الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديـات الثقافيـة > المنتدى الإسلامي

المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-03-2022, 01:11 PM   رقم المشاركة : 49
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله




لا شك أن أول انشقاق كبير في جسد الأمة الإسلامية كان في التشيع. وقد تبنى المؤرخون آراء مختلفة حول نشأة التشيع، لكن الثابت أن الشيعة بأصولها ومعتقداتها لم تولد فجأة، بل نشأت ونمت تدريجياً، وقد مرت بمراحل كثيرة. وما يهمنا هنا هو تتبع أصل نشأتها وجذورها التاريخية، ولنصرف النظر عن البحث في نشوء فرقها والاختلافات الفكرية والمذهبية فيما بينها. وفي نشأة التشيع لدينا آراء الفريقين: السنة، والشيعة.

أما وقد قدمنا آراء الشيعة في نشأة التشيع، ننتقل لعرض آراء غيرهم في نشأة مذهبهم:
1) الرأي الأول: إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وجد من يرى أن أحقية علي - رضي الله عنه - بالإمامة. وهذا القول مبني على ما نقله البعض من وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة بعده. ومن أقوال القائلين بهذا الرأي:
- "إعلم أن مبدأ هذه الدولة - يعني دولة الشيعة - أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر، وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم"
ابن خلدون: العبر: 3/107-171.
- "كانت البذرة الأولى للشيعة الجماعة الذين رأوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل بيته أولى الناس أن يخلفوه".
أحمد أمين: فجر الإسلام ص 266، وضحى الإسلام 3/209.
- "ونحن نرى أن التشيع بدأ بعد أن آلت الخلافة إلى أبي بكر دون علي بن أبي طالب".
د. علي الخربوطلي: الإسلام والخلافة ص: 62.

2) الرأي الثاني : إن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان - رضي الله عنه. ومن أقوال القائلين بهذا الرأي:
- "ثم ولي عثمان، وبقي اثني عشر عاماً، وبموته حصل الاختلاف، وابتدأ أمر الروافض"
ابن حزم: الفصل 2/8.
- "والذي بدأ غرس بذرة التشيع هو عبد الله بن سبأ اليهودي )عبد الله بن سبأ رأس الطائفة السبئية وكانت تقول بألوهية علي، كما تقول برجعته وتطعن في الصحابة... أصله من اليمن وكان يهودياً يتظاهر بالإسلام، رحل لنشر فتنته إلى الحجاز فالبصرة فالكوفة، ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان - رضي الله عنه - فأخرجه أهلها، فانصرف إلى مصر وجهر ببدعته). قال ابن حجر: "عبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة ضال مضل، أحسب أن علياً حرقة بالنار" اه‍. وقد تكاثر ذكر أخبار فتنته وشذوذه وسعيه في التآمر هو وطائفته في كتب الفرق والرجال والتاريخ وغيرها من مصادر السنة والشيعة جميعاً."
العلماء الذين ذكروا هذا الرأي كثر، منهم: الملطي في التنبيه والرد ص: 18، الأشعري في مقالات الإسلاميين: 1/86، البغدادي في الفرق بين الفرق ص 233، الشهرستاني في الملل والنحل: 1/174، الإسفراييني في التبصير في الدين ص: 71-72، الرازي في اعتقادات فرق المسلمين ص 86، وغيرهم كثير من السنة والشيعة.

3) الرأي الثالث : إن منشأ التشيع كان بموقعة صفين. ‍ومن أقوال القائلين بهذا الرأي:
- "إن ظهور اسم الشيعة كان عام 37ه‍".
شاه عبد العزيز غلام حكيم الدهلوي: مختصر التحفة الاثني عشرية ص 5.
- "إن بداية حركة الشيعة هي أحد أيام سنة 658م (37ه‍).
Montgomery Watt, Islam and the Integration of Society p,104

4) الرأي الرابع :إن التشيع ولد إثر مقتل الحسين.
- "إن دم الحسين يعتبر البذرة الأولى للتشيع كعقيدة".
نجيب العقيقي: المستشرقون: 2/788، ودائرة المعارف الإسلامية: 14/59.






 
رد مع اقتباس
قديم 30-03-2022, 01:30 PM   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

نقد آراء نشأة التشيع


نقد آراء الشيعة:

1) إن التشيع قديم ولد قبل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه ما من نبي إلا وقد عرض عليه الإيمان بولاية علي.

لا يخفى على كل ذي عقل فساد هذا الرأي. لقد كانت دعوة الرسل - عليهم السلام - إلى التوحيد لا إلى ولاية علي والأئمة - كما يفترون- . قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ النحل 36، فقال ﴿رَّسُولاً﴾ ولم يقل: ولياً، وإنما أرسل المرسلون لعبادة الله: ﴿لا إِلَهَ إِلا أَنَاْ فَاعْبُدُونِ﴾ الأنبياء 25، عبادة توحيد، لا يشرك معه أحد. والسنة النبوية ذاخرة بأوامر التوحيد. حتى الأوامر للمسلمين جاءت في التنزيل بمثل: ﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ﴾ التوبة 5، وإن العلماء متفقون على أن أول ما يؤمر به العبد الشهادتان، فأين أخذ العهد على الإيمان بعلي؟!.
وإذا كانت ولاية عليّ مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، فلماذا ينفرد بنقلها الشيعة، ولا يعلم بها أحد غيرهم؟!. ولماذا لم يعلم بذلك أصحاب الشرائع الأخرى؟!. ولماذا لم تسجل هذه الولاية في القرآن وهو المهيمن على الكتب كلها، والمحفوظ من لدن رب العزة جل علاه؟!. وأي عقول يخاطبها هؤلاء الذين ادعوا هذا البهتان العظيم؟!.
وقد أجمع المسلمون على أن الرجل لو آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وأطاعه، ومات في حياته قبل أن يعلم أن الله خلق أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً لم يضره ذلك شيئاً، ولم يمنعه من دخول الجنة. فإذا كان هذا في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكيف يقال: إن الأنبياء يجب عليهم الإيمان بواحد من الصحابة؟!.
وإذا قبل العقل أن يقال: إن علياً يمكن أن يكون أميراً على أهل زمانه، فلا يمكن أن تقبل أمارة علي على كل من خلق قبله من لدن آدم. هذا من كذب من لا يعقل، وافتراء من يستخف بعقول الناس.
وهم مثلما تطرفوا وغالوا في مثل هذا الكذب، أمعنوا في الافتراء على خصومهم، فقالوا: "وقع في الخبر أن القائم - رضي الله عنه - إذا ظهر يحييهم ويلزمهم بكل ذنب وفساد وقع في الدنيا، حتى قَتْل قابيل وهابيل، ورَمْي إخوة يوسف له في الجب، ورمي إبراهيم في النار ...". ومما قالوه عن الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رواة عن الصادق: "أنه ما أزيل حجر من موضعه، ولا أريقت محجمة دم إلا وهو في أعناقهما - يعني الخليفة الأول والثاني-"*.
* البحراني: درة نجفية ص: 37، وانظر: رجال الكشي ص: 205-206، والأنوار النعمانية: 1/82.

2) إن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع بذرة التشيع، وإن الشيعة ظهرت في عصره، وإن هناك بعض الصحابة الذين يتشيعون لعليّ، ويوالونه في زمنه صلى الله عليه وسلم.

