الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول

منتدى الأدب العام والنقاشات وروائع المنقول هنا نتحاور في مجالات الأدب ونستضيف مقالاتكم الأدبية، كما نعاود معكم غرس أزاهير الأدباء على اختلاف نتاجهم و عصورهم و أعراقهم .

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 1 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
قديم 01-12-2014, 01:43 AM   رقم المشاركة : 133
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

ع. الحبيبة

أكتب إليك فور وصول رسالتك الأخيرة، لأن ذلك على ما يبدو هو السبيل الوحيد لأن تنتظم رسائلنا، وتلتقي. وكنت قد أرسلت لك البارحة رسالة مضطربة، أسألك فيها عن مرضك وسبب تأخرك، أرجو أن تكون قد وصلت إليك، لقد سررت كثيراً لأنك أصبحت في صحة جيدة، وأسفت كثيراً لأنني نقلت إليك شيئاً عن اضطرابي وقلقي بسبب آلامك، ولكنك قد لا تتصورين هذه الوحشة الغريبة التي تنشرها هذه المدينة الجرداء بشتائها الكئيب على النفس التي نأى عنها الجمال الذي أحبت، عندما تشعر هذه النفس الحزينة بأنه لا عزاء ولا سلوى إلا هذه الرسالات الصغيرة التي تحمل كل شيء، والتي هي وحدها تستطيع أن تبدد صقيع الفراغ والعزلة. أو لا أُعذر إذا رجوتك أن تكتبي إلي دائماً؟..
لقد لمست في رسالتك شيئاً من المأساة، ولا أعرف كيف أبدأ بلومك على شعور كهذا. أمام الحب وحده يتراجع القدر، لأن الحب هو القدر الأقوى الذي يفرض مشيئته على كل ما في الوجود، لأنه ظفر القلب الإنساني على حكمة الحياة وقوانينها الحصيفة، وتمرده على الموت والزمن والهم. ولكم أود أن أكون إلى جانبك، عندما تشعرين بهذا العذاب النبيل الذي يعلمك إياه قلبك الطيب، بحرارته وجموح نزعاته، إذن لوضعت يدي في يدك وقلت لك في كثير من الاعتزاز؛ يجب أن نبارك الحياة كل يوم، لأنها أتاحت لنا الانطلاق في منزلها الدافئ الكسول إلى رحاب العوالم الغنية الأخرى، التي تصبح فيها الكلمة والهمسة، قانوناً جديداً للحياة، وتعود فيها النظرة والابتسامة شكلاً حياً للعالم. من أجل ذلك نعرف الهم والعذاب، لأن الحب قد اختارنا وضمنا إلى مملكته المتألقة الأشياء، المليئة الساعات.... لماذا تحمل إلي أنفاسك يا عواطف، أبداً، كل هذا التفاؤل وهذا الإيمان.. أقرأ كلماتك في حرارة وشغف لا حدود لهما، وأسمع صوتاً من الأعماق يشعرني بأن فيك، أيتها السُمرة الشاحبة، نفحة من المستحيل. ليس ذلك شعراً ولا خيال مجنون، بل حقيقة مليئة، نشعر بها بكل جوارحنا، وما يشعر به القلب الذي يُعطي هو الحقيقة وحده...
الأشعار القديمة لا تعودي إلى قراءتها، إلا إذا أردت التسلية في الاستماع إلى تلك الإيقاعات المضطربة التي حاولتُ فيها عبثاً أن أغني بعض صور حبك وفتنة عينيك. وآية هذا الاضطراب أنه كان غناء قلقاً حزيناً، في حين تلبث ملهمته إلى الأبد خفقة من الفرح والغبطة. فهلا أشعرتِني أبداً، بأنك هذه الخفقة، وأن العذاب والهم لن يجدا سبيلاً إلى بساطة نفسك بعد الآن، في الرسالة القادمة سوف أرسل إليك قصائد جديدة كتبتها عنك، وقد تعرفين منها الشيء الكثير عن تحوّل تلك الهواجس والهموم إلى إشراق لا نهاية له...
صحتي جيدة. ولكنني لم أستطع استئناف أعمالي العادية بعد ومنها إتمام بوشكين، ولكنني سوف أنهيه هذا الأسبوع في الغالب، وسوف أخبرك عن ذلك. إن موضوع «طبيعة النفس عند أفلاطون» جيد، لولا أنك سوف تضطرين فيه إلى الاهتمام بكثير من الأمور الجدلية «المنطقية» التي أولاها هذا الفيلسوف القديم اهتمامه. وسوف أرسل لك كل ما تقع عليه يدي من مصادر. لقد اتصلت بأسعد فوراً من أجل دفتر الفلسفة اليونانية ولكنه لم يكن في المدرسة، وذهبت إلى البيت فلم أجده أيضاً، ولكنني سوف ألقاه في الليل، وسوف أرسل إليك الدفتر فور حصولي عليه... هل بدأتِ بالدراسة؟ وبماذا بدأتِ؟.
عواطف،
كلما بدأت بالكتابة إليك، تيقظت حولي جميع الأشياء، وامتلكني نوع من الحنين والإرهاف، يجعلني نهبة لكل نسمة ونفحة من صور الطبيعة حولي، أهو اسمك العذب الذي يشيع الحياة والتفتح بأشكال العالم وألوانه فترغمني على التحدث عنها إليك، كما كنت أحدثها أبداً عنك، منذ يومين والضباب يحجب كل شيء في هذه المدينة؛ ضباب يشبه الأردية الواهية التي يسدلها الزمن على الذكريات.. ولكن ذكرى حبيبة واحدة تتمرد على كل شيء، وتمزق كل نقاب، لأنها فوق الزمن، ذكرى؟ بل حياة دائمة وحضور تتوجه فيه عينان دامعتان إلى طريق العودة... تحياتي الحارة إليك وإلى اللقاء.
أين تمضي في الليل مركبة الحب وقد أغلقت عليها الدروبُ واستبدت بها العواصف رعناء، وهبت من جانبها الخطوب وتشكت حوافر الخيل أن يسخر منها هذا المكان الجديب أين تمضي؟ تمضي إلى جنة الأرض إلى حيث كل غصن رطيب حيث ينهال من شفاه الأزاهير نداء.. هنا يعيش الحبيب.
صدقي

***






التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:44 AM   رقم المشاركة : 134
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

