كاتب القصة القصيرة يحقق التميز إذا استطاع ان ينسج قصصه باستخدام السحر الأدبي ، فتكون قصته راقية مشوقة ، أي باستعمال هذا المزيج المتفرد من التوابل الفنية إذا أراد أن يأسر قارئ قصتة ، وتلك من أهم خصائص القصة القصيرة ، إذ كيف يستحوذ القاص علي القارئ فلا يدعه من أول كلمة حتى الخاتمة المفاجئة ، ثم إذا استمتع القارئ بالقصة وتشويقها الفني ، فيبقي الشق الآخر وهو الأثر الباقي من القصة علي مر الأيام ، فالقيمة الموضوعية والجمالية هي التي تستقر في ذهن القارئ ، وبذلك تحقق القصة نجاحها المأمول بين التشويق وبقاء الأثر ، وليست الخاتمة المفاجئة هي مدار نجاح القصة في حد ذاتها ، بل هي وسيلة للتشويق أيضا بحيث لا يكشف القاص جميع أوراقه سريعا ، وليس الموضوع المطروق كثيرا سببا أيضا في إخفاق القصة ، بل مدار نجاح القصص حول طريقة التناول ، وقدرة الاستحواذ علي القارئ علي حالين بين المتابعة حتى الكلمة الأخيرة والأثر الباقي ، واستعمال القاص بحرفية عالية التوابل الفنية يجعل القصة وجبة شهية جدا ، يلتهمها القارئ التهاما ، لكن هناك ملمحا هاما يعبر عن معيار القصة الفني ، بحيث يتمثل النجاح فيما ذكرناه حول جذب القارئ وتوحده مع العمل الأدبي وفي نفس الوقت تصل إليه قيمة معينة ، واحب أن اعبر أيضا عن مشاعري وأنا أتابع أحداث أمثال هذه القصص بنهم وهو أن مشاعري تصبح كالموج المتدافع وكأن عاصفة تتجاذبني مع الأحداث وهنا اذكر مقولة الكاتب من المهجر ( نعيمة ) : " ما الذي تتعطشين إليه يا نفسي والذي إليه تتوقين انك تتعطشين إلي مجد الكاتب وحظ الشاعر ، وأي الناس لا يطمع في أن يكون له قلم يتحكم في أفكار الناس أو يتلاعب بأفئدتهم إذا ما هو سال بالشعر الرقراق " واعتقد أن القاص المتمكن يمارس ذلك باقتدار فيتحكم في مشاعر القارئين ليتابعوا الأفكار والحدث المتنامي
ويصعب أن نشير في هذا الحيز لجميع عناصر التوابل الفنية في القصة لكن استخدام الجمل القصيرة التلغرافية ، والمزاوجة بين الحدث الخارجي والمنولوج الداخلي لشخصية الحدث القصصي ، وسرد التفاصيل بما يعطي حيوية لاستبطان الشخصية ، فيشعر القارئ أنه في قلب الأحداث ، الانتقال السلس بين الحوار والمنولوج الداخلي ، التصوير الحي المتفاعل للمشاعر المتنامية ، تصوير الصراع الداخلي وانتقاء عبارات موحية ، المراوحة بين العقلانية والعاطفية في صراع درامي ، مراعاة ثقافة المتلقي وتراثه ونسق المجتمع القيمي والأخلاقي ، وعلي القاص أن يدرك أن قصته كل متكامل فإذا ضعف جزء منها سقط العمل جميعه ، فإذا نحج القاص في حشد توابله الفنية ، وذاتيته الأدبية ، وقدرة الحكي ، ونجح بالفعل في جذب القارئ ، ثم جاءت الخاتمة ضعيفة سقطت القصة ، فالحذر من التخلص الفجائي من الأحداث ، وقصر النفس بالانتقال السريع جدا للوصول إلي النهاية يتناقض مع شحن القصة بتلك الشحنة الشعورية والصراع المحتدم المأزوم ، وفي نفس الوقت البطء الشديد يضر العمل ضررا بالغا ويجعله مملا ويفقده أهم ميزاته ، وحرص القاص علي عنصر التشويق في القصة كملمح أساسي وعدم فك أسرالقارئ من قراءته للقصة ، يحتاج إلي تأمل جديد واستيعاب لمدي السماح للكاتب بالدخول إلي فضاء نصه لتأكيد رأيا معينا يؤمن به .