قد يكون من أهم الأسباب لنشوء هذا الرأي هو أن بعض علماء المسلمين أرجع التشيع في نشأته وجذوره إلى أصول أجنبية، وذلك لوجود ظواهر واضحة تثبت ذلك سيأتي الحديث عنها. وبسبب ذلك قام الشيعة بمحاولة إعطاء التشيع صفة الشرعية، والرد على دعوى خصومهم برد التشيع إلى أصل أجنبي، فادعوا هذه الدعوى، وحاولوا تأييدها وإثباتها بكل وسيلة؛ فوضعوا روايات كثيرة في ذلك. ولهم وسائل وطرق ومسالك في الاستدلال والاحتجاج على أهل السنة، بروايات نسبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعموا أنها رويت من طرق أهل السنة، وأكثرها إما موضوع أو مطعون في سنده، أو بعيد عن تأويلاتهم الفاسدة. وإن هذا الرأي لا أصل له في الكتاب والسنة، وليس له سند تاريخي ثابت، بل هو رأي يجافي أصول الإسلام وينافي الحقائق الثابتة، فقد جاء الإسلام لجمع هذه الأمة على كلمة سواء، لا ليفرقها شيعاً وأحزاباً، ولم يكن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيعة ولا سنة، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ آل عمران 19، لا التشيع ولا غيره.
ومن الحقائق التاريخية المتواترة والتي تكشف خطأ هذا الرأي ومجانبته للحقيقة أنه لم يكن للشيعة وجود زمن أبي بكر وعمر وعثمان. يقول ابن تيمية: "ففي خلافة أبي بكر وعمر لم يكن أحد يسمى من الشيعة، ولا تضاف الشيعة إلى أحد"*.
* منهاج السنة: 2/64 تحقيق د. محمد رشاد سالم.
وقد اضطر بعض شيوخ الشيعة للإذعان لهذه الحقيقة وهم الذين مردوا على إنكار الحقائق المتواترات، فقال آيتهم الأكبر في زمنه محمد حسين آل كاشف الغطاء: "... ولم يكن للشيعة والتشيع يومئذ (في عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما) مجال للظهور؛ لأن الإسلام كان يجري على مناهجه القويمة..."*.
* أصل الشيعة: ص 48.
وبمثل هذا اعتراف شيخهم الآخر محمد حسين العاملي، فقال: "إن لفظ الشيعة قد أهمل بعد أن تمت الخلافة لأبي بكر، وصار المسلمون فرقة واحدة إلى أواخر أيام الخليفة الثالث"*.
* الشيعة في التاريخ ص: 39-40.
ولا نفهم كيف يهمل ما لا وجود له؟!. وهي غاب التشيع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين عشية وضحاها؟! وإذا تعمد الخليفتان إخفاءه، فأين باقي الصحابة الذين كانوا أكثر الناس حرصاً على التأسي بالرسول الخاتم؟!.
وهل أثر عن الصحابة المتشيعون ـ في زعمهمـ أمثال عمار، وأبي ذر، والمقداد إظهار عقيدة التشيع؟!. وهل جاهروا بتكفير الشيخين: أبي بكر وعمر وأكثر الصحابة، أو أظهروا البراءة منهم وسبهم أو كراهيتهم؟!. إن كل ما قاله الشيعة من دعاوى في هذا وملأوا به المجلدات لا يعدو أن يكون وهماً من الأوهام نسجته خيالات الحاقدين والأعداء، وقد قال الشيعي الزيدي ابن المرتضى: "فإن زعموا أن عماراً، وأبا ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي كانوا سلفهم؛ لقولهم بإمامة علي – عليه السلام – أكذبهم كون هؤلاء لم يظهروا البراءة من الشيخين ولا السب لهم، ألا ترى أن عماراً كان عاملاً لعمر بن الخطاب في الكوفة؟"*.
* انظر: ابن الأثير فيأسد الغابة: 4/64، وابن حجر في الإصابة: 2/506، وابن عبد البر في الاستيعاب: 2/473، وطبقات ابن سعد: 4/87، والمنية والأمل ص: 124، 125.
وأي بذرة هذه تلك التي بَذَرَ النبي حتى أنبتت سنابل اللعن والتكفير للصحابة وخير الأمة، وسنابل الاعتقاد بأن القرآن محرف بأيدي منافقي الصحابة، وأن وفاق الأمة ضلال، وأن الرشاد في خلافها، حتى توارت العقيدة الحقة في لجّ من ضلال الشيعة؟!.

3) تاريخ ظهور الشيعة يوم الجمل.

لاشك أن هذا القول لا يدل على بداية الأصول الفكرية للتشيع، فهو يعني هنا المعنى اللغوي للشيعة وهو الأنصار، ولهذا استخدم أيضاً ألقاباً أخرى تدل على ذلك كالأصحاب والأولياء، كما أن الوثائق التاريخية أثبتت أن لقب "شيعتي" والشيعة كما استعمله علي قد استعمله معاوية - رضي الله عنهما -.






 
رد مع اقتباس
قديم 05-04-2022, 03:23 PM   رقم المشاركة : 51
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

نقد آراء نشأة التشيع



نقد آراء غير الشيعة:

1) الرأي الأول: إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث وجد من يرى أن أحقية علي - رضي الله عنه - بالإمامة. وهذا القول مبني على ما نقله البعض من وجود رأي يقول بأحقية قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخلافة بعده.

هذا الرأي يستند القائلون به إلى الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة. ولا شك أنه إذا وجد من يرى أحقية عليّ بالإمامة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في القرابة، فقد وجد رأي يقول باستخلاف سعد بن عبادة، وأن الإمامة ينبغي أن تكون في الأنصار، وهذا لا دلالة فيه على ميلاد حزب معين، أو فرقة معينة، وتعدد الآراء أمر طبيعي، وهو من مقتضيات نظام الشورى في الإسلام، فهم في مجلس واحد تعددت آراؤهم. يقول ابن تيمية (منهاج السنة 1/36): "وما انفصلوا حتى اتفقوا، ومثل هذا لا يعد نزاعاً" . ثم إن علياً بايع أبا بكر - رضي الله عنهما - ولزم طاعته، ولو كان ثمة رأي بأحقيته في الإمامة لما قبل بالإجماع، ولخرج على الخليفة مطالباً بحقه. ولو كان هذا الرأي القائل بأحقية القرابة بالإمامة يمثل البذرة والنواة للتشيع لكان له ظهور وودود زمن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ويبدو أن اجتماع السقيفة كان الأمر فيه منحصراً في اختيار أنصاري أو مهاجر. وثمة روايات عديدة عن علي يثني فيها على أبي بكر وعمر - رضي الله عنهم - ولو كان يرى أحقيته في خلافة اغتصبت منه لما قال فيهما خيراً.

2) الرأي الثاني : إن التشيع لعلي بدأ بمقتل عثمان - رضي الله عنه.