حلب 20/ 12/ 1952
الحبيبة ع.
أشواق حارة وبعد
لا أعرف كيف أشكرك على الغصن الأغبر الذي تضمنته رسالتك الأخيرة؛ إن إرهاف نفسك لا حد له؛ وكم أنا فخور بحبك وحنانك. أشياء كثيرة في الحياة لا تبرر ولا تحمل منطقاً، ولكننا نشعر بأنها أجمل ما في الحياة، منها هذا الوجد اللاهف الذي تثيره فينا كلمات بسيطة، أو أشياء صغيرة، لمجرد معرفتنا بأن من نحب هو الذي قال هذه الكلمات أو لمس بأنامله الغضة تلك الأشياء. عندئذٍ يبدو للقلب أن الحب ليس شيئاً يضاف إلى وجودنا، بل هو حقيقة هذا الوجود، وعنصر الحرارة والإبداع فيه. ومن الأعماق يتصاعد إيمان حار كالابتهالات بأن ما سميناه حباً ليس في الواقع إلا الكائن الذي أحببناه، هذه الصورة المجسدة الحية للجمال الذي يحمل بذاته مبررات وجوده، والذي تبدو كل لمحة منه وسمة، إيماءة ترشد خطانا المتعثرة إلى كل ما هو أصيل ورائع في وجود الإنسان. لقد كنت أظن في الماضي، أن الحب تجربة أو حادثة فذة، أستطيع أن أبرر بها حياتي. ولابد للقلب الإنساني أن يبرر خفقاته وجريان الدم فيه. وفكرة الحادثة هذه دفعتني إلى الارتباط بمصير الشعب أحياناً، وبالشعر أحياناً أخرى. ولكن الآلام العميقة التي لم تكن الأشعار التي كتبتها لك، إلا ظلاً باهتاً لها، هذه الآلام، علمتني أن الحياة بأسرها هي تجربة نلتمس فيها التعبير الجميل عن المستحيل أو اللامعقول الذي يكمن في طبيعة الإنسان. والجمال المتيقظ هو هذا التعبير؛ وكم يبعث في نفسي من غبطة أنك الصورة المثلى لهذا الجمال، من أجل ذلك أقول لك دائماً إن الحياة غناء للأشياء. وإيقاع لوجوه الناس، لأنك في كل مظهر من العالم نفحة سحرية تحمل موسيقى طليقة تشعرني بأنه لا نهاية لشيء على الأرض. وكما أن قوة الحياة الكامنة في جميع الكائنات، سرمدية لا نهاية لها، كذلك تهب عاطفتنا التي وجدت الجمال، اللانهاية والحقيقة، لكل ما يبدو محدوداً وزائلاً...
كتبت لك اليوم عن نفسي، لأن ابتعادي عنك علمني أن أنظر في كثير من الرثاء لهذه النفس التي أصبحت الكآبة سمتها وطابع وجودها. السؤال القديم: لماذا توجد؟ لم يعد له معنى؛ بل أصبح همها الوحيد: كيف تستطيع احتمال البعد؟.. وفي غمرة هذا الهم أصبحت تعاني ساعات من الاستغراق العميق الذي لا يوصف، لأنه فوق الفرح والحزن، وأغنى من أعمق الآلام وأجمل المسرات. ومثلما تتلعثم كلمات البوح الساذجة، أمام حقيقة الانفعال الذي يغمرنا بها حنان من نحب، فإن جميع وسائل التعبير تعيا أمام استغراق المحبين. أهي، كما يقول ريلكه الدهشة أمام حقيقة الحياة، لأن العاشقين وحدهم يسيرون في دروب الحقيقة؟..
كيف صحتك في هذه الأيام؟ أما زلت في شحوب واضطراب؟ في هذه الأيام الباردة أقضي معظم الأوقات في المنزل قرب المدفأة، استمع إلى الموسيقى وأفكر في عذاب هذا الوطن. وصلتني الصحيفتان، وأشكرك كثيراً على تكبدك مشقة إرسالهما ـ أثناء مرضك. أرسلت لك في البريد المضمون نوت للفلسفة اليونانية، وقد استعرته من أحد أصدقائي هنا. وبذلك تستطيعين التخلص من دروس العوا. ما يتعلق بالأطروحة أستطيع تلخيص ما تريدين، فأخبريني بما أشار به عليك المقدسي من مصادر أو مخطط؛ لم يكن إهمالي «العزيزة والتحية الحارة» إلا تمهيداً لهذه البداية في هذه الرسالة، فهل تأخذين عليها شيئاً؟..
عن أية إساءة ماضية تتحدثين؟ وأي حنق؟ أشياء كهذه أرجو أن لا أسمعها منك بعد الآن؛ هل يستطيع هذا القلب الذي أعطاه الحب كل شيء، وطهر جوانحه، أن يعرف الإساءة والغضب، في أجمل ما يملك من ذكريات؟..
أرسلك إليك في هذه الرسالة قصائد نظمتها في فترات مختلفة أرجو أن تجدي فيها بعض التسلية، وتغفري أنها لم تزل غير منقحة... تحياتي إلى سمية وشفق والجميع، أسعد يسلم عليكم جميعاً، ويأسف لعدم عثوره على نوته، كما قلت لك...
المساء، ولا تزال غمامات بلون اللهيب الأحمر توشي جوانب الآفاق البعيدة وأنت إلى جانبي، ليتني أستطيع أن أحمل إليك شيئاً مما تنطوي عليه هذه التنهدات.
تحياتي الحارة وإلى اللقاء
أثم أشياء سوى أن أرى = الأبعاد تفنى في الغروب الحزين
وأن تقول لسحب مخضلة = مضت عهود الورد والياسمين
وتنثر الأغصان أوراقها = شاحبة، هامسة، لآت حين
وأشهد الشمس بأطيافها = أشعة فوق الثرى يرتمين
وأن تغني الريح أحزانها = وفي صداها زفرات أنين
يا أوقع الأسماء في مهجتي = إني أناديك فهل تسمعين؟

صدقي

***






التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:45 AM   رقم المشاركة : 135
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

