطلقة؛ مما تسبب في تفاوت قوى أفق أحداث الثقوب الجاذبة، وهذا التفاوت في القوى تسبب في وجود قوى تنافر في جزء من الفقاعة لم يقابلها نفس قوى التنافر في الجزء المقابل فدفعت فهمان قوى التنافر الأكبر الناجمة عن الثقب الأسود فوقع المنظار من يده على الفور، وارتطم بالجدار بتأثير قوى جذب الثقب (طبعا التي تحولت إلى قوى تنافر بسبب الفقاعة ذات المادة السالبة التي تحيط بفهمان) فشج رأسه، بعد أن كُسرت خوذة البذلة وأغمي عليه على الفور، فسكن أمام عيني جاك بلا حراك.
أوقف جاك كل شيء وهو في قمة الهلع، وقد ألجمت الكارثة أوصاله فصرخ، وحين توجه نحوه سقط على الأرض، حاول النهوض فلم يستطع، لم يكترث جاك بما حدث له وإنما وصل إلى فهمان زحفا.
صرخ به: «فهمان، فهمان، فداك روحي وكل ما أملك، يا ليتني كنتُ مكانك.»
مد كلتا يديه إليه وهما لا تكادا تستقران من شدة الرعشة التي ضربتهما، نزع عنه خوذة البذلة الفضائية التي تهشمت تماما، مد إحدى أذنيه إلى قلبه فسمع دقاته تتصاعد فتنفس الصعداء وتمالك نفسه وقال: الحمد للرب.
وكما دبت الكارثة في قدميه فأعجزتهما عن الوقوف استنهضت أيضا عزيمةُ إنقاذه فرد الله الروح إليهما، فحمله جاك على الفور وهو يحاول جاهدا وقف نزيف الرأس بكل السبل، واستدعى له طبيبا.
***
بينما جاك يحاول وقف نزيف الرأس ودموعه الحارة كالجمر تتساقط، دخل الطبيب.
أسعفه، كما أوقف النزيف تماما من خلال عملية جراحية، وجلس ينظر إلى جاك دهشا من شدة هلعه وحزنه على الرغم من أن الطبيب يعلم أن جاك أمريكي الجنسية.
أفاق فهمان بعد لحظات، وقبل أن يهمس بكلمة هبّ الطبيب من جلسته وقال له: «لابد من الراحة بضعة أيام دكتور فهمان فجراحك غائر وواسع.»
سأله جاك عن حالته فقال الطبيب: «كما سمعت دكتور جاك، الجرح غائر وواسع، ولقد أصيب أيضا بكدمات حادة في بعض الأجزاء من جسده، لذلك سوف يحتاج إلى علاج طبيعي.» ورحل الطبيب.
فور رحيل الطبيب حاول فهمان النهوض فلم يستطع، فالجرح أصابه بالدوخة، والكدمات آلمته.
قال جاك: «أتريد أن تذهب لدورة المياه يا فهمان؟ حسنا، سأتصرف.»
قال فهمان بصوت فيه حسرة: «ألا نستكمل التجارب؟»
ذهل جاك وقال: «تجارب! ألم تسمع قول الطبيب؟ قال بضعة أيام.»
- «وهل يمهلني إبليس وحزبه بضعة أيام حتى آتيه، أكيد هو وحزبه يلتفون حول كاجيتا ويتناوبون عليه الوسوسة حتى يدمر العالم.»
قال جاك دامعا: «يا فهمان، إن كان لي خاطر عندك فلا تفكر في هذا الأمر قبل أن تتعافى، أرجوك وأتوسل إليك.»
نظر إليه فهمان نظرة حب وإجلال وقد قرر أن يمتثل لرغبة جاك، بعد لحظات غلبه الإعياء فنام رغما عن أنفه.
***
فور وصول كاجيتا وفريقه أرض مطار طوكيو الدولي كان في استقباله سيارة طائرة من أجل أن تقوده إلى "كانتيه".
أمر كاجيتا فريقه بالذهاب إلى أهليهم، كل واحد منهم لم يجد في نفسه غضاضة من أمر كاجيتا إلا ناكامورا فقد امتعض، ودارى امتعاضه ببسمة عريضة، حدق كاجيتا بتلك البسمة واستقرأها جيدا، فقال في نفسه: ويلك يا ناكامورا ماذا تريد أن تفعل بي؟ بل ماذا تريد أن تفعل بقنابل الثقوب السوداء إذا حزتها؟
ورفع كاجيتا يده نحو الصرة التي تحوي القنابل الخمسة وذرات الرابيديوم، يتحسسها ليتأكد أنها ما زالت في حوزته ولم يسرقها منها ناكامورا، وناكامورا ينظر إلى يده ويتمنى لو تنسلخ الصرة من جيبه وتطير في الهواء وتذهب إليه.