أكدت طائفة من الباحثين القدماء والمعاصرين على أن ابن سبأ هو أساس المذهب الشيعي والحجر الأول في بنائه، وهو بدأ حركته في أواخر عهد عثمان - رضي الله عنه -. وابن سبأ هو أول من أحدث القول بالعصمة لعلي، وبالنص عليه في الخلافة، وأنه أراد إفساد دين الإسلام، كما أفسد بولس دين النصارى. وذكر أبو زهرة أن عبد الله بن سبأ هو الطاغوت الأكبر الذي كان على رأس الطوائف الناقمين على الإسلام الذين يكيدون لأهله، وأنه قال برجعة علي، وأنه وصي محمد، ودعا إلى ذلك. وفتنة ابن سبأ وزمرته كانت من أعظم الفتن التي نبت في ظلها المذهب الشيعي*.
* أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/31-33.
وابن سبأ كان أحد أبطال جمعية تلمودية سرية غايتها تقويض الدولة الإسلامية، وأنها كانت تعمل لحساب دولة الروم*.
* سعيد الأفغاني: عائشة والسياسة: ص 60.
وقد استمر زرع فتنة ابن سبأ، وأخذت في عصرنا الحاضر اتجاهين: اتجاه أنكر وجوده، دون مبرر واقعي، أو دليل قاطع *، وكأنهم بهذا يريدون الإيهام بأن التشيع نشأ طبيعياً، بأصول فكرية وعقدية (مرتضى العسكري في كتابه: عبد الله بن سبأ، ص 35 وما بعدها). واتجاه ادعى أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر (علي الوردي في كتابه: وعاظ السلاطين، ص 274، ومصطفى الشيبي في كتابه: الصلة بين التصوف والتشيع، ص 40-41). وهذه الدعوى هي محاولة أو حيلة لتبرئة يهود من التآمر على المسلمين، والرد على دعوى خصومهم برد أصل التشيع إلى أصل يهودي، كما أنها تهدف لإضفاء صفة الشرعية على التشيع.
وقد اتفق القدماء من أهل السنة والشيعة على السواء على اعتبار ابن سبأ حقيقة واقعية، وشخصية تاريخية، فكيف ينفى ما أجمع عليه الفريقان؟! أما القول بأن ابن سبأ هو عامر بن ياسر فهو قول يرده العقل والنقل والتاريخ، وما هذه الدعوى بإلصاق تلك العقائد الفاسدة بصحابي جليل إلا حلقة من حلقات التجني على الصحابة والطعن فيهم.
وقد خرجت دراسات موضوعية ومستوفية لهذه القضية، من أبرزها رسالة "عبد الله بن سبأ وأثره في إحداث الفتنة" للدكتور سليمان العودة، وفيها أدلة قاطعة على وجود ابن سبأ وسعيه في الفتنة. وقد ناقش المشككين والمنكرين والقائلين أن ابن سبأ هو عمار بن ياسر، وأثبت زيف هذه الأقوال بالحجة والبرهان. وحسبنا هنا الاستشهاد بكتب الشيعة المعتمدة عن ابن سبأ، لا سيما وقد جاء الإنكار لوجود ابن سبأ جاء من جهة بعضهم، فيناسب أن يحتج عليهم بأقوالهم. إن سعد بن عبد الله القمي شيخ الطائفة وفقيهها ووجهها، كما ينعته النجاشي (رجال النجاشي ص 126) يقر بوجود ابن سبأ، ويذكر أسماء بعض أصحابه الذين تآمروا معه، ويلقب فرقته بالسبئية، ويرى أنها أول فرقة في الإسلام قالت بالغلو، ويعتبر ابن سبأ "أول من أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرأ منهم، وادعى أن علياً أمره بذلك. ويذكر القمي أن علياً بلغه ذلك فأمر بقتله ثم ترك ذلك واكتفى بنفيه إلى المدائن. كما ينقل عن جماعة من أهل العلم - كما يصفهم -: "أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم، ووالى علياً وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي بمثل ذلك، وهو أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي بن أبي طالب وأظهر البراءة من أعدائه". ثم يذكر القمي موقف ابن سبأ حينما بلغه نعي علي حيث ادعى أنه لم يمت وقال برجعته، وغلا فيه*.
* المقالات والفرق ص 20-21 .
كذلك فإن شيخهم الآخر النوبختي، وهو عندهم ثقة معتمد، يتحدث عن ابن سبأ ويتفق فيما يقوله عن ابن سبأ مع القمي حتى في الألفاظ نفسها (فرق الشيعة، ص 22-23).
كما أن عالمهم الكشي، وهو عندهم ثقة بصير بالأخبار والرجال في كتابه المعروف "برجال الكشي" والذي هو من أقدم كتب الشيعة المعتمدة في علم الرجال، يروي ست روايات في ذكر ابن سبأ (ص 106-108، 305). وتشير تلك الروايات إلى أن ابن سبأ ادعى النبوة وأنه زعم أن أمير المؤمنين هو الله - تعالى الله وتقدس - وأن علياً استتابه فلم يتب، فأحرقه بالنار. ثم قال الكشي بعد تلك الروايات: "ذكر أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون وصي موسى بالغلو، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في علي - رضي الله عنه - مثل ذلك، وكان أول من شهد بالقول بفرض إمامة علي وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم، فمن ها هنا قال من خالف الشيعة :أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية" (الكشي ص 108-109). هذه مقالة الكشي وهي تتفق مع كلام القمي والنوبختي وكلهم يوثقون قولهم هذا بنسبته إلى أهل العلم.
ثم إن الطوسي شيخ الطائفة عندهم قام بتهذيب كتاب "رجال الكشي"، والذي يعتبرونه أحد الأصول الأربعة التي عليها المعول في تراجم الرجال، فصار عندهم أكثر ثقة وتحقيقاً حيث اجتمع في تأليفه الكشي الذي هو عندهم ثقة، بصير بالأخبار وبالرجال مع الطوسي، وهو صاحب كتابين من صحاحهم الأربعة، المعول عليها في علم الرجال عندهم.
ثم إن كثيراً من كتب الرجال الأخرى عندهم جاءت على ذكر ابن سبأ، ولعل أقدم مصدر عند الشيعة تحدث عن ابن سبأ والسبئية هو كتاب: مسائل الإمامة (ص: 22- 23) لعبد الله الناشئ الأكبر (المتوفى سنة 293ه‍).
وهكذا تعترف كتب الشيعة بأن ابن سبأ هو أول من قال بالوصية لعلي ورجعته وطعن في الخلفاء الثلاثة والصحابة، وهي آراء وعقائد أصبحت فيما بعد من أسس المذهب الشيعي، وذلك حينما صيغت هذه الآراء وغيرها على شكل روايات وأحاديث ونسبت لآل البيت زوراً وبهتاناً، فوجدت القبول لدى كثير من العوام وغيرهم ولا سيما العجم.

3) الرأي الثالث : إن منشأ التشيع كان بموقعة صفين.

هذا الرأي لا يعني بداية الأصول الشيعية؛ حيث إننا لا نجد في أحداث هذه السنة فيما نقله المؤرخون من نادى بالوصية، أو قال بالرجعة، أو دعا إلى أصل من أصول الشيعة المعروفة، كما أن أنصار الإمام علي لا يمكن أن يقال بأنهم على مذهب الشيعة، أو أصل من أصول الشيعة، وإن كان في أصحاب الإمام علي كما في أصحاب معاوية من أعداء الإسلام الذين تظاهروا بالإسلام ليكيدوا له بالباطن ما لا ينكر، وقد كان للسبئيين أثر في إشعال الفتنة لا يجحد، وهم وجدوا قبل ذلك، كما أننا نلحظ أنه بعد حادثة التحكيم وفي بنود التحكيم أطلق لفظ الشيعة على الجانبين بلا تخصيص.

4) الرأي الرابع :إن التشيع ولد إثر مقتل الحسين.

نحن لا ننكر على أصحاب هذا الرأي أن دماء الحسين - رضي الله عنه - أحدثت في الكوفة وفي العالم الإسلامي هزة عنيفة لا سيما لدي المخلصين ممن دعوا إليها وتعهدوا بنصرته. وبالرغم مما أحيط بأهل البيت من اضطهاد فكري وسياسي بلغا أقصى الحدود في العصرين الأموي والعباسي، لا تزال دماؤه الزكية مثلاً أعلى في الصبر على البلاء. إننا لا ننكر أن لتلك الدماء الزكية دوراً بارزاً في نمو التشيع وبقائه وأنه تبلور وتميز عن غيره بأصوله ومفهومه الذي تكشف بعد مقتل الحسين. إن عقائد الشيعة قد تبلورت واتخذت صورتها النهائية في عهد الإمامين الباقر والصادق، واشتد الصراع العقائدي بين القدرية والمعتزلة والمرجئة والخوارج، مما أضاف للتشيع بعده الفكري في الإمامة وشروطها والعصمة ومعناها والصفات والتقية والبداء والرجعة. وكان النزاع من أبرز ما يجري بين أصحاب الأئمة وغيرهم من المحدثين والفرق الأخرى، حتى خلت الساحة من كل تلك الحركات، ليبقى التشيع وحده مع مذهب أهل السنة والجماعة.






 
رد مع اقتباس
قديم 10-04-2022, 02:22 PM   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله


بعد أن عرضنا أشهر الآراء في نشأة التشيع، نرى أن التشيع كمذهب يعتمد على فكر وعقيدة، لم يظهر بين ليلة وضحاها. بل كان فكرة ساذجة تولاها قوم على مدى عقود، تطورت حتى وصلت لما هي عليه اليوم من فرق وطوائف. لكن الثابت عندنا أن أولى من تولى كبرها كان عبد الله بن سبأ اليهودي الذي رمى حجراً في جدول الإسلام الناشيء فأصاب رذاذه فئة أخرى من المنتفعين بالإضرار بهذا الدين، ثم أثرت السياسة في جذب فئات من الناس، آذاها ما حدث لأهل بيت النبوة من تنكيل وملاحقة. وقد شهدت كتب الشيعة بأن ابن سبأ وجماعته هم أول من أظهر الطعن في أبي بكر وعمر وعثمان أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرحامه وخلفائه وأقرب الناس إليه - رضي الله عنهم - والطعن في الصحابة الآخرين، وهذه عقيدة الشيعة في الصحابة كما هي مسجلة في كتبهم المعتمدة. كما أن ابن سبأ قال برجعة علي ـ كمابيناـ وقد أصبحت هذه المسألة من أصول الاعتقاد عند الشيعة. وقد روي أن أصول هذه الدعاوى أطلت برأسها إثر مقتل عثمان، وحاربها علي ـ رضي الله عنهـ فأمر بإحراق أولئك الذين ادعوا فيه الألوهية. لكنها آنذاك كانت محصورة في أشخاص محدودين، ولم تأخذ شكل الظاهرة أو الحركة. لكن ما تلا ذلك من محن مر بها علي ونسله، هيأ جواً صالحاً لانتشار هذه الفرى، فتحركت القلوب والعواطف إلى العطف على سبطي الرسول صلى الله عليه وسلم ونسلهما، والناس ترى السلطة السياسية تلاحقهم في كل مكان، وتقتل من تصل إليه منهم. وصار التشيع شكلاً من أشكال المناصرة لآل البيت، استقطب البسطاء، واستغله كل من أراد هدم الإسلام من ملحد ومنافق وطاغوت، ودخلت إلى المسلمين أفكار ومعتقدات أجنبية اكتست بثوب التشيع وتيسر دخولها تحت غطائه، وبمرور الأيام كانت تتسع البدعة ويتعاظم خطرها، وصار لابن سبأ خلفاء كثيرون. وبعد أن كانت لفظة "التشيع" تعني الموالاة والنصرة لهذا الطرف أو ذاك، بات المدلول مصطلحاً يختص إطلاقه بفئة واحدة معينة. هذا الاستغلال البشع للأحداث السياسية، ومظالم الساسة في العهدين الأموي والعباسي، طعن الدين بنصل سامٍ نفذ إلى كيانه ليضعفه وينهكه ويسممه، وما كان هذا التأثير ليحدث بالسلاح والعتاد العسكري. وإذا بأتباع الديانات الأخرى والمتآمرين والمتربصين، يدخلون في التشيع، حاملين معهم خرافاتهم وأساطيرهم، ليبثوها في جسد هذا المسخ الذي تنامى حتى صار نصف الدين.






 
رد مع اقتباس
قديم 14-04-2022, 02:55 PM   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي:

اختلف الباحثون حول مرجع الأصول العقدية للتشيع؛ فمن قائل: إنها ترجع لأصل يهودي، ومن قائل: بل ترجع لأصل فارسي، ومن قائل: إن المذهب الشيعي كان مباءة للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية. والديانة البوذية المنتشرة في شرق آسيا، ترجع لبوذا، الذي يعدونه إلهاً حالاً في الكون، على اختلافات بين البوذية الهندية، وهي أصل الديانة، والبوذية اليابانية، وبوذية الصين. أما القول بالأصل اليهودي، فمن الباحثين من يرجع التشيع للأثر اليهودي، لاعتبارين:
1) أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية، والرجعة، وهو سبأ يهودي. وهذه الآراء صارت من أصول المذهب الشيعي.
2) وجود تشابه في الأصول الفكرية بين اليهود والشيعة. يقول ابن حزم: "سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين: إن إلياس -عليه السلام - وفنحاس بن العازار بن هارون - عليه السلام - أحياء إلى اليوم" (الفصل: 5/37). وقد ذكر ابن تيمية أن في الشيعة من الجهل والغلو واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه، واليهود من وجه، وأن الناس مازالوا يصفونهم بذلك، ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى (منهاج السنة: 1/6). وقد قال بهذا الرأي جمع من الباحثين، منهم الأستاذ أحمد أمين، حيث قال: "فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة، وقالت الشيعة: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً كما قال اليهود: ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾. والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه..." (فجر الإسلام ص: 276). ويرى جولد تسيهر أن فكرة الرجعة تسربت إلى التشيع من طريق المؤثرات اليهودية والنصرانية (العقيدة والشريعة ص 215). وكذلك يرى فريد لندر أن التشيع قد استمد أفكاره الرئيسة من اليهودية. (المصدر السابق: ص 100 وما بعدها). ويقول فلهوزن بالأصل اليهودي، ويشير إلى بعض أوجه التشابه في الأفكار بين اليهود والشيعة (أحزاب المعارضة ص: 170).

وأما القول بفارسية التشيع، فيقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية، وذلك لعدة اعتبارات:
1) ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، كان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق، فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع، بإظهار محبة أهل البيت، واستبشاع ظلم علي - بزعمهم – ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى (فصل ابن حزم: 2/273، وخطط المقريزي: 2/362).

2) أن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته، وقالوا: إن طاعة الإمام واجبة، وطاعته طاعة الله سبحانه وتعالى (محمد أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/37، أحمد أمين: فجر الإسلام: ص277، عرفان عبد الحميد: دراسات في الفرق: 23، فلهوزن: أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام: ص 168، فلوتن: السيادة العربية: ص 76). وكثير من الفرس دخلوا في الإسلام ولم يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالاً، وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة بصبغة إسلامية، فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين إلى الملوك الساسانيين. يقول الشيخ محمد أبو زهرة: "إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس" (محمد أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/ 38).

3) حينما فتح المسلمون بلاد الفرس تزوج الحسين بن علي - رضي الله عنه - ابنه يزدجرد أحد ملوك إيران، بعدما جاءت مع الأسرى فولدت له علي بن الحسين، وقد رأى الفرس في أولادها من الحسين وارثين لملوكهم الأقدمين، ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سلالة الملوك الساسانيين المقدسين عندهم (النشار: نشأة الفكر الفلسفي: 2/11، رونلدسن: عقيدة الشيعة: ص 101). أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة - فيما يقال - اسم مقدس عند الفرس، لأن لها مقاماً محموداً في تاريخ الفرس القديم، وكانت في أساطيرهم بطلة مقدسة (عبد الرزاق الحصان: المهدي والمهدوية: ص 84، عن هيرودوتس: 2/462، المقدسي: البدء والتاريخ: 4/134، 6/95).

4) نلمح الأصل الفارسي أيضاً في روايات عديدة عند الاثني عشرية، منها تفرد سلمان الفارسي - رضي الله عنه وبرأه الله مما يفترون - بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر، حيث جاء في أخبارهم: "أن سـلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمنـاً، ومن أنكره كان كافـراً" (رجال الكشي: ص 15). وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلاقه على أئمتهم الاثني عشر، كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث الله إليه ملكاً ينقر في أذنه يقول كيت وكيت"، وأن سلمان يوحى إليه، وله علم الأئمة والأنبياء، وقد أدرك علم الأول وعلم الآخر (رجال الكشي: ص 16). وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون (رجال الكشي: ص 6-7). ثم إنهم بالغوا في المغالاة فقال بعضهم بألوهية سلمان الفارسي (مقالات الإسلاميين: 1/80).
وثمة اتجاه آخر داخل الدوائر الشيعية، بتعظيم بعض العناصر الفارسية التي شاركت في التآمر والكيد ضد دولة الخلافة الراشدة، فيمجدون أبا لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل الخليفة عمر، ويطلقون عليه: بابا شجاع الدين" (عباس القمي: الكنى والألقاب: 2/55). واعتبروا يوم مقتل عمر - رضي الله عنه - بيد هذا المجوسي عيداً من أعيادهم، وقد ساق شيخهم الجزائري روايات لهم في ذلك (الأنوار النعمانية: 1/108). كما يعظمون يوم النيروز، وهو عيد مجوسي، فيستحبون صوم يومه والغسل فيه، ولبس أنظف الثياب والطيب (وسائل الشيعة 7/346).

5) تبدو آثار المجوسية والمانوية واضحة في بعض فئات الشيعة، وماني بن فاتك كان في الأصل مجوسياً، ثم أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وقد خالفته المجوس وسعت في قتله، حتى قتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى - عليه السلام - وبقي مذهبه في أتباعه، وهم يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما، وأن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود (الملل والنحل: 1/244 وما بعدها).

وأما القول بأن المذهب الشيعي من آثار العقائد الآسيوية القديمة، فيقول الأستاذ أحمد أمين: "وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح (وهو انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر؛ إنساناً أو حيواناً). قال بهذه النظرية بعض الهنود، وفيثاغورس من اليونان، وتسربت للعالم الإسلامي" (المعجم الفلسفي: ص 55). وتجسيم الله بوصفه ـ جل وعلا ـ بصفات المخلوقين، وجد عند طوائف من الشيعة كالهشامية أتباع هشام بن الحكم وغيرها. والحلول بزعم أن الإله قد يحل في جسم عدد من عباده، أو بعبارة أخرى أن اللاهوت يحل في الناسوت، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة الهنود (الملل والنحل : 2/251).