- رسائل عبد الكبير الخطيبي وجاك حسون

أواخر فبراير 1981
صديقي العزيز،
أعود إلى رسالتك (الأولى) بشأن الله والصوت. رسالتك، واسمحْ لي أن أرفع الكلفة بيننا : ما معنى ذلك؟ أهو تحالفٌ، أم تعاقد مع من ومع مَ؟ فيما نحن نتحدث عن الله، الذي هو اسم لميت، واسم لميت لا يمكن أن يعود. وأما أنا فأقترح فكرة مختلفة : أن نقاطع كلام الله بالتنفس بما لا يعود إليه.
إن ما تقول عن التوحيد شيءٌ يهمني، لكن أين، وفي أثر أي شيء غير قابل ليسمى؟ إنني أنقل ههنا عبارتَك، من أجل التقدم باتجاه مباعدة بين الإلهين، وبين الميتيْن (على الأقل) بيني وبينك. ويبدو لي الإفراد الأشد وداً لا يعود إلى أي شخص. إنه في آداب اللياقة يدل على نية في القرب وعلى رغبة غامضة، وأما في ما عدا هذه الآداب، وفي ما عدا هذا النداء الذي يذهب ويعود في إطار من اقتصاد التبادل (مبادلة رسالة بأخرى، وتخلصيها من الصمت الهائل لذينك الإلهين الميتين، والذي ينبغي، مرة أخرى، أن نحول عنه (وخاصة) السلالة، فيما هي تحمل اسمه. وبودي أن أقول لك «أنت»، في منأى عن أي إله ميت أو حي، «أنت» لا يمكنها بأي حال، أن تعود إليك في كليتها.
إنك تعبر عن ذلك التوجه إلى المؤمن : «أنت الذي في اللغة المزدوجة، اقرأ اسمي ولا تتلفظْه (وتلك هي علاقة اليهودي بالأحرف «ي.ه. و.ه». أنت الذي في اللغة المزدوجة، لأنك حملت اللغة، تأمل الكتابة ولا تتخيلْ (وتلك هي علاقة المسلم ب «الواحد» وبالأثر)».
لست أدري هل تعمدتَ أن تقول ما قلت، أم أنه كذلك مكتوبٌ، فلقد أجدت القول : «أنت الذي». فأنا أراها تترجم القصد و/أو الحذف المثاليين : إنه رفع للكلفة توجِّهه علامة المحايد. وهو ما يشجعني على التقدم نحو قصة ذينك الإلهين واختلافهما، بالنظر إلى أن أصغر اختلاف وأقربه هو، في الوقت نفسه، الأكثر سطوعاً، وكثيراً ما يكون الأشد عنفاً. إن هذه الحكاية الإلهية شيء فائقٌ، ولاشك أنها ستأخذ بأيدينا (اليد المزدوجة) لتقودنا حسب ما تشاء : يد زائد أخرى، يد ناقص أخرى، وتبادل من غير تبادل، واللغة الواحدة.
يغمرني انفعال غريب إذا كتبت الأحرف «ي. ه. و. ه»، وإن عدم التلفظ بها هو، كذللك، شيءٌ من صميم اللغة العربية، التي تكاد، ههنا، تصير صامتة؛ فهي تتنقل عبر لغة مشتركة، ولا تعود لا إلى إلهك ولا إلى إلهي. لغة واحدة، بعد أن ألغيَ برج بابل (إنني أتسلى قليلاً).
وقد يقول آخر إنها غرابة مألوفة، وربما كان ما يثيرني في سؤالي إلى اليهود (وأؤمل أن يكون من غير تضييق) هو أن المسلمين واليهود يكتبون في الكتاب الواحد، من غير أن يعلموا. الكتاب بما هو حكاية عجيبة عن الواحد. ومن غير أن نترجم نوعاً ما كلام إله بإله آخر، يبدو لي من البديهي جداً (وهذه فرضية أقولها بابتسار) أن متخيل هؤلاء التابعين هو سؤال للحرف؛ أقصد أن الكلمة هي المتخيل نفسه، شكل خط وخطاطة الجسد ممثلاً في بعض أنسجة الذات المنفصلة، المرغمة على الاحتفال بالصورة الغائبة بالكلام، وتجريدها، وهندستها في غياب كل وجه، فهو الموت. الصورة التي تختم الكلمة. شيء ما يبدو لي بحاجة إلى حفر في هذا الجانب؛ هناك حيث الصورة المحظورة (من طرف اليهودية والإسلام، كلاً على طريقته)، هناك إذن؛ حيث تلغي نفسها في إنكارها [للآخر]. لا يمكنني أن أومن. فأنْ أقدم جثتي إلى إله غير مرئي أراها فكرة خرقاء. فكرة (هبة) فوق المعتاد. وهلوسة قد صيغت في قصة طويلة. فبعد كل شيء، ليس لليهود والمسلمين من خيار. الكلمة تؤول إلى صورة، والصورة تنتهي إلى كلمة. وفي هذا القلب مكمن مأساتهما.
إنك تذكرني باستعارة العمي المدهشين لدى اليهود الشرقيين، فأولئك اليهود يستحوذ عليهم الكلام الإلهي. وبودِّي لو تحدثني طويلاً في الأمر. إن الواحد منهم يسمى «البصير» (الرائي)، وهذه الكلمة هي من صفات الله الكبرى... مثل هذه الاستعارات الهلسية تحضر في مجموع تاريخ الإسلام، إلى حد أن الزاهدة ربيعة العدوية، بعد أن أنهكها الزحف على ركبتيها حتى مكة، تقول إن الكعبة نفسها تجيء إليها (الصورة تنقلب في الشطح الصوفي : الحب المجنون). وقد كانت تقوله، وقد كان يكفيها : فلم تكن بها حاجة لترى : إن الكعبة عندها هي وحدة الصورة، والمرئي واللامرئي في اسم واحد.
قصة تبدو، قد تبدو، شيئاً مبهماً لأولئك الذين يفكرون بمقولات أخرى. لكن نصك «التلهف الصوفي» ربما أتاح لي الفرصة للحديث في هذا الأمر. إنني أوافقك الرأي أن فكراً فوصوفياً قد بات أمراً لازماً أكثر من أي وقت مضى. لكن من العسير جداً إنشاؤه. قرأت نصك. أقرؤك؟ بين أي لغة ولغة؟ الفرنسية، لغتنا المشتركة، لكي ندور من حول وخارج الكلام التوحيدي، ومن حول وخارج سؤال الواحد، اللاهوتي، والمتصوف، والفلسفي؟ فيا له من عمل عجيب!
انحراف : أن نفكر (أخيراً) نهاية الكتاب بالكتابة لأجل لاأحد، وإلى لاأحد، من خلال لغة «وسيطة»، تتعدى كل برج لبابل تم إلغاؤه. ووسيطة، كذلك، هي صورت «نا» عن المسيحية المصوَّرة في الجسد المسيحي في تمثيله الثالوثي. وإن يكن هذا الثالوث إنما يعود إلى زمن متأخر، إنه ابتكار للاهوت المسيحي الدوغمائي. في الصور الثلاث للوحدانية، نرى تحطيماً وبناء لصورة متشذرة للآلهة الوثنية. فرضية أخرى، أقولها مرة أخرى في ابتسار. إنني أكلمك، وأكتب إليك من غير أن أتفكر في العواقب. بلى، إنني خاطبك بالمفرد.
ع. الخطيبي

