الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 18-10-2022, 01:57 PM   رقم المشاركة : 133
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ 26)







(وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ):

(ٱلۡفَٰسِقِينَ): مفعول لـ (يُضِلُّ)، وهو استثناء مُفَرّغ. ويجوز عند القرّاء أن يكون منصوباً على الاستثناء والمستثنى منه محذوف تقديره: وما يُضِلُّ به أحداً إِلاَّ الفاسقين؛ كقوله:
نَجَا سَالِمٌ والنَّفْسُ مِنْهُ بِشِدْقِهِ ..... وَلَمْ يَنْجُ إِلاَّ جَفْنَ سَيْفٍ ومئزَرَا
أي: لم ينجُ بشيء إلا جفن سيف.
ومعنى: (وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ)، أي: وما يكون ذلك سبباً للضلالة إلا عند من خرج عن الحق.
وقال بعض أهل العلم: معنى: يضلّ ويهدي: الزيادة في الضلال والهدى، لا أن ضرب المثل سبب للضلالة والهدى، فعلى هذا يكون التقدير: نزيد من لم يصدق به وكفر ضلالاً على ضلالة، ومن آمن به وصدق إيماناً على إيمانه.
والفاسق هو الخارج من طاعة الله تعالى. فتارة يكون ذلك بكفر وتارة يكون بعصيان غير الكفر.
و "الفِسْقُ" لغةً: الخروجُ، يقال: فَسَقَ يَفْسُقُ ويَفْسِقُ - بالضم والكسر - في المضارع فِسْقاً وفُسُوقاً، فهو فَاسِقٌ. يقول رُؤْبَة يصف إبلاً:
يَهْوِينَ فِي نَجْدٍ وَغَوْراً غَائِراً ..... فَوَاسِقاً عَنْ قَصْدِهَا جَوَائِرَا
و "الفسيق": الدائم الفسق.
وحقيقة الفسق خروج الثمرة من قشرها؛ فيقالُ: فَسَقَتِ الرُّطَبَةُ عن قِشْرهَا، أي: خَرَجَتْ، وهو عاهة أو رداءة في الثمر فهو خروج مذموم يعد من الأدواء مثل ما قال النابغة:
صِغار النوى مكنوزة ليس قِشْرُها ..... إذا طار قِشْر التمر عنها بطائر
قالوا: ولم يسمع في كلامهم في غير هذا المعنى حتى نقله القرآن للخروج عن أمر الله تعالى الجازم بارتكاب المعاصي الكبائر، فوقع بعد ذلك في كلام المسلمين.
والفسقُ في عرف الاستعمال الشرعي الخروج من طاعةِ اللهِ - عز وجل - فقد يقع على من خرج بعصيان. واختلفوا في أنَّهُ مؤمنٌ أو كافر؛ فقال بعضهم: هو مؤمن، وعند الخوارج: أَنَّه كافرٌ، واحتجوا بقوله: (إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ 67) التوبة، وقوله: (وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ) الحجرات 7، وقوله: (بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَٰنِۚ) الحجرات 11 ، وعند المعتزلة: أنَّه لا مؤمن ولا كافر.
وقُريءَ: {يُضِلُّ به كثيرٌ ويُهْدىٰ به كثيرٌ، وما يُضَلُّ به إلا الفاسقُون} بالبناء للمفعول، وقُريءَ أيضاً: {يَضِلُّ به كثيرٌ ويَهْدي به كثيرٌ، وما يَضِلُّ بِه إلا الفاسقون} بالبناء للفاعل، وهي قراءات مخالفة للمصحف المجمع عليه.



درجات الفسق:
للفسق مراتب كثيرة تبلغ بعضها إلى الكفر. وقد أطلق الفسق في الكتاب على جميعها لكن الذي يستخلص من الجمع بين الأدلة هو ما اصطلح عليه أهل العلم من المتكلمين والفقهاء، وهو أن الفسق غيرُ الكفر. وأن المعاصي وإن كثرت لا تزيل الإيمان وهو الحق، وقد لقب الله اليهود في مواضع كثيرة من القرآن بالفاسـقين، ولعله هو المراد هنا.
ولعل ما يقرب مفهوم الفسق هو مقارنته بمستويات العصيان من الكفر والظلم، وهو ما ورد في سورة المائدة في فواصل آيات: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ) على ترتيب المصحف:
1) (فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ 44)
2) (فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ 45)
3) (فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ 47)

والذي لا يحكم بما أنزل الله هو قطعاً أحد هؤلاء، ويكون ظالماً وفاسقاً وكافراً إذا انطبقت عليه كل حالات الآيات. وهي كلها معانٍ متباينة، لكل معنى منها مدلوله الخاص، وإن اشترك كل منها مع الآخرين في طرف دلالي، فالكفر ظلم للنفس، لا محالة، وكذلك الفسق. والظلم قد يصل إلى الكفر. والفاسـق أعمّ من الظالم وليس بالضرورة أن يتعلق بظلمه للآخرين، فالإنسان إذا لم يؤدي العبادات يكون ظالماً لنفسه، ويقال عنه: فاسق وليس ظالماً بمعنى الظلم لغيره. وآدم وزوجه قالا: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) الأعراف 23، وملكة سبأ قالت: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي) النمل 44. ومن حيث ترتيب الآفات الثلاثة من حيث العموم تكون: الظلم ثم الفسق ثم الكفر.

وإن أعلى درجات الفسق هي ما يسمونه بالفسق الأكبر، وهو ما وصم به المنافقون في قوله تعالى في سورة براءة: (إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ 67) وقال: (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ إِنَّهُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَٰسِقُونَ 84)، وهو ما قيل عن الكفار من قوم نوح وقوم فرعون (إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ 12)النمل. وهذا هو أشد أنواع المعاصي وأكبرها، وأشد وأسوأ أنواع الفسوق؛ لأنه يخرج صاحبه عن الملة، فلا يُقبل له عمل.
أما ما دون ذلك من أنواع الفسق، فأدناه ما يسمى بالفسق الأصغر، وهو تعاطي صغائر المعاصي والذنوب، والتي لا تخرج صاحبها عن الملة، بل تُكتب عليه سيئة، فإذا كبر الفسق، ونمى فصار رصيداً كبيراً من السيئات، خشيَ أن تَعْظُمَ إذا لم تطهرها التوبة والاستغفار، لتصير من الفسق الأكبر الذي يدخل صاحبه النار.

ما وجه إسناد الضلال إلى الله؟:

إنَّ إسناد الإضلال إلى الله - تعالى - مراعىً فيه أنه الذي مكن الضالين من الكسب والاختيار بما خلق لهم من العقول وما فصل لهم من أسباب الخير وضده. وفي اختيار إسناده إلى الله - تعالى - مع صحة إسناده لفعل الضال، إشارة إلى أنه ضلال متمكن من نفوسهم حتى صار كالجِبلة فيهم، فهم ميئوس من اهتدائهم، حتى أحاط بهم، فـ (خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ) البقرة 7. إنَّ إسناد الإضلال إلى الله - تعالى - منظور فيه إلى خَلق أسبابه القريبة والبعيدةِ، وإلا فإنَّ الله أمَر الناس كلهم بالهدى وهي مسألة مفروغ منها في علم الكلام.

فقوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ):
- إما مسوق لبيان أن للفسق تأثيراً في زيادة الضلال لأن الفسق يرين على القلوب ويكسب النفوس ظلمة فتتساقط في الضلال المرة بعد الأخرى على التعاقب، حتى يصير لها دربة.وهذا الذي يؤذن به التعليق على الوصف المشتق إن كان المراد به هنا المعنى الاشـتقاقي، فكأنه قيل هؤلاء فاسقون وما من فاسق إلا وهو ضال فما ثبت الضلال إلا بثبوت الفسق على نحو طريقة القياس الاقتراني.
- وإما مسوق لبيان أن الضلال والفسق أخوان، فحيثما تحقق أحدهما أنبأ بتحقق الآخر على نحو قياس المساواة إذا أريد من الفاسقين المعنى اللقبي المشهور فلا يكون له إيذان بتعليل.
- وإما لبيان أن الإضلال المتكيف في إنكار الأمثال إضلال مع غباوة فلا يصدر إلا من اليهود وقد عرفوا بهذا الوصف. وإنْ كان محمل الفاسقين على ما يشمل المشركين واليهود الذين طعنوا في ضرب المثل، كان القصر في قوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ) بالإضافة إلى المؤمنين ليحصل تمييز المراد من المضلل والمهتدى، وإن كان محمل الفاسقين على اليهود كان القصر حقيقياً ادعائياً أي: يضل به كثيراً وهم الطاعنون فيه وأشدهم ضلالاً هم الفاسقون. ووجه ذلك أن المشـركين أبعد عن الاهتداء بالكتاب لأنهم في شـركهم، وأما اليهود فهم أهل كتاب وشأنهم أن يعلموا أفانين الكتب السماوية وضرب الأمثال فإنكارهم إياها غاية الضلال فكأنه لا ضلال سواه.






 
رد مع اقتباس
قديم 22-10-2022, 01:39 PM   رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ 26)







حول مضمون الآية:

الذي عليه أكثر أهل العلم أن الله - تعالى - خاطبنا بلسان العرب، وفيه الحقيقة والمجاز، فما صح في العقل نسبته إليه نسبناه إليه، وما استحال أوّلناه بما يليق به - تعالى -، كما نؤول فيما ينسب إلى غيره مما لا يصح نسبته إليه. والحياء بموضوع اللغة لا يصح نسبته إلى الله - تعالى -، فلذلك أوله أهل العلم. وأُوّل بأن هذا جار على سـبيل التمثيل مثل تركه تخييب العبد من عطائه لكرمه بترك من ترك رد المحتاج إليه حياء منه، وقد يجوز أيضاً في الاستحياء، فنسب إلى ما لا يصح منه بحال، كقول المتنبي:
إذا مااستَحَينَ المَاءَ يَعرضُ نَفسَهُ ......كَرَعْنَ بِسبتٍ في إناءٍ من الوَردِ
يقول هذه الإبل غنية عن الورد وهن يعبرن بالمياه كثيرا، فالماء كالذي يعرض نفسه عليها فتستحي منه ألا تشرب فتكرع فيه، أي: تدخل في الماء حتى تغيب فيه أكرعها.
وقال أبو تمام:
هُوَ اللَيثُ لَيثُ الغابِ بَأساً وَنَجدَةً ..... وَإِن كانَ أَحيا مِنهُ وَجهاً وَأَكرَما
ويجوز أن يكون قوله تعالى: (لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ) على سبيل المقابلة، لأنه روي أن الكفار قالوا: ما يستحي رب محمد أن يضرب الأمثال بالذباب والعنكبوت. ومجيء الشيء على سبيل المقابلة، وإن لم يكن من جنس ما قوبل به، شـائع في لسان العرب، ووارد منه كثير في الكتاب، نحو: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ 54) آل عمران، وقوله: (فَيَسۡخَرُونَ مِنۡهُمۡ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنۡهُمۡ) التوبة79.
وجاء ذكر الاستحياء منفياً عن الله - تعالى -، وإن كان إثباته بموضوع اللغة لا يصح نسبته إلى الله، فكل أمر مستحيل على الله - تعالى - إثباته، يصح أن ينفي عنه تعالى، وبذلك نزل القرآن. ألا ترى إلى قوله تعالى: (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) البقرة255، وقوله: (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ) الأنعام 14، وقوله: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُمِن وَلَدٍ) المؤمنون 91، ونقول: الله - تعالى - ليس بجسم. فالإخبار بانتفاء هذه الأشياء هو الصدق المحض، وليس انتفاء الشيء مما يدل على تجويزه على من نفي عنه، ولا صحة نسبته إليه. ونفي الشيء عما لا يصح إثباته، له كثير في القرآن ولسان العرب، بحيث لا يحصر ما ورد من ذلك. ونخلص إلى أن معنى نفي الاستحياء: هو أنّ الله - تعالى - لا يرى من النقص أن يضرب مثلاً بعوضة فما دونها؛ لأنّه خالق كلّ شيء.