يذكر صاحب مختصر التحفة: "أن مذهب الشيعة له مشابهة تامة مع فرق اليهود والنصارى والمشركين والمجوس"، ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف (مختصر التحفة ص 298 وما بعدها). كما يذكر البعض أنه تتبع مذاهب الشيعة فوجد عندها كل المذاهب والأديان التي جاء الإسلام لمحاربتها (بركات عبد الفتاح: الوحدانية: ص 125).

على أنه يبدو بعد هذا الاستعراض، أن التشيع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية، بل إن التشيع لآل البيت وحبهم أمر طبيعي، وهو حب لا يفرق بين الآل، ولا يغلو فيهم، ولا ينتقص أحداً من الصحابة، كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع، وقد نما الحب وزاد للآل بعدما جرى عليهم من المحن والآلام بدءاً من مقتل علي. هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أن آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث. أما التشيع بمعنى عقيدة النص على علي، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة، وغيرها، فلا شك أنها عقائد طارئة على الأمة، دخيلة على المسلمين، ترجع أصولها لعناصر مختلفة، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام، وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وبوذي، وهندوسي، وغيرهم. فدخل في التشيع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة. ولهذا ذهب ابن تيمية إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع (منهاج السنة: 4/147).






 
رد مع اقتباس
قديم 19-04-2022, 03:19 PM   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

نشأة مذاهب أهل السـنة


على الرغم من أن الخلاف السني الشيعي كان وما يزال هو أكبر الخلافات في التاريخ الإسلامي، إلا أننا لا يمكن أن نغفل خطر الخلافات الداخلية بين كل طائفة من الشيعة وأهل السنة. وكما أوجدت الخلافات بين المتشيعين طوائف متعددة، أفرزت الخلافات السنية مذاهب متعددة، استقرت في أربعة مذاهب، على اختلافات كثيرة ـ كذلكـ داخل كل مذهب.
ولفظة "المَذْهَب" في العربية تعني الطريقة، والمَذْهَبُ: المعتقد الذي يُذْهبُ إليه، يقال: ذهب مذهبًا حسنًا، ويقال: ما يُدْرَى له مَذْهَبٌ: أصل. والمَذْهَبُ في العرف العلمي: مجموعة من الآراء والنظريات العلمية ، والفلسفية ارتبط بعضها ببعض ارتباطًا يجعلها وحدة منسقة ، والجمع : مَذَاهِبُ. أما في الاصطلاح فهو يشير إلى مجموعة الأحكام، والمسائل الفقهية التي تصدر عن فقيه أو مجتهد، مضاف إليها المسائل التي يتوصل إليها أتباع هذا المذهب من تلاميذ وفقهاء عن طريق الرجوع إلى قواعد الفقه، والأصول التي وضعها.

وكشأن الخلافات القومية والقبلية والطبقية والحزبية التي تفجرت عبر التاريخ داخل الدولة الإسلامية، استمر الصراع بين المذاهب منذ نشأتها على أشده، ولم يهدأ؛ فعل سبيل المثال، فإنه منذ القرن الخامس الهجري، بقي الحنابلة أو أهل الحديث يشككون بسنية الأحناف والأشاعرة والماتريدية، ولا يعترفون بهم إلا من خلال معنى عام على أساس بعض المقاييس.

وقد فرض التمذهب على الأمة، دون أي مصوغ شرعي؛ فلا يوجد أي أحد ملزم بتبني كل الآراء التي كتبها الرجال السابقين بالجملة في مختلف الأبواب العقدية والفقهية والتاريخية، وانما هو حر بانتقاء ما يجتهد فيه، وطبع نسخة خاصة به، قد لا تكون متطابقة مع أي نسخة أخرى، لأن المسلم يلتزم بالعقيدة الإسلامية الواردة في القرآن الكريم، وفيما عدا ذلك فإن كل شيء مظنون واجتهادي وخاص ومختلف فيه، ولذلك لا يجوز تكوين صورة كلية عن الطوائف والمذاهب وتطبيقها على أي إنسان. وانما يجب التعرف على آراء كل فرد بصورة ذاتية. خاصة لان المجتمعات تتطور وتتغير فلا تبقى على حال واحدة. وما التمذهب إلا شكل من أشكال التحجر، تستوي في هذا القول كل المذاهب السنية والشيعية. وتسقط ـ عندناـ مزاعم القائلين بأن العامي ينتقي ما يصلحه، لكن العالم ملزم بالالتصاق بمذهب واحد، يقول به، ولا يخرج عنه.

إن من الثابت عند المسلمين، أن الله جعل للناس في القرآن الكريم أحكاماً وواجبات، أوحى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغهـا للناس دون زيـادة أو نقصان. وقد أدى المهمـة كما ينبغي أن تؤدى. وقد سـعى المسـلمون طوال
التاريخ للوصول إلى طرق يمكن من خلالها معرفة تلك الأحكام. وفي زمن التشريع كان الحصول على الأحكام متيسراً لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم دون أية واسطة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ 151البقرة. وقد كان المسلمون يرجعون إليه لطرح قضاياهم وسماع أجوبتها مباشرة منه، ومَن كان منهم بعيداً عن الرسول، فانه يرجع إلى موفدي الرسول، وبذلك فهو يحصل على الأحكام بواسطة غير بعيدة عن الرسول وكان الناس يعملون بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس أنها حكم الله دون أي اختلاف أو شك. ولهذا السبب لم يكن هناك من داع للاجتهاد. ثم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس يرجعون إلى العلماء والقراء من الصحابة في المدينة والأمصار، وكان هؤلاء العلماء والقراء يجيبون في ضوء كتاب الله، وما يعلمونه من السنة. على أن ما يجب التنبه إليه، أن الاستفتاءات ما زالت منحصرة في تشريع العبادات، ولما يستجد في المجتمع الإسلامي ذلك التوسع الفكري، الذي سببه الاطلاع على ثقافات الأمصار المفتوحة. وكان من اليسير أن يجيب الصحابي عن سؤال عن كيفية الصلاة، وهيئتها، أو مقادير الزكاة، أو أوقات الصيام أو مناسك الحج والعمرة.

وبمجيء عصر التابعين، وتوسع الدولة، وبدء اختلاط العرب بغيرهم من الأجناس ممن دخلوا في الإسلام، بدأ التعقيد، لا سيما وقد ظهر جيل آخر من العلماء، هم تلاميذ الصحابة. وظهر الاختلاف بين آراء العلماء فيما لم يروا فيه نصاً صريحاً من الكتاب والسنة، فحكم بالاجتهاد والقياس والاستحسان. وفي أواخر عصر التابعين وبداية عصر ما بعدهم، تفرعت الأمور بتنوع العلماء وتوزعهم بين الأمصار، فظهرت مدارس الرأي، في مكة والمدينة والكوفة والشام ونيسابور، وغيرها. وقد ظهرت المذاهب نتيجة الاختلاف الشديد الذي ظهر بينهم في بيان أحكام الموضوعات، بسبب المصادر الأخرى التي أوجدوها، مثل: المصالح المرسلة والعرف. وقد قيل: لقد تأسس منذ أوائل القرن الثاني وحتى منتصف القرن الرابع ما يقرب من 138 مذهباً، وأصبح الكثير من البلاد الاسلامية لها مذاهبها الخاصة. لكن المذاهب أخذت بالانحسار خصوصاً بعد القرن الرابع الهجري، ولم يستمر منها إلا المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والظاهرية.