***
دخل القصر، فهب رئيس الوزراء واقفا، وعلى وجهه ارتسمت علامات الحرص فألجمت لسانه عن التعبير عما بداخله، فأشار بيده إليه إشارة تساؤل عن نتائج رحلته.
فتهلل وجه كاجيتا، فانفرجت أسارير الرئيس وأسرع إليه واحتضنه في غبطة غامرة وهو يقول: «نجحت، نجحت، صح؟»
قال كاجيتا: «إن كاجيتا لا يعجزه شيء يا سيادة الرئيس.»
ابتعد عنه رئيس الوزراء قليلا ويداه تربتان على كتفيه، أما عيناه فتمتلآن طمعا وسروروا.
قال كاجيتا: «أخيرا سيادة الرئيس، أخيرا سآخذ العزاء في أهلي الذين ماتوا في هيروشيما.»
تركه الرئيس وجلس على كرسي العرش الذي لا يحب أن يفارقه بتاتا، وقال: «بل قل آن الأوان لتحكم اليابان العالم.»
استاء كاجيتا قليلا، وجلس على الفور ثم ما لبث أن قال: «قبل أن نقيم سرادقات العزاء علينا بتطهير خريطة العالم.»
وفتح هاتفه، وأخذ يقلب في بضع صور، فلما عثر على الصورة التي يريدها ثبتها على الهاتف.
قال وهو يشير على جزء منها وهي مساحة الولايات المتحدة: «سيادة الرئيس، هذه خريطة العالم، رجاء، انظر إلى هذه المساحة.»
حدق الرئيس على الجزء المشار إليه وقال: «هذه الولايات المتحدة الأمريكية، ما شأنك بها؟»
- «أريد محوها من الخريطة.»
وقبض على يده ثم بسطها ونفخ فيها كأنما يريد أن يزيل ما علق بها من قاذورات وقال مستدركا: «هكذا أنفخ فيهم فيكونون كالهشيم تذروه الرياح.»
دهش الرئيس وقال ممتعضا: «أنا لا أريد استئصال شأفتهم وإنما حكمهم، ثم من يسكنها فيما بعد إنْ أنا وافقتك على ذلك؟»
قال كاجيتا في نفسه: أيها الأحمق، جنون العظمة سوف يضيع علينا حقنا في طلب أجساد أهلينا التي ذابت وذرتها الرياح مع الغبار النووي.
وأراد أن ينتصر لرأيه، فقال: «سيادة الرئيس، لقد فرضتْ عليك أمريكا بأن تكون حليفا لهم وعليك الانتقام منهم من أجل ذلك.»
- «كان يجب أن أساورهم حتى لا أفقد مكانتي، فتاريخ الانقلابات العسكرية على مر العصور كان بيد أمريكية، وهذه الانقلابات لا تخفى على أحد، ولا يرتاب في أمرها أحد.»
- «لكني أريد الانتقام.»
وقف فور أن قال كاجيتا كلمته، ووقف له كاجيتا احتراما لشخصه، ثم ما لبث أن مرر الرئيس يده على لحيته وهو يسير الهوينى وأخذ يفكر بعمق، ولما اهتدى لحل قال: «اسمع يا كاجيتا، سنهلك أساطيلهم البحرية التي يتفاخرون بها، لكن اعلم أني سأفعل ذلك من أجل إرضائك، فمسألة الانتقام هذه لا أكترث لها.»
سكت كاجيتا حزنا، أما الرئيس فسكت يتدبر أمرا آخر، قال بعدها: «قل لي يا كاجيتا، كيف لهذا البيض المتناهي في الصغر (يقصد طبعا قنابل الثقوب السوداء) أن تفعل ما لم تستطع فعله القنابل الهيدروجينية، أو حتى الذرية؟ قرّب لي الفكرة.»
زفر كاجيتا زفرة طويلة وقال له: «سيدي الرئيس، الانفجار الذي حدث لنا من انشطار أنوية النيوترونات واليورانيوم، وهذه أيضا ذرات (يشير في هذه اللحظة إلى الصرة) ولكنها تتحول إلى ثقوب سوداء فور ضرب ذرات الرابيديوم الموجودة في وسطها بالليزر.»
عاود الرئيس وسأله مجددا: «لم تجبني يا كاجيتا عن سؤال سابق، من يسكنها إذا وافقتك على هلاكهم جميعا؟»
أجابه: «سيادة الرئيس، ستجذبهم الثقوب السوداء وترمي بهم في كون لا يعرفه أحد، أما مساحة أراضيهم فستنقص من مساحة الكرة الأرضية، لأن القنابل ستجذب ما حولها من مادة وترميها في كون آخر.»
دهش الرئيس، ولم يستسغ الأمر لشدة الدهشة.
فاستطرد كاجيتا: «مساحة الكرة الأرضية 510 مليون كم2 ويطرح منها مساحة أمريكا 9,826,675 كم²، هذه هي مساحة الكرة الأرضية الجديدة سيادة الرئيس.»
***
أقبل إليه، فلما دنا منه بسط يده إليه وقال: «القنابل.»
فأومأ كاجيتا برأسه إيماءة استفهام ودهشة.
قال الرئيس: «ما بك؟ لم تندهش؟ أريدها.» وبسط كلتا يديه.
أمسك كاجيتا نفسه عن الضحك وهو يسرع بإخراج القنابل المصرورة بورق لين، قال كاجيتا: «ها هي.»
احمرّ وجه الرئيس وقال له ناهرا وفي نيته أن يبطش به ويجعله أحدوثة تلوكها الألسن: «أتستغباني أيها الحمار! أين القنابل؟»
يعلم كاجيتا مقدار الصلف الذي يملأ كيان الرئيس، لذلك باغته قولٌ تردد على سمعه: لا تثريب عليك، فلولا صلفك ما أرسلتني إلى مصر لصناعة القنابل.
أجابه كاجيتا: «انظر سيادة الرئيس، حدق بهؤلاء جيدا، حدق.» يكلمه وهو يشير بإصبعه نحو الخمس قنابل التي بحوزته.
قال الرئيس وهو يمد يده نحو الصرة: «هاتها، هاتها، رويدا رويدا.»
لم يتمالك كاجيتا نفسه وانفجر في الضحك هذه المرة، وقال وهو يخرج من جيبه صرة أخرى ويشير إليها: «لا تخش سيادة الرئيس فإنها لا تُفعّل إلا بضرب ذرات الرابيديوم هذه بالليزر.»
فتمالك الرئيس أعصابه، أخذها وحدق بها جيدا وقال: «إنها أحدّ من شفرة الموس بيد أنها أدق من بيض البرغوت، كيف تعمل هذه الملعونة؟»


فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج4

وأخبره كاجيتا بطريقة عملها، وأعطاه ثلاث مجموعات من ذرات الرابيديوم واحتفظ بالمجموعتين الأخريين دون علم الرئيس.
خرج كاجيتا من القصر بعد أن صرفه الرئيس على أن يلتقيه في اليوم التالي.
تمتم كاجيتا وهو في طريقه للخروج: مع الرئيس خمس قنابل، بينهما اثنان لن يعملا (يقولها وهو يقذف بالمجموعتين المصرورتين إلى أعلى بيده اليمنى ثم يتلقفها بها مرة أخرى).
***
لم يهدأ فريق كاجيتا منذ أن فارقوا أرض الوادي الجديد، وفور أن وطأت أقدامهم أرض اليابان ذهب كل واحد منهم إلى أهله وقلوبهم تتأجج نارا وحسرة على تلك القنابل التي صنعوها بأيديهم ولم تكن بحوزتهم.
وبدل من إطفاء لهيب الوحشة التي غمرت أرواحهم -بفراقهم للأهل والأحباب- بالاستئناس بالأهل والأحباب هجروهم وانعزلوا تماما عنهم لأن قنابل الثقوب السوداء التي شاركوا في صنعها قد أخذت بلب قلوبهم، ولقد حركت قدراتها الرهيبة مشاعرَهم فتولد من رحمها أجنة العظمة التي بدأت تنمو وتنمو طوال الليل حتى تمنى كل واحد منهم أن يمتلكها ليدعو إلى نفسه إلها.
ورغم تلك المشاعر المتأججة التي استعمرت أرواحهم إلا أن الأمر لا يخلو لبعض من ملامة النفس، فهم يعلمون ما لا يخفى على أحد من شعب اليابان منزلة المعلم الذي بات عند بعض طوائفهم -إن لم يكن جلهم- في منزلة إله. وفي نهاية الصراع الدائر على حلبة أنفسهم فتك الشر بلوم النفس فأجهز عليها.
أما ناكامورا فقد أكل الحقد قلبه، واشتعل قلبه غيظا وحسرة ألا يمتلك تلك القنابل.
قضى ليلته عاضا في أنامله، ويكز على أسنانه بين الفينة والأخرى ويزوم ويزمجر كالرعد. ولقد توغل الغضب في أوصاله وتدفق الدم إلى رأسه حتى تحول إلى جمرة من نار لو سلطت على شيء لأكلت منه اليابس قبل الأخضر.
ولقد أكره نفسه كي تلتزم السكينة وتتلبس بالحكمة والتعقل حتى يجد طريقة تمكنه من الحصول على القنابل.
وبعد تدبر تراءى له إنه لم يكن أمامه سوى وسيلتين، الأولى الذهاب إلى الوادي الجديد والنزول بالمختبر وصنعها بيد أنه قال: ربما لا أستطيع صنعها؛ ثم لابد من تصريح من رئيس دولتي لأدخل المصادم، وهذا مستحيل.
إذن فلا يوجد سوى الوسيلة الأخرى. وقد عزم على تنفيذها. وهي قتل كاجيتا.
وظل يضرب كلتا يديه بعضهما ببعض، وهو يزفر متوجعا، وينظر من النافذة لعل خيوط الفجر تبكر هذا اليوم ويتنفس الصبح، بيد أن حرقة الانتظار حولت تلك الخيوط إلى سياط من نار تجلد ظهره، وتنفس الصبح المنتظر تحول إلى لفح من جحيم الآخرة.
وفور أن تنفس الصبح خرج من منزله واستقل سيارته وهاتف زملاءه.
اجتمع بهم بعد بضع ساعات وفاتحهم في الأمر، فانقسموا إلى فريقين، الأول يرى سرقتها فحسب والثاني يفضل قتله ليفسح لهم المجال في السيطرة على الكون.
واستقروا على قتله، بل قتل فهمان وجاك أيضا لأن أولئك الثلاثة سيمثلون لهم مصدر تهديد إن بقوا على قيد الحياة.
***
توجه كاجيتا نحو قصر الرئاسة في الساعات الأولى من الصباح.
فلما دخل عليه بادره الرئيس بقوله: «يا كاجيتا، متى نبدأ تنفيذ الخطة بالضبط؟»
أجابه: «سيادة الرئيس، ثمة مسائل تقنية تخصكم، فعليك الانتهاء منها أولا قبل الشروع في خطة الهلاك.»
قال الرئيس مستاء: «كيف؟»
قال كاجيتا: «وضع القنابل ليس بالأمر الهين، فلابد من تسلل الرجال الثلاثة ليرموا بالقنابل الثلاثة بالقرب من الأماكن التي تتجمع فيها سفنهم.»
قال الرئيس: «إذن سأحتاج إلى وزير دفاعي ليكلف خبيرا في فنون القتال البحرية بمهمة إلقاء القنابل بالقرب من سفنهم.»
وهاتف الرئيس بالفعل الوزير، فجاء وبصحبته الخبير على الفور، وبعد أن علم الخبير تقنية عمل تلك القنابل حدد كيفية وضعها بجانب تلك الأساطيل الثلاثة.
ومما قال: «سنأتي بثلاثة صياديين.»
دهش الرئيس وسأله: «كيف ذلك؟»
أجابه: «لم أقصد صياديين بالفعل، وإنما رجالنا سيمتهنون مهنة الصيد حتى ينتهوا من مهمتهم. سنغلف تلك القنابل بطعام لا تأكله الأسماك ثم نضعها في شص (أداة صلبة معكوفة تعلق فيها السنارة) صيد السمك ويلقونها في السواحل، ويتركون العنان للخيط ليقترب من تلك السفن، ويتابعون عن بعد ثم ينصرفون في الوقت المناسب.»
بعد أن حدد كاجيتا الوقت المناسب له قال: «خطة لا بأس بها.»
قال الرئيس: «أيها المحترف، ابدأ التنفيذ.»
ولما انصرفا (الوزير والخبير) قال كاجيتا: «لا بأس بوسيلة الخبير، فهي سوف تمكننا من نقل نحو ربع مليون فرد، وهم أفراد طواقم السفن.»
قاطعه الرئيس دهشا وقال متمتما: «نقل، نقل! ألن يهلكوا؟»
أجابه كاجيتا: «للأسف مصيرهم مجهول، فمصير اليابان في عام 1945 معلوم، أما مصير أمريكا بعد بلعهم بقنابل الثقوب السوداء فمجهول.»
قال الرئيس غاضبا دهشا: «يا كاجيتا، كثرة مفاجآتك التي تقذفني بها الواحدة تلو الأخرى سوف تصيبني بالجنون، كيف يكون مصيرهم مجهول؟»







 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2024, 12:34 PM   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي رد: رواية قنابل الثقوب السوداء - أبواق إسرافيل "الرواية المشاركة في كتارا 2019-2020

قال متوجعا بعد أن زفر زفرة ضيق طويلة: «للأسف، قد يحيون في بُعد آخر ويصبحون ملوكا في بُعدهم.»
رفع الرئيس يده إليه لا يلوي على شيء سوى العجز عن الكلام، وتمتم ببضع كلمات غير مفهومة، وغمغم بصوت مسموع، وأخيرا سكت ثم قذفه بقوله وهو يشير بأنامل يده اليمنى إشارة انصراف: «كاجيتا، لا أريد أن أعرف شيئا عن تلك القنابل الملعونة، فقط نفذ خطتك.»
قال كاجيتا: «ثمة تعديل طفيف في الخطة، سوف ننقل أساطيل ثلاثة، ونعدم الرابع المتمركز في بلدنا بالرصاص لأننا لن نستطيع استخدام القنابل على أراضينا حتى لا يصاب أي مواطن ياباني بسوء.»
قال الرئيس وهو يقهقه: «أي رصاص يا كاجيتا! سوف نضربهم بالطوربيدات.»
- «حسنا، سوف أجلس في معملي، وانتظر إشارة انتهاء مهمة الرجال الثلاثة، فور أن تأتيني الإشارة سوف أفعّل عمل القنابل.»
- «سأخبرك فور انتهاء عملهم واجتماعي بحكومتي، هيا امض إلى مختبرك.»
بسط كاجيتا يده ولم يتكلم.
قال الرئيس دهشا: «ماذا تريد؟»
- أريد القنبلتين.»
قال الرئيس وهو لا يعي ما يقول: «سأحتفظ أنا بها، وآمرك أيضا بألا تنزل بالوادي الجديد إلا بأذني.»
فانصرف كاجيتا غاضبا.
***
فور رحيل كاجيتا أرسل إلى الحكومة وعقد معهم جلسة سرية للغاية.
وأخبرهم بما يريد.
لم يمانع أو يتردد منهم أحد بل باركوا خطته ودعوا لكاجيتا بالتوفيق.
ولم يمانعوا في اختيار الثلاثة أساطيل التي انتقاهم رئيس الوزراء سابقا وهم: أسطول مدينة سان دييغو، والأسطول الرابع في مدينة جاكسونفيل فلوريدا، والعاشر بولاية ماريلان بأمريكا. كما لم يمانعوا أيضا في محاصرة الأسطول الرابع المتمركز على سواحل كاناغاوا اليابانيّة ومن ثم رميهم بمجموعة من الطوربيدات التي سوف تنطلق من السفن المقاتلة اليابانية المتاخمة لهم.
وثمة معضلة لابد من إيجاد حل لها، وهي تداخل بعض القوات اليابانية مع الأساطيل البحرية الأمريكية لأنهما يحاربان معا كتحالف ضد الجانب الشرقي بقيادة الروس والصين.
وقد اتفقوا أيضا من أجل حل هذه المعضلة وهو الإعلان عن انسحاب اليابان من الحرب الدائرة متعللين بأن رامسفيلد رفض عرضا سخيا من الروس دون مبرر، ومن ثم فإن رفضه قد يودي بالعالم على حافة الهلاك.
واستكمالا للخطة قرروا قتل جاك وفهمان معا، لذلك حددوا فرقة مقاتلة من فرق الساموراي لإرسالهم إلى الوادي الجديد لقتلهما هناك، فوجود جاك مع فهمان في المختبر ffc-2 غير خاف على أحد.
وبتلك الخطة المحكمة تحكم العالم كما تنهي على آخر أمل لأي دولة تشاركها حكمها إذا ما تمكنت من صنع قنابل الثقوب السوداء أو الحصول عليها بأي طريقة ما.
***
وتم لهم ما أرادوا، حيث انسحبت القوات اليابانية المشاركة في الحرب العالمية ولاسيما البحرية منها، وكان الرجال الثلاثة في هذا الوقت على أهبة الاستعداد حيث الأساطيل منشغلة بأمر انفصال الأساطيل اليابانية عنها؛ وألقوا السنارات الثلاث بنفس الطريقة التي حددها لهم المتخصص في فنون القتال البحرية.
وسبحت السنارات الثلاث في اتجاه السفن، تلك السفن التي تسبح في سواحل المحيط الأطلسي والهادي وعليها مدمرات وطرادات وطوربيدات فضلا عن حاملات الطائرات التي تحلق فوقها مباشرة لتمدها بما تريد وتكون لها بمنزلة غطاء جوي لحمايتها، كما أنها مأهولة بطواقم يبلغ قوام أفرادها 250 ألف فرد.
***
ودخل كاجيتا المعمل ونصب ذرات الرابيديوم الثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا. وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنه لا يمكن تتبع مصدر الضرب.
وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدى فرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميان بشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.
بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاء وجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات، وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا، اتصل أيها الداعر الماجن.
وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيس الوزراء على هاتفه، وطرق جرس الهاتف أذنيه كأجمل لحن في الوجود.
وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمر بعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزر بكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع قول الرئيس.
أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منه قول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينا نفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.
***
فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج5
ودخل كاجيتا المعملَ ونصب ذرات الرابيديوم الثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا، وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنه لا يمكن تتبع مصدر الضرب.
وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدى فرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميان بشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.
بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاء وجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات، وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا، اتصل أيها الداعر الماجن.
وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيس الوزراء على هاتفه، وكان شعر بنشوة من رنة الجرس، حتى قال: أروع ما سمعت في حياتي.
وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمر بعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزر بكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع أمر التنفيذ منه.
أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منه قول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينا نفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.
ضربها بحزم الليزر من ثلاثة أجهزة لمدة ثمان ساعات بقوّة واحد جيجا وات لكلٍ منهما، انتقل الفعل مباشرة إلى باقي العائلة المتمرّكزة في القنابل الثلاثة بخاصية التواصل الكمومي لشرودنجر ففعّلت القنابل وجذبتْ الأساطيل الثلاثة.
وبحسب معادلة قنابل الثقوب السوداء التي وضعها كاجيتا فإنه بعد تحولهم إلى قنابل ثقوب سوداء ثلاث جذبت مياها حجمها ثمان كيلومتر مكعب وقعت في أفق أحداثهم الثلاثة على مدار الثماني ساعات.
**
بعد فترة وجيزة من تفعيل القنابل الثلاثة انقطعتْ وسائل الاتصال بالأساطيل الثلاثة، فظنّ المتصلون أن شبكات الاتصال فيها عطب وتحتاج لإصلاح وصيانة، فاتصل بعضُ القيادات من غرفة عمليات بقادة الأساطيل الثلاثة وربان سفنها بيد أن الهواتف لا تعطي أيّ إشارة.
فأصاب الجميع الحيرة والدهشة والهلع، على الفور تمّ نقل الحالة إلى القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.
***

أرسلت القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية طائرة استطلاع من أحد حاملات الطائرات القريبة إلى تلك المواقع، فلم يجدوا أي أثر للأساطيل الثلاثة.
فحلقت عند موضع أحد الأساطيل الثلاثة، فلم تجد الطائرة أي أثر للأسطول.
شاهد رائد طيار سفينة فرنسية على بعد من موقع الأسطول المختفي فنزل بالبراشوت على متنها.
لم يكد يلامس جسده متن السفينة إلا وكر عليه حرس السفينة، شهروا الأسلحة في وجهه، قال قائد الحرس: «انبطح أرضا وضع يديك خلف ظهرك وتكلم من أنت.»
فرفع يديه إلى الوراء وقال: «أنا رائد من القوات الجوية الأمريكية.»
قال قائد الحرس بحزم: «ولم نزلت على متن سفينتنا بلا إذن؟ ألم تر العلم الفرنسي يرفرف عليها؟»
قال الضابط: «أهلا بكم، نزلت عليها لأنكم حلفاؤنا، جئت لأستكشف عن الأسطول البحري الذي كان على بعد بضع كيلومترات منكم.»
كبلوه وساقوه إلى العميد الفرنسي البحري، وهو ربان السفينة.
عندما رآه عرف سبب هبوطه على متن السفينة، ومع ذلك سأله في غضب وحزم: «كيف تنزل على متن سفينة حربية بلا إذن أيها الرائد؟»
أجابه: «أنا رائد كما ترى في القوات الجوية الأمريكية، وجئت أستكشف عن أسطولنا البحري الذي كان على مقربة منكم سيادة العميد.»
هزّ العميد رأسه وقال: «اِئْتُوني بكشافة السفينة ليسمع بأذنيه عما حدث لسفينتهم الحربية، ويعلم ماذا حدث لنا أيضا؟»
جاء رئيس الكشافة المسئول عن رصد ما حول السفينة من خلال رادارات السفينة فقال له: «لقد رصد لنا الرادار اختفاء الأسطول بالكامل وما حوله في حجم قدره ثماني كيلو متر مكعب على مدار ثماني ساعات، ولدينا جهاز لقياس تسارع الجاذبية الأرضية، وقد سجل لنا مقدارا من الجاذبية من الموقع الذي اختفى منه الأسطول، كنا نراقب الأسطول عن كثب وكلما زادت الجاذبية كنا نبعد بسفينتنا إلى الوراء، ولما انقضت الثماني ساعات اختفى كل شيء، الأسطول وما حوله في المساحة وزالت الجاذبية، كانت المياه حول السفن والفرقاطات وحاملات الطائرات الخاصة بكم تنقص شيئا فشيئا وكأن ثمة مجموعة كبيرة من الحيتان كانوا يبلعون ذاك الماء.»
صعد الرائد إلى طائرته، أصابته الدهشة وسيطر عليه الفضول الذي كان يدفعه نحو معرفة سبب ذلك.
استقل الطائرة مجددا وذهب إلى الموقعين الآخرين لكن لم يجد أحد يمكن أن يزوده بأي معلومات.
كتب تقريره حول المواقع الثلاثة إلى القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية.
***

بعد وصول تقرير رائد طيار أرسلت الإدارة الأمريكية إلى وحدة تكنولوجيا الفضاء لاستكشاف الأمر عن الأساطيل الثلاثة المختفية.
بعد بضع ساعات فقط جاءتهم صور الأقمار الاصطناعية بملفين فيديو عن أسطولين فقط، أما الأسطول الثالث فقد كان خارج نطاق الأقمار الصناعية أثناء عملية الاختفاء.
وجلس قادة وزارة الدفاع مع قادة القيادة المركزية للقوات البحرية، وشاهدوا على مدار ثماني ساعات اختفاء الأسطولين شيئا فشيئا والماء يُسحب إلى أسفل.
حاملات طائرات عملاقة وسفن حربية وفرقاطات وغواصات، كل هذا اختفى في ثلاث حوادث مجهولة.
وكان ثمة مساحة من اليابسة بجانب الشاطئ تقع تحت تأثير أفق الحدث (هو جزء من المساحة 8 كم مكعب) عليها بعض الأطفال يلهون بالرمال فاختفوا أيضا، ابتلعتهم الأرض، لكن تساءلوا أين الأرض نفسها؟
والإجابة أن تلك المساحة من الأرض اختفت معهم، وكأنّ قطعة أرض نقصت من مساحة الكرة الأرضية.
وهذا من أعجب ما شاهدوه.
وتساءلوا فيما بينهم: أنقيد الحوادث الثلاث ضد مجهول؟!.
وتساءلوا: لماذا لم يهرب الأطفال عندما شاهدوا ما يحدث في البحر؟
وقرروا عرض الأمر على الاختصاصيين لحل هذه الألغاز.

***



فلما عرض الأمر على العلماء ولاسيما علماء الفيزياء النووية وعلماء مختبر سيرن بسويسرا اجتمعوا على أن ما يفعل ذلك إلا ثقب أسود.
لكن الثقوب السوداء في السماء، وأكثرها قريبة من مركز ثقل درب التبانة، فحاروا أيضا. فعرضوا الأمر على وكالة الناسا.
فجاءهم رئيس الناسا بصحبة بك، وشاهدا الصور، هنا تفجع رئيس ناسا على الفور وهو يقول بأنها قنابل الثقوب السوداء.
سألوه مرة أخرى.
قال: «هي قنابل الثقوب السوداء.»
قال بكْ : «إذن قد صنعها كلب اليابان كاجيتا أثناء وجوده في مختبر فهمان بالوادي الجديد، وأمريكا كلها في خطر.»
قال رئيس ناسا: «إذن أمريكا كلها في خطر.»
سألوه عن شأن الأطفال فأجابهم: «لأنهم كانوا واقعين تحت جاذبية الثقوب السوداء، كانوا يحاولون الهرب لكن أفق حدث قنبلة الثقب الأسود كانت تشدهم نحو مركزها.»
ثم استطرد رئيس ناسا: «ولن يخلصنا مما نحن فيه إلا جاك، ومن المؤكد أنه في خطر.»
واتصل فورا بجاك وأعلمه بالأمر.
كما اتصلوا بجورج رامسفيلد من أجل إعلامه بتلك الأمور.

***

اجتمع الرئيس الأمريكي جورج رامسفيلد بحكومته كاملة لأنها مسألة تخص وجود أمريكا نفسها في هذا العالم.
واستقروا بعد مناقشات عديدة على النزول الكامل لكلمة رئيس ناسا الذي حدد حجم الكارثة بقوله: «هذه هي قنابل الثقوب السوداء، هو كاجيتا، وقد يستطيع أن ينقص من الكرة الأرضية مساحة الولايات المتحدة الأمريكية في بضعة أشهر.»
وقد وضع لهم الحل بقوله: «لا يمكن لأحد دفع هذا الشرّ عنا سوى اثنين بحسب علمي، جاك ولدنا وصديقه فهمان، ومن لطف الله بنا أنّه الآن في أرض الوادي الجديد بمصر مع صديقه فهمان صاحب اكتشاف الجرافيتون الملعون.»
قال الرئيس عندئذ: «إذن نتصل به ونرسل فرقة من المارينز لحمايته فربما بعد هذه الكارثة يكون من مخطط اليابان قتل جاك، وليس جاك فحسب بل فهمان أيضا.»
وقبل فض الاجتماع جاء الرئيس الأمريكي اتصال، نظر في الهاتف فاضطربت عيناه، قال عندئذ متلعثما: «إنه رئيس وزراء اليابان.»
وظل ينظر إليه بضع ثوان كأنما يساق إلى الموت وهو ينظر، أما الوزراء فطفقوا يزدردون ريقهم، بعضهم استطاع والبعض الآخر توقف الريق على أبواب حناجرهم.
وبيد مرتعشة امتدت إلى الهاتف وفتحه.
قال رئيس وزراء اليابان: «يا عزيزي واحدة بواحدة، ولقد رفقت بكم واكتفيت بثلاثة أساطيل، وأسطول رابع سوف يضرب بالرصاص.»
قال الرئيس الأمريكي: «أي واحدة تقصد؟»
قال رئيس وزراء اليابان وهو يقهقه: «واضح أن عندك زهايمر، هو انتقام لما حدث في عام 1945، الحرب العالمية الثانية، أنسيت قنبلة ناجازاكي وهيروشيما؟»
قال الرئيس الأمريكي: «تكلمني عن ثأر مضى عليه أكثر من مائة عام؟»
أجابه: «حجم الكارثة يجعلها كأنما حدثت من ساعات، اسمع أيها الرئيس الأمريكي، لا أحب أن أسمع نشاز أصواتكم من بعد اليوم، عيشوا في بالوعات المجاري كالجرذان حتى لا أرى وجوهكم مرة أخرى .»
***«»

فهمان يرى الشيطان باستخدام الفيزياء النووية ج6
إبراهيم أمين مؤمن/مصر

وأرسل الجيش الأمريكي على الفور فرقة من المارينز هي أكفأ رجال الجيش الأمريكي في الفنون القتالية على الإطلاق، ومهمتها الرئيسة حماية جاك من أجل أن يصنع لهم قنابل الثقوب السوداء.
واتصل الرئيس الأمريكي بالرئيس المصري وأعلمه بأن فهمان في خطر، وأن خطة اليابان تقتضي بقتل كل من لديه قدرة على صناعة القنابل السوداء.
وطلب منه السماح لفرقة المارينز التي في الطريق إلى الوادي الجديد بالسماح لها بالدخول، ولم يجد الرئيس مهدي مانعا في ذلك إذ إن جاك ملازم لفهمان، وهذا يعني أن فهمان هو الآخر في مأمن من الاغتيال.
***
اكتفى مهدي بأن أرسل فرقة من قوات الصاعقة حماية لحياة فهمان، وهذا لم يكفِ مطلقا لتقدير الموقف؛ فالموضوع أكبر بكثير من ذلك، رغم أنه يسمع الآن ويشاهد البث الياباني بشان ما أحدثته اليابان بأمريكا. ومما سمع نقلا عن وزارة الخارجية اليابانية: «إنّ اليابان أعظم إمبراطورية في العالم، وإنّ الجنس اليابانيّ أرقى جنس فيه، وما كان لها أن تسكت عن ثأرها طوال كلّ هذه العقود الماضيّة.»
وقيل أيضًا: «إنّ رئيس وزراء اليابان يحذّر أمريكا من أيّ عمل متهوّر، وسيكون الردّ عنيفًا بقدرٍ لم يتصوره عقل، وردّنا إزاء أيّ عمل متهوّر هو حذفهم من الخريطة الجغرافية.»
تساءل مهدي عندئذ: من أين لهم بتلك القوة؟ تمحي أمريكا كلها!
وقرر في نفسه شيئا وقال: عندما يأتي وقته سأنجزه.
***







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:44 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط