*الـــدروب*

[أحمد فؤاد صوفي]

*الـــدروب*
*1*
أزقّةٌ مُغْبرَّةٌ ضَيِّقَـة
تَعِيثُ فيها الرُّطُوبةُ فَســَـــــادَا
رَذَاذٌ أَسْــــــــــــــــوَدَ
ومُــواءُ قِــــــطّــة
جُـرْذٌ كبـِـــــــــيــــرٌ
يمْشـي مُـطْمَـئـِنـّـاً
وصفيحةُ قِمامَـةٍ
تحيطُ بها القِمامَة
شُــــــــرُفَاتٌ مُتَهالِكَـــةٌ
وجُدْرَانٌ مُتَصَدِّعَةٌ
يَخْرجُ مِن شُقُوقِها
أغْصَـــــــــــانٌ ودِيْدَانْ
جَـنَبـَـــاتٌ سـَــوْدَاءُ
وهُـنـَــا وهُـنـَــــاكَ
أوكَـــــــــــــارٌ وأرْكَـــــانْ
تُـرَى ! . . .
كَيفَ يَعِيشُ النَّــــاسُ
وكَيفَ تَدُورُ حَيَاتُهُمْ
ومــــــــــــاذَا همْ فاعِـلُـــونْ
إذا كانَتِ الحَيـاةُ هَكَذَا
فكَيْفَ إذَنْ هُوَ القَبرُ !
*2*
تَـرَى النَّـــــــــاسَ
أنْفَاسُهُمْ مَكْتُومَـــةٌ
كلَّ يَومٍ يَـلهَـثـُــــــــونْ
جُلَّ يَومِهِمْ يَلْهَثُونْ
وراءَ اللُّقْمَةِ . . .
وراءَ الـوَلَـــــــــــدِ
يَلهَثـُــــــونْ . . .
حتّى نَسُـــــــــــــــوا البَلَـدْ
ثمَّ نَسُـوا الحضارة
عَجَبِي ! . . . .
مَاذا تُــــراهُمْ يَفْعَـلـُــــونْ
وإلى أينَ هُمْ يُهرَعُونْ
عَصَــــــــــا ا لْجُـوعِ كَافِـرَةْ
وَلْوَلَةُ النِّساءِ سَافِـرَةْ
أنَّاتُ المواليدِ قاتلـــةٌ
تَقْطَعُ الـشِـرْيــَــــــانْ
والعُـنْوانُ إنْسَــــــانْ
يأتي المرَضُ بلا اسْتِئْذانْ
وأينَ الدَّوَاءْ . . .
الطـَـبيبُ قَبيْـــحْ
والطبيبُ مُخِيفْ
مُرورُهُ بالبيْـــتِ
بـَلـْــــــــوَى و داءْ
أينَ الدَوَاءْ . . .
أينَ النِّدَاءْ . . .
صَــــــــاحَ الكَهْلُ . .
رُزِقْنـَـــا بِوَلـَــــدْ
بَعْدَ سَبْعِ بَنَــــاتٍ
رُزِقْنـَــــــــا بِوَلَـــــدْ
أيـــنَ الــدَوَاءْ . . .
يأتي المرَضُ بِلَا اسْتِئْذانْ
الوَقْتُ عَـدُوّْ . . .
والليــلُ عَـدُوّْ . . .
لا يــــــــأتـِي الـدَوَاءُ
بلْ يَأتي الفَـوَاتُ
ويَأتـي المَــوَاتُ
مَـاتَ الـوَلـَدْ . . .
. . . . . . . . . .
. . . . . . . . . .
* 3 *
فُصُـولٌ ضَبابِيـَّةٌ
وغُـيـُومٌ سـُــــــــــــودٌ
تعشِّــشُ فِـــــــيَّ
هَذا هُوَ الإنْســــانْ
سَعَادَتُهُ سَاعَـاتٍ
وتَعَاسَــــتُهُ عُنْوانْ
* 4 *
أيـْنَ أنْـتِ يا أمِّــــي
إنِّي لا أشْعُرُ بدِفْءِ نفْسِي
إلاَّ حِينَ تخْطُـــــرينَ بِبَالــِـــي
يـــــــــــــــــــــــا ضَوْءَ حَيَــاتـِــــي
أنْتِ أنْشُودَةُ المَـطَرْ
أنتِ الجَمَـالُ وَقْتَ السَـحَـرْ
أنتِ حُورِيَّةُ الحَكَايَا
أنْتِ هَالـــــــــــــــــةُ القَمَــــرْ
* 5 *
أعِيـشُ في دَاخِـلـِـي
وَحِـيــــــــدَا ...هَادِئاً حَزينَا
تَنْبعُ البَراكِـيــنُ فيَّ ...وتعْـتَصِرُنـِــــــــي
عَالَــمٌ حَدِيـْــثٌ ..مَليءٌ بالأجْهِزةِ والآلاتْ
يَغْتَالُ سَعَادَتَــنا
يَغْتَالُ مَاضِيـــنَــــا
ويُحِيلُنا مَعَـــــهُ نَوْعاً مِنَ الآلَاتْ
ما بَالُه مَاضِيـْـنَا ! . . .
كَمْ كَـــــــانَ جَمِيْلاً
وكَمْ كانَ مَجِيـداً
كــانَ بَطِيـئاً يُناسِـــــــــبُـــنَا
وصَارَ سَريعاً يُهشِّمُنَا
* 6 *
لماذَا الرَكْضُ ! . . .
لا أعْلَمْ . . .
لمـــاذَا القَفْزُ على الدَرْبِ
لمـــاذَا مِنْ حَياتِنـَا نَقْـلقْ
وإنْ نُمْنــَـــــــــــــــــا فَـلا نـَنْعَـمْ
ولمـــاذا أخَذَتْ ضَحِكاتُنَا
لـَوْنــَــــــــاً أصْــــــفْـرْ
ولمـــــــاذا تَكَـــــاثـَرَتِ
الـكَرَاهِيـَّـــــــةُ فِينـَــــــا
لا أَعْلَمُ . . .
أبَداً لا أعْلَمْ