 
رد مع اقتباس
قديم 25-04-2022, 07:50 PM   رقم المشاركة : 55
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



بسبب الاختلاف الشديد الذي حصل بين علماء ذلك العصر في مقام الفتوى للاختلاف في الأدلة، وكيفية الاستظهار منها، ظهرت مذاهب متنوعة، كان لكل منها أتباع كثيرون. وذلك العصر شهد تغيرات ضخمة وعنيفة في الفكر العربي، إذ دخلت بسبب الترجمة تيارات متعددة من الفلسفة والأدب والعلوم، وكان نشوء علم الكلام آفة صبغت عقول الكثيرين من أهل العلم، حتى فشا فيهم المنطق الأرسطي، وفلسفة السوفسطائيين، وغيرهم من فلاسفة اليونان، إضافة إلى تسلل الأفكار اللاهوتية والوثنية، بجانب أساطير أهل الكتاب، وخرافاتهم، حول الله ـ تعالىٰـ وصفاته، وبدء الخلق، وقصص الأنبياء، فانعكس هذا على تفسير القرآن، وتدوين التاريخ، وصحبته أحاديث كثيرة مفتراة دسها اليهود والمجوس. حمل العلماء، نتيجة تأثرهم بهذا كله، إرثاً من العلم، فيه نذر من السنة، لم يسلم من هذه الأخلاط العجيبة من الثقافات، ولعل أوضح الأمثلة على هذا محنة خلق القرآن، التي مني بها المسلمون بعد سؤال فلسفي قال به يوحنا الدمشقي: هل القرآن قديم أم مخلوق؟ فإن قلت: قديم، فقد أثبتت قديمين: الله وكلامه، ولأن عيسى ـ عليه السلامـ كلمة الله، فهو مثل الله أزلي، وإن قلت: مخلوق، فقد أثبت عليه الحدوث، ورفعت عنه القدسية. ونال من قال إن القرآن قديم، العزل من وظيفته، والحبس، والجلد، كما حدث لأحمد بن حنبل. ولم تنتهي هذه المحنة إلا بوفاة المأمون. وقد أرجعوا هذا كله لما يسمى بالترف العقلي الذي سببه الانفتاح على ثقافات الغير. وكان انعكاس هذا على الفقه فيما رأيناه من تفريع، وردود عقلية على مسائل عديدة، حتى دون استناد إلى نص. ومن يطالع في كتب الفقه، بعض الأحكام الواردة عن طريق القياس والاستنتاج المبني على فهم الفقيه ونمط التفكير الذي ألفه واعتاد عليه، تصبه الدهشة من الشطط فيما يصدرونه من أحكام.

من غرائب فتاوى الإمام أبي حنيفة النعمان أن الرجل إذا تزوج امرأة فى مجلس، ثم طلقها فيه، ثم أتت امرأته بولد بعد ستة أشهر من العقد لحقه الولد، أي صار ابنه، ومثله رجل تزوج فى المشرق بامرأة فى المغرب، ثم مضت ستة أشهر وأتت له بولد، فإنه يلحق به، لأن الولد إنما يلحقه بالعقد ومضي مدة الحمل، وإن علم أنه لم يحصل منه الوطء! وأنه لو تزوج رجلان امرأتين، فاختلط الأمر بينهما عند الدخول، فزُفت كل واحدة إلى زوج الأخرى فوطأها وحملت منه لحق الولد بالزوج لا بالواطئ، لأن الولد للفراش. وأفتى بأنه لو ادعى مسلم وذمى ولداً، وأقام كل منهما بينَّة فإن الولد يلحق بالمسلم، وإن كان شهود الذمي مسلمين وشهود المسلم من أهل الذمة، معللاً بأن ذلك موجب لإسلام الولد، فى حين أن هذا يؤدى لاختلاط الأنساب التى يحرص عليها الإسلام جُلَّ حرصه.
والإمام مالك بن أنس أفتى بطهارة الكلاب والخنازير، وأنه إن ولغا فى طعام لم يحرم أكله، وعنده أن الأمر بغسل الإناء بعد ولوغ كلب فيه مجرد تعبد، كما أفتى بجواز أكل الحشرات كالديدان والصراصير والخنافس والفئران والجراذين والحرباء والعصا والحية، وحلال الزواج من ابنة الرجل من الزنا ومن أخيه وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وأخيه من الزنا. كما ذهب الإمام مالك إلى أن أقصى مدة الحمل سبع سنين، فلو طلق الرجل امرأته أو مات عنها، فلم تنكح زوجاً آخر، ثم جاءت بولد بعد سبع سنين ينسب للرجل، كما أفتى بحلال الذبيحة التى لم يذكر اسم الله عليها لأن التسمية مستحبة عنده غير واجبة لا فى عمد ولا فى سهو.
والإمام الشافعي أكد على أن أكثر مدة للحمل هى أربع سنوات، ومثله الإمام أحمد بن حنبل، وعليه فإن المرأة إذا ولدت لأربع سنين فما دون من يوم موت الزوج أو طلاقه، ولم تكن تزوجت ولا وطئت ولا انقضت عدتها بالقروء، ولا بوضع الحمل، فإن الولد لاحق بالزوج، وعدتها منقضية به. كما هذه المرأة التى أنجبت بعد فراق زوجها بأقل من أربعة أعوام لا تتهم بالزنا. كما أفتى بأن زواج الرجل من بنته من الزنا حلال، ومثله زواجه من أخته وبنت ابنه وبنت بنته وبنت أخيه وأخته من الزنا، مستدلاً بأنها أجنبية منه، ولا تنتسب إليه شرعاً، ولا يجرى التوارث بينهما، ولا تعتق عليه، إذا ملكها ولا تلزمه نفقتها وعليه فلا يُحرم عليه نكاحها كسائر الأجانب.
ومن الفتاوى الغريبة أيضاً ما أفتى به محمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح بأن لبن البهيمة ينشر الحرمة، فلو شرب اثنان أو أكثر من لبن شاة واحدة صاروا إخوة أو أخوات فى الرضاعة، فى حين أن الرضاع مُعتبر بالنسب، وكما لا يتحقق النسب بين آدمي وبين البهائم، فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم.
أما ابن حزم الظاهري الأندلسي فهو صاحب فتوى إرضاع الكبير الشهيرة، حيث أفتى بأن الرجل الكبير البالغ له أن يرضع من امرأة فيصير ابنها من الرضاعة، فيحل له بعد ذلك ما يحل لابنها من الرضاعة. كما أفتى بجواز الاستمناء.






التوقيع

 
رد مع اقتباس
قديم 04-05-2022, 03:02 PM   رقم المشاركة : 56
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله





قد أرجعوا اختلاف الأئمة إلى أسباب عديدة، منها:

1) تعارض الأدلة الشرعية في نظر المجتهد، فتختلف طرائق الفقهاء في الترجيح أو الجمع بينها. من أمثلة هذا:
- حديث النهي عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس،
- حديث نهي من دخل المسجد عن الجلوس حتى يصلي ركعتين تحية للمسجد.

2) الاختلاف حول فهم الألفاظ في اللسان العربي، ومدلولاتها، ومنها ـ على الأخصـ تفسير المشترك في اللغة، مثل:
- لفظ القُرُوَء، هل هو للحيض أم للطهر؟
- لفظ النكاح، هل هو للوطأ أم للعقد؟

3) اختلافهم في الأدلة الإجمالية من حيث الاعتبار وعدمه. ومثاله التزام الإمام مالك وعلماء المدينة في زمن تأسيس المذاهب بالنقل، فعرفوا بأنهم: أهل النقل، في مقابل أهل الرأي.

4) التفاوت في الإحاطة بالعلم، وقوة الفهم في النصوص الشرعية؛ فإن كل واحد، مهما بلغ علمه، مقيد بظروف عصره وبيئته، فيخفى عليه ما علمه غيره، ولا يقدر على الإحاطة بالعلم كله.

5) اختلافهم في شروط رواية الأحاديث، وتصحيح الحديث أو تضعيفه؛ فقد يعتقد أحد المجتهدين ضعف رجل ويعتقد الآخر ثقته وقوته، وقد يكون الصواب مع المضعِّف ؛ لاطِّلاعه على سببٍ خَفِيَ على الموثق، وقد يكون الصواب مع الآخر لعلمه بأن ذلك السبب غير قادح في روايته وعدالته.

6) اختلافهم حول القواعد الأصولية، كاختلافهم في المراد بنص معين هل هو باق على عمومه أم دخله التخصيص؟ وهل باق على إطلاقه أم قُيِّد بنص آخر، وكاختلافهم في دلالة الأمر والنهي، واختلافهم في المنطوق والمفهوم، إلي غير ذلك.

7) اختلافهم في علل الأحكام، ويندرج تحت هذا موقف كل منهم من: الاستحسان، والاستصلاح، وسد الذرائع، والعرف، ومفهوم المخالفة، وقاعدة تخصيص العام.