وقد رويت في أسباب النزول روايتان، إحداهما عن المشركين الذين قالوا بعد نزول الأمثال في الذبابة والعنكبوت: أرأيتم أي شيء يصنع بهذا؟!، والأخرى عن قول اليهود مستهزئين: ما يشبه أن يكون هذا كلام الله، فأنزل الله: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا). والوجه أن نجمع بين الروايتين، ونبين ما انطوتا عليه بأن المشركين كانوا يفزعون إلى يهود يثرب في التشاور في شـأن نبوءة محمد - صلى الله عليه وسلم - وخاصة بعد أن هاجر إلى المدينة، فيتلقون منهم صوراً من الكيد والتشغيب فيكون قد تظاهر الفريقان على الطعن في بلاغة ضرب المثل بالعنكبوت والذباب فلما أنزل الله - تعالى - تمثيل المنافقين بالذي استوقد ناراً وكان معظمهم من اليهود هاجت أحناقهم وضاق خناقهم فاختلقوا هذه المطاعن، فقال كل فريق ما نسب إليه في إحدى الروايتين، ونزلت الآية للرد على الفريقين. والعجيب أن تراث الفريقين حافل بأمثلة عن محقرات المخلوقات، مما يدل على أنهما يصدرون عن جهل وعناد وتكبر.

أما العرب ففي أمثالهم ضربوا للخفاء والتستر مثلاً بالذرة، وفي الطيش مثلاً بالذبابة، وفي الضعف مثلاً بالقرادة، وبالفساد مثلاً بالجرادة، وبالجمال مثلاً بالفراشة، وبتكليف ما لا يطاق مثلاً بمخ البعوضة. بل إنهم في أشـعارهم شـبهوا الشـجعان بالحية في الإقدام وإهلاك العدو، كما في قول ذي الإصبع العدواني:
عَذيرُ الحَيِ مِنْ عَدوَا ..... نَ كانُوا حَيَّةَ الأَرْضِ
وقول النابغة في رثاء الحارث الغسّاني:
ماذا رُزِئْنا به من حَيَّةٍ ذَكَرٍ ..... نَضْنَاضَةٍ بالرزايا صِلّ أَصلاَلِ
ومعنى: نَضْنَاضَةٍ: لا تستقر في مكان.
وتراث العرب الثقافي في تضمين أشعارهم بما يحتقر امتد إلى العصر الأموي والعباسي، فقد شبَّه بشار عبدة تعلق بها:
حَوراءَ كالرَشَأَ الرَبِيبِ
بالحيَّة في قوله:
وكأنَّها لمَّا مَشَتْ أيْمٌ تَأوَّد في كَثِيبْ
وللفرزدق:
من عِزّهم حجرَتْ كليبٌ بيتها ..... زَربــاً كأنهـمُ لديـهِ القُمَّـل
وقال الطرمّاح:
وَلَو أَنَّ بُرْغُوثاً عَلى ظَهْرِ قَمْلَةٍ ..... يَكَرُّ عَلى ضَبْعَيْ تَمِيم لَوَلَّتِ
ومن الأمثلة المشهورة في اسـتلهام الشـاعر من بيئته ما روي أن عليَّـاً بن الجهم مدح
الخليفة المتوكل بقوله:
أَنْتَ كَالكَلبِفِيحِفَاظِكَلِلوُد ..... دِ وَكَالتَيسِ فِي قِرَاعِ الخُطُوبِ
فلما سكن بغداد وعلقت نضارة الناس بخياله، قال في أول ما قاله:
عُيونُ المَها بَينَ الرُصافَةِ وَالجِسرِ ..... جَلَبنَ الهَوى مِن حَيثُ أَدري وَلا أَدري

أَعَـدنَ لِـيَ الشَـوقَ القَـديمَ وَلَم أَكُن ..... سَـلَـوتُ وَلكِـن زِدنَ جَمْـرَاً عَلـى جَمْـرِ
ويأبى أبو الطيب إلا أن يدلي بدلوه في هذا الغرض، فيقول:
أَماتَكُمُمِن قَبلِ مَوتِكُمُ الجَهْلُ ..... وَجَرَّكُمُ مِنْ خِفَّةٍ بِكُمُ النَمْلُ
وأما أهل الكتاب، فكتاباهم زاخران، وحسبنا أن نستشهد من العهد القديم ببعض الاقتباسات من سفر الأمثال:
- «6 اِذْهَبْ إِلَى ٱلنَّمْلَةِ أَيُّهَا ٱلْكَسْلَانُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا. 7 ٱلَّتِي لَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ عَرِيفٌ أَوْ مُتَسَلِّطٌ، 8 وَتُعِدُّ فِي ٱلصَّيْفِ طَعَامَهَا، وَتَجْمَعُ فِي ٱلْحَصَادِ أُكْلَهَا(أَمْثَالٌ 6).
- «31 لَا تَنْظُرْ إِلَى ٱلْخَمْرِ إِذَا ٱحْمَرَّتْ حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي ٱلْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. 32 فِي ٱلْآخِرِ تَلْسَعُ كَٱلْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَٱلْأُفْعُوانِ«. (أَمْثَالٌ 23).
- «18 ثَلَاثَةٌ عَجِيبَةٌ فَوْقِي، وَأَرْبَعَةٌ لَا أَعْرِفُهَا: 19طَرِيقَ نَسْرٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَطَرِيقَ حَيَّةٍ عَلَى صَخْرٍ، وَطَرِيقَ سَفِينَةٍ فِي قَلْبِ ٱلْبَحْرِ، وَطَرِيقَ رَجُلٍ بِفَتَاةٍ «. (أَمْثَالٌ 30).
- «24 أَرْبَعَةٌ هِيَ ٱلْأَصْغَرُ فِي ٱلْأَرْضِ، وَلَكِنَّهَا حَكِيمَةٌ جِدًّا:25ٱلنَّمْلُ طَائِفَةٌ غَيْرُ قَوِيَّةٍ، وَلَكِنَّهُ يُعِدُّ طَعَامَهُ فِي ٱلصَّيْفِ.26ٱلْوِبَارُ طَائِفَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلَكِنَّهَا تَضَعُ بُيُوتَهَا فِي ٱلصَّخْرِ. 27 ٱلْجَرَادُ لَيْسَ لَهُ مَلِكٌ، وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ كُلُّهُ فِرَقًا فِرَقًا.28ٱلْعَنْكَبُوتُ تُمْسِكُ بِيَدَيْهَا، وَهِيَ فِي قُصُورِ ٱلْمُلُوكِ«. (أَمْثَالٌ 30).
ومن العهد الجديد:
- «31 قَدَّمَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ قَائِلًا: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ حَبَّةَ خَرْدَلٍ أَخَذَهَا إِنْسَانٌ وَزَرَعَهَا فِي حَقْلِهِ، 32 وَهِيَ أَصْغَرُ جَمِيعِ ٱلْبُذُورِ. وَلَكِنْ مَتَى نَمَتْ فَهِيَ أَكْبَرُ ٱلْبُقُولِ، وَتَصِيرُ شَجَرَةً، حَتَّى إِنَّ طُيُورَ ٱلسَّمَاءِ تَأْتِي وَتَتَآوَى فِي أَغْصَانِهَا. 33 قَالَ لَهُمْ مَثَلًا آخَرَ: يُشْبِهُ مَلَكُوتُ ٱلسَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا ٱمْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلَاثَةِ أَكْيَالِ دَقِيقٍ حَتَّى ٱخْتَمَرَ ٱلْجَمِيعُ. 34 هَذَا كُلُّهُ كَلَّمَ بِهِ يَسُوعُ ٱلْجُمُوعَ بِأَمْثَالٍ، وَبِدُونِ مَثَلٍ لَمْ يَكُنْ يُكَلِّمُهُمْ«. (متى 13).
- «23 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلْكَتَبَةُ وَٱلْفَرِّيسِيُّونَ ٱلْمُرَاؤُونَ! لِأَنَّكُمْ تُعَشِّرُونَ ٱلنَّعْنَعَ وَٱلشِّبِثَّ وَٱلْكَمُّونَ، وَتَرَكْتُمْ أَثْقَلَ ٱلنَّامُوسِ: ٱلْحَقَّ وَٱلرَّحْمَةَ وَٱلْإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَعْمَلُوا هَذِهِ وَلَا تَتْرُكُوا تِلْكَ. 24 أَيُّهَا ٱلْقَادَةُ ٱلْعُمْيَانُ! ٱلَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ ٱلْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ ٱلْجَمَلَ«. (متى 23).
- «33 أَيُّهَا ٱلْحَيَّاتُ أَوْلَادَ ٱلْأَفَاعِي! كَيْفَ تَهْرُبُونَ مِنْ دَيْنُونَةِ جَهَنَّمَ؟«. (متى 23).
- «37 يَا أُورُشَلِيمُ، يا أُورُشَلِيمُ! يا قَاتِلَةَ ٱلْأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلَادَكِ كَمَا تَجْمَعُ ٱلدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا«.!(متى 23).
- «42 وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ ٱلصِّغَارِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ. 43 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَقْطَـعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لَا تُطْفَأُ. 44 حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ. 45وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ رِجْلَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ فِي ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لَا تُطْفَأُ. 46 حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ. 47 وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ. 48 حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ. 49 لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ، وَكُلَّ ذَبِيحَةٍ تُمَلَّحُ بِمِلْحٍ. 50 اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلَكِنْ إِذَا صَارَ ٱلْمِلْحُ بِلَا مُلُوحَةٍ، فَبِمَاذَا تُصْلِحُونَهُ؟ لِيَكُنْ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِلْحٌ، وَسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا«. (مرقس 9).
- «19 هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا ٱلْحَيَّاتِ وَٱلْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ ٱلْعَدُوِّ، وَلَا يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ «. (لوقا 10).
- «11 فَمَنْ مِنْكُمْ، وَهُوَ أَبٌ، يَسْأَلُهُ ٱبْنُهُ خُبْزًا، أَفَيُعْطِيهِ حَجَرًا؟ أَوْ سَمَكَةً، أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ ٱلسَّمَكَةِ؟ 12أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً، أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَبًا؟ «. (لوقا 11).
- «34 اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلَكِنْ إِذَا فَسَدَ ٱلْمِلْحُ، فَبِمَاذَا يُصْلَحُ؟ 35 لَا يَصْلُحُ لِأَرْضٍ وَلَا لِمَزْبَلَةٍ، فَيَطْرَحُونَهُ خَارِجًا. مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ «. (لوقا 14).

إن هذا كله يؤكد أن قائل: (مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ)، مهما كان قائلها، إنما صدر قوله عن خبث وجدال أهوج. وهو محجوج بمثيل أمثال القرآن من ثقافته وتراثه. ولعل ما ألجأهم لمثل هذا القول أنهم لما غُلبوا بتحدي: (فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ) البقرة23، فتعلقوا في معاذيرهم بسفاسف، يريدون بها إرباك المسلمين، وإدخالهم في قضايا فرعية تستهلك جهدهم ووقتهم. والسورة - وإن كانت مدنية - فإن المشركين لم يزالوا يُلقون الشبه في صحة الرسالة ويشيعون ذلك بعد الهجرة عبر المنافقين. وقد دلت في الكتاب آيات على أن مشركي مكة استعانوا بخبرات أهل الكتاب لمناهضة الدين الجديد، وطلبات سورة الإسراء: (وَقَالُواْ لَن نُّؤۡمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفۡجُرَ لَنَا مِنَ ٱلۡأَرۡضِ يَنۢبُوعًا 90) حتى: (قُلۡ سُبۡحَانَ رَبِّي هَلۡ كُنتُ إِلَّا بَشَرٗا رَّسُولٗا 93)، تكشف لنا عن أنفاس بني إسرائيل مخفية بين الحروف.






 
رد مع اقتباس
قديم 23-10-2022, 01:23 PM   رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ 26)







حول مضمون الآية:

والظاهر لكل ذي عقل أن الله - تعالى - ضرب الأمثال بهذه الأشياء الحقيرة، لمناسبتها للموضوع والسياق الواقع فيه؛ فالمعتبر فيه ما يليق بالقصة، فإذا كان الأليق بها الذباب والعنكبوت يضرب المثل بهما لا بالفيل والجمل، فإذا أراد - تعالى - أن يقبح عبادتهم الأصنام وعدولهم عن عبادة الرحمن صلح أن يضرب المثل بالذباب، ليبين أن قدر مضرتها لا يندفع بهذه الأصنام، ويضرب المثل لبيت العنكبوت ليبين أن عبادتها أوهن وأضعف من ذلك، وفي مثل ذلك كل ما كان المضروب به المثل أضعف كان المثل أقوى وأوضح. وإن كان التمثيل يفيد زيادة البيان والوضوح، وجب ذكره في الكتاب الذي لا يراد منه إلا الإيضاح والبيان. كذلك فإن القول بأنه: لا يليق بالله - تعالى - ضرب الأمثال بهذه الأشياء الحقيرة، قول فاسد، فالله - تعالى - هو الذي خلق الصغير والكبير وحكمه في كل ما خلق وبرأ عام لأنه قد أحكم جميعه، وليس الصغير أخف عليه من الكبير والعظيم أصعب من الصغير. وإذا كان الكل بمنزلة واحدة؛ فالمخلوقات متساوية في الضعف بالنسبة إلى خالقها والمتصرف فيها، لم يكن الكبير أولى أن يضربه مثلاً لعباده من الصغير. والعاقل إذا سـمع التمثيل اسـتبان له به الحق، وما زال الناس يضربون الأمثال بالبهائم والطيور والأجناس والحشـرات والهوام، ولسان العرب زاخر بأمثال ذلك - كما ذكرنا من قبل -، ألا ترى إلى قول النابغة:
وَإِنّي لَأَلقى مِـنْ ذَوي الضِغْـنِ مِنهُـمُ ..... وَما أَصبَحَتْ تَشْكو مِنَ الوَجْدِ سَاهِرَه
كَـمـا لَقِـيَـتْ ذَاتُ الصَـفا مِـن حَـليفِها ..... وما انفكّتِ الأمْثَالُ فِي النّاسِ سَــائِرَهْ
فذكر قصة ذات الصفا، وهي حية كانت قد قَتَلَتْ قَرَابةَ حَليفِها، فتواثقا بالله على أنها تدي ذلك القتيل ولا تؤذيها، إلى آخر القصة المذكورة في ذلك الشعر. فإنكار ضرب الأمثال - إذاً - جهالة مفرطة أو مكابرة واضحة.
كذلك فإن الشاعر الجاهلي أمية بن أبي الصلت تناول في قصيدة له مشهورة، مطلعها:
وَمَـرهَنَةٌ عِندَ الغُـرابِ حَبيبَهُ ..... فَأَوفَيتُ مَرهوناً وَخَلَفاً مُسابِيا
أَدَلَّ عَلَيَّ الديكُ إِنّي كَما تَرى ..... فَأَقبِل عَلى شَأَني وَهاكَ رِدائِيا
أسطورتي الحمامة والغراب، يبدو أنه أخذها من العهد القديم، وكان أمية يقرأ الكتب الدينية فنقلها في شعره.

والعاقل هو من يتعلم من كل من حوله وما حوله. وقديماً ألف بعض العجم كتاباً عن الحيوان أسموه: كليلة ودمنة، استخرجوا من طباع الحيوان وعلائقهم المفترضة بين بعضهم بعضاً الحكم والعبرات. وقد عهد من أهل البصيرة الاقتداء بالحيوانات والاستفادة من خصالها وأعمالها. ويحكى عن بعض كبار الصوفيّة أنّه قال: تعلّمت المراقبة من القطّ، وعن بعض حكماء المسلمين أنّه قرأ كتاباً نحواً من ثلاثين مرّة فلم يفهمه، فيئس منه وتركه فرأى خنفسة تتسلّق جداراً وتقع فعدَّ عليها الوقوع فزاد على ثلاثين مرّة ولم تيأس حتّى تمكّنت بعد ذلك من تسلّقه والانتهاء إلى حيث أرادت، فقال: لن أرضى أن تكون هذه الخنفساء أثبت منّي وأقوى عزيمة، فرجع إلى الكتاب فقرأه حتّى فهمه. ويقال إنّ (تيمور لنك) كانت تحدّثه نفسه بالملك من أول نشأته، على ما كان من فقره ومهانته، فسـرق مرّة غنماً (وكان لصّاً) ففطن له الراعي فرماه بسهمين أصابا كتفه ورجله فعطّلاهما، فآوى إلى خربة وجعل يفكّر في مهانته ويوبّخ نفسه على طمعها في الملك، ولكنّه رأى نملةً تحمل تبنة وتصعد إلى السقف وعندما تبلغه تقع ثمّ تعود وظلّت على ذلك عامّة الليل حتى نجحت في الصباح، فقال في نفسه والله لا أرضى بأن أكون أضعف عزيمة وأقلّ ثباتاً من هذه النملة، وأصرَّ على عزمه حتّى صار ملكا وكان من أمره ما كان.

والمراد بالمثل هنا الشبه مطلقاً لا خصوص المركب من الهيئة، بخلاف قوله فيما سبق:
(مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسۡتَوۡقَدَ نَارٗا) 17، و (أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ) 17. المثل هنا بسيط، مثل ذكر الذباب في سورة الحج: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٞ فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُۥٓۚ إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ لَن يَخۡلُقُواْ ذُبَابٗا وَلَوِ ٱجۡتَمَعُواْ لَهُۥۖ وَإِن يَسۡلُبۡهُمُ ٱلذُّبَابُ شَيۡ‍ٔٗا لَّا يَسۡتَنقِذُوهُ مِنۡهُۚ) 73، أو تشبيه القرآن للعنكبوت: (مَثَلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ ٱلۡعَنكَبُوتِ ٱتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ) العنكبوت 41. ومن الواضح أن التمثيل بالذباب، وأنثى البعوض والعنكبوت، يدعو للتأمل في طبيعة هذه الحشرات. وقد كُتبت أبحاث علمية كثيرة حول إبداع الخالق في تكوين هذه الحشرات، وفي حياتها الاجتماعية. ولا ينبغي أن تفوتنا ملاحظة أن الذباب ذُكِرَ بالجمع، بينما ذكرت حشـرتا البعوض والعنكبوت بالتأنيث، وعُلِمَ في عصرنا بعد تشـريح الحشرات ودراستها تحت المجاهر الإلكترونية، وبحث سلوكها، أن أنثى العنكبوت تأكل الذكر بعد إخصابها للحصـول على مـزيد من المنافع الغذائية وإنجاب عناكب أكثـر صحة. ويصير معنى:
(وَإِنَّ أَوۡهَنَ ٱلۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ ٱلۡعَنكَبُوتِۚ)، يشـير إلى الوهن الاجتماعي، لا ضعف النسيج الذي تبني به بيتها؛ إذ اكتشفوا أن النسيج أبعد ما يكون عن الوهن. أما أنثى البعوض التي ذكرت هنا: (بَعُوضَةٗ) فهي المسئولة عن امتصاص دم ذوات الدم الحار من الحيوانات والإنسان، لذلك فتكوينها التشريحي أدق وأعقد من الذكر. واختيار جنس البعوض دون سائر الحشرات إنما جاء لحكمة عظمى، وإلا لاختار المولى - جل وعلا - للتمثيل نوعاً آخر أصغر من الكائنات الحية التي يدرك البشر على مختلف العصور صغر حجمها كالقراد أو البق. إن البعوضة "الأنثى" لا تحمل البكتيريا والفيروسات كباقي الكائنات، فحسب، بل تنقل البكتيريا والفيروسات والطفيليات التي تصيب الإنسان والحيوان. وهي المسئولة عن نشر العديد من الأوبئة التي فتكت بملايين البشر على مر التاريخ. ومن أشهر الطفيليات التي تنقلها البعوضة:
- طفيل الملاريا،
- وطفيل الفلاريا الذي يسبب داء الفيل،
- وفيروس مرض الحمى الصفراء،
- ومرض الحمى المخية،
- ومرض أبو الركب أو حمى الدنج،
- ومرض الحمى النازفة،
- وحمى الوادي المتصدع.
لم يدرك البشر حتى وقت قريب الأمراض التي تنقلها البعوضة، فعلى سبيل المثال، لم يعرف دور البعوضة في نقل الملاريا إلا قبيل القرن العشرين، حيث تمكن الفونس لافيران من معرفة الطفيلي المسبب للملاريا عام 1880، وفي عام 1898تمكن بعض الباحثين الإيطاليين من معرفة دور البعوضة في نقل المرض، وفي عام 1881افترض كارلوس فينلاي ان ناقل الحمى الصفراء هو البعوض، وأكدت الأبحاث بعد ذلك افتراضاته. ثم إن عالم الجراثيم "رونالد روس" حصل في عالم 1902م على جائزة نوبل للعلوم على اكتشاف أنَّ نوعاً من البعوض يسمى: "أنوبوليس Anopheles" يقوم بنقل مرض الملاريا الذي يتسبب بمقتل من مليون لمليوني شخص سنوياً حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
كما ثبت علمياً أن مرض الحمى الصفراء، وهو مرض فيروسي ينتقل بواسطة بعوضة تسمى: (Aedes aegypti) يدمر الفيروس الكثير من أنسجة الجسم وخاصة الكبد والكليتين، ولقد تسبب هذا المرض في موت عشرات الملايين خلال العقود الماضية.
لذلك عندما استنكر القرآن الكريم الاستهانة بالبعوضة بسبب ضآلة حجمها كان ذلك دلالة على خطرها، وقد سبق المعرفة وتطور العلوم بأكثر من عشرة قرون، وكيف لا يتم ذلك، والله هو خالق هذا الكون وهو المطلع على أسراره وخفاياه.






 
رد مع اقتباس
قديم 24-10-2022, 01:35 PM   رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ 26)







حول مضمون الآية:

وإنَّ هذه الآية، ومثيلاتها، تدلنا على أن جميع مخلوقات الله - سبحانه - من أصغرها إلى أكبرها هي آية دالة على استحقاق الله - عز وجل - للعبادة دون سواه. وإن بدت هذه الحشرة تافهة، فقد أودع الله - سبحانه - فيها من آياته وقدرته ما يحير العقول. إنَّ الله -سبحانه وتعالى - يضرب مثلاً بما هو مستحقر عند الناس من المخلوقات، ليدلنا على عظمة خلقه، ولا شك أن ما نراه تعقيداً ودقة متناهية في خلق الصغير الضئيل، لا يقل روعة وإبهاراً عما نراه في خلق الكبير كالسماوات والأرض، إن لم يكن أبدع وآخذ للعقول والألباب.

أما عن قوله تعالى: (فَمَا فَوۡقَهَاۚ)، فعليه خلاف كبير بين أهل الإعجاز العلمي، ورافضيه. فأما القائلون بالإعجاز، فيرون أنه بعد اختراع المجاهر الإلكترونية، اتضح أن الفوقية هنا تعبر عن ظرف مكان، إذ اكتشفت الطفيليات والكائنات الحية الدقيقة التي تعيش على ظهر البعوضة، فأصبح معنى الآية أن الله - تعالى - يضرب المثل بالبعوضة وبما يعيش فوقها من كائنات لا نبصرها بعيوننا المجردة. وإن في الإشارة إلى وجود هذه الكائنات الحية إعجاز، فمن كان يتخيل وجود مثل هذه الكائنات الحية في زمن الرسول - عليه الصلاة والسلام - ، وكيف كان أحد يجرؤ على قول ذلك، وهي لا ترى إلا ّ بالمجهر الإلكتروني؟. وهم ينقلون نتائج أبحاث أخراها علماء غربيون - والعلماء في الأغلب الأعم حين يتخلف المسلمون من غيرنا - أثبتوا فيها أن من البعوض سلالة يلازمها فوقها نوع دقيق من الحشرات تدعى Mites يتغذى على دمها. ويؤكد العالم: David Marks أن هذه الظاهرة نادرة وغير مألوفة وجديدة على العلماء؛ إذ أنها لوحظت ودرست عام 2016. والحق أن بعض الإعجازيين كثيراً ما يشتط ويبالغ، للانتصار لما يراه معجزاً وموافقاً للعلم، فيقوم بلي أعناق الآيات، ويصم معارضيه بالجهل أو التخلف، أو كما قال أحدهم وهو يقدم المعلومة السابق ذكرها هنا عن: (فَمَا فَوۡقَهَاۚ): "أنكر بعض الملحدين أن القرآن تحدث عن الحشرات التي تعيش على ظهر البعوض، وأن الآية لا تعني ذلك ...". أهكذا يا رجل؟ تصف من اختلفوا معك في فهم الآية بالإلحاد؟!.