***







التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:46 AM   رقم المشاركة : 136
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

الرباط، 18 يناير 1982
عزيزي جاك،
أمكنني، أخيراً، أن أقرأ مقال لاغاش عن التعددية اللغوية، والذي يعود إلى سنة 1956 . لقد تناول فيه، بكثير من البيان، مسألةَ العلاقة بين التحليل النفسي واللغة الأم، اعتماداً على كرافت وكتابه «اختيار اللغة وتحليل التعدد اللغوي». هل تعرف بهذا الكتاب الأخير؟ يبدو أنه كتاب ذو أهمية، حسب ما يفيدنا الملخص الذي وضعه له لاغاش.
فقد كتب : «يبدو من التصورات الرائجة، أن التحليل ينبغي أن يتناول اللغة الأكثر قابلية للتحليل، وما تلك، لزوماً، إلا اللغة الأم، اللغة الأولى التي يتعلمها الإنسان. ومن الممكن أن الدخول في الصراعات القديمة والبالية يساعد عليه اللجوء إلى اللغة الأم، فأما من الناحية التقنية، فإن التحليل سيقتضي أن يكون من يحلل لغة من اللغات مجيداً لهذه اللغة». وبناء عليه، فإن لاغاش يكون ههنا يضع تركيباً لمقترحات كرافت : «... إن لجوء المريض إلى اللغة الأم يمنحه إمكانية كبرى للتعبير عن نفسه، ولو كان في هذا الأمر ما يخل بالتواصل مع المحلل، لكن يمكنه أن يصطدم ببعض التعارضات العتيقة البالغة القسوة، وأما لجوء المريض إلى لغة أخرى ثانية مكتسبة، سواء أكانت له لغة استعمالية أو لغة ثقافية، فإنه يمنحه إمكانيات كبيرة لقمع [ذاته]، سواء بما يقع له من الابتعاد عن انفعالاته واستيهاماته، أو بما يقع له من الاستلاب في مثال للذات «غريب»، وربما مكن له اللجوء إلى لغة ثانية، كذلك، أن يقارب عصاباً نفسياً لن تسعف على تناوله اللغة الأم. وبذا، تظهر مؤشرات تقنية لاختيار اللغة، أو تغيير اللغة في أثناء التحليل». وسأعود، في ما بعد، لأستشهد من هذا المقال، بتتبعه عن كثب. فهو مقال كثيف، قد حشد في صفحاته المعدودة مقترحات تبدو لي أساسية. وأما أنا، فلم يسبق لي أن خضعت للتحليل [تصريح تقتصر صحته على ما قبل هذا التاريخ]. لكني أحسني شديد الانخراط في هذه التأملات.
إن كرافت متعدد اللسان (فهو يجيد أربع لغات)، ولاغاش يقول إن اللغة الأنجليزية هي التي تسعفه في أن يقوم بالتحليل في لغة أخرى غير لغته الأم. وتلك وضعية مزدوجة اللسان، لكنه يصرح، في الوقت نفسه، إن معرفته النسبية باللغة الألمانية واللغة الإسبانية تسمح له بأن يستعمل، في بعض الأحيان، تعددية لغوية شذرية، ومحدودة النطاق.
فما هي المشاهدة التي تصير ممكنة في هذه الحالة؟ أسوق من هذا المقال كذلك : «فأما من ناحية اختيار اللغة، فيمكننا أن نميز بين عدة «وضعيات لغوية». في الوضعية الأشد مألوفية، تكون لغة التحليل هي اللغة الرئيسية، عند المحلل، لا عند المحلَّل. وأما في المشهد الثاني، فيسوق لاغاش عدة أمثلة، نرى فيها كيف أن اللغة الأم التي لا تعود تقاوم، ولا تعود بعد سرية، وهي تعود إلى الينابيع، فهو يؤكد على «بداية جديدة». وأما في المشهد الثالث، فيضرب مثالاً بتحليل أثير عليه؛ «النبر الفرنسي في اللغة الأنجليزية»، نوع من الافتتان بالرطانة الأنجليزية، وزواج لغة بأخرى. وفي المشهد الرابع والأخير، يتحدث «عن الدفاع عن طريق عزل المؤثرات وتحييدها»، لكن، كذلك، تظهر لغة المحلل في صورة «لغة للحب».
لن أسوق ههنا المقال كله (فقد أعيد نشره مؤخراً)، لكن هاك الفرضيات التي دافع عنها هذا المحلل النفسي المأسوف عليه : «في التحليل المتعدد اللغة، لا ينبغي اعتبار اختيار اللغة والانتقال من لغة إلى أخرى مجرد عمليات ضبط موضوعية للتواصل اللفظي؛ بل إنها تترجم حركات من المقاومة، والنقل والحياة الاستيهامية للمريض. وربما كانت اللغة الأم، لشدة قربها إلى التنازعات البدائية، هي وحدها القادرة على إتاحة الولوج الكامل إليها». بيد أن طبيعة هذه الصراعات نفسها، يمكنها أن تلفظ اللغة الأم، أو «تمنع» من استعمالها. وأما لغة الانتقاء فهي الأنا المثالي، وهي تحفل، بصفتها تلك، بإمكانيات كبيرة للدفاع والهروب. إن لغة الاستعمال تتيح، في كثير من الأحيان، الإمكانية لإقامة تسوية