 
رد مع اقتباس
قديم 10-05-2022, 02:47 PM   رقم المشاركة : 57
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله




1) تعارض الأدلة الشرعية في نظر المجتهد:

التَّعَارُضُ في اللسان العربي: وأصله من الْعَرْضِ، وهو المنع. يقال: لَا تَعْتَرِضْ لَهُ، أي: لَا تَمْنَعْهُ بِاعْتِرَاضِكَ أَنْ يَبْلُغَ مُرَادَهُ. وهذا تَعَارَضَ مع قناعاتي، يتعارض، فهو مُتعارِض. ومصدره: تَعَارُضٌ، بمعنى: تقاطع، أو تضارب، أو عدم تطابق.
وَالتَّعَارُضُ اصطلاحاً: التَّمَانُعُ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ مُطْلَقًا، بِحَيْثُ يَقْتَضِي أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَا يَقْتَضِي الْآخَرُ. وقالوا: لا يوجد تعارض حقيقي بين الأدلة الشرعية، فلا تناقض في الأدلة الشرعية، وإنما التعارض هو تعارض ظاهري، يعود إلى فهوم العلماء. وللتعارض الظاهري أسباب:

أولها: الأسباب العائدة إلى السند:
وهذا مستبعد في الأدلة القرآنية، لأن القرآن قطعي الثبوت. فيكون التعارض الظاهري في الحديث، وقد تتعارض الأحاديث وفقاً لاختلاف المحدثين والأصوليين في بعض المسائل، منها:
- اختلافهم في بعض الرواة مما يؤدي إلى التعارض بين الأحاديث.
- اختلافهم في الأخذ بالحديث المرسل.
- مخالفة خبر الآحاد لخبر مشهور.

ثانيها: الأسباب العائدة إلى اللفظ:
وقد حصرت هذه الأسباب في احتمالات وهي:
1. احتمال الاشتراك: واللفظ المشترك هو اللفظ الدال على معنيين مختلفين أو أكثر دلالة على السواء. واحتمال الاشتراك يؤدي إلى التعارض بين الأدلة. ومثاله: دلالة القروء.
2. والنقل: واللفظ المنقول هو لفظ وُضع لمعنى بعد وضعه لمعنى آخر أولاً، مثل: لفظ الصلاة كان يطلق على الدعاء، ثم بمجيء الإسلام أصبح يطلق على الأفعال المخصوصة شرعاً.
3. واحتمال المجاز: والمجاز هو اللفظ المستعمل في معنى غير موضوع له، بعكس الحقيقة. ومثاله: تعارض حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وحديث المسيء صلاته حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم اقرأ ما تيسر من القرآن" ولم يأمره بقراءة الفاتحة، فكان التعارض ظاهراً.
4. والإضمار: اللفظ المضمر هو اللفظ المحذوف الذي له أثر في الكلام. ومثاله: حديث: "في كل خمس من الإبل شاة" على تقدير: مقدار، والاختلاف دار حول موقع الإضمار: مقدار خمس من الإبل، أم: مقدار شاة.
5. واحتمال التخصيص: إن احتمال التخصيص وعدمه يجعل المجتهد يتوهم وجود التعارض بين الدليل العام والدليل الخاص. ومثاله: تعارض حديث: "من بدل دينه فاقتلوه" مع حديث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان.
6. والإطلاق والتقييد: والدليل المطلق يعارض في الظاهر الدليل المقيد. ومثاله: تعارض قوله تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ﴾ النساء 23، مع الأحاديث التي تقيد عدد الرضعات المحرمة.
7. وتعارض دلالات الألفاظ: وقد تتعارض دلالات الألفاظ ويختلف الفقهاء في الترجيح، مثل: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ البقرة 233، وحديث الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحق الناس بصحبته فأجابه: "أمك، أمك، أمك، ثم أبوك"، فالآية تدل بالإشارة إلى أولوية الأب في حق النفقة من مال الابن إذا كان الأب فقيراً، بينما الحديث يقدم الأم.

ثالثها: الأسباب العائدة إلى الفهم:
إن أفهام المجتهدين تتفاوت وهذا أمر فطري مما يؤدي إلى احتمال التعارض. ومثاله: ما روي من أن النبي تزوج بميمونة وهو محرم وفي رواية أخرى وهو حلال، فتفاوتت الروايات مما دل على أهمية اختلاف الفهم في ظهور التعارض بين الأدلة.

رابعها: الأسباب العائدة إلى المصادر المختلف فيها:
الاستحسان من هذه الأسباب، وهو: ترجيح بين قياسين، ومثاله: القول بطهر سؤر الطير استحساناً يخالف القياس. والمصالح المرسلة، ومثاله: قتل الجماعة بالواحد لمصلحة حفظ النفس. والعرف، ومثاله: تعارض فتوى جواز أخذ الأجرة على الإمامة اعتماداً على العرف، مع فتاوى السلف بعدم أخذ الأجرة على ذلك. وعمل الصحابي، ومثاله: تعارض قضاء عثمان بن عفان بتوريث المطلقة بائناً في مرض موت المُطلِّق، وهذا مخالف للأدلة الدالة على عدم توريث المبتوتة مطلقاً. وعمل أهل المدينة، مثل: تعارض عملهم في منع خيار المجلس مع حديث: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقاً" فكان عمل المدينة سبباً للتعارض.

ولدرء التعارض، قالوا: إذا ظهر التعارض الظاهري، فلا بد من الجمع أو احتمال النسخ أو الترجيح.


يتبع:
طرق دفع التعارض بين الأدلة الشرعية.






 
رد مع اقتباس
قديم 15-05-2022, 02:40 PM   رقم المشاركة : 58
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



في طرق دفع التعارض:




قالوا: إِذَا تَعَارَضَ اللَّفْظَانِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يُمْكِنُ الجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ عُلِمَ التَّارِيخُ فِيهِمَا نُسِخَ المُتَقَدِّمُ بالمُتَأَخِّرِ، وَإِنْ جُهِلَ ذَلِكَ، نُظِرَ فِي تَرْجيحِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ بوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجيحِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ التَّرْجِيحُ فِي أَحَدِهِمَا تُرِكَ النَّظَرُ فِيهِمَا، وَعُدِلَ إِلَى سَائِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ.

واستدلوا على انعدام وجود تعارض حقيقي بالقرآن:
- ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ النساء ٨٢،
- ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4النجم،
- ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ النساء ٥٩،
فنزهوا بذلك الكتاب والسنة من التعارض الحقيقي، وأرجعوا التعارض الظاهري إلى وهم يقوم في ذهن الناظر ولا وجود له في الواقع، ويزول هذا الوهم بمجرّد إظهار التوفيق بين الدليلين وحصول الائتلاف بينهما من خلال الجمع، أو ببيان النسخ، أو إبراز الترجيح. وتكون أسباب هذا الوهم إمَّا إلى قصور في إدراك الناظر إلى اختلاف الرواة من حيث الحفظ أو الأداء، وإمّا إلى دلالات الألفاظ من حيث العموم والخصوص، وإمَّا إلى الجهل بالناسخ والمنسوخ، أو الجهل بتغاير الأحوال.
ورتبوا دفع التعارض الظاهري بطرق:

أولها: الجمع بين الدليلين المتعارضين وَفق شروط للجمع، هي:
أن تثبت الحجِّية لكلِّ واحد من المتعارضين وذلك بصحّة سنده ومتنه.
وأن يتساوى الدليلان المتعارضان في درجة واحدة من حيث القوّة.
وأن يكون التأويل صحيحًا حتى يوافق الدليل الآخر.
وأن يكون الموفِّق أهلًا لذلك.
وأن لا يؤدِّي الجمعُ بين المتعارضين إلى إبطال نصٍّ شرعي، أو الاصطدام معه، وإذا روعيت هذه الشروط أمكن الجمع.
ويكون الجمع إما بتخصيص العموم، أو بتقييد المطلق، أو بحمل الوجوب على الندب، أو بحمل التحريم على الكراهة، أو بحمل الحقيقة على المجاز، أو بالأخذ بالزيادة، أو باختلاف الحال، أو بجواز الأخذ بأحد الأمرين.