لمـاذا حُسَّـــــــــادُنَا زَادُوا
لماذا مَبَادِئُنَا هُتِكَــتْ
صدِّقْنـِـــــي . . .
إنِّي لا أعْلَـمْ

لماذَا غَطَّتْ رائِحَةُ الوَحْلِ
في الحَقْلِ
على زَقْزَقَةِ الطَيرِ
لا أعْلَــــــمُ
أبداً لا أعْلَمْ
هلْ أَنِّيَ قَدْ جُنِـنْتُ
أَمْ أنِّيَ أبَداً أحْلـَـمْ
* 7 *
خِطَابَاتٌ وأخْبـَــــــــــــــــــــــــــارٌ
يَمُجُّهَا المُذِيعُ بأنَاقَتِهِ
ويَلُفُّ أقَاصِي الأرْضِ بِهَا
مَوْتٌ . . . ودَمَارْ
ظُلْـمٌ . . . ورِيَـــــــــــاءْ
لماذا ثُكِلَتْ تِلكَ الأمُّ
بِدُونٍ هَدَفٍ ... وبِلا مَعْـنَى
ولماذا شَعْبٌ يَتَمَزَّقْ
وســَـــــــــــنَواتٌ قـَدْ حُــرِم من الرَّحْمَة
ولمَاذَا صَارَتْ مَدَارِسُنا
أوكَـــاراً للجَهْـلِ ... وفـُنُونِ الغَفـْــلَةِ
لا أعْـلَـــــــــــــمُ
إنِّـي لا أعْـلـَــــمْ
* 8 *
ليْسَ لَنَا إلا الصَّــبْـرُ
ليْسَ لنَا إلا الخَــيْــرُ
قدْ يَنْبُتُ العُـــــــشْبُ
بعدَ الهَشـِـــــيمْ
قـدْ يَظْـهَـرُ الفَـجْــــرُ
بَعْدَ الظَّـــــــلَامْ
قدْ يَظْـهَـرُ في المَدَى
أُفـُــــــــــــــقُ
قـدْ تـَبـْدُو البَــــسْــــمَةُ
بعْــدَ الـعـَــويـْـــــــلْ
قَــدْ نـَرَى أحْـفَادَنَــــــــــا
بالسَّـــعَادَةِ يـَرْتَعُونْ
قـَــدْ نَنْعُـمُ يـَوْمَــــــــــــــــــاً
بالـعَـدْلِ وبالـتُخْـمَــة
* 9 *
هَكَذا قَدْ حِيكَ القَدَرُ لَنَا
ليْــسَ لـَنَا إلَّا الصَـبْــرُ
ليْـــــــسَ لَـنَا إلَّا الخَـيْـــرُ
لماذا هَكَـــذَا كُنَّـــــــــــــــــــــــــــا
كيْـفَ مَـرَّتْ مَصَائِرُنـَـا
كَـيْفَ دارَتْ دَوَائـِـــرُنــــا
وكيْفَ الأتْرَاحُ تُلاحِقُنا
دَوْمـَــــــــاً دَوْمـَــــــــاً ... إلى القـَــبْـرِ
لا أعْـلَــــــمُ
أَبَدَاً لا أعْلَمْ . . .

[راحيل الأيسر]

مرحبا بأخي المكرم أستاذنا / أحمد فؤاد صوفي

وبكلماته الحبلى بسمين المعاني
وبقنديل الحرف حين أشعل الوجع دهشته
وبعيون القطط الحزينة
وشمس لغوب تكاد من ضعفها
ألا تلج من سَمِّ الأزقة
وكأن على تلك الأزقة
أن تغفو على رطوبتها
على حشرجات أنفاسها
على هشاشة بسمتها الفاترة
واستدامة فاقتها
للأمنيات هناك شخيب
يحفر صدوعا
يحدث شقوقا
تلك الشقوق قادرة على التهام الأماني الساذجة
يتقرفص الصبر على نفسه
حين يمتد غول الغلاء
غول البلاء ..
وتنتحب المدينة
بيد أنَّ
غيمة مترعة بالفأل
تتراءى من بعيد
علها تلقي حمولة الخير
في صحارينا القاحلة ..


تثرية أنيقة أخي المكرم
كأنها متأثرة بالأدب الانجليزي وبأسلوب شعراء الانجليز
في بعض التراكيب وترتيب الجمل ..
هكذا أحسست
ومن خلال لغتك المتقنة هناك
تأكدت أنك تقرأ لهم كثيرا
وهذا شيء جميل جدا ..


أشكرك على هذه النترية بلغتها وسمو غرضها وفكرتها الهادفة ..

لك التقدير والاحترام وصادق الدعوات ..

[أحمد فؤاد صوفي]

راحيل الخير ،،،
هكذا هي الحياة فعلاً ...
لا تزيد أن تكون زيارة قصيرة جداً في عمر الزمن ...
نحسد من استطاع فهمها .. وتجاوزها عن بصيرة ...
ونأسى على من لا يقدر ما هو فيه من النعم ... وتوجه نحو ملذات ضئيلة فانية ..
تعليقك دوماً يكون في مستوى أدبي رفيع ..
أشكرك على كل ما تقدمينه في هذا المنتدى المحترم ،،،
تحيتي لك واحترامي ..