|
|
|
|
المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين.. |
![]() |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 169 | |||
|
![]() المدخـــل الوحدانية: وإن من مقتضيات عبادة الله ألا يرجى غيره، وألا يُخاف غيره، فإذا تُرك الحق خوفاً من رئيس، أو أُثِرت منفعة من كبير على غير حكم الله، كان هذا من الشرك بالله، واتخاذ أنداد من دونه. إن الله وضع أسس العلاقة بين التابع والمتبوع، والرئيس والمرؤوس، على أن تكون الأرضية التي يقف عليها الجميع هي: مخافة الله: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ يُخَوِّفُ أَوۡلِيَآءَهُۥ فَلَا تَخَافُوهُمۡ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ 175) آل عمران. وإنما قال هنا: (وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) لأن المراد بالعلم هنا العقل التام وهو رجحان الرأي المقابل عندهم بالجهل على نحو قوله تعالى: (قُلۡ هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ) الزمر9. وقد جعلت هذه الحال محط النهي والنفي تمليحاً في الكلام للجمع بين التوبيخ وإثارة الهمة فإنه أثبت لهم علماً ورجاحة الرأي ليثير همتهم ويلفت بصائرهم إلى دلائل الوحدانية ونهاهم عن اتخاذ الآلهة أو نفي ذلك مع تلبسهم به وجعله لا يجتمع مع العلم توبيخاً لهم على ما أهملوا من مواهب عقولهم وأضاعوا من سـلامة مداركهم. وهذا منزع تهذيبي عظيم، أن يعمد المربي فيجمع لمن يربيه بين ما يدل على بقية كمال فيه حتى لا يقتل همته باليأس من كماله فإنه إذا ساءت ظنونه في نفسه خارت عزيمته وذهبت مواهبه، ويأتي بما يدل على نقائص فيه ليطلب الكمال فلا يستريح من الكد في طلب العلا والكمال. وقد أومأ قوله: (وَأَنتُمۡ تَعۡلَمُونَ) إلى أنهم يعلمون أن الله لا ند له ولكنهم تعاموا وتناسـوا فقالوا «إلا شريكاً هو لك». |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 170 | |||
|
![]() المدخـــل صدق الرسالة الخاتمة: (وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ٢٣فَإِن لَّمۡ تَفۡعَلُواْ وَلَن تَفۡعَلُواْ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ 24) منذ صدع محمد - عليه الصلاة والسلام - بإعلان رسالته بعدما نزل عليه قوله تعالى: (وَأَنذِرۡ عَشِيرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِينَ 214) الشعراء، والمشـركون يشـككون في صحة رسـالته. ثم بعد أن هاجر المسلمون ليثرب، جوبهوا بمقاومة للحق من تيارين: يهود، ومنافقي العرب. من هنا جاء خطاب التحدي، وإن كان موجهاً للناس جميعاً، في كل زمان ومكان، إلا أنه انطلق في بدايته، قاصداً أولئك النفر من اليهود والعرب في المدينة وما حولها: (وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ). والتحدي يبدأ بلفتة لها قيمتها حين يصف النبي - عليه الصلاة والسلام - بالعبودية لله.ولهذا الوصف في هذا الموضع دلالات منوعة متكاملة؛ فهو أولاً دلالة على أن مقام العبودية لله هو أسمى مقام يدعى إليه بشـر ويدعى به كذلك. وهي - ثانياً - تشريف للنبي وتقريب بإضافة عبوديته لله - تعالى - ولا شيء أشرف من هذه الصفة؛ فها هو ذا النبي في مقام الوحي - وهو أعلى مقام يمكن أن يصل إليه بشر - يدعى بالعبودية لله ، ويشـرف بهذه النسبة في هذا المقام. وفيها - ثالثاً - إشارة إلى أن هذا العبد الرباني إنما هو بشير ونذير، ولا يملك إلا أن يؤدي المهمة التي أوكلها إليه ربه. وإن القرآن الكريم كتاب الله - تبارك وتعالى - أنزله على نبيه - صلى الله عليه وسلم - معجزة عظمى وقرآناً يتلى، تولى حفظه رب العالمين - جل جلاله - فقال سبحانه: (إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ 9) الحجر، فالقرآن محفوظ في الصدور وفي السـطور، كأعظم معجزة أرادها الله - تعالى - معجزة مادية باقية، تعجز البلغاء والعلماء، مع كونها مكونة من حروف مطروحة على الطريق، متاحة لكل أحد، تؤلف في ألفاظ ومفردات مطروقة في اللسان العربي، لكن الكل يعجز عن أن يأتي بمثل أقصر آية منه، وما سبب ذلك إلا لأن كلام الرب لا يشبهه كلام الخلق أبداً: "أما ألفاظ هذا الكتاب الكريم، فهي كيفما أدرتها وكيفما تأملتها وأين اعترضتها من مصادرها أو مواردها ومن أي جهة وافقتها؛ فإنك لا تصيب لها في نفسك ما دون اللذة الحاضرة، والحلاوة البادية، والانسجام العذب؛ وتراها تتساير إلى غاية واحدة، وتسنح في معرض واحد، ولا يمنعها اختلاف حروفها وتباين معانيها وتعدد مواقعها من أن تكون جوهرًا واحدًا في الطبع والصقل، وفي الماء والرونق؛ كأنما تتلامح بروح حية ما هو إلا أن تتصل بها حتى تمتزج بروحك وتخالِطَ إحساسك فلن تكون معها إلا على حالة واحدة. تختلف الألفاظ ولا تراها إلا متفقة، وتفترق ولا تراها إلا مجتمعة، وتذهب في طبقات البيان وتنتقل في منازل البلاغة، وأنت لا تعرف منها إلا روحًا تداخلك بالطرب، وتشرب قلبك الروعة، وتنتزع من نفسك حسن الاختلاف الذي طالما تدبرت به سائر الكلام، وتصحفت به على البلغاء في ألوان خطابهم وأساليب كلامهم وطبقات نظامهم، مما يعلو ويسفل، أو يستمر وينتقض، أو يأتلف ويختلف ... إلى غيرها من آثار الطباع الإنسانية فيما يعتريها من نقص أو كلال أو غفلة، ومما هو صورة في الكلام لوجوه اختلافها بالقوة والضعف في أصل الخلقة وطريقة النشأة وأسباب التحصيل وآلات الصناعة إذ كل ذلك ليس في كل الطباع الإنسانية على سواء"*. * مصطفى صادق الرافعي: كتاب تاريخ آداب العرب، ج2، ص59. ومن تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وجد فيه منْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ فُنُونًا ظَاهرةً َخَفِيَّةً من حيث اللَّفْظ ومن جهة الْمعنى، قال اللَّهُ تعالى: (الٓرۚ كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ 1) هود، فَأُحْكِمَتْ ألفاظه وَفُصِّلَتْ معانيه أو بالعكس على الْخِلَافِ، فَكُلٌّ من لفظه ومعناه فَصِيحٌ لَا يُجَارَى وَلَا يُدَانَى، فقد أخبر عن مغيباتٍ ماضيةٍ وآتيةٍ كانت ووقعت طِبْقَ ما أخبر سواءً بسواءٍ، وأمر بكُلِّ خير، ونهى عن كُلِّ شرٍّ كما قالَ: (وَتَمَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدۡقٗا وَعَدۡلٗاۚ) الْأَنْعَامِ، أي: صِدْقًا في الْأخبارِ وعدلًا في الْأَحْكَامِ، فَكُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَعَدْلٌ وَهُدًى ليس فيه مُجَازَفَةٌ وَلَا كَذِبٌ وَلَا افتراء كما يُوجَدُ في أَشْعَارِ الْعربِ وغَيْرِهِمْ من الْأَكَاذِيبِ وَالْمُجَازَفَاتِ التي لا يحسنُ شِعْرُهُمْ إلا بها، كما قيل في الشِّعْرِ: إِنَّ أَعْذَبَهُ أَكْذَبُهُ. وأَمَّا الْقُرْآنُ فجميعه فَصِيحٌ في غاية نِهَايَاتِ الْبلاغةِ عند من يعرف ذلك تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا ممَّن فَهِمَ كلام العرب وتصاريفَ التَّعْبِيرِ، فَإِنَّهُ إِنْ تَأَمَّلْتَ أَخْبَارَهُ وجدتها في غاية الْحلاوة، سواءٌ كانت مبسوطةً أو وَجِيزَةً، وسواءٌ تَكَرَّرَتْ أم لا. وَكُلَّما تكرَّر "حَلَا وَعَلَا لَا يَخلق عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا يَمَلُّ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ"، وإن أخذ في الْوعيد والتَّهديد جاء منه ما تَقْشَعِرُّ منه الْقُلُوب الْفَاهِمَات، وإنْ وَعَدَ أتى بما يَفْتَحُ الْقُلُوبَ وَالْآذَانَ. وإن جاءتِ الآياتُ في الْأَحْكَامِ وَالْأَوَامِـرِ وَالنَّوَاهِي، اشـتملتْ على الأمـر بكل معـروفٍ حسـنٍ نافع طَيِّبٍ محبوبٍ، والنهيِ عنْ كل قبيحٍ رذيلٍ دنيءٍ. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 171 | |||
|
![]() المدخـــل صدق الرسالة الخاتمة: وقد ورد في كتاب الله - تبارك وتعالى - أكبر تحدٍّ لقريش وهم أهل اللغة والفصاحة البلغاء أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال رب العزة والجلال: (قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا 88) الإسراء؛ و (لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) أي: لَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، (وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا): عَوْنًا وَمُظَاهِرًا. وقالوا في أسباب النزول أن هذه الآية نَزَلَتْ حين قال الكفار: (لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا) الأنفال 31، فكذبهم الله تعالى؛ إذ أن القرآن مُعْجِزٌ في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب. وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة، وهذا دليل قاطع، وبرهان ساطع، على صحة ما جاء به النبي وصدقه، حيث تحدى الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله، وترك الباب مفتوحاً ليستمر التحدي قائماً ما دامت الحياة الدنيا. ووقع كما أخبر الله، فإن دواعي أعدائه المكذبين به، متوفرة على رد ما جاء به بأي وجه كان، وكانوا أهل اللسان والفصاحة، فلو كان عندهم أدنى تأهل وتمكن من ذلك لفعلوه. وإذ لم يفعله من كان متمتعاً بالذروة من الفصاحة، فأنى لمن جاءوا بعدهم بالقدرة على المعارضة؟! بل كيف يقـدر مخلوق من تراب، ناقص من جميع الوجـوه، ليس له علـم ولا قـدرة ولا إرادة ولا مشيئة ولا كلام ولا كمال إلا من ربه، أن يعارض كلام رب الأرض والسماوات، المطلع على سـائر الخفيات، الذي له الكمال المطلق، والحمد المطلق، والمجد العظيم، الذي لو أن البحر يمده من بعده سـبعة أبحر مدادًا، والأشـجار كلها أقلام، لنفذ المداد، وفنيت الأقلام، ولم تنفد كلمات الله. ثم تحداهم بعد أن عجزوا عن الإتيان بمثله بأن يأتوا بعشـر سـورٍ مثله كما في قوله سبحانه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) هود 13، ثم تحداهم بسورة واحدة، فقال: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ) يونس 38، وقال هنا: (وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ). وتكرار قولهم: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) زعماً منهم أنه لم يأت بهذا الكتاب من عند الله، بل اختلقه أو لفقه. فلو كانوا محقين في قولهم أنه افتراه، فيكون لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، ولحرصكم على أبطال دعوته، فما أسهل عليكم من تكذيبه بالإتيان بعشـر سـور مخترعات من جنس ما أتاكم به، بل فيكم من ترون أنه يفوق محمداً - عليه السلام - فصاحة وبلاغة. ولما عجزوا نزل - سبحانه - لهم بسقف التحدي لسورة واحدة. ثم إنكم إن رأيتم أن مواهبكم تعجز عن التحدي، استعينوا بمن شئتم من إنس أو جن. ثم إنه قال: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا) فجاء بـ "لَنْ" لنفيِ التَّأْبِيدِ أي: ولنْ تَفْعَلُوا ذلك أبدًا. وهذه - أيضًا - مُعْجِزَةٌ أخرى، وهو أنَّه أخبر أَنَّ هذا القرآن لا يُعارَضُ بمثله أبدًا، وكذلك وقع الْأَمْرُ، لم يُعَارَضْ من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وأنَّى يتأتَّى ذلك لأحدٍ، والْقرآنُ كلامُ اللَّهِ خَالِقِ كُلِّ شيءٍ؟ وَكَيْفَ يُشْبِهُ كَلَامُ الْخَالِقِ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ؟! إن التحدي جاء متدرجاً حتى انتهى بسـورة واحدة في البقرة ويونس. ونحن نرى أن التحدي تنوع كذلك، بالقرآن، والمبعوث به، وهذا يبينّه لنا الاختلاف في عبارة التحدي بسـورة؛ إذ جاء في البقرة: (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ)، وفي يونس: (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ)، والأولى تعني افتراض أن يوجد للمطلوب الإتيان بمثله مثيل أو أمثال. أما الثانية: (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ) فلا يشترط فيه وجود المثيل. والقرآن - بلا شك - ليس له مثيل، مما يؤكد أن العبارة الثانية تخص التحدي بالقرآن، بينما العبارة الأولى تحتمل التحدي بالقرآن وبالرسول، بمعنى أن آية البقرة يأتي فيها التحدي بالرسول؛ فيعود الضمير في: (مِّن مِّثۡلِهِۦ) على المُنَزَّلِ عليه، فـ (مِّن) متعلقة بقوله: فأتوا من مثل الرسول بسـورة. ومعنى (مِنْ) على هذا الوجه: ابتداء الغاية. وفي المثلية هنا أقوال: من بيئة مماثلة لبيئته التي كانت خالية من أخبار السماء، أو من أبناء جنسه، أو ممن - مثله - لم يدارس العلماء، ولم يجالس الحكماء، ولم يؤثر عنه قول الشعر أو ضروب تزويق الكلام. ما يؤكد ما نذهب إليه اختلاف مقدمة التحدي بين الآيات، فآية يونس وكذا آية هود - فيها: (أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ) بينما آية البقرة فيها: (وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا) والريب هنا يشمل المُنَزَّلَ والمُنَزَّلَ عليه، والريبة قد تكون من مظنة الافتراء أو غيره، فإنهم قالوا: ساحر أو مجنون أو يعلّمه بشر، بينما هناك تأتي دعوى الاختلاق للقرآن. لذلك جاء نص آية البقرة على العموم، على خلاف آيتي يونس وهود اللتين جاءتا بتخصيص القرآن؛ إذ أن المطلوب أن يأتوا بمثل القرآن. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 172 | |||
|
![]() المدخـــل صدق الرسالة الخاتمة: ثم إنه بعد تأكيد عجزكم عن معارضة القرآن، وتبين لكم أن ذلك لا يستطيعه أحد حاضراً ومستقبلاً، فخافوا العذاب الذي أعده الله للجاحدين وهو النار التي وقودها الناس والحجارة: (فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِي وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُۖ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ 24) لأن الذي لا يؤمن بعد إقامة الحجة عليه، ولم يستعمل عقله، إنما هو بمنزلة الحجارة، فقرن بينهما. وجعل اشتراطه في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله، لأنه إذا ظهر عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق الرسول والرسالة، وإذا صح ذلك ثم لزموا العناد اسـتوجبوا العقاب بالنار، فاتقاء النار يوجب ترك العناد، فأقيم المؤثر مقام الأثر، وجعل قوله: (فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ) قائماً مقام قوله: فاتركوا العناد، وهذا هو الإِيجاز الذي هو أحد أبواب البلاغة، وفيه تهويل لشأن العناد ، لإِنابه اتقاء النار منابه متبعاً ذلك بتهويل صفة النار . والوقود : ما يلقى في النار لإِضرامها كالحطب ونحوه، لكن ليس من المعهود أن تضرم النار بالحجارة، بل إنها في الدنيا تُسَيَّجُ بها النار لحجزها، فإذا أطفئت النار بقيت الحجارة لإشعال جديد. أما وأنها من الوَقود، فهذه صورة مرعبة تظهر شدة النار لدرجة أن تذيب الحجارة، فما بالك بالأجساد المصاحبة للحجارة في جحيم النار؟! أما مناسبة الإتيان بذكر الحجارة هنا فلسببين: الأول أنهم بإعراضهم عن آيات الله وجحودهم لدينه مع ما جاء به رسوله من أدلة وبراهين تؤكد صدقه فيما بلغ عن ربه، شُبّهوا بالحجارة التي لا تعقل، فاقترنوا بها في جهنم. والثاني أنها الأصنام التي يعبدونها من دون الله كما قال تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ) الأنبياء98، واقتران المشـركين بما كانوا يعبدون في النار مبالغة في إيلامهم وتحسـيرهم، وبأن ما أعدوه لنجاتهم كان سبباً لعذابهم. إن العرب أعرضوا عن قبول التحدي بمعارضة القرآن، لأنهم أدركوا ألا قبل لهم بها. هم كذبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وناوئوه وأعرضوا عن متابعته فحاجهم على إثبات صدقه بكلام أوحاه الله إليه، وجعل دليل أنه من عند الله عجزهم عن معارضته فإنه مركب من حروف لغتهم ومن كلماتها وعلى أساليب تراكيبها، وأودع من الخصائص البلاغية ما عرفوا أمثاله في كلام بلغائهم من الخطباء والشعراء ثم حاكمهم إلى الفصل في أمر تصديقه أو تكذيبه بحكم سهل وعدل، وهو معارضتهم لما أتى به أو عجزهم عن ذلك نطق بذلك القرآن في غير موضع كهذه الآية فلم يستطيعوا المعارضة فكان عجزهم عن المعارضة لا يعدو أحد أمرين: 1) قول الجمهور: أن يكون عجزهم لأن القرآن بلغ فيما اشتمل عليه من الخصائص البلاغية التي يقتضيها الحال حد الإطاقة لأذهان بلغاء البشر بالإحاطة به، بحيث لو اجتمعت أذهانهم وانقدحت قرائحهم وتآمروا وتشاوروا في نواديهم وبطاحهم وأسواق موسمهم، فأبدى كل بليغ ما لاح له من الحيل اللغوية والبيانية لوجدوا كل ذلك قد وفت به آيات القرآن وأتت بأعظم منه، فهذا هو القدر الذي أدركه بلغاء العرب بفطرهم، فأعرضوا عن معارضته علما بأنهم لا قبل لهم بمثله، وقد كانوا من علو الهمة ورجاحة الرأي بحيث لا يعرضون أنفسهم للافتضاح ولا يرضون لأنفسهم بالانتقاص لذلك رأوا الإمساك عن المعارضة أجدى بهم، وأفضل من الفشل في محاولة المعارضة التي ستكون - بلا ريب - قاصرة عن بلاغة القرآن. 2) قول المعتزلة: قد يجوز أن يكونوا قادرين على الإتيان بمثله، ممكنة منهم المعارضة، ولكنهم صرفهم الله عن التصدي لها مع توفر الدواعي على ذلك، فيكون صدهم عن ذلك مع اختلاف أحوالهم أمراً خارقاً للعادة أيضاً، وهو دليل المعجزة. وهذا مذهب فريق قال بالإعجاز بالصرفة، وهو قول النظام وكثير من المعتزلة، ونُسب إلى أبي إسحاق الأسفرائيني وأبي الحسن الأشعري، وقال به الشريف المرتضى من الشيعة. ولا مجال للقول بأن يكون العرب قد عارضوا القرآن، ولم ينقل إلينا ما عارضوا به، لأنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - بعث في أمة مناوئة له معادية؛ فكانت العرب قاطبة معارضة للنبي إذ كذبوه ولمزوه بالجنون والسـحر وغير ذلك، ولم يتبعه منهم إلا نفر قليل مستضعفين بين قومهم لا نصير لهم في أول الدعوة ثم كان من أمر قومه أن قاطعوه ثم أمروه بالخروج بين هم بقتله واقتصار على إخراجه. كل هذا ثبت عنهم في أحاديثهم وأقوالهم المنقولة نقلاً يستحيل تواطؤنا عليه على الكذب وداموا على مناوأته بعد خروجه كذلك يصدونه عن الحج ويضطهدون أتباعه إلى آخر ما عرف في التاريخ والسِــيَّر ولم تكن تلك المنـاوأة في أمـد قصير يمكن في خلاله كتم الحـوادث وطي نشـر المعارضة فإنها مدة تسع عشرة سنة إلى يوم فتح مكة. ولا جرم أن أقصى رغبة لهم في تلك المدة هي إظهار تكذيبه انتصاراً لأنفسهم ولآلهتهم وتظاهراً بالنصر بين قبائل العرب. كل هذا ثبت بالتواتر عند جميع الأمم المجاورة لهم من فرس وروم وقبط وأحباش. وقد كان هؤلاء المُتَحَدُّون المدعوون إلى المعارضة بالمكانة المعروفة من أصالة الرأي، واسـتقامة الأذهان، ورجحان العقول، وعدم رواج الزيف عليهم، وبالكفاءة والمقدرة على التفنن في المعاني والألفاظ، تواتر ذلك كله عنهم بما نقل من كلامهم نظماً ونثراً، فلم يكن يعوزهم أن يعارضوه لو وجدوه على النحو المتعارف لديهم فإن صحة أذهانهم أدركت أنه تجاوز الحد المتعارف لديهم فلذلك أعرضوا عن المعارضة مع توفر داعيهم بالطبع وحرصهم لو وجدوا إليه سبيلاً ثبت إعراضهم عن المعارضة بطريق التواتر إذ لو وقع مثل هذا لأعلنوه وأشـاعوه وتناقله الناس لأنه من الحوادث العظيمة. ثم إنهم لما عدلوا عن المعارضة باللسان، تحولوا إلى المحاربة بالسيف، ولو كان في قدرتهم التصدي للتحدي، لما احتاجوا إلى إزهاق الأرواح، وإفناء النفوس. ووراء هذا كله دليل آخر يعرفنا بأن العرب بحسـن فطرتهم قد أدركوا صدق الرسول وفطنوا لإعجاز القرآن وأنه ليس بكلام معتاد للبشر وأنهم ما كذبوا إلا عناداً أو مكابرة وحرصاً على السيادة ونفوراً من الاعتراف بالخطأ، ذلك الدليل هو إسلام جميع قبائل العرب وتعاقبهم في الوفادة بعد فتح مكة فإنهم كانوا مقتدين بقريش في المعارضة مكبرين المتابعة لهذا الدين خشـية مسـبة بعضهم وخاصة قريش ومن ظاهرهم، فلما غُلبت قريش لم يبق ما يصد بقية العرب عن المجيء طائعين معترفين عن غير غلب، فإنهم كانوا يستطيعون الثبات للمقارعة أكثر مما ثبتت قريش إذ قد كان من تلك القبائل أهل البأس والشـدة من عرب نجد وطيء وغيرهم ممن اعتز بهم الإسلام بعد ذلك فإنه ليس مما عرف في عوائد الأمم وأخلاقها أن تنبذ قبائل عظيمة كثيرة أدياناً تعتقد صحتها وتجيء جميعها طائعاً نابذاً دينه في خلال أشـهر من عام الوفود لم يجمعهم فيه نادٍ ولم تسـر بينهم سـفراء ولا حشـرهم مجمع لولا أنهم كانوا متهيئين لهذا الاعتراف لا يصدهم عنه إلا صاد ضعيف وهو المكابرة والمعاندة. |
|||
![]() |
![]() |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|
|
|