ثانيها: النسخ عند تعذُّر الجمع، وذلك بالبحث في تاريخ صدور كلٍّ من النصَّين المتعارضين، فإن علم تاريخ صدورهما وأنَّ أحدهما متقدِّم والآخر متأخِّرٌ عمل بالمتأخِّر الناسخ وأهمل المتقدِّم المنسوخ، ولا يسعه العمل بالناسخ إلَّا عند توفُّر جملة من الشروط منها:
ـ أن يكون الناسخ خطابًا شرعيًّا.
ـ وأن يكون الناسخ مساويًا للمنسوخ في قُوَّة ثبوته ودلالته.
ـ وأن يكون الناسخ ورد متراخيًا عن المنسوخ وهذا لازم للرفع.
ـ وأن يكون المنسوخ حُكمًا شرعيًّا لا عقليًّا، ومؤبّدًا لا مؤقّتًا.
ـ وأن يوجد تعارض بين الناسخ والمنسوخ.

ثالثها: الترجيح عند تعذُّر الجمع على وجه مقبول، وتعذَّر الوقوف على المتقدِّمِ والمتأخِّر، ويسعى المجتهد في البحث في درجة النصَّين من حيث القُوَّة، فإن ظهر له مرجِّح لأحدهما على الآخر: إمَّا من حيث ثبوته، أو من حيث دلالتُه، أو من حيثيات أخرى معتبرة شرعًا، عمل بالراجح وأهمل المرجوح وفق شروط الترجيح وهي:
ـ استواء الدليلين المتعارضين في الحُجِّية.
ـ وعدم إمكان الجمع بينهما.
ـ وعدم معرفة تاريخهما.
ـ وأن يكون المرجّح به وصفًا قائمًا بالدليل.
ـ وأن لا يكون الدليلان قطعيين، أو قطعيًّا مع ظني لأنه لا يُتصوَّر تعارضهما.

رابعها: التوقُّف عن العمل بأحد الدليلين أو التساقط إن تعذَّر دفع التعارض بالجمع والنسخ والترجيح، وهذه طريقة مبهمة، وقد زعموا أنه لا يوجد حديثان صحيحان عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم متضادَّان إلَّا يمكن التوفيق بينهما، ولا يمكن أن يَرِدَ عن الشارع نصَّان متعارضان في موضوعٍ واحدٍ دون أن يكون أحدهما ناسخًا أو راجحًا. وجعلوا هذه الطريقة مجرَّد افتراض لا يمكن حدوثه، فلا يوجد دليلان تعارضَا بحيث اتفق العلماء على التوقُّف فيهما.

ومن العلماء من قدَّم مسلك الجمع مطلقًا على النسخ والترجيح، والأَوْلَى تقديم النسخ الثابت بنصّ الشارع على بقية المسالك؛ لأنَّه إذا ثبت بالنصِّ نسخ أحدهما فإن محاولة الجمع أو الترجيح بينهما هو إعطاء حُجِّية لدليل انتهت حُجِّيته فلا يصلح أن يعارض الدليل الناسخ، وإنما يقدَّم الجمع على النسخ إن كان ثابتًا بالطرق الاحتمالية المتقدِّمة وليس بالنصّ؛ لأنَّ الطُرُق الاحتمالية للنسخ المختلف فيها يمكن اعتبارها من قرائن الترجيح لا من طرق النسخ. ومنهم من قدم النسخ بالنصِّ، ثمَّ يليه الجمع، ثمَّ النسخ الاحتمالي، ثمَّ الترجيح.



يتبع:
الاختلاف حول فهم الألفاظ في اللسان العربي، ومدلولاتها.






 
رد مع اقتباس
قديم 23-05-2022, 02:23 PM   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

اقتباس:
يتبع:
الاختلاف حول فهم الألفاظ في اللسان العربي، ومدلولاتها.

وجدنا أن الاستطراد في اختلاف الفقهاء، سيطول، وهو مبحث قد يستغرق مساحة كتاب، خاصة إذا أرفقت فيه أمثلة ونماذج، فحسبنا ما ذكرناه على الإجمال:

1) تعارض الأدلة الشرعية في نظر المجتهد، فتختلف طرائق الفقهاء في الترجيح أو الجمع بينها.
2) الاختلاف حول فهم الألفاظ في اللسان العربي، ومدلولاتها.
3) اختلافهم في الأدلة الإجمالية من حيث الاعتبار وعدمه.
4) التفاوت في الإحاطة بالعلم، وقوة الفهم في النصوص الشرعية.
5) اختلافهم في شروط رواية الأحاديث، وتصحيح الحديث أو تضعيفه.
6) اختلافهم حول القواعد الأصولية.
7) اختلافهم في علل الأحكام.

فمن يرد الاستزادة، فليرجع لأصول الفقه.






 
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2022, 09:25 AM   رقم المشاركة : 60
معلومات العضو
أحلام المصري
أقلامي
 
إحصائية العضو







أحلام المصري غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عوني القرمة مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلاة وسلاماً دائمين على خاتم أنبيائه ورسله،
ونشهد أنه أدى الرسالة على خير وجه،
ونسأل الله أن يهدينا إلى هديه ويبلغنا رضوانه.


أما بعد،
فإن أشرف العلوم علم الكتاب، كتاب الله الحكيم. وقد تصدر لدرسه كثير من العلماء والدارسين، فأخرجوا منه الدروس والعبر، وأسسوا عليه ما أسموه بعلوم القرآن. ورغم الاعتناء بدرسه وفهمه بقيت صفحته مفتوحة لمزيد من البحث والتأمل لأن معينه لا ينضب.
ولعل من الملاحظات التي تدعو للتفكر أن في كتاب الله سر الصنعة التي أودعها فيه الخالق سبحانه وتعالى، فجعل تفسيره قابل للتجدد جيلاً بعد جيل، ولا يصدق من زعم أنه وصل لمغزى الله من هذه الآية أو تلك. ولابد أن نفرق بين مصطلحي التأويل، والتفسير.
أما التأويل فهو حجر على المولى جل وعلا: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ آل عمران 7،
وأما التفسير فهو ما يكتبه شارحوا الكتاب وفقاً لفهمهم للآيات والسور. هذا الفهم يأتي انعكاس لأصلين:


- ثقافة الكاتب وعلمه، فإن كان لسانياً انصب تفسيره في الأكثر على الفروق في اللسان العربي والبلاغة، وإن كان فقيهاً عني بآيات الأحكام أكثر من غيرها، وإن كان مؤرخاً صب جل اهتمامه على بث القصص من كتب التاريخ ومروياتها من الآثار والأخبار، ومن هذا الباب تدخل المذهبية مثل الاعتزال والتشيع والتصوف، وهكذا ...
- علوم العصر وهي التي تنطبع على فكر المفسر، ثم تنعكس على كتاباته. ولنمثل بآية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ الأنعام 125. وقد كتبت في تفسير البعوضة فما فوقها صفحات وصفحات، واعتبر المفسرون قديماً أن البعوضة هي أصغر مخلوق، وما فوقها أي ما هو أكبر منها، وقال آخرون بل هي وإن كانت أصغر خلق الله إلا أنه سبحانه قادر على أن يخلق ما هو اصغر منها. واللسانيون منهم اختلفوا في "فما فوقها" هل هو ما فوقها في الصغر أم في الكبر. ويجيء العلم الحديث برؤية مغايرة لهذا كله، فيكتشف أن فوق البعوضة حشرة تلازمها هي أصغر منها. ثم إنه لا البعوضة ولا الحشرة التي فوقها هي أصغر المخلوقات، فحسبنا أن نعلم أن فيروس كرونا (كوفيد 19) لو جمع من كل انحاء الأرض ووضع في وعاء واحد لما شغل أكثر من سنتيمتر مكعب واحد. والعلم الحديث لا يقتصر على العلوم الطبيعية أو التجريبية، بل إن العلوم النظرية شهدت تقدماً ملحوظاً في عصرنا، فصار لدينا مكتشفات الحفريات والآثار وعلوم الإنسان، وغيرها من علوم أثرت الفكر البشري، ولونت عقل المسلم بمعارف جديدة لابد لها ان تؤثر على فهمه لكتاب الله.


والسؤال الهام هنا هو: هل وصلنا لفهم حقيقي لآيات القرآن الكريم؟ والجواب المنطقي هو بالنفي، فالحياة مستمرة في التطور والتقدم، وما نفهمه اليوم في تفسير آية قد ينقضه بعد أعوام جيل آخر تضاف إلى معارفه علوم وأفكار لا نعلم عنها شيئاً، فيرى الآية من منظور آخر. ﴿هو كتاب لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ فصلت 42.


بوركت الفاضل عوني القرمة
وجعله الله في ميزان حسناتك

تقديري






التوقيع

أنا الأحلام
 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:21 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط