|
|
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
27-02-2015, 08:57 PM | رقم المشاركة : 1 | |||
|
رواية " هبل " في خمسة فصول ... فوزي الديماسي - تونس
نافذة النص يبدأ نقطة ضوء ويكبر، فيكبر معه الأمل، وأنا مع نصي هذا أجدني كمن ستضع مولودها غير مستقر، أضطرب بين السكينة والصخب، أراوح مكاني بين الخوف والرجاء، فليغفر لي الأصدقاء زلة القلم .... الفصل الأول ينخر السؤال قيعان الروح ، وتضرم فتنة القول ألسنة الحيرة ، دم البلاد يرتق بيد مرتعشة جماجمه ، والدرب على عادته مكتنز السقطات، رجل متأبّط همّه يمشي على شوك السؤال ،أطفال البلد يداعبون "خبزهم الحافي"، وأحلامهم العارية تلاعب حبّات حلم ثخين ، شيوخ كما العمر يضاجعون أرذل اللحظات ، صبايا الحيّ وشبابه في غفلة من المخالب يرسمون على جدار الأمنيات صورا للدم والنخيل . يرتدي الرّجل المكلوم أفكاره الصاخبة ، يسير والحائط بحثا عن مقهى يواري رؤاه، سار بين جبال المزابل المتثائبة ، والقطط المتسكّعة ، مشى كئيب الخطوات زمنا لم يقدّره بين الأزقّة والشوارع العارية إلا من بقايا حجارة ،ونيران متقوقعة على خيباتها . وفجأة لاح له ضوء مقهى في آخر الشارع ، هرول نحوه . دخله محمّلا بحزمة من الأوراق والأقلام ، فأفكاره الحبلى شدّها المخاض إلى جذع المداد لتوّها ، توجّه نحو طاولة تلوك وحدتها. المقهى غارق في صمته ، وضوء رقيق يداعب الأبصار، ويبعث في القلوب مشاعر شتّى، رذاذ يغازل بلوّر المقهى المطلّ على البحر الغاضب ،جماجم مبثوثة في الفضاء تدخّن سجائرها والوقت ، وعيون على حافة الشهوة تلتهم بشراهة أجسادا تفنّنت في إبراز مواطن الفتنة والشهوة . جلس إلى الطاولة قرب نافذة مطلّة على الضباب، وأشعل لفافة ليبثّها هموم يومه ، ويسرّ لها بأسئلته التافه منها والحارق، وفجأة توجّه بصره وفي غفلة منه نحو رياض الحبّ الممنوع ليتابع مأدبة الذئاب الناهشة واللحم المنفوش على ضفّة الشّبق داخل الفضاء ، اقتحمته في تلك اللحظة مشاعر شتّى، واشتعلت فيه أسئلة معربدة . حاول جاهدا أن يبعث بيمناه في رماد الحلم لترمّم بوهج اللغات انحدار عقله نحو سحيق الدركات، ولتنفخ من روحها في رميم قوافله . امتدّت هواجسه كرؤوس الأفاعي ، وأينعت ثمار الفتنة الراكدة في الخطاب على حزمة أوراقه ، وتقلّبت الكلمات في الظلمة يمنة ويسرة بحثا عن نقطة ضوء في قول يزفّ للكلمات بهجتها، ويعبّد للشمس طريقها الملكي لنهر رؤاه. وقف بباب اللغة باسطا يد السؤال ، وتحسّس درب الشمس بين ثنايا المداد ، فارتدّت منه اليد إلى قيعان الألم ، واشتدّ في وجدانه زئير القحط ، فجلس لسانه القرفصاء في مهبّ السفح ، وشربت لغته ملء الغياب نخوتها المهزوزة ... ورغم عواصف حيرته رفع قلمه للكتابة ، وأطلق لذاته العنان لتمخر عباب شجونه ، فطعم الحلم في قهوته كمذاق نقطة ضوء في الليل البهيم ، وحروفه على إجهادها تحاول السير على درب الأوراق لتهيّئ المرافئ للعاشقين ، لعلّ طارق الفجر يشرق ، فتتفتّح الكهوف ، وتتزيّا الدياجير بالعطر واللغات. امتدّت أوراقه دربا أمام عينيه المثقلتين ، وتطاولت أسئلته في البنيان، وحرّكت آلامه مشاعر دفينة ، وهموم الأيام تطلّ من حين إلى آخر من كوّة قلقه ... مشى بين أكوام الحروف المتناثرة هنا وهناك بلا هدف ، تبدو السماء بلا طعم هذا اليوم كبائعات الهوى داخل المقهى ، لا شيء يدفع به نحو تخوم التفاؤل، كأمواج الشتاء المحطّمة على صخرة الضياع أحلامه ، انطلق قلمه في التحبير : *** كانت متسمّرة وراء ضباب بلوّر نافذتها ، تتابع أمواجا من الرؤوس . أصوات متعالية من الشارع تمزّق صمت الغرفة الغارقة في الذهول . بقيت على تلك الحالة حتى نال منها التعب ، تعبت قدماها ، ولم تتعب الحناجر المتدافعة . تململت هواجسها ، ثمّ تحرّكت نحو باب الغرفة . احتلّت الأجساد الغاضبة تفاصيل الشارع ومفاصله منذ الصباح الباكر . ورائحة الدم منبعثة من أعمدة الجرائد الملقاة على طاولتها قرب السرير ، صوت المذيع منبعث من الراديو يتابع عربدة الرصاص في الأزقّة .اقتحم الاضطراب عقل الواقفة . دفع بها موج الخوف الهادر نحو شاطئ صخريّ ، فتكسّرت حبّات سكينتها على صخرة كانت تقف بشموخ وسط اللوحة الزيتيّة المعلقة بعناية على أحد جدران غرفتها المرتبكة . التقت عيناها بعين طفل دامعة يجلس على الصخرة وسط اللوحة ، ومن حوله عشرات الجثث ، وأرض جرداء منبسطة تحتلّ بقيّة الفضاء الغارق في رماديّة الألوان . اشرأبت أعناق الحناجر ، وهدير الشارع يسابق صوت الريح . تململ الطّفل ، ثمّ ترجّل ، غادر اللوحة ، واتّجه نحو النافدة ، وعينا المتسمرة في مكانها تشيّعه بجنون ، كفكف بيمينه ذهول الفتاة ، وتطلّع من بلور النافدة المتثائب ، مدّ يمينه نحو الرؤوس المتزاحمة حول صنم تحاول إسقاطه من عليائه ، بعث فيهم الطفل ابتسامة ساخرة ، ثم وجّه وجهه شطر اللوحة ، وعاد سيرته الأولى . وقف الرجل الحجريّ وسط الساحة بشموخ يحدّق في الوجوه الغاضبة بكبرياء رخاميّ في عليائه ، ورقبته مطوّقة بحبل يمسك بطرفه الشباب المندفع تحت قدميه ، رائحة الغاز المسيل للدموع تعربد ، وسيارات البوليس باسطة ذراعيها متأهّبة للفتك . صياح يسابق صوت الريح ، ويرمي بحممه في وجه الرجل الحجري العنيد . استأسدت الأيادي ، واستمسك الرجل ببروده . تقدّمت نحوه آلاف الرؤوس تنادي باجتثاثه ، وتشدّ على الأيادي الجاذبة للحبل ، والرجل البرنزي بينهم لا ينبس بحرف . ارتفعت أمواج الغضب رافعة على أكفّها أغاني الرعاة ، وأناشيد الضحايا ، ودماء العاشقين ، وآيات الطوفان ... هل غادر الماء منابعه هذا الصباح ؟ ...أم تراه يصارع سكرات الصمت داخل كهف الغياب ؟ حتّى الأشجار والمباني المتبرّجة اكتفت بمتابعة المشهد بعين كسولة . تحرّكت سيارات البوليس ، فملأ زئيرها الرحب ، وبعثت بعصيّها ورصاصها رسلا ، فتراجعت الرؤوس خطوات إلاّ الحناجر ، والحبل معلّق في رقبة الرجل الرخاميّ . اقتلعت الواقفة وراء بلوّر النافذة أقدامها من وحل الذعر ، ومشت خطوات نحو خزانة الملابس ، تخيّرت لوليمة جسدها من الفساتين أجملها. لفّ الفستان ثمارها ، وأحكم إبراز أنوثة مشرعة طالما نهشتها أقبية السجون ، وأقلام العسس ، وعصيّ المخبرين . وقفت أمام المرآة ، وكأنها لم تقف أمامها من قبل تهذّب تفاصيلها ، فشدّ انتباهها تمرّد نهديها لأوّل مرة ، تجوّلت بيمناها في أزقة وجهها ، وتحسّست في جسدها كثبانا كادت تنساها لمّا تعلقت همّتها بتحريك الحناجر والسواعد والألباب مند زمن طويل بقلمها في صحيفة " الغد " المعارضة " . لم تقف على جمال الأنثى فيها من قبل ، إذ فقدتها كما فقدت لذة قهوة الصباح وهي في طريقها إلى مقر الجريدة المدجّج بسيارات البوليس كل يوم ، وقفت بشموخ وسط الغرفة ، وابتسامة عريضة تحتلّ صفحة أنوثتها المتنمّرة ، مسكت بطرف فستانها ، راقصته بجنون ، ورتّلت على مسامع الوجود إنجيل غوايتها ، فأينعت أحلامها بعد ذبول على وقع صياح الرؤوس الدافعة بأيدي متشنّجة الرجل البرنزيّ نحو الهاوية .توجهت نحو اللوحة النائمة على صدر الجدار مرة أخرى وكأنّها تبحث عن شيء فقدته . لقد غادر الطفل المكان ، وأقلع عن الصخرة ، واستحالت الأرض المنبسطة تحته عيونا تجري دما . تمرّد الدم المنهمر ، وجرف أسوار اللوحة ، وانطلق في عنف نحو أثاث الغرفة . التهم السكينة ، والستائر ،والسرير ، والجرائد ، لم تفقه الواقفة من أمرها شيئا ، وتملّكها ذعر زئبقيّ ، فشلّ حركتها . طلبت بعينين مضطربتين النافذة فلم تدركها ، وبحثت عن الباب فلم تجده . حاولت مصارعة الدم ، ولكن دون جدوى . إنّ غضب الدمّ كان أقوى من تمسّكها ببقايا حياة مهدّدة ، وهديره كان يضاهي هدير الأيادي الصارخة في الشارع تلك التي تصارع كبرياء الرجل البرنزيّ منذ الصباح . اختلطت الأصوات بالدماء . لم تشعر الواقفة على حافة الموت في غرفتها المغلقة بشيء ، طفت على سطح الدّم فانطلق بها نحو الشارع ، لتستقبلها من بعد ذلك الأكفّ الملوّحة بعلامات النّصر على امتداد الشارع ، وترتفع بها الحناجر إلى الأعالي نحو الرجل الواقف ببرود ، حدّقت في العيون المشتعلة ، استوت في وقفتها على الأكفّ ، وألقت بحمم عينيها على وجه الرجل البرنزيّ ، فرأت في عينه جثث الأزهار ... المشانق ...دموع النساء ... الأحلام المذبوحة .كما رأت في عيون بعض الحناجر الغاضبة الأنياب والذئاب ، تطلّعت في الرؤوس المتدافعة مرّة أخرى ، وتجوّلت بينها ، توجّهت نحو الواقف في بروده ينتظر ساعة السقوط ، أحكمت ربط الحبل حول عنقه ، وجذبته بقوّة تحت مطر الأناشيد ، وفجأة سقطت خيمة الكبرياء الواهم ، واندثرت أوتادها لتترك مكانها للفراغ والزغاريد ، سقط الرجل البرنزيّ . اشتعلت الألسنة تهليلا وتكبيرا ، وامتدّت السواعد نحو الأفق لتزفّ للدم زهرة الصبايا المتحلّقات حول نخيل الصباح ،تسلّقت ذاكرتها لحظتها في غفلة منها شجرة الأحلام ، فتهاطلت عليها صور محمومة ، مرتبكة كأقدام اليتامى ، جدّفت لعلّ ذاكرتها تستوعب سقوط كبير الأنياب ، لكن تاهت الذاكرة في أشواق الأوّلين وفرح المنشترين في الشارع . *** رفع رأسه ، نظر إلى البحر من خلال النافذة ، فإذا هو كما السواعد الحاملة للفتاة على أكفّ الغضب ، امتدّت يده لقهوته ، شربها على عجل ، تذكّر موعده مع صديقة جديدة عرفها أيام الرصاص دعته لحضور أمسية شعريّة . لملم الصحفيّة , وحناجر الغضب , والشارع , والرجل البرنزيّ , وسيارات البوليس , وأقلامه , وأوراقه , تأبّط حزمة حروفه ، وغادر المقهى . |
|||
27-02-2015, 08:58 PM | رقم المشاركة : 2 | |||
|
رد: رواية " هبل " في خمسة فصول ... فوزي الديماسي - تونس
الفصل الثاني : |
|||
27-02-2015, 09:00 PM | رقم المشاركة : 3 | |||
|
رد: رواية " هبل " في خمسة فصول ... فوزي الديماسي - تونس
الفصل الثالث : |
|||
02-03-2015, 08:42 PM | رقم المشاركة : 4 | |||
|
رد: رواية " هبل " في خمسة فصول ... فوزي الديماسي - تونس
تصدير |
|||
10-03-2015, 05:21 PM | رقم المشاركة : 5 | |||
|
رد: رواية " هبل " في خمسة فصول ... فوزي الديماسي - تونس
تصدير |
|||
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | تقييم هذا الموضوع |
|
|