واقعية. فلو أن مريضاً متعدد اللغات قد حصر نفسه بصرامة في اللغة التي درج على استعمالها، سواء أكانت لغته أو لغة المحلل، كان ذلك الامتناع يوافق انغلاقه أو امتناعه. ولو كان أكثر مرونة، أو لو صار أكثر مرونة، بما يخدم العلاج، فيمكننا أن نشهد عودة للغة الأم، وأن تصير تنازعات فترة الطفولة، في الوقت نفسه، أكثر قابلية للفهم والاستيعاب... إن العودة إلى اللغة الثانية، التي ليست هي اللغة الأم، أو اللغة الأفضل استعمالاً، يتيح، على الدوام، إمكانية للدفاع، لأن كلماتها لا تواكب إلا قليلاً من التداعيات، وقليلاً من المؤثرات. لكن لا يقتصر أمرها على ما ذكرت، فإذا اتفق أن كانت هي لغة المحلل، فإن استعمالها ربما كان، كذلك، محاولة للتقرب، وطلباً للحب. وعليه، فإن التعدد اللغوي عند المحلل يسعفه في التلاؤم مع مختلف أوجه شخصية المريض، وفي مختلف فترات حياته . «فماذا ترى؟ أعلم، لقد قرأت كتابك «شذرات اللغة الأم»، ثم ماذا؟ إنني إن كنت أحدثك عن هذا المقال، فلأنه يثير اهتمامي، بحتمية الأمور، لأجل مهنتي : الكتابة، محاولة أن أكتب لا ما ندعوه مسكوتاً عنه فسحب، بل وإظهار سابقية للتماثيل والمظاهر، تتجاوز كل مفهوم للأصل. كتابة بدون موضوع، وإذا كان الموضوع سراً، فهو مثل السر، بمعنى أننا لا يمكننا أن نقول عن السر إنه هذا، أو ليس هذا، أو إنه مخفى، أو متجل كلياً، بالعكس، أو إنه قابل للقول، أو متعذر القول. عن السر : انبثاق التمثال. وإن هذا الاصطناع الخفي، تحديداً، أن نكتب من غير موضوع، ومن غير أن نعود إلى الينابيع، وطرد للعائدين، والأسماء بطريق الجمع أو التفريق، وكل الكيفيات، أن نكتب من غير موضوع، بكل اللغات، وشذرات اللغات (المتوهمة). لاشيء يعود، وإن عاد، فليس في صورة دائرة : ميتافيزيقية، أو لاهوتية، لا يهم! إن ههنا شيئاً من أنت، وما يشبه الصمت في الصمت، صمت يتظاهر لكي يتكلم عن لاشيء، ولكي لا يبلغ شيئاً.
وعليه، فإنني أرى فكرة الطرس نفسها، تناسب هذه المحاولة لاستباق التماثيل من أجل ألا نعود إلى الأصل. فما اللغة بالأمومية، ولا بالأبوية، كما هو القانون. لم أوضح وجهة النظر هذه، للانتقال من القانون إلى اللغة الأم. وأكثر من ذلك، إنني على اقتناع أننا ينبغي لنا، ونحن بصدد المشكلات المتعذرة الحلول، أن نستمسك بوضوح يعاني، وقد عانى، وأن نتخفف من كل ثقل أصلي، وننذر أنفسنا لفكر آخر ينبثق.
لذلك، كان مطلع هذه السنة خيراً عليَّ. وتذكر اليوم الأول للقائنا؛ فقد أهديتك كتيبي عن «ألف ليلة وليلة ثالثة». كانت إشارة. وإن مبدأ شهرزاد، الذي حاولت أن أحلله، أجد له أشباهاً ونظائر عند ذلك الكاتب الاستثنائي، أقصد موريس بلانشو. وأما من جهة أخرى، ففي كتابه «حوار لامتناه»، التقطت ما يلي : «... أن تتكلم أو تقتل، فالكلام لا يتمثل في الكلام، بل يتمثل أولاً في إطالة حركة الأوْ، فهي التي تؤسس للتناوبية، بأن نتكلم دائماً انطلاقاً من ذلك الفاصل بين الكلام والعنف الجذري، الذي يفصل الواحد عن الآخر، مع الإبقاء عليهما في علاقة تعاقبية» (ص. 88). وقد قرأت، في ما بعدُ، ذات مساء، قصة للكاتب نفسه، هي الموسومة «السامق»، وهي تنتهي بهذا المشهد المروع : «وإذن، فقد جثا، واستل مسدسه. ثبتت الفرضة التي يتسلل منها ضوء النهار. كانت تنظر هي أيضاً إلى السلاح، فكنت أعرف أنها طالما لم ترفع عينيها، سيكون لدي متسع من الوقت. أبقيت عيني مغمضتين، لا أسمع شيئاً. بتؤدة، انتصب السلاح. نظرت إليَّ وابتسمت، وقالت : «إذن، وداعاً». حاولت أن أبتسم، أنا أيضاً. لكن فجأة، تجمد وجهها، وامتدت ذراعها من العنف، حتى لقد قفزت لأصطدم بالحاجز، وأنا أصرخ : - الآن، الآن أتكلم».
نعم، إن مطلع هذه السنة يبتسم لي. وفرحة، فرحة مسحورة تأخذ بي لهذا الخيار. إنني أشتغل وفق فكر مختلف، فكر ما هو بالحكيم ولا المجنون، نوع من فلسفة الزندقة، والطيش الفادح للأشياء أو الشخصيات أو الأشخاص الذين يشيرون إليَّ. إن الكارثة الأورفية ستقع، وأنا أعيش، وأكتب ثملاً من «ألف ليلة وليلة رابعة». ذلك هو المستجد الذي تحمله إليَّ هذه السنة. أحييك.

***











التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:48 AM   رقم المشاركة : 137
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

باريس، 28 يناير 1982
عزيزي جاك،
وصلتني رسالتك الأخيرة لحظة أن طُلِب مني أن أتوجه إلى كبيك لملاقاة بعض زملائي المحللين النفسيين. فها أنذا أبعث إليك بهذه الأسطر، قبل ثمان وأربعين ساعة من مغادرتي لفرنسا. وقد عدت، في أثناء ذلك، إلى قراءة رسالتك مرات كثيرة كأنها معلم يهديني السبيل التي فيها انخرطت. ثم أنني لم يكن في نيتي أن أتحدث، خلال هذه الرحلة، عن اللغة، بل حررت نصوصاً عن أشكال الفساد المؤسسي، وعن فرويد، وكلمته الروحية الأخيرة (موسى والوحدانية)، وفي الأخير عن المسيرات والمسارات التي يبدو أن الأحياء إليها منذورون.
سنكون، حسبما تقول، في ما يتعلق بالتأويل (في نص لا أجد له بعد مرجعاً...) بصدد «مباعدة تمزيقية في في صميم المتعة التي تقيمها الكلمات في ما بينها أثناء الانتقال من لغة إلى أخرى».
فأي صلة تقيمها بين ذلك التمزيق وبين الفرضية النظرية التي جاء بها لاغاش؟ يبدو لي إن هذا الأخير يطرح مسألة ما أسميه «جن اللغة»، التي يطيب لي أن أتصورها في شكل إيروس من البرونز جاثم فوق عمود مقام في موقع كان لقلعة دُكت، لكن اسمها سيظل يُتناقل بفضل ذلك النُّصب. إن جن اللغة يصدر عن تلك اللااختزالية التي تحدثت عنها. لكن ما سبيلنا إلى أن نسمع هذا الجن، ما لم نقم بانتقال يخلق النسبي بفتحه إمكانية الكتابة، انطلاقاً من شذرات يعاد ابتعاثها على الدوام في المتاجرة مع الآخر. ثم أليس هو صمتاً رهيباً في الأحادية اللغوية المطلقة؟ وأخيراً، هل تكون الأحادية اللغوية المطلقة شيئاً قابلاً لأن يُتصور؟ أشك في ذلك.
شيء آخر : لقد أردت أن أقول لك إن لقاءنا في الرباط قد مكنني أن أربط ما كنت قد تركته جانباً خلال بضع سنوات، وأن أنتهي منه، كذلك، بشيء من الالتصاق. فلقد خرجت من الرباط شديد التأثر من اللقاءات التي أجدتَ في حبكها وتنطيمها. فهذا جعلني أقرر أن أنشر نصاً في «المجلة الفلسطينية»، وذلك شيء كان يمكنني أن أقوم به في غير ما إدراك ولا قصد منذ عشر سنوات. فأنا اليوم أنجزه... اليوم في تأن وبطء شديدين.
وبشأن لقاء الصعود، فإنني أركب رهاناً أن أجمع أشخاصاً قد توفرت لديهم تجربة الكتابة. ويتمثل التعاقد في أن يأتي كل واحد منا بنص قد كتبناه سلفاً، ويكون يستشرف نقطة الوصول التي نؤمل أن يكون حديثنا منها. وينبغي أن تكون العروض والمداخلات شديد القِصر، لكي تفسح المجال للنقاش. وسوف نخصص اليوم الأخير من ذلك اللقاء لجمع (التقاط) القصاصات، وربما قمنا بتوزيعة جديدة، لأنني أتصور لتلك القصاصات أن تكون هي نقاط الالتقاء (التي أتوقع أن تكون كثيرة) بين المشاركين غير المتجانسين. ولك أن تتصور مدى حرصي على أن تشاركنا هذه التجربة (التي ليست، كذلك، بالغريبة عن لعبة «الجثة اللذيذة»... وقد زحزحت درجة).
سأعود الآن إلى ما كنت فيه من عجلة. إنني مضطرب قليلاً على الدوام، بفعل تلك الأسفار. لكني صرت أجدها تزداد لي لزوماً بتوالي السنين. ولربما حدثتك في رسالة قريبة عن كتاب، «جان ذات الكلاب»، فلقد أثارني كثيراً.

***







التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:49 AM   رقم المشاركة : 138
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

باريس، 28 يناير 1982
عزيزي جاك،
وصلتني رسالتك الأخيرة لحظة أن طُلِب مني أن أتوجه إلى كبيك لملاقاة بعض زملائي المحللين النفسيين. فها أنذا أبعث إليك بهذه الأسطر، قبل ثمان وأربعين ساعة من مغادرتي لفرنسا. وقد عدت، في أثناء ذلك، إلى قراءة رسالتك مرات كثيرة كأنها معلم يهديني السبيل التي فيها انخرطت. ثم أنني لم يكن في نيتي أن أتحدث، خلال هذه الرحلة، عن اللغة، بل حررت نصوصاً عن أشكال الفساد المؤسسي، وعن فرويد، وكلمته الروحية الأخيرة (موسى والوحدانية)، وفي الأخير عن المسيرات والمسارات التي يبدو أن الأحياء إليها منذورون.
سنكون، حسبما تقول، في ما يتعلق بالتأويل (في نص لا أجد له بعد مرجعاً...) بصدد «مباعدة تمزيقية في في صميم المتعة التي تقيمها الكلمات في ما بينها أثناء الانتقال من لغة إلى أخرى».
فأي صلة تقيمها بين ذلك التمزيق وبين الفرضية النظرية التي جاء بها لاغاش؟ يبدو لي إن هذا الأخير يطرح مسألة ما أسميه «جن اللغة»، التي يطيب لي أن أتصورها في شكل إيروس من البرونز جاثم فوق عمود مقام في موقع كان لقلعة دُكت، لكن اسمها سيظل يُتناقل بفضل ذلك النُّصب. إن جن اللغة يصدر عن تلك اللااختزالية التي تحدثت عنها. لكن ما سبيلنا إلى أن نسمع هذا الجن، ما لم نقم بانتقال يخلق النسبي بفتحه إمكانية الكتابة، انطلاقاً من شذرات يعاد ابتعاثها على الدوام في المتاجرة مع الآخر. ثم أليس هو صمتاً رهيباً في الأحادية اللغوية المطلقة؟ وأخيراً، هل تكون الأحادية اللغوية المطلقة شيئاً قابلاً لأن يُتصور؟ أشك في ذلك.
شيء آخر : لقد أردت أن أقول لك إن لقاءنا في الرباط قد مكنني أن أربط ما كنت قد تركته جانباً خلال بضع سنوات، وأن أنتهي منه، كذلك، بشيء من الالتصاق. فلقد خرجت من الرباط شديد التأثر من اللقاءات التي أجدتَ في حبكها وتنطيمها. فهذا جعلني أقرر أن أنشر نصاً في «المجلة الفلسطينية»، وذلك شيء كان يمكنني أن أقوم به في غير ما إدراك ولا قصد منذ عشر سنوات. فأنا اليوم أنجزه... اليوم في تأن وبطء شديدين.
وبشأن لقاء الصعود، فإنني أركب رهاناً أن أجمع أشخاصاً قد توفرت لديهم تجربة الكتابة. ويتمثل التعاقد في أن يأتي كل واحد منا بنص قد كتبناه سلفاً، ويكون يستشرف نقطة الوصول التي نؤمل أن يكون حديثنا منها. وينبغي أن تكون العروض والمداخلات شديد القِصر، لكي تفسح المجال للنقاش. وسوف نخصص اليوم الأخير من ذلك اللقاء لجمع (التقاط) القصاصات، وربما قمنا بتوزيعة جديدة، لأنني أتصور لتلك القصاصات أن تكون هي نقاط الالتقاء (التي أتوقع أن تكون كثيرة) بين المشاركين غير المتجانسين. ولك أن تتصور مدى حرصي على أن تشاركنا هذه التجربة (التي ليست، كذلك، بالغريبة عن لعبة «الجثة اللذيذة»... وقد زحزحت درجة).
سأعود الآن إلى ما كنت فيه من عجلة. إنني مضطرب قليلاً على الدوام، بفعل تلك الأسفار. لكني صرت أجدها تزداد لي لزوماً بتوالي السنين. ولربما حدثتك في رسالة قريبة عن كتاب، «جان ذات الكلاب»، فلقد أثارني كثيراً.

***







التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:50 AM   رقم المشاركة : 139
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

الهرهورة، 10 أبريل 1982
عزيزي حسون،
أجيبك إذن إلى رسالتك ليوم 28 فبراير (الأخيرة)، فيما أستعد، أنا أيضاً، للسفر إلى الولايات المتحدة. أحس كأنني نقِلتُ، بخفة، بين ثلاث قارات؛ ذلك بأنني قد عدت من باريس منذ وقت قريب.
في هذا الصدد، تستثير خيالي استعارة طفوِّ القارات تستثيرني. وحتى لقد قرأت لبعض المتخصصين في هذا المضمار؛ وإخال أن القارات توجد في منعطف من تاريخها. والحقيقة أنني انجذبت، وليس بطريقة روائية فحسب، إلى الظواهر الطبيعية الهائلة، من قبيل الزلازل. ولكي أعود إلى استكمال الحديث بشأن جني اللغة، الذي تتحدث عنه (والإيروس البرونزي)، سأقول لك إنني أريد أن أبتدئ، ذات يوم، قصة عن أحد الشعراء الذين أحبهم في موضوع هذه الاستعارة. فأشرح، وأسوق الطرفة. وقد أهدتني صديقة هايتية علبة فودو، قد حوت، في ما يبدو، جني الزلزال. ولا حاجة بي أن أقول لك إنني نادراً ما أفتح تلك العلبة. أحياناً، أنظر إليها بريبة وحذر. ومع ذلك، فإن تلك العلبة قد تكون هي ذلك «الجن الودود» الذي تحدث عنه غوته.
هذه الرسالة ستكون وحيدة، ضائعة.
أكتب قليلاً جداً هذه الأيام. أشعر أني بحاجة إلى استراحة. لقد أعطيت الكثير للكتابة، من غير أن أعرف ماذا أعطتني على وجه التحديد. لقد صرت الآن، أكثر من أي وقت مضى، أرتاب في قوتها التدميرية، إنني أذرع أراضيها الملغمة. أن أمضي متئداً، نعم، أن أنضج مع اللغة، وأشيخ معها، نعم، أن أبحث وأبحث، عن النشيد الذي خرس. فتراني، قبل أن أنام، كثيراً ما أقرأ قصيدة، وكأن الشعر سيسهر على منامي، ويرعى أحلامي، وينحت في نسياني شكل البحث عن تلك الأحلام.

***











التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:52 AM   رقم المشاركة : 140
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

أكتوبر 1982
عزيزي عبد الكبير،
لقد حاولت، في بعض الأحيان، أن أتصل بك خلال مقامك في باريس، فما أفلحتُ. ولقد أسفت للأمر كثيراً. إن ذلك اللقاء مع سيرتو، ذات مساء، في بداية الخريف، يختزن لي الحرارة الودية للالتقاءات الأخوية.
لكني رجل ميلادي. لذلك، كنت أتمنى في ذلك الصباح الغائم من شهر أكتوبر، بعد ليلة قصُرت بفعل حلم غريب، رأيت فيه القاهرة، ولندن، ونيويورك، وباريس، والرباط والإسكندرية، وقد صارت أحياء في مدينة واحدة، أن أحتفل بلقائي الأول بالمغرب.
وسيقيض لي أن أكتب إليك من جديد.
وكذلك، سأقرأ لك بمتعة.
طابت أوقاتك
جاك حسون

***







التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:53 AM   رقم المشاركة : 141
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

يناير 1983
عزيز الخطيبي،
أمضيت بضعة أيام في البندقية، التي سحرتني بكل شيء فيها. فقد رأيت فيها بعض العائدين (آخر سلالة أباطرة بيزنطة : كلا! فما أنا بالمتهلس، على الرغم من أن عرضهم كان مهلسة)، فوعيت بحبي المتعدد للبقايا.
وسوف نعود بالحديث إلى هذا الأمر.
في انتظار أن أقرأ لك عن قريب
جاك حسون







التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:57 AM   رقم المشاركة : 142
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

مالطا، عيد الفصح 1983
عزيزي عبد الكبير،
إن مرورك بباريس يتمد ههنا. بفعل أسماء المدن، لكن وكذلك، لأن باسكال تنكب على تصحيح الكلمات المنقولة حرفياً في مداخلتك. وهي مداخلة تظل، برغم الزمن، محافظة على قوتها. نعم، ينبغي لنا أن نعود إلى استئناف تراسلنا. وأقترح عليك، لاستئنافها، هذه الصورة.
لقد وقعت، إذ أنا في مارسا، على المقبرة المسماة تركية. تلك المقبرة التي تضم المقبرة اليهودية والمقبرة الإسلامية (فالناصريون يعتبروننا جميعاً أتراكاً... أي مملوكين للديوان الإمبراطوري!). ورأيت القبور اليهودية مولية رؤوسها قبَل الشرق، والقبور الإسلامية قبَل الجنوب الشرقي.
ولو قيض لمراسلاتنا أن تُنشر ذات يوم، فإنني أقترح أن نسميها «الدرجة 45» : نجمية كتابية غريبة ترسم الحضور والتلاشي، والعربسي والمسماري؛ تختلط فيها المعرفة، والكتابة والقراءة في وصية لا تنعدم فيها المتعة : (هل تتذكر، في هذا الصدد، اللقاء الذي كان لي بزملائي من القاهرة من طائفة القرائين؟).
إننا نشترك في الانشغال بالاختلاف والمتعة التي نجدها في الدهشة نجدها في كلام النساء.
جاك حسون

***











التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 01:59 AM   رقم المشاركة : 143
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

- رسائل عبد الكبير الخطيبي وجاك حسون

تابع

الرباط، 19 أبريل 1983
صديقي العزيز، أكتب إليك في عجالة، وإيجاز، رداً على إشاراتك التي أرسلتها من مالطا. ويقول المثل الشعبي الفاسي : «الله يجيبك إلى مالطا بلا فراش ولا غطا».
لكني موقن أنك تستطيب الحرارة.
بلى، بلى، إن مراسلاتنا قد لقيت نوعاً من الاعتراض، وإن أعد له في مكان آخر. ثم إنني أود أن أبقى ملتزماً الرسائل الأولى، وملتزماً الاتفاق الأصلي، الذي هو اتفاق على قدر كبير من الخصوصية، لأن ما سنكتب يكون، مسبقاً، كتاباً مفتوحاً، أو كتاباً عمومياً، وكأن خصوصية علاقتنا ينبغي أن تعرض أمام الكتابة، وأمام شكل من التخيُّل الكتابي.
لم أعد قراءة رسالتك في الوقت الحالي، وإنما أجيبك بوحي دافع لا يقاوم. إن تلك الصورة، صورة المقبرة تستدعي لديَّ أسئلة كثيرة عن طوبوغرافيا الموت. ولقد وددت لو تكون المقبرة الإسلامية ماتت في نفسي، وأن توقع منقوشتي (وذلك شيء حدث من الناحية الوظيفية) في مكان غريب عني، اللغة الأجنبية. لكن الأمر يلح، ولا أستطيع فعل شيء. وإن ثمة ذكرى تعاودني عن مقبرة يهودية في الجديدة، المدينة مسقط رأسي. فقد كنا، إذ نحن أطفال، نقصدها لنسرق من القبور رفاتها. فنحن نسرق تلك الرفات، ونعيد بيعها، أو نصنع منها ألعاباً بريئة أو مرعبة، لعبة ببقايا أولئك الذين لن يبقوا. لكن نعود ? بواسطة النص ? بيننا، ومعنا أصدقاء أخرون، من أصل يهودي.
والحال أن دائرية الموت المزدوج والحياة المزدوجة، الانشقاق الأصلي الذي قام به النبي محمد، أجده ثانية في استيهاماتي. لكن هاك كيف أشتغل على تلك الاستيهامات : تارة أفكر الماوراء (البقاء أخيراً) كعمل قد تم وتحقق : أن أنزل (أكتب بالأحرى) الجنة والنار في صورة مثالين ينبغي طردهما من على الأرض (ومن ههنا مصدر ذلك المجهود الباطل لجعل الماوراء، ما وراء لانهائية اللغة) : أو، وأحياناً، وبالموازاة، أن أغير المكان المتخيل للموت، أو بالأحرى الوفاة؛ كأن أفكر، مثلاً، مع الطاويين، في الفراغ الذي يفصل بين «الين» و»اليانغ». عمل الموت كتنسيق للأشكال، لعبة تحاول أن تغوي الحياة، وأن تتركها تقيم حيث يمكن لها أن تندفع في جنونها، وفي عتهها (وإنها لكلمة غريبة، هذه «العته»!).
كنتَ في مالطا. فهل وجدت أشكالاً منسية لذلك الظاهر اللاشكلي، تلك الرطانة التي تميز تلك الجزيرة (فما أكثر المعارك والصراعات المجمدة هناك، تلك الإشارات التي ترسلها إلي)؟
شيء آخر : إن اليهود (الفرنسيين) اليساريين يدعونني إلى المشاركة في ندوة يعقدونها أواخر ماي. وسأقبل دعوتهم، وسأشتغل وإياهم. أحييك، وأشكرك بما أرسلت إلي من البطائق البريدية الموحية شديد الإيحاء.
ع. الخطيبي

***









التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
قديم 01-12-2014, 02:00 AM   رقم المشاركة : 144
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: ،،رسائل الأدباء،،// تجميع أ/ نقوس المهدي

باريس، 7 ماي 1983
عزيزي عبد الكبير،
لقد التهمني الوقت، وكأني سجين في فضاء كروي لساعة دقاقة يتغير على وقعها القدر. ففي بعض الأيام، يفزعني ذلك التدمير البطيء، إلى حد أنني قد حلمت أن «شيخوختي» تكلمني في صورة كائن حي. حقاً إن ذلك قد حدث لي بعد نهار منهك، قد كرسته لتنقيح مداخلتي عن «الصحراء»، تلك الكلمة التي انتهى بي الأمر إلى أن أتصورها، مجازياً، في صورة عطفة لا يمكن لأحد أن يستغني عنها، لكي يستطيع الخروج من أسطورة الأصول ومن بلاها وعتاقتها.
إن اجتماع هاتين الصورتين المفارقتين قد تركني في حلم، جعلني أحلم.
إن اعتراض مراسلاتنا قد حدث بالفعل، كما قلت. لكن من بمقدوره أن يعرف نقطة الاصطدام في سلسلة اللقاءات الدالة التي مكنتني من أن أضع بعض توقيعاتي، لا في أسفل الرسائل، بل على نحو ظاهر لائح؟
ربما أحكي لك، في يوم من الأيام، عن لقائي بشيخ شيوعي مصري، يحمل شبيهاً باسمي حسونة، واسمه الشخصي محمد، قد عرف ستالين وتروتسكي سنة 1922 في جامعة شعوب الشرق في باكو.
إن مثل تلك اللقاءات يحمل علامة، لا الصدفة وحدها، بل يحمل علامة حتمية تتجاوز اللغة، وتتجاوز تمتماتنا الأولى. ومن ههنا تأتي نظرية الدال، بما هي حاجز، وواقية (من اللاوعي «الجمعي» وظلاميته).
فأي ميراث يسمح لي اليوم، بالقول إنه من غير «يهوديتي» لن يكون بمقدوري أن أسمع عربيتي، وإنه بدون عربيتي، لن تكون يهوديتي إلا شيئاً باطلاً. ولا اعتبار بحشد الصور القادمة من أغوار التاريخ، ولا بسحر السياسة.
إنني أعزو، بالفعل، إلى هذا المسار أو ذاك أنه مكنني من تكوين ما أعتبره ميراثاً وشيئاً اقتتاحياً معاً... لكن ربما كان رفضه البات شيئاً وهمياً، وجسوراً وغير مجد معاً.
إننا في هذه الرسائل، نفتح قليلاً باب قصصنا. وأعتقد إنها تدفعنا إلى الاشتغال كثيراً (بغير وعي منا). ولقد سمحت لنفسي أن أقول «نحن»، حيث كانت «أنا» تتكلم.
فهل هي الدارجة الإسكندرية تعود في لبوس الفرنسية لتتسلط عليَّ؟ أم تراني أعزو إليك هذا الإلحاح الذي أحسه وقاداً في دخيلتي؟
سأراك عن قريب في باريس. وسيكون لي هذا الأمر مبعث سرور كبير.
أحييك
جاك حسون

***






التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط