|
|
منتدى الأدب العالمي والتراجم هنا نتعرض لإبداعات غير العرب في كل فنون الأدب. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
16-05-2008, 01:49 AM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
المرأة التي جاءت في السادسة - قصة لماركيز - ترجمة شوقي فهيم -طباعة وليد محمد الشبيـبي
المرأة التي جاءت في الساعة السادسة (1950) قصة لغابرييل غارسيا ماركيز ترجمة شوقي فهيم ُفتح الباب في تلك الساعة لم يكن هناك أحد في مطعم خوسيه. منذ لحظات دقت الساعة السادسة والرجل يعرف أن الزبائن المنتظمين لن يبدأوا في الوصول حتى السادسة والنصف. كانت زبونته محافظة ومنتظمة في مواعيدها فلم تكد الساعة تنهي دقاتها الست حتى دخلت امرأة. جاءت في موعدها اليومي الثابت وجلست على المقعد دون كلمة. كانت تضع بين شفتيها سيجارة سيجارة غير مشتعلة. (أهلاً بالملكة). هكذا قال خوسيه حين رآها تجلس. ثم ذهب إلى الطرف الآخر من المنضذة الرخامية للبار، يمسح السطح المخطط بقطعة قماش جافة. كلما جاء أحد يفعل خوسيه نفس الشيء. حتى مع المرأة التي صار بينه وبينها نوع من الألفة والود. كان خوسيه صاحب المطعم ، الممتلئ المتورد الوجه، حريصاً على أن يبدو جم النشاط لا يكف عن العمل. تحدث وهو عند الطرف الآخر من الطاولة الرخامية: –(ماذا تريدين اليوم) ؟ . –(أول شئ أريد أن أعلمك كيف تكون رجلاً مهذباً). كانت تجلس في نهاية المقاعد ومرفقاها على الرخامة والسيجارة المطفأة بين شفتيها. قال خوسيه: –(لم ألاحظ). –(إنك لم تتعلم أن تلاحظ أي شئ). ترك الرجل قطعة القماش على الرخامة ومشى تجاه البوفيه الخشبي المعتم الذي تنبعث منه رائحة القار والتراب، وعاد ومعه الكبريت. مالت المرأة لتشعل سيجارتها من يده المغطاة بالشعر. ورأى خوسيه شعر المرأة الغزير مدهوناً بالفازلين الرخيص. رأى كتفيها العاريتين وحمّالة ثدييها المنقوشة بالأزهار. حين رفعت المرأة رأسها بداية ثدييها بلون الشفق، وكانت السيجارة مشتعلة بين شفتيها الآن. قال خوسيه: –(انك جميلة الليلة ايتها الملكة). –(كف عن هذا الهراء. لا تظن أن هذا يجعلني أدفع لك). –(لا أعني هذا يا ملكة. أراهن ان الغذاء لم يعجبك اليوم). جذبت المرأة نفساً عميقاً من سيجارتها ، وشبكت ذراعيها، ومرفقاها ما يزالان على الرخامة، وظلت تنظر إلى الشارع من نافذة المطعم الواسعة. كانت تبدو مكتئبة. أكتئاباً مضجراً وفجّاً. قال خوسيه: –(سأجهّز لك قطعة لحم ممتازة). –(ما زلت لا أملك أي نقود). –(لم يكن معك أي نقود طوال شهور ثلاثة ودائماً أجهّز لك شيئاً ممتازاً). قالت المرأة برنّة حزن وهي ما تزال تنظر إلى الشارع: –(اليوم مختلف). –(كل يوم نفس الشئ، كل يوم تدق الساعة السادسة وحينئذ تدخلين وتقولين انك جائعة مثل كلب وأنا أجهّز لك شيئاً ممتازاً). الفرق الوحيد اليوم هو انك لم تقولي (أنا جائعة مثل كلب) ولكن قلت ان اليوم مختلف). قالت المرأة: –(وهذا صحيح). ثم استدارت لتنظر إلى الرجل الذي كان عند الطرف الآخر من الطاولة الرخامية بفحص ما في الثلاجة. ركّزت عليه نظرها لثانيتين أو ثلاث. ثم نظرت إلى الساعة فوق البوفيه. كانت السادسة وثلاث دقائق. (صحيح يا خوسيه ان اليوم مختلف). نفثت دخان السيجارة ثم واصلت حديثها بلهجة حازمة متقدة: (اليوم لم أحضر في السادسة. هذا هو الفرق يا خوسيه). نظر الرجل إلى الساعة وقال: –(أقطع ذراعي لو كانت هذه الساعة متأخرة دقيقة واحدة). قالت المرأة: –(ليست الساعة يا خوسيه. أنا لم أجيء في الساعة السادسة اليوم). قال خوسيه: –(لقد دقت الساعة الآن يا ملكة. حين دخلت كانت تنهي دقاتها). قالت المرأة: –(منذ ربع ساعة وأنا هنا). مشى خوسيه إلى حيث تجلس المرأة. وضع وجهه الضخم اللاهث في مواجهة المرأة وهو يشد أحد جفنيه بسبابته. قال: –(أنفخي هنا). أمالت المرأة رأسها إلى الوراء. كانت جادة متضايقة ، منهكة ، أضفى عليها التعب والحزن مسحة من الجمال. –(كف عن سخافتك يا خوسيه. أنت تعرف اني لم أشرب منذ ستة شهور). –(قولي هذا لشخص غيري، ليس لي. أراهن انك شربت ُثمُناً أو ثُمنين على الأقل). –(شربت كأسين مع صديق). –(آه. الآن فهمت). –(ليس هناك شيء تفهمه. أنا هنا من ربع ساعة). هز الرجل كتفيه وقال: –(طيب ، اذا كان هذا ما تريدين فأنت هنا من ربع ساعة. ولكن ما الفرق، عشر دقائق هنا أو عشر دقائق هناك) ؟. قالت المرأة: –(ثمة فرق يا خوسيه). وفردت ذراعيها على المائدة الزجاجية وهي تبدو منهكة غير مبالية. وأكملت: (ليست الحكاية انني أريد ذلك ، انما أنا جئت إلى هنا من ربع ساعة). نظرت إلى الساعة مرة ثانية وصححت نفسها: (ما أقوله – انني جئت هنا منذ عشرين دقيقة). قال الرجل: –(تماماً يا ملكة. أوافقك حتى على أربع وعشرين ساعة لأراك سعيدة فقط). خلال كل هذا الوقت كان خوسيه يتحرّك وراء المائدة ، يغّير أشياء ، يأخذ شيئاً من مكان ويضعه في مكان آخر. كان يلعب دوره. كرر جملته: –(أريد أن أراك سعيدة) توقّف فجأة متجهاً إلى حيث تجلس المرأة: –(هل تعرفين انني أحبك للغاية). نظرت إليه المرأة ببرود: –(نعم ؟ يا له من أكتشاف يا خوسيه. هل تظن انني أذهب معك ولو بمليون بيزو ؟ . –(لا أعني هذا يا ملكة. أكرر انني أراهن ان الغداء لم يعجبك). قالت المرأة وقد صار صوتها أكثر استرخاء: –(ليس لهذا السبب. لا توجد امرأة تستطيع تحمّل وزن شخص مثلك ، حتى ولو بمليون بيزو). أحمّر وجه خوسيه. أدار ظهره للمرأة وبدأ ينفض التراب من على الزجاجات فوق الرفوف. تحدّث دون أن يدير رأسه: –(انك غير محتملة اليوم يا ملكة. أظن أن أحسن شئ لك أن تأكلي قطعة من اللحم المشوي وتروحي لتنامي). قالت المرأة: (أنا لست جائعة). راحت تنظر إلى الشارع مرة أخرى ترّقب المارة في المدينة المقبلة على الإظلام. للحظة كان ثمة صمت ضبابي في المطعم. لا يقطعه سوى عبث خوسيه في دولاب الأطباق. فجأة كفّت المرأة عن النظر إلى الشارع وتحدّثت بصوت مختلف، رقيق وخافت: –(هل تحبني حقاً يا بيبلو) ؟. رد خوسيه بجفاء دون أن ينظر إليها: –(نعم). –(رغم كل ما قلته لك ؟). –(ماذا قلت لي) ؟ هكذا سأل خوسيه دون أي تعبير في صوته ودون أن ينظر إليها أيضاً. قالت المرأة: –(ذلك الكلام عن مليون بيزو). قال خوسيه: –(لقد نسيت تماماً). سألت المرأة: –(اذن فأنت تحبني) ؟. –(نعم). سادت لحظة صمت. ما زال خوسيه يتحرّك ووجهه تجاه الادراج ولا ينظر إلى المرأة. نفثت دخان سيجارتها وأرتكزت بصدرها على الطاولة ثم راحت تتحدث بحرص ولؤم وهي تعض لسانها قبل أن تتكلم كأنها تتحدث على أطراف أصابع قدميها: –(حتى لو لم تذهب معي إلى الفراش) ؟. هنا فقط أستدار خوسيه لينظر إليها، وقال: –(اني أحبك حُبّاً جمّاً لدرجة اني لا أنوي الذهاب معك إلى الفراش). ثم مشى إلى حيث تجلس. وقف ينظر إلى وجهها، وذراعاه القويتان على الطاولة أمامها. قال وهو ينظر إلى عينيها: –(أحبك بجنون حتى اني كل ليلة أوشك ان أقتل الرجل الذي يذهب معك). للوهلة الأولى بدت المرأة مرتبكة. ثم نظرت إلى الرجل بأهتمام، بتعبير يتردد بين الحنو والشفقة والسخرية. مضت لحظات صمت مشتة. ثم ضحكت بصوت عال: –(أنت غيور يا خوسيه. هذا شئ همجي، أنت غيور !). مرة أخرى أحمّر وجه خوسيه خجلاً كطفل كشف عن كل أسراره فجأة. قال: –(يبدو أنك لا تفهمين شيئاً هذا المساء يا ملكة). ومسح نفسه بقطعة القماش ثم قال: –(هذه الحياة السيئة تجعلك وحشية). لكن المرأة غيّرت الآن من تعبيرات وجهها. قالت: –(هكذا، اذن). ونظرت في عينيه مرة أخرى ، بوهجٍ غريب في نظرتها المضطربة والمتدية في نفس الوقت. –(اذن فأنت لست غيوراً). –(بشكل ما أنا غيور. لكن ليس بالشكل الذي تظنينه). وحرّك ياقته وأستمر يمسح نفسه ويجفّف رقبته بقطعة القماش. سألت المرأة: –(هكذا) ؟. –(الحقيقة انني أحبك بجنون حتى انني أكره ما تفعلينه). –(ماذا) ؟. –(عملك هذا بالذهاب مع رجل مختلف كل يوم). –(هل حقيقة يمكنك أن تقتله حتى تمنعه من الذهاب معي) ؟. –(لا لأمنعه من الذهاب معك ، لا ، انني أقتله لأنه ذهب معك). –(أنه نفس الشئ). وصلت المناقشة إلى نقطة مثيرة. كانت المرأة تتحدث بصوت خفيض رقيق ومثير. وكانت تسدد نظراتها إلى وجه الرجل المسالم وهو يقف بلا حراك كما لو أن كلماتها قد سحرته. قال خوسيه: –(هذا صحيح). مدّت المرأة يدها لتخبط على ذراع الرجل الخشن وباليد الأخرى ألقت بعقب سيجارتها وهي تقول: –(اذن فأنت تستطيع قتل رجل) ؟. رد خوسيه وقد أكتسى صوته بنبرة درامية: –(من أجل ما قلته لك ، نعم). أنفجرت المرأة في ضحكة مزلزلة هازئة: –(يا له من أمر مؤسف يا خوسيه. خوسيه يقتل رجلاً. مَنْ كان يعرف أن وراء الرجل البدين البادي التقوى الذي يقدّم لي الطعام دون أن يجعلني أدفع ثمنه، الذي يطبخ لي كل يوم شريحة لحم ويتحّدث معي بظرف حتى أجد رجلاً ، مَنْ يصدّق أن وراء هذا كله يكمن قاتل. يا للفظاعة يا خوسيه ! أنك ترعبني) !. أرتبك خوسيه. ربما أحس بالإهانة بعض الشئ. ربما أحس، حين بدأت المرأة تضحك، أنه ضحية. نوع من الأحتيال. قال: –(انك سكرى وسخيفة، أذهبي ونامي. أنك حتى لا تريدين أن تأكلي). لكن المرأة توقفت عن الضحك وأصبحت جادة مرة أخرى ، وأعترتها موجة من التأمل الحزين وهي تميل على المائدة الرخامية. راقبت الرجل وهو يبتعد. رأته يفتح الثلاجة ويغلقها ثانيةً دون أن يأخذ أي شيء. ثم رأته يتحرّك إلى الطرف الثاني من المائدة. راقبته وهو يمسح الأكواب اللامعة، كما فعل في البداية. ثم تحدثت المرأة ثانية بنفس الصوت الرقيق الخفيض حين قالت: (هل تحبني حقاً يا بيبلو) ؟. –(خوسيه). لم ينظر الرجل إليها. –(خوسيه) !. –(أذهبي ونامي، وخذي حماماً قبل أن تذهبي إلى الفراش حتى تستطيعي النوم). –(صحيح يا خوسيه ، أنا لست مخمورة). –(اذن فقد أصبحت غبية). –(تعال هنا ، أريد أن أتحدّث معك). التكملة تحت لطفاً |
|||
16-05-2008, 01:59 AM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: المرأة التي جاءت في السادسة - قصة لماركيز - ترجمة شوقي فهيم -طباعة وليد محمد الشب
جاء الرجل مرتبكاً، في حالة بين السرور وعدم الثقة. –(أقترب) !. وقف أمام المرأة مرة أخرى. مالت إلى الأمام ، أمسكته من شعره ، لكن بطريقة تُفصح عن الود والدلال. –(أعد علي ما قلته في البداية). –(ماذا تقصدين ؟) وكان يحاول أن ينظر إليها ورأسه متجه بعيداً وهي ممسكة بشعره. قالت المرأة: –(انك سوف تقتل الرجل الذي ذهب معي إلى الفراش). –(سأقتل الرجل الذي ذهب معك إلى الفراش يا ملكة. هذا صحيح). تركت المرأة شعره. –(اذن فأنت سوف تدافع عني اذا قتلته، أليس كذلك ؟)؟ هكذا سألته وهي تدفع برأسه الخنزيري بغنج أنثوي وحشي. لم يجب الرجل بشيء. أبتسم. –(أجبني يا خوسيه ، هل تدافع عني اذا قتلته ؟). –(هذا يتوقف على الظروف. تعلمين أن الأمر ليس سهلاً كما تقولين). –(الشرطة لن تصدق أحداً أكثر مما تصدقك أنت). أبتسم خوسيه في زهو ورضا. مالت المرأة تجاهه مرة أخرى على المائدة. –(هذا صحيح يا خوسيه. أراهن انك لم تكذب طول حياتك). –(لن تنالي شيئاً بهذه الطريقة). –(الشرطة تعرفك، وسوف يصدقون أي شيء تقوله دون أن يكرروا السؤال). بدأ خوسيه يضرب المائدة بيده، لا يدري ماذا يقول. نظرت المرأة إلى الشارع مرة أخرى. ثم نظرت إلى الساعة وغيّرت من نغمة صوتها كما لو كانت راغبة في انهاء النقاش قبل أن يصل أول زبون. سألت: –(هل تكذب من أجلي) ؟. نظر إليها خوسيه مرة أخرى نظرة جادة وعميقة كأن فكرة هائلة قد طرقت رأسه. فكرة دخلت من إحدى أذنيه، ودارت بسرعة غامضة مضطربة، ثم خرجت من أذنه الأخرى ، تاركة وراءها أحساساً بالرعب فحسب. سأل خوسيه: –(ما الذي تورطت فيه يا ملكة) ؟ ومال إلى الأمام ماداً ذراعيه على المائدة مرة أخرى. أحسّت المرأة بأنفاسه المشبعة برائحة النشادر. وكأن رخام المائدة يضغط على بطنه فيزداد تنفّسه صعوبة. سأل: – (هذا أمر خطير حقيقة يا ملكة. في أي شيء ورطت نفسك ؟). أدارت المرأة رأسها للأتجاه الآخر وقالت: –(لا شيء ، فقط كنت أتحدث لأسلي نفسي). ثم نظرت إليه مرة أخرى. –(هل تعتقد انك لا تستطيع قتل أي شخص ؟). رد خوسيه: –(أنا لم أفكر في قتل أي شخص). –(لا يا رجل، أعني أي واحد يذهب معي إلى الفراش). –(أوه ! دائماً كنت أرى انك لست بحاجة إلى هذا العمل. أؤكد لك أنك اذا توقفت عن كل هذا سأعطيك أكبر قطعة لحم يومياً وبلا مقابل). –(شكراً يا خوسيه. ليس هذا هو السبب. انما لأنني لا أستطيع أن أذهب إلى الفراش مع أي واحد بعد الآن). قال خوسيه وقد بدأ يفقد صبره: –(انك تخلطين الأمور مرة أخرى). –(أنني لا أخلط في أي شيء). قالت المرأة ذلك ثم مددت جسمها على الكرسي ورأى خوسيه ثدييها المنبسطين الحزينين تحت حمالات صدرها. –(غداً سأرحل وأعدك اني لن أرجع وأضايقك أبداً بعد ذلك. أعدك اني لن أذهب إلى الفراش مع أي واحد). –(من أين جاءتك تلك الحميَّة ؟). –(لقد عزمت منذ دقيقة واحدة. منذ دقيقة واحدة فقط تحققت من أنها مهنة قذرة). أمسك خوسية بقطعة القماش مرة ثانية وبدأ ينظف الزجاج أمامها. تحدّث دون أن ينظر إليها: –(بالطبع فان ما تفعلينه عمل قذر. كان عليك أن تدركي ذلك منذ وقت طويل). –(كنت أعرف هذا منذ وقتٍ طويل. ولكني لم أقتنع إلا منذ برهة قصيرة. ان الرجال يحتقرونني). أبتسم خوسيه. رفع رأسه لينظر إليها، وما زال يبتسم ، لكنه رآها مرتبكة تتحدث وهي ترفع كتفيها ، تدور على المقعد بجسدها ، وقد أكتسى وجهها بعلامات الكبر المبكّر. –(ألا تظن أنهم يجب ان يطلقوا سراح المرأة التي تقتل رجلاً لأنها بعد ان نامت معه أحسّت بالقرف منه ومن كل من كان معها ؟). أجابها خوسيه وفي صوته خيط من اليأس: –(ليس هناك ما يدعو إلى الذهاب بعيداً هكذا). –(ماذا لو قالت المرأة للرجل إنه يحتقرها بينما هي ترقبه يرتدي ملابسه لأنها تذكّرت انها كانت تتلّوى معه على السرير طوال بعد الظهر وتشعر أن لا الصابون ولا الاسفنج يمكنهما أن يزيلا رائحته ؟). قال خوسيه دون أهتمام كبير الآن ، وهو يلمّع رخامة البار: –(كل هذا بعيد عن الموضوع يا ملكة ، ليس هناك سبب لأن تقتليه ، فقط دعيه يذهب). لكن المرأة أستمرّت في الكلام وكان صوتها ينساب هادئاً عاطفياً. –(لكن ماذا لو قالت له المرأة: انه يحتقرها وتوقّف الرجل عن أرتداء ملابسه وأندفع نحوها مرة ثانية يقبّلها ، ويفعل ؟ ..). –(ليس هناك رجل مهذّب يفعل ذلك). –(ماذا لو فعل ذلك ؟) سألت المرأة بقلق وسخط ثم واصلت: –(ماذا لو كان الرجل غير مهذّب وفعلها وعندئذ تشعر المرأة نه يحتقرها للغاية حتى انها يمكن أن تموت ، وهي تعرف أن الطريقة الوحيدة لوضع حد لكل شيء أن تطعنه بسكّين ؟). –(هذا شيء فظيع. من حسن الحظ انه لا يوجد رجل يفعل ما تقولين عنه). –(حسناً) قالت المرأة وهي في قمة سخطها الآن. (ماذا لو فعل ؟ أفترض انه فعل). –(على أي حال فهذا أمراً ليس سيئاً للغاية). قال خوسيه ذلك وأستمر ينظّف الرخامة دون أن يغّير موضعه، وبدا أقل أهتماماً بالمناقشة الآن. خبطت المرأة على الرخامة بمفاصل أصابعها وقد زاد توترها وتحفّزها. –(أنت متوحش يا خوسيه. أنت لا تفهم أي شيء). وشدّت كمه بعنف (تعال ، قل لي ان المرأة يجب ان تقتله). –(أوكي). قال خوسيه يسترضيها (ربما كان ما تقولينه هو السليم). –(أليس هذا دفاعاً عن النفس ؟) قالت المرأة وهي تشد كمه. هنا نظر إليها خوسيه نظرة راضية: –(غالباً، غالباً ، ثم غمز لها بعينيه معبّراً عن فهمه وتعاطفه معها. لكن المرأة كانت جادة. أبتعدت عنه). –(هل يمكنك ان تقول كذبة لكي تدافع عن امرأة فعلت هذا ؟). –(هذا يتوقف على..). –(يتوقف على ماذا ؟). –(يتوقف على المرأة). –(أفترض انها المرأة التي تحبها كثيراً، لا تنام معها، لكن ، مثل ، ما تقول ، تحبها كثيراً). –(أوكي. أي شيء تقولينه يا ملكة فهو صحيح). أبتعد مرة ثانية. نظر إلى ساعة الحائط. رأى انها تقترب من السادسة والنصف. فكر انه خلال دقائق قليلة سيمتلئ المطعم بالناس، وربما كان هذا هو السبب في انه بدأ يلمّع الزجاج بحماس أكبر، ناظراً إلى الشارع من خلال النافذة. ظلّت المرأة على مقعدها صامتة، مركّزة ترقب حركات الرجل بحزن. فجأة تكلمت مرة ثانية بصوت مداهن ذليل: –(خوسيه) !. نظر الرجل إليها برقة وحزن كثور ينظر إلى أبنه. لم ينظر إليها ليستمع لها، بل فقط لينظر إليها، ليعرف انها هنا، تنتظر منه نظرة لا هي نظرة حماية ولا تضامن انما فقط كأنك تنظر إلى لعبة. –(قلت لك إني راحلة غداً وأنت لم تل أي شيء). –(نعم. لم تقولي لي إلى أين). –(بعيداً. حيث لا يوجد رجال يريدون أن يناموا مع أحد). أبتسم خوسيه ثانية. سأل: –(هل حقيقة سترحلين ؟) وكأنه أصبح واعياً بالحياة ، غيَّر بسرعة من تعبير وجهه. –(هذا يتوقف عليك، اذا كنت تعرف بما يكفي لأن تقول متى جئت أنا إلى هنا ، فسأرحل غداً ولن أتورّط في هذا ثانية. هل تحب ذلك ؟). أومأ خوسيه بالإيجاب، مبتسماً وواثقاً. مالت المرأة تجاهه. –(اذا عدت إلى هنا يوماً سأشعر بالغيرة لو رأيت امرأة تتحدث إليك). –(اذا عدت إلى هنا فعليك أن تحضري لي شيئاً). –(أعدك اني سأبح في كل مكان عن الدب الأليف وأحضره لك). أبتسم خوسيه ولوّح بقطعة القماش في الهواء الذي يفصله عن المرأة، كما لو كان ينظّف لوحاً زجاجياً غير مرئي. أبتسمت المرأة أيضاً ، لكن هذه المرة في مودة ودلال أنثوي. ثم ذهب الرجل بعيداً ، ينظّف الزجاج في الطرف الثاني من الطاولة. –(ماذا اذن ؟) سألها خوسيه دون ان ينظر إليها. –(هل فعلاً ستقول لأي شخص يسألك اني جئت إلى هنا في الساعة السادسة إلا ربع ؟). –(لماذا ؟) قال خوسيه ، دون ان ينظر إليها. –(هذا لا يهم. المهم أن تفعل ذلك). ثم رأى خوسيه أول زبون يدخل من الباب الدّوار ويمشي إلى منضدة في الركن. نظر إلى ساعة الحائط. كانت السادسة والنصف تماماً. قال وكأنه يصرف الأنتباه: (وهو كذلك يا ملكة. أي شيء تقولينه سأفعله مهما كان). –(حسناً. ابدأ اذن في اعداد قطعة اللحم لي). ذهب الرجل إلى الثلاجة، أخذ طبقاً به قطعة لحم ، وتركه على المائدة. ثم أوقد الفرن. قال: –(اني ذاهب لأسوي لك طبق الوداع يا ملكة). –(شكراً يا بيبلو). بقيت مفكرة، كأنها غرقت فجأة في عالم سفلي غاص بأناس مجهولين. عبر المائدة لم تستطع أن تسمع الصوت الذي أحدثته قطعة اللحم حين سقطت في الزيت المقلي. بعد برهة لم تحس بالجلبة التي أحدثها خوسيه ولا برائحة التحمير التي ملأت المكان كله، إلى ان رفعت رأسها ثانية كأنها عادت من موت مؤقت. ثم رأت الرجل بجوار الموقد وقد أشرق وجهه في ضوء النار. –(بيبلو). –(ماذا ؟). –(فيم تفكّر ؟). –(كنت أتساءل ما اذا كنت ستجدين ذلك الدب الصغير). –(بالطبع أستطيع. لكن ما أطلبه منك هو أن تنفّذ ما أتفقنا عليه وتلك هي هدية الوداع التي أريدها منك). نظر إليها خوسيه وهو بجوار الموقد وقال: –(هل تريدين شيئاً بجانب أحسن قطعة لحم أقدّمها لك ؟). –(نعم). –(ما هو ؟). –(أريد ربع ساعة آخر). أستدار خوسيه ونظر إلى ساعة الحائط. ثم نظر إلى الزبون الذي كان ما يزال صامتاً ، منتظراً في الركن ، وأخيراً نظر إلى قطعة اللحم وهي تحمر في المقلاة. هنا فقط تكلّم : –(حقيقة أنا لا أفهم يا ملكة). –(لا تكن أحمق يا خوسيه. فقط تذكّر انني هنا منذ الخامسة والنصف). أنتهــت طباعة وليد محمد الشبيـبي بغداد الخميس 15 مايو/ آيار 2008 |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
السِّفْـــرُ المُهرَّبُ من الجزائر /تأمُّلات | شرف الدين شكري | منتـــدى الخـواطــر و النثـــــر | 176 | 14-03-2010 04:27 AM |
قصة من الشيشان | عبد الله عويس | منتدى القصة القصيرة | 0 | 13-07-2007 11:51 PM |
شخصيات مصرية .. أسرت النبوغ | محمد جاد الزغبي | منتدى الحوار الفكري العام | 54 | 01-04-2007 05:05 AM |
أصناف النساء | نجلاء حمد | منتدى قواعد النحو والصرف والإملاء | 1 | 24-08-2006 04:25 PM |
المرأة هذا الكائن المعذب | خالد جوده | منتدى الحوار الفكري العام | 2 | 16-03-2006 05:03 PM |