كان الأئمة من المفسرين يعتبرون أن لهذه الكلمة معنيان:
- إما أن تعني كلمة "فوق" الزيادة في الحجم، أي أن الله يضرب المثل بالبعوضة وبما هو أكبر منها حجما ً،
- وإما أن تعني الزيادة في الوصف، أي أن الله يضرب المثل بالبعوضة، وبما هو أحقر وأدنى منها.
وفوق من الأضداد ينطلق على الأكثر والأقل، فعلى قول من قال بأن اللفظ المشترك يحمل على معانيه، يكون دلالة على ما هو أصغر من البعوضة وما هو أكبر.
وما نراه هو أن الاختيار الإلهي الحكيم للفظة أريد منه أن تؤدي المعنيين جميعاً. والبعوضة على هذا الاعتبار، وفق دلالة لفظ "فوق" هي بين الصغير والكبير، فقد أثبت اللفظ أنه ثمة ما هو أكبر منها، وما هو أصغر منها. ومن رجح الفوقية بالصغر رأى أن المقصود من التمثيل تحقير الأوثان، وكلما كان المشبه به أشد حقارة كان المقصود من هذا الباب أكمل، وبأن الغرض هنا أن الله لا يمتنع عن التمثيل بالشيء الحقير، وبأن الشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب. فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به إلا علم الله سبحانه، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالكبير. ومن رجح الفوقية بالكبر، رأى نفي استحياء الله - سبحانه - عن ضرب المثل بأقل الكائنات جثة، كالبعوضة، فما هو أكبر منها كالذبابة، فالعنكبوت، فما هو أكبر، فانطلق بذكر "فما فوق" من البعوضة باعتبارها الأصغر في الأمثلة التي ضربها في التنزيل عن الحشرات. وكأن المعنى: (إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا) بأدق الكائنات التي تعرفونها، مثل البعوضة، أو بأكبرها حجماً. ولغة العرب تشـهد على أن العرب تقول: إذا جاءني فلان أو الذي فوقه فلن أخضع له، يعني: وما هو أعلى رتبة منه وأشد.

ومما ينقص من قيمة التفسير بالإعجاز العلمي حول ما يعلو البعوضة من كائنات، أنه:
- ما ثبت من الدراسات كان حول بعض أنواع البعوض الذي يتصف بهذه الصفة، لا كله، وفي الآية تعميم في ذكر البعوضة تأباه الأبحاث العلمية حتى اللحظة. فهل كل بعوضة ثبت أن على ظهرها حشرة أخرى؟.
- إذا كان الكلام حول الفيروسـات والجراثيم، لا يكون لذكر الفوقية دلالة هنا، إذ أن هذه الأنواع من الكائنات تحيط بنا في كل مكان، وتعتلي أجسـاد الناس، وتحيط بأجسـام الحيوانات والحشـرات، ومنها البعوض ذكوره وإناثه، على سطح جسمه من كل نواحيه. لذلك فهذا ليس خاصاً بالبعوض، ولا يسكن ظهره دون سائر جسمه.
إنَّ الجراثيم يمكن أن توجد على رأس دبوس، وعلى رأس أي كائن آخر، وإنما الآية تعني أكبر منها في العظم أو الصغر على قولي العلماء. هذا هو المفهوم في اللسان العربي. وموقفنا من الإعجاز العلمي في القرآن واضح؛ فنحن نخشى من العبث بتفسير القرآن، بإخضاعه للنظريات والفروض العلمية، فقد يسارع بعض المسلمين إلى ادِّعاء إعجاز، نتيجة لبحث عالم، ثم يثبت عالم آخر بعد حين خطأه، فيتعرض القرآن للتكذيب، ونكون نحن سبباً في التشكيك في كتاب الله.

والتفسير الأنسب للآية هو أنّها خبر من الله - تعالى - أنّه يضرب من الأمثال في القرآن ما يشـاء ابتداء من أصغر مخلوق تشاهدونه، وانتهاء بأكبر مخلوق، ابتلاءً بذلك لعبادَه واختبارًا منه لهم، ليميز به أهل الإيمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به، إضلالاً منه به لقوم، وهدايةً منه به لقوم آخرين. وإن ذكر البعوضة في القرآن قد زاد المؤمنين إيمانًا، لأن هذه الآية كانت هداية من الله لهم، قال تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۖ)، أما الكافرين فما زادهم ذلك إلا تكبرًا، قال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا)، أي إن الكافرين يتعجبون من ضرب الأمثال بهذه الكائنات الضعيفة، والتي لا أهمية لها، لكن الله يرد عليهم: (يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ).






 
رد مع اقتباس
قديم 25-10-2022, 12:50 PM   رقم المشاركة : 137
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ 26)







حول مضمون الآية:

ثم ذكر - تعالى - أنّ الناس في ذلك فريقان:
(فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ) لأنّه ليس نقصاً من حدّ ذاته؛ وقد جاء في كلامه تعالى فهو ليس نقصاً في جانبه، وإنّما هو حقّ لأنّه مبيّن للحقّ ومقرّر له، وسائق إلى الأخذ به، بما له من التأثير في النفس؛ وذلك أنّ المعاني الكلّيّة، تعرض للذهن مجملةً مبهمة، فيصعب عليه أن يحيط بها وينفذ فيها فيستخرج سـرّها، والمثل هو الذي يفصّل إجمالها، ويوضّح إبهامها، فهو ميزان البلاغة. والتمثيل - كما يُنقل عن صاحب دلائل الإعجاز - يكسو المعاني أبّهة، ويكسبها منقبةً، ويرفع من أقدارها، ويشبّ من نارها، ويضاعف قواها في تحريك النفوس لها، ويدعو القلوب إليها ويستثير لها من أقاصي الأفئدة صبابة وكلفاً، ويقسر الطباع على أن تعطيها محبّة وشغفاً.

(وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ) فيجادلون في الحقّ بعد ما تبيّن، ويمارون بالبرهان وقد تعيّن، فيخرجون من الموضوع، ويعرضون عن الحجّة، ويتتبّعون الكلم المفردة، حتّى إذا ظفروا بكلمة لا يستعذبها ذوق المتظرّفين، ولا تدور على ألسنة المتكلّفين، أظهروا العجب منها، وطفقوا يتساءلون عنها (فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً)، ولو أنصفوا لعرفوا، ولكنّهم ارتابوا في الحقّ فانصرفوا (وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) الكهف 54، يذهب به جدله إلى قياس ربّ العالمين، بمتنطّعي المتأدّبين. وينكر على ربّه المثل والقياس، ولا ينكره على نفسه وعلى الناس. وهو - تعالى - (يُضِلُّ) بِالكلام المضروب في المثل (كَثِيراً) هم أولئك الذين يجعلونه شبهة على الإنكار والريب، (وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً) هم أولئك الذين يقدّرون الأشياء بغاياتها، ويحكمون عليها بحسب فائدتها.
وأنفع الكلام ما جلّى الحقائق، وهدى إلى أقصد الطرائق، وساق النفوس بقوّة التأثير؛ إلى حسن المصير: (وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا ٱلۡعَٰلِمُونَ 43) العنكبوت، فهؤلاء العالمون هم المؤمنون الذين يعلمون أنّه الحقّ من ربّهم وهم المهديّون به، وأمّا الذين قالوا: (مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ ...) أي: الذين ينكرون المثل لكفرهم فهم الضالّون به، وقد بيّن شأنهم بقوله: (وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ ٱلْفَٰسِقِينَ) فعرفت علّة ضلالهم وهي الفسوق أي: الخروج عن هداية الله - تعالى - في سننه في خلقه التي هداهم إليها بالعقل والمشاعر، وبكتابه بالنسبة إلى الذين أوتوه. وليس المراد بالفاسقين ما هو معروف في الاصطلاحات الشرعيّة وهم العصاة بما دون الكفر من المعاصي، فإنّه لا يصحّ هنا، وتلك الاصطلاحات حادثة بعد التنزيل: وقد كان التعبير بـ (يضلّ) مشعراً بأنّ المثل، هو منشأ الإضلال والهداية بذاته، فنفى ذلك بهذه الجملة ليبيّن أنّ منشأ الضلال راسخ فيهم وفي أعمالهم وأحوالهم.

ثمّ إنّ الآية تشـعر بأنّ المهتدين في الكثرة كالضالّين، مع إنّ هؤلاء أكثر، وكأنّ الحكمة في التسـوية إفـادة: إنّ المؤمنين المهتدين - على قلّتهـم - أجـلّ فائـدة وأكثر نفعـاً وأعظم آثاراً من أولئك الكفّار الفاسقين الضالّين على كثرتهم؛ لأنّ المؤمنين كما قال أبو الطيب:
كَثيرٍ إذا اشتَدّوا قَليلٍ إذا عُدّوا
أو قول البحتري:
وَلَـمْ أَرَ أَمْثَـالَ الـرِّجَالِ تَفَاوُتاً ..... إِلَى الْمَجْدِ حَتَّى عُدَّ أَلْفٌ بِوَاحِدِ
إِنَّ الْكِرَامَ كَثِيرٌ فِي الْبِلَادِ وَإِنْ ..... قَلُّوا كَمَا غَيْرُهُمْ قَلٌّ وَإِنْ كَثُرُوا
وأمّا وجه تقديم الإضلال على الهداية؛ فلأنّ سـببه ومنشـأه من الكفر، متقدّم في الوجود، وإنّما جاءت الآيات المبيّنة بالأمثال لإخراجهم ممّا كانوا فيه من ظلمات الباطل إلى نور الحقّ، فزادت الفاسـقين رجساً على رجسهم؛ لأنّ نور الفطرة قد انطفأ من أنفسهم، بتماديهم في نقض العهد، وقطع الوصل والإفساد في الأرض، كما في الآية التالية لهذه.

هذا وإنّ ما تقدّم تقريره في ضرب المثل وضلال قوم به وهداية آخرين، هو مبنيّ على أنّ المراد به المثل الكلاميّ كما عليه الجمهور، أخذاً ممّا ورد في سبب النزول. وتقدّم عن بعضهم أنّ المراد بالمثل في الآية القدوة الذي يؤتمّ به ويهتدى بهديه؛ وهذا المعنى للمثل معروف، وقد نطق به القرآن في قوله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ) الزخرف 56، وقوله: (وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) الزخرف 57، وقال فيه: (إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ) الزخرف59، فهذه الآية تهدينا إلى فهم قوله تعالى: (إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا) أنّ المراد به دحض شـبهة الذين أنكروا نبوّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وصلاحيّته لأن يكون مثلاً يقتدى به، وهي أنّه بشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وهم المشركون، والذين أنكروا أن يكون من العرب وهم اليهود.

وقد حكى هذه الشبهة عنهم في آيات كثيرة، كأنّهم يقولون: إذا كان بشـراً مثلنا فكيف يدّعي أنّه رسول من الله يجب اتّباعه، ومثل كامل ضرب للاقتداء به؟ (أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا) ص
8، ولأيّ شيء لم يرسل الله ملكاً؟ ومنهم من قال: (لَوْلاۤ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) الفرقان7، وقد أقام الله الحجة على هؤلاء بقوله:(وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ...) البقرة 23، وأتبعها بوعيد من أعرض عن الإيمان بعد قيام البرهان وهم الكافرون، وبشارة الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم المؤمنون، وبعد تقرير الحجّة، وهي تحدّيهم بسورة من مثله، كرّ على شبهتهم بالنقض، وهي استبعاد أن يكون بشـرّ رسولاً من عنده. ومحصّله: إنّ الله تعالى خالق كلّ شيء، فيجعل ما شاء من المنفعة والفائدة فيما شاء ومن شاء من خلقه، ويضربه مثلاً للناس يهتدون به، وليس هذا نقصاً في جانب الألوهية فيستحي من ضربها مثلاً، بل من الكمال، والفضل أن يجعل في المخلوقات الضعيفة والمحتقرة في العرف - كالبعوض - فوائد ومنافع، فكيف يسـتنكر أن يجعل من الإنسان الكامل الذي كرّمه وخلقه في أحسن تقويم، مثلاً وإماماً يقتدي به قومه ويهتدون بهديه؟.
وبقيّة الكلام في الآية على هذا الوجه في معنى المثل هو نحو ما تقدّم تقريره، أو ظاهر منه أتمّ الظهور: فإنّ الذين آمنوا يعلمون أنّ هذا الإمام الذي نصبه للناس مهما يكن ضعيفاً قبل أن يقوّيه ببرهانه هو الحقّ الذي ثبت تأييده من ربّهم، والكافرون يقولون: لمّ لم يبعث إلى الناس من هو خير منه في نظرهم؟ وماذا يريد بأن يجعل لهم قدوة في أضعفهم وأهونهم، وهكذا تقول في قوله: (يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا...).

والمتأمِّل في قوله تعالى: (وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ) وفي عشرات الآيات القرآنيّة الّتي تناولت الفسق والفسوق والفاسقين، يجد أنَّ الله استعمل مصطلح الفسق لتبيان درجاتٍ مختلفةٍ من فعل السيِّئات، بدءاً من الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه، كما في قوله: (وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ ۗ) الأنعام121، إلى شهادة الزّور في قوله: (ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِٱلشَّهَٰدَةِ عَلَىٰ وَجۡهِهَآ أَوۡ يَخَافُوٓاْ أَن تُرَدَّ أَيۡمَٰنُۢ بَعۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱسۡمَعُواْۗ وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَٰسِقِينَ 108) المائدة، إلى الحكم بما لم ينزل الله في قوله: (وَمَن لَّمۡ يَحۡكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ 47) المائدة، وصولاً إلى وصف أكثر أهل الكتاب في قوله: (قُلۡ يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ هَلۡ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلَّآ أَنۡ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلُ وَأَنَّ أَكۡثَرَكُمۡ فَٰسِقُونَ 59) المائدة، ووصولاً إلى إبليس رأس الكفر الذي يقول - تعالى - فيه: (وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَٰٓئِكَةِ ٱسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلۡجِنِّ فَفَسَقَ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِۦ) الكهف.
والقرآن ليس بقاصرٍ عن إيراد مفرداتٍ تفرِّق بين صغير الفسق وكبيره، ولكنَّ شـموليَّة هذه المفردة قرآنيّاً، دليلٌ على أنَّ كلَّ هذه الأفعال بعضها من بعض، وتستند إلى نهجٍ واحدٍ ومنطلقٍ واحدٍ عماده التّجرّؤ على الله مع سابق الإصرار والتَّصميم، هذه الأفعال تحمل في طيَّاتها القصديّة والتحدّي، وتؤسِّس للخرق بين علاقة الإنسان بربّه. والإسلام عادةً لا يبني على الكميَّة أو الكثرة، والله يعفو في حال الجهل والنّسيان والاضطرار، ولا يعتبر العمل فسوقاً، إنما القضيَّة قضيَّة مبدأ، والقاعدة الإيمانيَّة تقول: "لا تنظر إلى صغر المعصية، بل انظر إلى عظمة من عصيت"؛ فمقاييس الله - عزَّ وجلَّ - مختلفة، أساسها النيَّة وطهارة النّفس والقلب، وإذا شاب النية والفعل شائبة من ذنب أو معصية اعتبر ذلك فسوقاً بالمعنى الأصلي للفظة، وكلما زاد هذا الخروج على أمر الله ونهيه، ارتفع سهم الفسوق أكثر، حتى يصل إلى أقصاه في الكفر، وهو في كلٍ ظلم لنفس العاصي. ومن البديهي أن المتجريء على الله بالفسوق، حتى يصر عليه، انحرف قبل الكبائر باستسهال الصغائر، فقلَّت مناعته، وتخلَّى عن الإحساس برقابة الله، وانجرَّ شيئاً فشيئاً إلى المزيد من الصَّغائر، بعدها ترقَّى وانتقل إلى مرحلة الكبائر؛ فالفسـق يجرُّ الفسق. أما على سنن المجتمع البشري، فإن انتشار الفسق يسقط الأمان في المجتمع. يقول تعالى: (وَإِذَآ أَرَدۡنَآ أَن نُّهۡلِكَ قَرۡيَةً أَمَرۡنَا مُتۡرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيۡهَا ٱلۡقَوۡلُ فَدَمَّرۡنَٰهَا تَدۡمِيرٗا 16) الإسراء، وسواء كان: (أَمَرۡنَا) أي: سَـلَّطنا، أو على قراءة: {أَمَّرۡنَا} بتشديد الميم، بمعنى: جعلناهم أمراء مسلطين، فإن انتشار وامتداد الفسق سبب فساد المجتمع مما عجل بسقوطه، فخرّبناه عند ذلك تخريباً، وأهلكنا من كان فيه من أهله إهلاكاً. إن القابضين على مقاليد الناس، هم دائماً في طليعة الَّذين يواجهون دعوات الإصلاح؛ لأنها تتعارض مع مصالحهم، التي هي - في الغالب - حجر عثرةٍ في وجه تغيير تسلط ذوي النفوذ السياسي والمالي. من هنا تظهر الصّلة الوثيقة بين الضلال والفسق، فحيث يسـود الفسق تتغيّر المقاييس وتنقلب المعايير، فيصبح الحقّ باطلاً والباطل حقّاً، ويصبح الفساد صلاحاً والصَّلاح فساداً.






 
رد مع اقتباس
قديم 27-10-2022, 12:51 PM   رقم المشاركة : 138
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ):

جملة: (ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ): تحتمل النصب والرفع، والأولى أن تكون نعتاً للفاسِقين، أو أن تكون منصوبة على الذم.
والنَّقْضُ: ضد الإبرام، وهو إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء. أو هو حَلُّ تركيب الشيءِ والرجوعُ به إلى الحالة الأولى. تقول: نقَضَ يَنقُض نقْضًا، فهو ناقض، والمفعول مَنْقوض. والنقيض: المنقوض، وأصل هذه المادة يدلُّ على نكث شيء.
ونقض الشَّيء نقضًا، أي: أفسده بعد إحكامه، ويُقال: نقض البناء إذا هدمه، ونقض الحبل أو الغزل إذا حلَّ طاقاته. يقول تعالى: (وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) النحل 92. ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد.
ونقَض العهدَ أو اليمينَ: نكَثه ولم يعمل به. يقول تعالى: (وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) النحل91. ونقَض المعاهدةَ: أعلن إبطالَها.
وفي الاصطلاح القضائي: نقَض حكمًا إذا ألغى حكماً سبق إصداره، وأعلن بُطلانه.
والفرق بين الوعد والعهد أن العهد هو ما يكون من جانبين، أمَّا الوعد فهو ما يكون من جانب واحد، ونقضه خلف وعد.
و )عَهۡدَ ٱللَّهِ(: العَهْدُ هو: الأمان واليمين والموثق والذمة والحِفاظ والوصية والضمانُ والاكتفاءُ والأمرُ. وعَهِدَ إليه من باب فَهِم أي: أوصاه، ومنه اشتق العَهْدُ الذي يُكتب للولاة وتقول علي عهد الله لأفعلن كذا. والعُهْدَةُ: كتاب الشـراء. والعَهْدُ والمَعْهَدُ: المنزل الذي يتعود القوم إذا ما انتأى عنه، أن يرجعوا إليه. والمَعْهد أيضاً: الموضع الذي كُنت تعهد به شيئاً. والمَعْهُودُ الذي عُهد وعُرف. وعَهِدَه بمكان كذا من باب فهم أي: لقيه. والتَّعَهُدُ التحفظ بالشيء وتجديد العهد به. وتَعَهَّدَ ضيعة فلان إذا تولى حفظها. والتَّعَاهُدُ إنما يكون بين اثنين. والمُعَاهَدُ الذِّميُّ.
و (عَهۡدَ ٱللَّهِ) هو كل ما عُوهِدَ اللَّهُ عليه. يقول تعالى: (وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ إِذَا عَٰهَدتُّمۡ) النحل91.
و (مِنۢ بَعۡدِ): متعلقٌ بـ (يَنقُضُونَ)، و (مِنْ) لابتداءِ الغايةِ،
والضميرُ في: (مِيثَٰقِهِۦ): يجوزُ أن يعودَ على العهدِ، فيكون مصدراً مضافاً إلى المفعولِ، وأن يعودَ على اسم الله - تعالى -، فيكون مضافاً للفاعل.
والميثاقُ: توكيد العهد من قولك أوثقت الشيء إذا أحكمت شده. أو هو العهد الموثق باليمين. وهو مصدرٌ كالميلادِ والميعادِ بمعنى الولادةِ والوَعْد.
والمادةُ تَدُلُّ على الشَدِّ والربطِ وجمعُه مواثيق ومياثِق وأنشد ابن الأعرابي:
حِمىً لا يَحُلُّ الدهرُ إلا بإذنِنا ..... ولا نَسْأَل الأقوامَ عهدَ المَيَاثِقِ

ما وجه اختيار استعارة النقض للعهد بدلاً من القطع أو الصرم؟:

ورد القطع والصرم وما في معناهما على ألسنة العرب للدلالة على بتر العلاقة، كما في البيت المشهور لامريء القيس:
أفاطِـمَ مَهْـلًا بَعْضَ هَـذا التَّـدَلُّلِ ..... وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
وقول لبيد:
فاقْطع لُبانة من تعرَّض وصلُه ..... فلَشَرُّ واصِل خُلَّةٍ صَرَّامُها
أما عن وجه اختيار استعارة النقض الذي هو حل طَيَّات الحبل إلى إبطال العهد أنها تمثيل لإبطال العهد رويداً رويداً وفي أزمنة متكررة ومعالجة.
والنقض أبلغ في الدلالة على الإبطال من القطع والصرم ونحوهما، لأن في النقض إفسـاداً لهيأة الحبل وزوال رجاء عودها وأما القطع فهو تجزئة.
وفي النقض رمز إلى استعارة مكنية لأن النقض من روادف الحبل فاجتمع هنا استعارتان مكنية وتصريحية وهذه الأخيرة تمثيلية. وقد تقرر في علم البيان أن ما يرمز به للمشبه به المطروح في المكنية قد يكون مستعملاً في معنى حقيقي على طريقة التخييل وذلك حيث لا يكون للمشبه المذكور في صورة المكنية رديف يمكن تشبيهه برديف المشبه به المطروح مثل إثباتِ الأظفار للمنية في قولهم أظفارُ المنية وإثباتِ المخالبِ والناب للكُماة في قول أبي فِراس الحمداني:
فلما اشتدت الهيجاءُ كنَّا ..... أَشَدَّ مخالِباً وأَحَدَّ نابا
وإثباتِ اليد لريح الشمال في قول لَبيد:
وغداة ريحٍ قد كشفتُ وقِرَّةٍ ..... إذْ أصبحت بِيَد الشَّمال زِمامُها
وقد يكون مستعملاً في معنى مجازي إذا كان للمشبه في المكنية رديف يمكن تشبيهه برديف المشبه به المضمر نحو: (يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ)، وهي تمثيلية أيضاً.

ما الفرق بين النَّقض والخيانة؟:

- الخيانة تقتضي نقض العهد سرًّا، ويرادفها: الغدر أو الخداع، أو الغش، وهي ضد الأمانة.
- أمَّا النَّقض فإنَّه يكون سرًّا وجهرًا، ويرادفه: الإبطال أو الفسخ، وهو ضد الإبرام.
ومن ثمَّ يكون النَّقض أعمُّ من الخيانة.






 
رد مع اقتباس
قديم 28-10-2022, 01:10 PM   رقم المشاركة : 139
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







أقسام العهد:

العهد عهدان:

1) عهد مع الله عزَّ وجلَّ: فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - قال في كتابه العزيز: (وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ) الأعراف 172، فقد أخذ الله العهد على عباده جميعًا، أن يعبدوه ولا يشـركوا به شـيئًا؛ لأنَّه ربهم وخالقهم. كما أخذ العهد على بني آدم أن لا يعبدوا غيره في الآية: (أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُواْ ٱلشَّيۡطَٰنَۖ) يس 60، فنقضه يشمل الشـرك وقد وصف الله المشركين بنقض العهد في قوله: (وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ) الرعد 25. وفسر بالعهد الذي أخذه الله على الأمم على ألسنة رسلهم أنهم إذا بعث بعدهم رسول مصدق لما معهم ليؤمنن به: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ) آل عمران 81، لأن المقصود من ذلك أخذ العهد على أممهم. وفسر بالعهد الذي أخذه الله على أهل الكتاب ليبننه للناس: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ لَتُبَيِّنُنَّهُۥ لِلنَّاسِ وَلَا تَكۡتُمُونَهُۥ) آل عمران 187، في تفاسير أخرى بعيدة. والصحيح أن المراد بالعهد هو العهد الذي أخذه الله على بني إسرائيل غير مرة من إقامة الدين وتأييد الرسل وألا يسفك بعضهم دماء بعض وأن يؤمنوا بالدين كله. وقد ذكرهم القرآن بعهود الله - تعالى - ونقضهم إياها في غير ما آية من ذلك قوله تعالى: (وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ) البقرة 40.
ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل: (وَلَقَدۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَبَعَثۡنَا مِنۡهُمُ ٱثۡنَيۡ عَشَرَ نَقِيبٗاۖ) المائدة 12، إلى قوله: (فَبِمَا نَقۡضِهِم مِّيثَٰقَهُمۡ لَعَنَّٰهُمۡ) المائدة 13، وقوله: (لَقَدۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ وَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهِمۡ رُسُلٗاۖ) المائدة 70: (فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٞ مِّنۡهُمۡۚ) المائدة 71، وقوله: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ لَا تَعۡبُدُونَ إِلَّا ٱللَّهَ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَانٗا وَذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنٗا وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ) البقرة83، إلى قوله: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَكُمۡ لَا تَسۡفِكُونَ دِمَآءَكُمۡ وَلَا تُخۡرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ) البقرة 84، وقوله: (ثُمَّ أَنتُمۡ هَٰٓؤُلَآءِ تَقۡتُلُونَ أَنفُسَكُمۡ وَتُخۡرِجُونَ فَرِيقٗا مِّنكُم مِّن دِيَٰرِهِمۡ) البقرة 85، إلى قوله: (وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضٖۚ) البقرة 85.
بل إن كتبهم قد صرحت بعهود الله - تعالى - لهم وأنحت عليهم نقضهم لها وجعلت ذلك إنذاراً بما يحل بهم من المصائب كما في كتاب أرميا ومراثي أرميا وغير ذلك، بل قد صار لفظ العهد عندهم لقباً للشـريعة التي جاء بها موسى.

2) وعهد مع عباد الله: ومنه العهود التي تقع بين الناس، بين الإنسان وبين أخيه المسلم، وبين المسلمين وبين الكفار وغير ذلك من العهود المعروفة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال عزَّ وجلَّ:(وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء 34، يعني أنَّ الوفاء بالعهد مسؤول عنه الإنسان يوم القيامة، يُسئل عن عهده: هل وفَّى به أم لا؟.

معاني العهد في العربية:
أصل مادة العهد في اللسان العربي يدل على الاحتفاظ بالشَّيء. ومعاني العهد في كلام العرب كثيرة وتصريفه عرفي. ومرجع معانيه إلى المعاودة والمحافظة والمراجعة والافتقاد، وغالب الظن أنها متفرع بعضها عن بعض. والأقرب أن أصلها هو: العهد، مصدر: عهده عهداً إذا تذكره وراجع إليه نفسه. يقولون: عهدتك كذا، أي: أتذكر فيك كذا، وعهدي بك كذا. ومن العلماء من حده بقوله: "العهد: حفظ الشَّيء ومراعاته حالا بعد حال. هذا أصله ثمَّ استخدم في الموثق الذي يلزم مراعاته". ويأتي العهد على عدة معان، وهي:
1) الموثق واليمين يحلف بها الرجل والجمع كالجمع، تقول: علي عهد الله وميثاقه، وقيل: ولي العهد، لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الحاكم.
2) الوصية، يقال عهد إليَّ في كذا: أوصاني.
3) التقدم للمرء في الشيء، ومنه العهد الذي يكتب للولاة، والجمع: عهود، وقد عهد إليه عهدًا.
4) الوفاء والحفاظ ورعاية الحرمة.
5) الأمان، والذمة، وَمِنْهُ:‏‏ ذُو الْعَهْدِ لِلْحَرْبِيِّ، يَدْخُلُ بِأَمَانٍ.
6) الالتقاء، وعهد الشيء عهدًا عرفه، وعهدته بمكان كذا أي لقيته وعهدي به قريب.
7) المجالسة، ومنها قولهم: "ما عهدته فثافنته" أي: فجالسته.
8) المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه، ويقال له: المعهد - أيضًا- وكذلك المنزل المعهود به الشيء يقال له: العهد، قال ذو الرمة:
هَل تَعرِفُ العَهدَ المُحيلَ رَسمُهُ
9) أول مطر، والولي الذي يليه من الأمطار، وفي الصحاح: العهد: المطر الذي يكون بعد المطر، وقد عهدت الأرض فهي معهودة أي: ممطورة.
10) العهدان، وهما: الضمان والكفالة، أو: التوراة والإنجيل.
11) التوحيد.
12) الضمان.
ومعنى نقض العهد اصطلاحًا :هو عدم الوفاء بما أعلن الإنسان الالتزام به، أو قطعه على نفسه من عهد أو ميثاق، سواء فيما بينه وبين الله تعالى، أو فيما بينه وبين النَّاس.

ما الفرق بين العهد والميثاق؟:

العهد: هو في العربية - كما تقدم - يعني: حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال، والجمع: عهود، ومنه اشتقاق العهد الذي يُكتب للولاة، والمعاهد في عرف الشرع، يختص بمن يدخل من غير المسلمين في عهد المسلمين. وأهل العهد هم المعاهدون، والمصدر: المعاهدة، أي: إنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية، فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم المعاهدة. وقد اختفى هذا المعنى للمصطلح من حياتنا المعاصرة، وحل محله مصطلح المواطنة الذي يشمل أهل كل مصر، من المسلمين وغيرهم، وبقي مصطلح المعاهدة للدلالة على ما يعقد بين الدول من اتفاقات، سواء كانت معاهدات عسكرية، أو سياسية، أو أمنية، أو اقتصادية، أو غيرها.

ولفظ "العهد" ورد في القرآن في نحو أربعين موضعًا، منها أربعة عشر موضعًا بالصيغة الفعلية، وباقي المواضع بالاسم، جمعهما قوله تعالى: (أَوَ كُلَّمَا عَٰهَدُواْ عَهۡدٗا نَّبَذَهُۥ فَرِيقٞ مِّنۡهُمۚ) البقرة100. وللعهد دلالات في التنزيل الحكيم على ستة أوجه:

1) الإمامة: وعليه فُسِّر قوله تعالى:(قَالَ لَا يَنَالُ عَهۡدِي ٱلظَّٰلِمِينَ 124) البقرة؛ إذ إنه جاء في رد المولى - عز وجل على خليله وقت جعله إماماً في صدر هذه الآية: (وَإِذِ ٱبۡتَلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ رَبُّهُۥ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامٗاۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِيۖ).
2) الميثاق: كما في قوله تعالى: (قُلۡ أَتَّخَذۡتُمۡ عِندَ ٱللَّهِ عَهۡدٗا فَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ عَهۡدَهُۥٓۖ) البقرة 80؛ أي: موثقاً.
3) التكليف: ومنه قوله تعالى: (وَعَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ إِبۡرَٰهِ‍ۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ) البقرة 124؛ أي: كلفناهما أو أمرناهما بتطهير البيت.
4) الحلف: ومنه قوله تعالى: (وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ لَئِنۡ ءَاتَىٰنَا مِن فَضۡلِهِۦ لَنَصَّدَّقَنَّ) التوبة 75؛ أي: حلف بالله.
5) التوحيد: لقوله: (لَّا يَمۡلِكُونَ ٱلشَّفَٰعَةَ إِلَّا مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحۡمَٰنِ عَهۡدٗا 87) مريم؛ قيل في التفسير: لا يشفع إلا من شهد أن لا إله إلا الله، أي: لا يشفع إلا المؤمن.
6) أداء الأمانة: ومنه قوله سبحانه: (وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْمِنْ عَهْدٍ) الأعراف102؛ أي: وفاء وأمانة. وقيل: أي :وما وجدنا لأكثر الأمم الذين أرسل اللّه إليهم الرسل من ثبات والتزام لوصية اللّه التي أوصى بها.

ما هو الميثاق؟:

أصل مادة "وثق" يدل على العقد والإحكام، تقول: وثقت به أثق ثقة: إذا سكنت إليه، واعتمدت عليه؛ وتقول: أوثقته: إذا شددته برباط؛ والوَثاق (بفتح الواو وكسرها): اسمان لما يوثق به الشيء. والميثاق: العهد المحكم، ويجمع على مواثيق؛ والوثقى: تأنيث الأوثق . وقد ورد هذا اللفظ في القرآن في صيغ متعددة، منها ما يدل على اسم الشيء الذي يُشدُّ به في قوله تعالى: (فَشُدُّوا الْوَثَاقَ) محمد 4، وبمعنى الربط والشد بإحكام، وهو قوله سبحانه: (وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُۥٓ أَحَدٞ 26) الفجر، وبمعنى الإيمان والإسلام؛ وعليه قوله سبحانه: (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) البقرة 256. لكن هذه الاستعمالات وإن اشتركت مع "الميثاق" في الأصل اللغوي، لا تدل على معنى الميثاق الذي نحن بصدد بحثه. بل إن ما يهمنا هنا هو لفظ: "ميثاق" الذي ذكر في ثلاثة وعشرين موضعاً: نكرة ومضافاً، ومنها مجيئه معرفاً في موضع وحيد في القرآن هو آية: (ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهۡدِ ٱللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ ٱلۡمِيثَٰقَ 20) الرعد.

وتفسير لفظ "الميثاق" في القرآن جاء على وجوه:

1) بمعنى العهد المؤكد باليمين: من ذلك قوله تعالى: (ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ) البقرة 27؛ أي: لا يوفون بما عاهدوا الله عليه من الالتزام بأحكام ما شرعه لهم. وعلى هذا المعنى جاء أغلب استعمال هذا اللفظ في القرآن.
2) بمعنى الحَلِف، وعليه قوله تعالى: (قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّىٰ تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَن يُحَاطَ بِكُمْۖ) يوسف 66؛ أي: قال لهم أبوهم: لن أترك يوسف يذهب معكم حتى تحلفوا لي بالله أن تردوه إليَّ، إلا أن تُغْلبوا عليه فلا تستطيعوا تخليصه.
3) بمعنى العقد: وعليه قوله تعالى: (وَأَخَذۡنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا 21) النساء؛ والمقصود بالميثاق الغليظ: عقد النكاح.
4) بمعنى الهدنة والمعاهدة، ومنه قوله سبحانه: (إِلَّا عَلَىٰ قَوۡمِۢ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَهُم مِّيثَٰقٞۗ) الأنفال72؛ أي: بينكم وبينهم هدنة ومعاهدة.
نخلص منه هذا إلى القول بأن الميثاق هو توكيد للعهد، فهو - أي الميثاق - أبلغ من العهد؛ إذ أن الميثاق مرحلة تالية لأخذ العهد، كما يفهم من الآية: (ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ).

ما هو الفرق بين العقد والعهد؟:

يبدو أن ثمة ثلاثة فروق:
1) العقد أبلغ من العهد؛ فأنت تقول: عهدت إلى فلان بكذا، أي: ألزمته إياه؛ وعقدت عليه وعاقدته ألزمته باستيثاق.
2) أن العقد يكون بين اثنين أو أكثر، ولا يكون من واحد؛ والعهد قد ينفرد به الواحد، وقد يكون بين اثنين أو أكثر.
3) أن العقد إنما يكون بين الناس، والعهد قد يكون بين المخلوق والخالق، وقد يكون بين الناس؛ قال تعالى في عهده للبشر: (أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَيۡكُمۡ يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ) يس60، وقال - سبحانه - في معاهدة ابن آدم لله: (وَمِنۡهُم مَّنۡ عَٰهَدَ ٱللَّهَ) التوبة75، وقال في العهد بين الناس: (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) التوبة4.






 
رد مع اقتباس
قديم 03-11-2022, 11:20 AM   رقم المشاركة : 140
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







ما المراد من قوله: (ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـٰقِهِ)؟:

اختلفوا في المراد من هذه الجملة، وذكروا وجوهاً:
أحدها: أن المراد بهذا الميثاق حججه القائمة على عباده الدالة لهم على صحة توحيده وصدق رسله؛ فكان ذلك ميثاقاً وعهداً على التمسك بالتوحيد إذا كان يلزم بهذه الحجج ما ذكرنا من التمسك بالتوحيد وغيره، ولذلك صح قوله: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى أُوفِ بِعَهْدِكُمْ) البقرة 40.
وثانيها: يحتمل أن يعني به ما دل عليه بقولهتعالى: (وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا 42) فاطر.
فلما لم يفعلوا ما حلفوا عليه وصفهم بنقض عهده وميثاقه؛ فيلزمهم الذم لأجل أنهم تركوا شيئاً هم بأنفسهم التزموه. وعلى هذا التأويل يلزم التخصيص، على عكس التأويل الأول الذي يجري الآية على العموم. ولعل هذا ما يرجح التأويل الأول الذي يعم بالذم كل من ضل وكفر؛ لأنهم نقضوا عهداً أبرمه الله وأحكمه بما أنزل من الأدلة التي كررها عليهم في الأنفس والآفاق وأوضحها وأزال التلبيس عنها، ولما أودع في العقول من دلائلها وبعث الأنبياء وأنزل الكتب مؤكداً لها.
وقالوا: إنَّ عهد الله إلى خلقه ثلاثة عهود:

1) العهد الأول: الذي أخذه على جميع ذرية آدم وهو الإقرار بربوبيته وهو قوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ...) الأعراف 172. وقال بعضهم: إنه عنى به ميثاقاً أخذه من الناس وهم على صورة الذر وأخرجهم من صلب آدم (أي: الجنس الآدمي) كذلك، وهو معنى قوله تعالى: (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ) الأعراف 172. ورداً على هذا قال المتكلمون هذا ساقط لأنه - تعالى - لا يحتج على العباد بعهد وميثاق لا يشعرون به، كما لا يؤاخذهم بما ذهب علمه عن قلبهم بالسهو والنسيان، فكيف يجوز أن يعيبهم بذلك؟.
2) وعهد خص به النبيين أن يبلغوا الرسالة ويقيموا الدين ولا يتفرقوا فيه وهو قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ ...) الأحزاب 7.
3) وعهد خص به العلماء، وهو قوله:(وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ لَتُبَيّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ ...) آل عمران 187.






 
رد مع اقتباس
قديم 05-11-2022, 01:17 PM   رقم المشاركة : 141
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







(وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ):

هذه الجملة عطف على: (يَنقُضُونَ)، وهي صلةٌ أيضاً.
والْقَطْعُ: إِبَانَةُ بَعْضِ أَجْزَاءِ الْجِرْمِ مِنْ بَعْضٍ فَصْلًا. قَطَعَهُ يَقْطَعُهُ قَطْعًا وَقَطِيعَةً وَقُطُوعًا، قَالَ:
فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى اسْتَبَانَ سُقَابُهَا ..... قُطُوعًا لِمَحْبُوكٍ مِنَ اللِّيفِ حَادِرِ
وَالْقَطْعُ: مَصْدَرُ قَطَعْتُ الْحَبْلَ قَطْعًا فَانْقَطَعَ. وهو قريب من البتر أو الفصم أو الصرم أو الجز. وانقطع الغيث: احتبس، وانقطع النهر: جفّ أو حبس، وقطعت الوادي: جزته. والقطعة: الطائفة من الشي‌ء، والجمع: قطع، ومنه: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا ۚ) يونس 27. وقطعت له قطعة من المال: قرّرتها. واقتطعت من ماله قطعة: أخذتها. وقطعته عن حقّه: منعته. وقطعت الصديق: هجرته، والقطيعة: الهجران. وقطع الحديث الصلاة: أبطلها. ومنقطع الشي‌ء: حيث ينتهي اليه طرقه. والقطيع من الغنم: الفرقة. والمصدر - في الرّحم - القطيعة، يقال: قطع رحمه قطيعة فهو رجل قُطَعٌ وَقُطَعَةٌ، مثل "هُمَزَة".
و (مَآ): موصولةٌ، و (أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ) صلتُها وعائدُها، وهي مفعولةٌ بـ "يَقْطَعون".
والأمر - وضده: النهي - هو استدعاء الأعلى الفعل من الأدنى. وخالف هذا المعنى ما رواه القرآن عن قول فرعون لملئه: (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) الأعراف 110، وهو رئيسهم الآمر فيهم، وكأنه لمّا طلب من حاشيته النظر والرأي، أراد جلب خواطرهم وتحريك عواطفهم وتجليل شخصيّاتهم، فعبّر بهذه العبارة.
وقوله: (أَن يُوصَلَ) فيه ثلاثةُ أوجهٍ:
1) الجرُّ على البدلِ من الضمير في "به" أي: ما أمرَ اللهُ بوَصْلِهِ، كقول امريء القيس:
أمِنْ ذِكْرِ ليلى أَنْ نَأَتْكَ تَنُوصُ ..... فَتَقْصُرُ عنها خَطْوَةً وتَبُوصُ
أي: أمِنْ نَأْيِها.
2) أو النصبُ على البدل من: (مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ) بدلُ اشتمالٍ.
3) أو النصبُ على أنه مفعولٌ من أجله.
والوَصْلُ: الرَّبْطُ، وضَمُّ الشَّيءِ إلى الشَّيْءِ، وجَمْعُهُما معاً، ويُستَعْمَلُ في الأعيانِ والمَعانِي، وخِلافُه: الفَصْلُ، يُقال: وَصَلَ الشَّيءَ بِالشَّيءِ، يَصِلُه، وَصْلاً وصِلَةً وتَوْصِيلاً: إذا ضمَّهُ بِه وجَمَعَه معه ولَأَمَه، والاتِّصالُ: التَّرابُطُ، وضِدُّه :الاِنقِطاعُ والانفِصالُ. ويُطْلَقُ أَيْضًا بِمَعْنَى: الاجْتِمَاعُ بِالحَبِيبِ والاتَّصال به، وعلى المَرْأَةُ التي تَصِلُ الشَّعْرَ بِشَعْرٍ آخَرَ، سَواءٌ كان لِنَفْسِها أم لِغَيْرِها.

ما الذي أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ؟:

- قيل: (مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ) هو صلة الأَرْحام، وحقوق القرابات التي أمر الله بوصلها، وهو كقوله تعالى: (فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ 22) محمد، وفيه إشارة إلى أنهم قطعوا ما بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من القرابة، وعلى هذا فالآية خاصة تدل على أنه أراد كفار قريش ومن أشبههم. وإذا ترجح أن المراد به بعض عمل اليهود، فذلك إذ تقاتلوا وأخرجوا كثيراً منهم من ديارهم ولم تزل التوراة توصي بني إسرائيل بحسن معاملة بعضهم لبعض.
- وقيل: الإعراض عن قطع (مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ) هو موالاة المؤمنين، بمعنى أن الله - تعالى - أمرهم أن يصلوا حَبْلَهُمْ بِحَبْلِ المؤمنين، فانقطعوا عن المؤمنين، واتصلوا بالكفار.
- وقيل: إنهم نهوا عن التنازع وإثارة الفتن، وهم كانوا مشتغلين بذلك.
- وقيل: أمر أن يوصل القول بالعمل، فقطعوا بينهما بأن قالوا، ولم يعملوا.
وكأن صاحب هذا الرأي يشير إلى أنها نزلت في المنافقين، فهو الذين (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِممَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ) الفتح 11.
- وقيل: التفرقة بين الأنبياء في الإيمان ببعض والكفر ببعض.
- وقيل: أمر أن يوصل التصديق بجميع أنبيائه، فقطعوه بتصديق بعضهم، وتكذيب بعضهم.
- وقيل: أنه على العموم في كل ما أمر الله به أن يوصل، وهذا هو الأوجه، لأن فيه حمل اللفظ على مدلوله من العموم، ولا دليل واضح على الخصوص. وفيه الإشارة إلى دين الله، وعبادته في الأرض، وإقامة شـرائعه، وحفظ حدوده، لتكون الدلالة عامة في كل ما أمر الله - تعالى - به أن يوصل، وهذا هو قول الجمهور.

وتكميلاً لهذا، فإنَّ مراد الله - تعالى - مما شرع للناس منذ النشأة إلى ختم الرسالة واحد، وهو إبلاغ البشر إلى الغاية التي خلقوا لها وحفظ نظام عالمهم وضبط تصرفاتهم فيه على وجه لا يعتوره خلل. وإنما اختلفت الشـرائع على حسب مبلغ تهيوء البشر لتلقي مراد الله - تعالى - ولذلك قلما اختلفت الأصول الأساسية للشـرائع الإلٰهية، قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ) الشورى 13. وإنما اختلفت الشـرائع في تفاريع أصولها اختلافاً مراعىً فيه مبلغ طاقة البشر لطفاً من الله - تعالى - بالناس ورحمة منه بهم حتى في حملهم على مصالحهم ليكون تلقيهم لذلك أسهلَ، وعملُهم به أدوم، إلى أن جاءت الشريعة الإسـلامية في وقت راهَقَ فيه البشرُ مَبلغَ غاية الكمال العقلي وجاءهم دين تُناسـب أحكامُه وأصولُه استعدادَهم الفكري وإن تخالفت الأعصار وتباعدت الأقطار فكان ديناً عاماً لجميع البشر. فلا جرم أن كانت الشـرائع السابقة تمهيداً له لتهييء البشر لقبول تعاليمه وتفاريعها التي هي غاية مراد الله - تعالى - من الناس. ولذا قال تعالى: (إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُۗ) آل عمران 19؛ فما من شـريعة سلفت إلا وهي حلقة من سلسلة جعلت وِصلة للعُروة الوثقى التي لا انفصام لها وهي عروة الإسلام؛ فمتى بلغها الناس فقد فَصموا ما قبلها من الحلق وبلغوا المراد، ومتى انقطعوا في أثناء بعض الحلق فقد قطعوا ما أراد الله وصله، فاليهود لما زعموا أنهم لا يحل لهم العدول عن شـريعة التوراة قد قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ففرقوا مجتمعه.






 
رد مع اقتباس
قديم 06-11-2022, 11:24 AM   رقم المشاركة : 142
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







(وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ):

جملة:(وَيُفۡسِدُونَ)عطفٌ على الصلةِ أيضاً، و (فِي ٱلأرْضِ) متعلِّقٌ به.
والفساد في الأرض تقدم الكلام عليه عند قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ 11) البقرة.
ومن الفساد في الأرض عكوف قوم على دين قد اضمحل وقت العمل به وأصبح غير صالح لما أراد الله من البشر، فإن الله ما جعل شـريعة من الشرائع خاصة وقابلة للنسخ إلا وقد أراد منها إصلاح طائفة من البشر معينة في مدة معينة في علمه. وما نسخ ديناً إلا لتمام وقت صلوحيته للعمل به فالتصميم على عدم تلقي الناسـخ وعلى ملازمة المنسـوخ هو عمل بما لم يبق فيه صلاح للبشـر فيصير ذلك فسـاداً في الأرض لأنه كمداواة المريض بدواء كان وصف له في حالة تبدلت من أحوال مرضه حتى أتى دين الإسلام عاماً دائماً لأنه صالح للكل.

ما قيل في مدلول الفساد في الأرض المتضمن في الآية:

قد تقدّم ما معنى في الأرض، والتنبيه على ذكر الأرض، عند الكلام على قوله:(وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي ٱلۡأَرۡضِ) البقرة 11. وفي مدلول الفساد في الأرض هنا خمسة أقوال:
1) استدعاؤهم إلى الكفر، والترغيب فيه، وحمل الناس عليه.
2) يعبدون غير الله، ويجوزون في الأفعال، إذ هي بحسب شهواتهم.
3) إخافتهم السبيل، وقطعهم الطريق على من هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم.
4) نقض العهد.
5) كل معصية تعدى ضررها إلى غير فاعلها.

والأظهر أن المراد منه الصد عن طاعة الرسول - عليه الصلاة والسلام - لأن تمام الصلاح في الأرض بالطاعة، لأن بالتزام الشرائع يلتزم الإنسان كل ما لزمه، ويترك التعدي إلى الغير، ومنه زوال التظالم وفي زواله العدل الذي قامت به السموات والأرض، قال تعالى فيما حكى عن فرعون أنه قال عن موسى: (إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمۡ أَوۡ أَن يُظۡهِرَ فِي ٱلۡأَرۡضِ ٱلۡفَسَادَ 26) غافر، ثم إنه سبحانه وتعالى أخبر أن من فعل هذه الأفاعيل خاسر فقال: (أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ).




(أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ):

قولُه:(أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ) كقولِهِ: (وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ 5) البقرة.
ويجوز أن تكونَ هذه الجملةُ خبراً عن: (ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ) إذا جُعِلَ مبتدأً، أو أن تكون جملة مستأنفة لا محلَّ لها.
و (ٱلۡخَٰسِرُونَ): جمع واحدهم: الخاسر، وفعله: خَسِرَ يَخْسَرُ في البَيْع خُسْراً وخُسْراناً. وخَسَرْتُ الشيءَ - بالفتح - وأَخْسَرْتُهُ: نَقَصْتُهُ. وقوله تعالى: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَٰلًا 103) الكهف، واحدهم: الأَخْسَرْ.
والتَخْسيرُ: الإهْلاك. والخَسارَ والخَسارَةَ والخُسْران والخَيْسَرىٰ كلها بمعنى الضَلال والهلاك. والخَسار: النقصانُ في ميزان أو غيره، قال جرير:
إنَّ سَـليطاً في الخسار إنَّهْ ..... أولادُ قـومٍ خُلِقـوا أَقِنَّـهْ

ما قيل في معنى الخسران هنا:

في هذا الخسران وجوه:
1) أنهم خسـروا نعيم الجنة لأنه لا أحد إلا وله في الجنة أهل وأصحاب، فإن أطاع الله وجده، وإن عصاه ورثه المؤمنون، فذلك قوله تعالى: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَأَهۡلِيهِمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ) الشورى 45.
2) أنهم خسروا حسناتهم التي عملوها لأنهم أحبطوها بكفرهم فلم يصل لهم منها خير ولا ثواب، والمرء لا يعدم أعمالاً صالحة يجازى عليها بثواب إن كان مؤمناً. هذا إن كانت الآية في اليهود، أو إن كانت في المنافقين، فلهم أعمال في الظاهر تماثل ما يعمله المخلصون فحبط ذلك كله.
3) أنهم إنما أصروا على الكفر خوفاً من أن تفوتهم اللذات العاجلة، ثم إنها تفوتهم إما عند ما يصير الرسول - صلى الله عليه وسلم - مأذوناً في الجهاد أو عند موتهم،

وبالجملة أن الخاسر اسم عام يقع على كل من عمل عملاً لا يجزي عليه فيقال له خاسر، كالرجل الذي إذا تعنى وتصرف في أمر فلم يحصل منه على نفع، قيل له خاب وخسر، لأنه كمن أعطى شيئاً ولم يأخذ بإزائه ما يقوم مقامه، فسمى الكفار الذين يعملون بمعاصي الله خاسرين. قال تعالى: (إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ 2 إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ 3) العصر.






 
رد مع اقتباس
قديم 07-11-2022, 01:05 PM   رقم المشاركة : 143
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







لمحات من البديع في الآيتين:

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ ٢٦
ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ٢٧)

أولاً: قد تضمنت هاتان الآيتان نوعاً من البديع يسميه أرباب البيان: بالطباق، وهو أن تأتي بالشيء وضدّه: ووقع هنا في قوله تعالى:
- (بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ): دليلان على الحقير والكبير.
- (فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ) مقابله: (وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ).

وكل أول في الثلاثة التالية كائن بعد مقابله:
- (يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ): أي: الضلال بعد الهداية.
- (يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِ)ۦ أي: النقض بعد التوثقة.
- (وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ) أي: القطع بعد الوصل.

وثانياً: في وصل الذين بالمضارع وعطف المضارعين عليه دليل على تجدد النقض والقطع والإفساد، وإشعار أيضاً بالديمومة، وهو أبلغ في الذم، وبناء يوصل للمفعول هو أبلغ من بنائه للفاعل، لأنه يشمل ما أمر الله بأن يصلوه أو يصله غيرهم.

وثالثاً: في ترتيب هذه الصلات غاية من الحسن، لأنه قد بدأ أولاً بنقض العهد، وهو أخص هذه الثلاث، ثم ثنى بقطع ما أمر الله بوصله، وهو أعم من نقض العهد وغيره،
ثم أتى ثالثاً بالإفساد الذي هو أعم من القطع، وكلها ثمرات الفسق.

ورابعاً: أتى باسم الفاعل في: (وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ) صلة للألف واللام ليدل على ثبوتهم في هذه الصفة، فيكون وصف الفسق لهم ثابتاً، وتكون النتائج عنه متجدّدة متكررة، فيكون الذم لهم أبلغ لجمعهم بين ثبوت الأصل بمجيء الاستثناء المفرغ، وتجدّد فروعه ونتائجه.

وخامساً: لما ذكر أوصاف الفاسقين أشار إليهم بقوله: (أُوْلَٰٓئِكَ)، أي: أولئك الجامعون لتلك الأوصاف الذميمة من النقض والقطع والإفساد. وقوله: (أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ) قصر قلب لأنهم ظنوا أنفسهم رابحين وهو استعارة مكنية تمثيلية ذكرنا تفصيلها في قراءة: (أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ) البقرة 16. وقد أكد استحقاقهم لما وصفوا به بالحصر بالضمير المنفصل (هُمُ) وجاء باسم الفاعل من الخسران (ٱلۡخَٰسِرُونَ) مثلما جاء باسم الفاعل من الفسق، وفي الحالين تأكيد وحصر.






 
رد مع اقتباس
قديم 08-11-2022, 01:13 PM   رقم المشاركة : 144
معلومات العضو
عوني القرمة
أقلامي
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل

Bookmark and Share


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِيثَٰقِهِۦ وَيَقۡطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦٓ أَن يُوصَلَ
وَيُفۡسِدُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ 27)







حول مضمون الآية:

وصف الضالّين بالفسوق ثمّ بيّن من حال فسوقهم نقض العهد الموثّق، وقطع ما يجب أن يوصل، والإفساد في الأرض: وسجّل بذلك عليهم الخسران وحصرهم في مضيقه، بحيث لا يسلم منه إلاّ من رجع عن فسوقه. فعلم بهذا أنّ المراد بإسناد الإضلال إليه - تعالى - في الآية السابقة، بيان سـنّته - تعالى - في أصحاب هذه الأعمال من الفسّاق، وهو أنّهم يضلّون حتّى بما هو سبب من أشدّ أسـباب الهداية تأثيراً، وهو المثل المذكور؛ بسبب رسوخهم في الفسق ونقضهم للعهد. وليس المعنى أنّه - تعالى - خلق الضلال فيهم خلقاً وأجبرهم عليه إجباراً. وقد اختلفوا في تفسير العهد على أقوال:

1) أنه وصية الله إلى خلقه، وأمره لهم بطاعته، ونهيه لهم عن معصيته في كتبه المنزلة وعلى ألسنة أنبيائه المرسلة، ونقضهم له تركهم العمل به.
2) أنه العهد الذي أخذه الله عليهم حين أخرجهم من أصلاب آبائهم في قوله: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ...) الأعراف 172. ونقضهم له كفر، بعضهم بربوبيته، وبعضهم بحقوق نعمته. وآية العهد هذه فيها إشارات عديدة، أولها أن الميثاق أُخذ من بني آدم، أي من الجنس الأول الذي أُهبط من الجنة الدنيوية، وهو يمثل بذرة البشر، وهذا مبحث سنورده عند الحديث عن آيات بدء التكليف من الآية الثلاثين إلى التاسعة والثلاثين من هذه السورة. وهذا العهد الفطري "المُلْزِم" عند أكثر العلماء، ترده طائفة منهم، بالقول أنه لا يمكن أن يكون - وحده - حجة على الكافرين، لأنه لم يدخل في وعي المكلف، ولم يكن في دائرة الاختيار، وهي التي سيحاسب عليها الناس.
3) ما أخذه الله عليهم في الكتب المنزلة من الإقرار بتوحيده والاعتراف بنعمه والتصديق لأنبيائه ورسله، وبما جاؤوا به في قوله: (وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ ...) آل عمران 187، ونقضهم له نبذه وراء ظهورهم، وتبديل ما في كتبهم من وصفه صلى الله عليه وسلم. وكأن هذا العهد هو عهد مخصوص، محصور في أهل الكتاب، وهذا يُخرج مشركي العرب من خطاب الآية، بينما ما نراه في الآية هو العموم لا الخصوص.
4) ما أخذه الله - تعالى - على الأنبياء ومتبعيهم أن لا يكفروا بالله ولا بالنبيين، في قوله تعالى: (وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ مِيثَٰقَهُمۡ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٖ وَإِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۖ وَأَخَذۡنَا مِنۡهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظٗا 7لِّيَسۡ‍َٔلَ ٱلصَّٰدِقِينَ عَن صِدۡقِهِمۡۚ وَأَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابًا أَلِيمٗا 8) الأحزاب، وهذا عهد أعم وأشمل مما أُخِذَ على أهل الكتاب؛ إذ أُخذ على النبيين كلهم، وخصص أولي العزم منهم لأنهم يمثلون مراحل فاصلة في تاريخ الإسلام، وبإلزامهم بالتبليغ بشارةً وإنذاراً لأقوامهم، دخل المؤمنون برسالاتهم ضمناً داخل الميثاق، لذلك بَيَّنَ بعدها أنه - تعالى - سيحاسب تلك الأمم على مدى الاستجابة لدعوة الرسل.
5) وما أخذه على النبيين في قوله: (وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَٰقَ ٱلنَّبِيِّ‍ۧنَ لَمَآ ءَاتَيۡتُكُم مِّن كِتَٰبٖ وَحِكۡمَةٖ ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مُّصَدِّقٞ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَٰلِكُمۡ إِصۡرِيۖ قَالُوٓاْ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُواْ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّٰهِدِينَ 81) آل عمران، ورأى المفسرون أنه عهد أخذه الله على النبيين أن ينصروا محمداً - صلى الله عليه وسلم - ويعظموه، وأن جحد أقوامهم لنبوته ولصفته، يعد خروجاً على هذا الميثاق القديم. ونحن نرى أن: (ثُمَّ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ) بتنكير (رَسُولٞ) يفيد أي رسول، على غير تحديد، مما يعني أخذ الميثاق على كل نبي، إذا أرسل الله بعد نبوته رسولاً أن يتبعه النبي وينصره.
6) ما جعله في عقولهم من الحجة على توحيده وتصديق رسوله، بالنظر في الآيات الدالة على إعجاز القرآن وصدقه ونبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونقضهم هو تركهم النظر في ذلك وتقليدهم لآبائهم.
7) الأمانة المعروضة على السماوات والأرض التي حملها الإنسان، ونقضهم تركهم القيام بحقوقها، كما في قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا ٱلْأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَٰنُ) الأحزاب 72.
8) ما أخذه عليهم من أن لا يسفكوا دماءهم ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، ونقضهم عودهم إلى ما نهوا عنه، وهذا القول يشـير إلى أن المخاطب بذلك بنو إسرائيل.
9) هو الإيمان والتزام الشـرائع، ونقضه كفره بعد الإيمان.






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 

اشترك في مجموعة أقلام البريدية
البريد الإلكتروني:
الساعة الآن 08:47 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2023, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط