(23) (القسم الثاني)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في السعودية
*سافرت في مستهل عام 1974م لزيارة والدي الذي كان يعمل أستاذاً بكلية الشريعة بالرياض في السعودية، ثم التحقت بالعمل مهندساً في شركة الكهربا، وقضيت هناك عشرة أعوام لم أغادر فيها السعودية إلا في أول زيارة لمصر بعد ثمانية أعوام كاملة حتمت استمرارها ظروف العمل بالتبادل مع ظروف جواز سفري المنتهي.
والتحقت أثناء وجودي هناك بكلية أصول الدين المنشأة حديثا، وتخرجت في الدفعة الأولى من أبنائها عام 1398هـ (1978م).
وقد كانت فترة السعودية مليئة بالانفعالات المتباينة، ولا يسعني في الحديث عنها إلا أن أحيلك إلى هذه المجموعة التي كتبت كل قصائدها فيها وفي مدينة الرياض على التحديد، وهي مجموعة "دمع في رمال".
*قرَّرت العودة إلى مصر، واستقال أبي من عمله بالسعودية وسبقني إلى مصر، ولكن سبقني إلى لقائه الموتُ، فتوفى ـ يرحمه الله ـ بمصر قبل عودتي إليها بأسبوعين، وتلقيت نبأ وفاته ـ مصادفةً ـ في زيارة لي إلى المدينة المنورة، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.
*وعدتُ إلى مصر، واخترتُ الإقامة بمدينة المنصورة التي نشأت فيها، وتألَّفتُها، كما اخترتُ العمل الحر فراراً من كل قيود الوظائف.
تجربة عاثرة
*تزوّجت بطريقة مغرقة في التقليدية، وأنجبت ابنتي "مريم"، ولم نستطع ـ أنا وأمها ـ أن نًصبح كياناً واحداً، وانفصلنا، وكانت حضانة مريم بالطبع لأمها، وعادت معها إلى مصر.
*وتزوَّجتُ للمرة الثانية، وهذه زوجتي تُحتِّم عليَّ أن أذكر أنني سعيد بها ومعها، وقد أكون، ورزقني اللهُ منها محمداً وهو الآن في منتصف الحاديةَ عشرةَ من عمره، ويوسف وهو في التاسعة من عمره، أسأل الله أن يُبارك فيهما وفي أختهما مريم، وهي الآن طالبة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
…
هذه هي أهم العلامات التي قد تكون شكّلت عالم الغربة الذي أخرج قصائدي.
أشخاص في شعري
*أما الأشخاص الذين سألت عنهم والذين وردت أسماؤهم في المجموعة المذكورة فهم: أمي أطال الله عمرها، التي أهديت المجموعة إليها، وأبي أجزل الله له المثوبة، الذي قاسمني عنوان قصيدتي "غريبان"، ثم أربعة أسماء لأعلام آخرين:
*أما أبواي فعنهما ورثت الإحساس بالجمال، أمي بفطرتها تستقبل بتذوّق راق ملامح الجمال الظاهر فتطرب للحن العذب وتفرح للألوان المتناسقة، وتتأثر بسحر الطبيعة، وأبي ـ كان ـ بدراسته الدينية وتخصصه في تفسير القرآن الكريم يستغرق في الإحساس بالجمال غير الظاهر من المعنى الدقيق أو العميق والموسيقى الداخلية، والتأمل في جواهر الناس والأشياء والنظر في آيات الله، وبالمناسبة أذكر لك أنه كان حريصاً على تحفيظي كتاب الله تعالى، فلما لم أستجب له في طفولتي ألحَّ عليَّ في فترة صحبتي لـه بالسعودية أن أُداوم القراءة فيه إلى أن اعتدت ذلك وتعلقت به، وازدادت وجبتي اليومية منه حتى أوشكت أن تصل بي إلى درجة الحفظ الكامل، وقد لاحظت نتيجة لهذا التعلق ومدداُ من هذا الزاد تغيراً واضحاً وتقدما واسعاً في لغة قصائدي وعالم شعري ـ نفعنا الله ورفعنا بالقرآن العظيم.
*وأما الشاعر المُبدع الأستاذ الربيع الغزالي الذي أهديته قصيدتي "إلى صديقي الربيع بمصر"، فقد كان أقرب صديق إلى نفسي من مجموعة شعراء ينتسبون سنا إلى الجيل السابق لجيلي، تعرّفت بهم في الستينيات في منتديات القاهرة، منهم الأستاذ محمود جبر شاعر آل البيت، والأستاذ الشاعر قاسم مظهر، والأستاذ الشاعر عبد الله شمس الدين، والشاعر الساخر الأستاذ عبد السلام شهاب … وغيرهم، ومع أنني تعرّفت على شعراء أكثر شهرة من هؤلاء في هذه الفترة مثل الأستاذ الشاعر صالح جودت والأستاذ الشاعر محمود حسن إسماعيل إلا أنني أذكر هؤلاء لأن علاقتي بهم كانت متصلة وشبه دائمة في عديد من الندوات والمحافل، ويظن البعض أن هناك قرابة بين الأستاذ الربيع الغزالي وبيني، ولكنه محض تشابه أسماء لا تُنقص الإشارة إليه شيئا مما جمعنا من مودّة وصداقة.
ندوة الرفاعي بالرياض
*وأما الأديب السعودي الكبير الشيخ عبد العزيز الرفاعي فقد عرّفني به وقدّمني إلى ندوته الصديق الكريم القديم الدكتور النعمان القاضي، وكان أستاذاً للأدب بجامعة الرياض، واستمررت في حضور شبه دائم إلى ندوته العامرة التي كان يقيمها في داره مساء كل خميس، وكان مثالا للخلق الكريم والسماحة والحفاوة بالأدباء، وكانت ندوته هي روضتي الحقيقية في مدينة الرياض، وقد علمت أن الدكتور عائض الردّادي ـ مدير الإذاعة السعودية السابق ـ قد أصدر كتاباً عن هذه الندوة ورد ذكري في شيء منه، ولكني لم أحصل بعد على نسخة منه، وقد التقيت في هذه الندوة بعديد من كبار الأدباء والشعراء والمثقفين في العالم العربي والإسلامي الذين لا يمكنني حصر أسمائهم، ولي بكثير ممن صادفتهم وصادقتهم عن طريق هذه الندوة علاقات ود متصلة حتى اليوم، أبرزها وأقربها إلى قلبي صداقتي مع الدكتور الشاعر أحمد البراء، ابن الشاعر الكبير عمر بهاء الدين الأميري يرحمه الله.
يوسف السباعي
*وأما الأديب والروائي الكبير الأستاذ يوسف السباعي الذي أهديت روحه قصيدة "اغتيال عصفور" فقد كان ممن قرأت لهم كثيراً من أعمالهم، وكانت في غير قليل منها تتعرض لمسألة الموت، مثل "السقا مات" و"نائب عزرائيل" وغير ذلك، وأعجبت به، وحدث أن التقيت به بناءً على طلب كريم منه حينما سمع ببعض قصائدي في الجامعة، ووجدت منه من التواضع والكرم والألفة والتشجيع ما جعلني أُصدم للطريقة التي مات بها في حادثة الاغتيال الشهيرة، وقد أدهشني في حدث موته ما تذكرت أنني قرأته له في أحد كتبه حين تمنى أن يموت فجأة ـ رحمه الله ـ.
حاكم نادر كم أحببته
*أما الاسم الرابع الذي ورد في مجموعتي فهو اسم الملك الشهيد فيصل ـ يرحمه الله ـ وذلك في مرثية كتبتها له من مقاعد الجمهور إحساسا بفقد حاكم نادر كم أحببته!