الشاعرة آديل برشيني في مجموعتها الشعرية نخب الرماد..!

[محمد السلوم]

الشاعرة آديل برشيني
في"نخب الرماد"..!
بقلم:محمد الزينو السلوم
------------------
"نخب الرماد"المجموعة الشعرية الخامسة*للشاعرة"آديل برشيني"*الشاعرة المرهفة الإحساس،الشفيفة والشفّافة معاً..التي تكتب بماء القلب والروح،تبدأ رحلتها بإهداء إلى روح أمها،قائلة:"ًإلى روح أمي/حملتك أمي/بصدري حياةً/لوردة وجد/دم الشعر.../ينساح منها/فينبت زلفى الحنين/إليك..!".
تبدأ الشاعرة قصائد الديوان،بشرب نخب الرماد،فتسكب الشاعرة عذاب التمرّد برذاذ بكائها،لتشرب مرة نخب الرماد،ومرة ،نخب المساء،ومرة نخب العناق..لتمنح قلبها يقيناً،وروحها رضاب الحياة..!
تحلّق بنا الشاعرة في قصيدة في فضاءاتها الشعرية الواسعة،الحالمة،المتأججة،والمتجلّية،تألقاً،في لغة شعرية يلوّنها الوجدان بألوان قوس قزح،وتحس وأنت تقرأ شعرها،أنها ممسوسة بالحزن حتى الجنون..تقول في قصيدة"أجيئكَ":"أجيئكَ حين يطوّقني الحزن/أبكي وأنسلّ هاربةً/كي أ‘ود إليك..".وتقول في قصيدة أخرى:"وفي شهوة البرق والإنتشاء/تحوّلت ليلاً بدون انتهاء/جراحي تخاصر حزن النجوم/سأمضي لما يستحقّ البقاء.."،
بمثل هذا البوح الجميل الذي تخرج علينا به في كل قصيدة،تتألق الشاعرة شعراً بلغة شفيفة ومضامين شائقة،تجعلنا نهيم وجداً أقرب إلى السحر..تحب وتعشق، بمدارات قصائدها،لكنها تتحوّل فجأةً لامرأة من غمام:"سنمضي لعامٍ وراء الحريق/وحيدين في غيهب الريح نمضي/وفي القلب/رعشة روحي/تصعّد نحو نزيف انتظاري.."،
تحلم الشاعرة،ويكبر حلمها،لكنه يتلاشى فجأةً،فتقول:\في قصيدة"لؤلؤة الغيم تبكي":"حلمت وعند الغياب بأني/وقفت أمام صهيل يديك/رقصتُ بعنفٍ/وأطلقت سرب جنوني/فلم يبق مني/سوى وجعي/ورعاف الأغاني..!".
في قصيدة"شهوة النار"،تنادي شراع الخيال،فبقولها:"أنادي شراع الخيال لنبضة روحي/متى زمن الياسمين العصيّ سيأتي/لأورق فيكَ،لتزهر أنت/وروداً تعيد لجفني الندى/فضة الماء والأمنيات؟".تسأل الشاعرة عن زمن الياسمين..وكيف سيأتي إذا كان عصياً كما تقول الشاعرة ؟
أمّا القدس فلا تنسى الشاعرة أن تناديها برغم كل ما يدور حولها،قائلة:"يا قدس من ناداكِ/بعد فجيعتين ومذبحة/يا قدس/قد مات الضمير وما بكت سوى/دموع الأضرحة..".
تطالعنا الشاعرة وهي في زورقها الشعري،تجدّف وتجدّف.. بين الحين والحين،بالتنويع والتلوين في كل قصيدة..يمطرها صوت في الضوء فتقول:"أوثمّة صوت يمطرني بالضوء/وعبر النافذة الأخرى/بكآبة صوفيٍّ يأخذني../أنسلّ وخطوة أمواهي../تزحف في الظلمة..".
كما أن الشاعرة ترسم بريشتها النجم والدمع ،وتنسج الريح،حيث تقول في قصيدة"لقاء":
كلما حلّ غروبٌ أسرق الشمس وأغفو
أرسم النجمة بيتاً كلـما حـلّ المساء
أرسم الدمعة بحراً كلما فاض البكـاء
أنسج الريح بساطاً كلما طـاب اللقـاء
ونمضي مع الشاعرة المتألقة في زورقها الشعري..إلى ضفة الانتظار،حيث تقول:"يشاكسني الحزن/أمتدّ بحراً../ويضجّ صبري../يشاكسني البرق../يخضرّ في مقلتيّ../صهيل الفضاء/وأصبح ناراً/تشاغل نصف الظلام.."وتستمر المشاكسة من الحلم والحب،حتى الزهو يشاكس الشاعرة..وع ذلك تسمو بعشقها لتهبط في غربة الانتظار..!
تتابع الشاعرة رحلتها مع الحزن..فتقول في قصيدة"طهر الزنابق":"سأنمو بحزني/لأشعل ثلج القصيدة/في رعشة الليل/كي تحتويني.."وتقول أيضاً:"سأنمو بحزني/لأطفئ ليلي/بنصف النهار../وأركض نحوك بين يديّ../بقايا غنائي/وفي حالة الهذيان الجميل/أقدّم كأس امتلائي.."،ومع ذلك نجد الشاعرة برغم كل هذا تغني قائلة:"وفي رغبة الاحتراق أغنّي.../فأرقب جرحي../بنفسجة عاشقةٍ/من الفجر غيماً بزغت/وضجّ../بدوّامة الريح صوتي../جميلٌ بأن تشعل البرق/في الغيم/ثمّ تغيب..!"، إنه بوح ما بعده بوح،يصعد بنا إلى عوالم ساحرة ،إلى أنجم الوجد،وأقمار الورد..!
وتنتقل بنا في الديوان إلى قصائد من نوع آخر..قصائد غزلت على بحور الشعر ومجزوءاتها..(قيلاً من الحب- اعتزال – طيف يزور الخيال – وهج الشوق – صور في البال – طفلة الروح..الخ).
في قصيدة"طفلة الروح تقول: زهرة القلب أفيقي إنّ حلمي بانظاري
وامنحي طيف الأماني لسويعات النهارِ
وتقول في قصيدة"برتني همومي"تقول أيضاً:
تململت حزناً والنجوم تأوّهت وتلك دموعي جمرة ونواحُ
برتني همومي والليالي قصيرة وما العمر إلاّ غدوة ورواحُ
وفي قصيدة"صور في البال"تقول:" لا تلم قلبي إذا لم يعقلِ أشتكي مرّ النوى في خجلِ
بح سهدي لليالي مرغماً وهو لولا شكوتي لم يفعلِ
تعود الشاعرة من جديد لتنوّع في قصائدها ما بين قصائد التفعيلة والعمودي،مثل قصيدة"انفجار الصمت"،وقصيدة"رحيل"..ونتابع رحلتنا مع الشاعرة في زورقها..!
في قصيدة"اعتراف":تسبق الشاعرة الزمن العاتي،قبل أن يولد الأفق..تنسج حرفها عباءة حبٍ لرقصة وهمٍ تلاحق نجمها..صراخ احتضار بروحها وحرية تتلوّى على قامة الفجر..تائهة في معابر صوتها،ترفض تسكين ذاكرتها،وتقاوم ضعفها..وبمثل هذه اللغة الشعرية تبوح بكلّ ما يختلج في مشاعرها..ولنتأمّل ما تقوله:"تراتيل عشقي تثير ابتهاجي../تعود مواجيد ذاتي/تلملم نشوة ريحٍ تغنّي../يشيخ أنيني../وأسكن بين يديكَ../فأزهر في صمت عينيكَ حلماً../وتزهر أنتَ بصمتي..".
وإذا كان الديوان يطوف على صفحة حزن،ما بعده حزن..فللشاعرة الحق أن تبوح بما تحس وتشعر ،والأهم من ذلك أنها متمكّنة في لغتها الشعرية التي تترجم بصدق ما يختلج في داخلها من لواعج..!
في قصيدة"تحاصرني اللغات":تحاصر الشاعرة لغة الشمس مرة،ومرة لغة البحر،ومرة لغة الليل،وأخيراً تحاصرها لغة الحب..ثم لغة الطفل،ثم لغة الشعر..وتقول بعد هذا في آخر القصيدة:"تخاصر ذاتي/فأكسر موتي/وأحتال بالكلمات../على نبض حزني../أدور/أدور/يخدّر فكري الدوار/وتبقى اللغات..".
وأقف بإجلال وإكبار أما قصيدة"همسة من القلب"التي أهدتها للصديق الرائع،الدكتور"عبد السلام العجيلي"،حيث تقول في مطلعها: تهادى طيفك الحاني برفقٍ ضمّ أجفاني
فسبحان الذي أهدى له نـوراً،وأهداني
وماذا أقول بعد؟ماذا بعد أن استطاعت الشاعرة أن تصنع من الملح ورداً..؟! ففي قصيدة"أصنع الملح ورداً"تقول:"قد أتوق لعبير العشب/كي أُغمض جفني/وعلى ضفة دمعي/نهر صمتي ينشر البوح/على صدر البحور/زهرة من ملحِ موجٍ/يتبع اليقين سراً.."،وماذا؟وماذا؟
ولم تنس "برشين"مولدها،بقصيدة تقول فيها:"حننتُ إلى برشين نبع طفولتي/كانت تهدهدني/وتغسل بالقرنفل هِجرتي"إلى أن تقول:"لهفي على التنور/أشعله الرغيف بعتمتي/برشين مائدة القيامة/والقيامة صهوتي..".
في قصيدة"حلب"التي أمضت جلّ عمرها فيها ولا تزال،تقول:
شهباء أنتِ جــداولٌ في الحب،تُزهى في كتاب
شوقي يبين لك الهوى والشوق عنـوان الخطاب
أما من حيث الفنية فقد تجلّت من خلال اللغة الشعرية،واختيار البحور والتفعيلات المناسبة لكل قصيدة،وكذلك في توظيف بعض الكلكلمات التي تحمل دلالات لغوية جديدة،وفي تكرار بعض الجمل الشعرية،مثل(طويلاً – سأذكر _ دخلت جدار القصيدة ..الخ)،وفي بعض المفارقات الثنائية،كقولها:"أنا الغيث في أول الصحو../الصحو في آخر الغيث.."وبعدها:"الصحو في أول الغيب..".
وأختم بقصيدة"عذرية الياسمين":تسأل الشاعرة في مطلعها:"إلى أين نمضي بلحظة شوقٍ/تلوّح قبل الفراق؟/إلى أين ترحل/كلّ السنين الجميلة/بعد الزوال؟"وأسأل الشاعرة بدوري:كيف سافرتِ مغسولةً بالتوقّد حباً؟وكيف صنعتِ حرفاً جديداً ؟وإذا كان ،فما هو هذا الحرف؟وكيف أصبح البدر في قبضتك غيمة تمطر الحب؟وكيف كسرتِ الموت؟؟؟؟!!! إنه الشعر يجعلنا نصنع المعجزات..نتألق، نحلّق ،نطير،نصعد،نسكن النجوم..ونغازل القمر..!
----------------------------------------------------------------------------
*نخب الرماد":المجموعة الشعرية الخامسة/تتضمن/64/قصيدة عمودية وتفعيلة/جاءت في/115/صفحة من القطع الوسط/إصدار "مطرانية الروم الكاثوليك"بحلب/عام 2005م.
*إصدارات الشاعرة:الطيور المهاجرة – أوجاع الأسئلة – رسالة محبة للوطن – عندما تغنّي الروح.

[د.مصطفى عطية جمعة]

الأخ العزيز / محمد
سلام الله عليك
دراسة جيدة تقدم إطلالة على عالم الشاعرة آديل برشيني ، وتناولت أبرز مضامين المجموعة الشعرية ، وأروع ما فيها من موضوعات . نتمنى مك المزيد ، والغوص أكثر في جماليات النصوص والملامح الجمالية المميزة .
تحياتي إليك

[محمد السلوم]

د.مصطفى عطية جمعة..
تحية الورد والود والتقدير وبعد:
أشكركم على قراءتم وما تفضلتم به من ورد الكلام:
#
يقول الدكتور مصطفى مشكوراً:
الأخ العزيز / محمد
سلام الله عليك
دراسة جيدة تقدم إطلالة على عالم الشاعرة آديل برشيني ، وتناولت أبرز مضامين المجموعة الشعرية ، وأروع ما فيها من موضوعات . نتمنى مك المزيد ، والغوص أكثر في جماليات النصوص والملامح الجمالية المميزة .
تحياتي إليك
#
ومع الأسف فقرّاء الدراسات قلة في هذا المنتدى بالذات وهذا لم إشارات ودلائل لا حاجة لذكرها..!
أكرر شكري لكم
وإلى اللقاء.؟!