أستاذي العزيز خشان خشان تحية إكبار وتقدير وبعد: كنتُ أنا وابن بعض أقاربي أيام الطفولة ندعي كتابة الشعر, ونعرف بذلك في وسطنا الضيق: الحارة والأقارب.. كان ذلك الصديق العزيز كثيرا ما يحضر معه كتابا أدبيا يتلو علي أجزاء مننه غالبا ما تكون منتخبة قد نالت استحسانه, وكنت عليه بكل كياني أقبل, فهو الشرفة الوحيدة المتاحة لي على عالم الشعر والأدب؛ ذلك لأنني كفيف البصر كليا وليس بمقدوري أن أمارس هذه الهواية المحببة إلى نفسي مطلقا.. كان يسبقني بعامين دراسيين, وكان هو يدرس في المعهد العلمي التابع لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بينما كنت أدرس أنا في معهد النور.. في المعهد العلمي كانت تدرس مواد مختلفة عن تلك التي يتلقاها الطالب في التعليم العام التابع لوزارة المعارف , أما في معهد النور فكانت تدرس المواد الموافقة لمواد التعليم العام.. ومع نهاية المرحلة الثانوية في المعهد كان الطالب يتلقى دراساته لعلم العروض وما إن بدأ صديقي يتلقى أولى الدروس في علم العروض حتى جاء يخبرني بهذا العلم الغريب العجيب, أخبرني فدهشت ولا أدري كم من الوقت مكثت ساكنا أتفكر في ما يلقي إلي وأردد بعض التفعيلات متعجبا.. أخبرني صديقي بالفكرة الأصلية وكيف أننا نقيس السواكن إلى السواكن والمحركات إلى المتحركات, وأذكر يومها أننا جئنا ببعض ما سميناه أشعارنا وجلسنا نزن فشيء مكسور وشيء موزون حسب السواكن والمتحركات ولكننا لم نخرج بحره ولا اهتدينا إليه سبيلا, ففي المعهد لا تدرس إلا ستة أبحر: الطويل, الوافر, الكامل, المتقارب, البسيط, الخفيف, وزادهم المدرس من فضله وكرمه الرجز في نهاية العام.. كان صديقي يستعمل لوزن الأبيات الورقة والقلم أما أنا فكنت أستعمل ذهني فقط, والعجيب أنني كنت أسرع منه تخريجا.. كان كل ما مر علي بيت استخرجت تفاعيله حسب التفاعيل الثمان المعروفة لدي حينها, ولم تكن لدي معرفة وافية بالعلل والزحافات ولا بكامل صور البحور الستة فضلا عن غيرها, وأذكر أنه بعد تلك الفترة البدائية بقليل مع انتقال صديقي إلى الجامعة وانقالي إلى الثانوية اشترى صديقي كتاب المرحوم مصطفى محمود وأخذ يتلو علي منه, والواقع أن أذني لم تستسغ الكثير من الزحافات العروضية وأذكر أنه نشب بيني وبينه حوار ساخن بشأن بحري: المضارع والمقتضب, الذي هاجمتهما بشدة ورفضتهما لأنهما لا ينسجمان وذوقي, وأذكر أنه قال لي إن ذوقك ليس معيارا وإن الشعراء نظموا عليهما لكننا اكتشفنا في ما بعد أن الأخفش طعن فيهما واعتبرتُ ذلك نوعا من الانتصار وأقر لي هو بأن وجهة نظري جديرة بالاحترام.. حين دخلت المرحلة الجامعية اقتنيت كثيرا من الكتب العروضية وقرأت بعضها مع القراء التعساء , ولكنني نفرت من العروض بطريقة الأرقام لدراسة كنت قرأتها في كتاب العروض ومحاولات التجديد, كما هاجمت فكرة الثغرة العروضية التي ما زلت أهاجمها حتى الساعة.. ولكنني أصارحك بأني اليوم أشعر بأن اقتصاري على معرفة العروض التقليدي هي نوع من الانغلاق والجمود الذي علي الخروج منه وتجاوزه, لذلك فسأتشرف بتعلم العروض الرقمي على يديك الكريمتين لعلي أتشرب فلسفته وأعي مضامينه لا سيما وأنه أصبح لدي جهاز خاص بالمكفوفين يتيح لهم التعامل مع الحاسب الآلي وبالتالي أستطيع القراءة والفهم بنفسي حيث كنتت أعاني في الماضي من القراء الذين لا يحسن أ؛دهم النطق بتفعيلة واحدة صحيحة كما هي فضلا عن أن يحسن قراءة المزاحفة أو الجداول الرقمية, وحتى لو أحسن ذلك فمن الصعوبة أن أدرك الجدول بالسماع.. ورغم كل اهتماماتي ومشاغلي الأخرى فإن علم العروض يظل أجمل ذكريات الطفولة التي لا زالت تمدني بالدفء والثقة كما يظل العلم الذي أجد نفسي فيه قادرا على العطاء والتفاعل بحق رغم كل جوانب قصوري ولعل هذا أبرز أسباب افتتاني به..
لا أدري لماذا كتبت كل ما كتبت ربما لأني شعرت بأنك قريب من نفسي لما بيننا من مساحة اهتمام مشترك.. أرجو أن تعذرني على الإطالة وأن تشرفني وتشرف المنتدى بحضورك الدائم هنا فبودي لو تبادلت معك الأحاديث حول العَروض وموسيقى الشعر بعامة.. ولك كل المحبة والود.