يحرُسُ النَّهرُ غِيابي !
د. نديم حسين
نَهرٌ يسيلُ على إيقاعِهِ أَجَلُ = ليسَت لهُ ناقَةٌ في المَوتِ أو جَمَلُ
يَجري سعيدًا كمَجنونٍ بِلا هَدَفٍ = يمضي شَغوفًا ولا حُلْمٌ ولا أَمَلُ
لهُ الجِّهاتُ . بلادُ اللهِ واسِعَةٌ = قالَتْ خُطاهُ وما ضاقَت بهِ السُّبـُلُ
يطوي البلادَ كمَذبوحٍ بنَشوَتِهِ = "حُرًّا" يَطوفُ ولَو في طَيشِهِ الأَجَلُ
يَهوى البقاءَ أسيرًا رَهنَ رحلتِهِ = يمضي كقَلبٍ،ففي تَرحالِهِ عَمَلُ
تَسري خُطاهُ وإِذْ يأوي لهاويةٍ = شلاَّلَ نَبضٍ يصيرُ الوَجدُ والزَّلَلُ
تأتي إليهِ ضِفافٌ مَسَّها خَدَرٌ = تشتاقُ ماءً كقَومٍ عِندَها نزَلوا
لا يسألُ الناسَ عن أسرارِ لهفَتهم = قد يشربُ الماءُ والأحزانُ تغتسِلُ
ما فارَقَ الدَّارَ لو غابَت قبائلُهُ = يبقى ليَحرُسَ أشواقَ الأُلي رحَلوا
يُبطي ويركُضُ رَيـَّانًا بفِطرتِهِ = مِلءَ المكانِ فلا رَيثٌ ولا عَجَلُ
طَبعٌ بِهِ لجُدودِ العِزِّ حِكمتُهُ: = تمضي السُّنونُ وكَم دالَت بها دُوَلُ
للعُشبِ فَجرٌ على أشلاءِ ليلتِهِ = وفي القلوبِ أزاهيرٌ بها ثَمَلُ
وللظِّلالِ سريرٌ من نسائمِهِ = تَغفو وتَصحو إذا ما صَفَّقَ الحَجَلُ
من مَطلَعِ الشَّمسِ حتى مُنتهى قَمَري = يجري زُلالاً فلا خَلـْفٌ ولا وَجَلُ
يفتي السُّيولَ ذَهابًا في خَلائِقِها = يسقي الظِّماءَ بكأسٍ نارُها بَلـَلُ
ما قالَ أُفٍّ.ولا شَحَّت مناهِلُهُ = يُعطي ويَرمي بفَيضٍ مَوجُهُ قُبـَلُ
ماذا تُريدُ؟ سألتُ النَّهرَ. مَعذِرَةً! = ماذا تَزيدُ وفيكَ الكُلُّ مُكتَمِلُ؟
يمضي غَيورًا يُغَنِّي ذاتَهُ طَرِبـًا = لا الشَّمسُ ضاءَتْ لهُ دَربًا ولا زُحَلُ
يجري أليفًا كمَفتونٍ بغُربتِهِ! = يجري بِلا هَدَفٍ ! لكنَّهُ يـَصِلُ
النَّهرُ فينا وفينا السَّفحُ والجَّبَلُ = تَحكي الحياةُ وكَم تُزري بمَن "فَعَلوا"
أُحرُسْ غِيابَ الذي غابَت مَنازلُهُ = ولا تُصَدِّقْ دموعَ "السَّادَةِ" القَتَلوا !