اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.تيسير الناشف
السيد الكاتب والباحث المصري خالد جودة
حتى يحقق العرب (والمسلمون طبعا) التقدم وحتى بسهموا في تطور الحضارة العالمية ينبغي لهم أن ينشؤوا على التفكير النشيط والنقدي والمنفتح والمحاور. والعرب أذكياء وذوو فطنة. ويمكنهم أن يتوفر لديهم هذا التفكير النقدي. غير أن اصحاب السلطة الرسمية وغير الرسمية (وفي كل البنى الاجتماعية تمارس السلطة وليس فقط في جماعة المتولين للسلطة الحكومية) يملون أساليبهم الثقافية الفكرية إملاء (والثقافة تعريفها أنها طريقة تعامل البشر بعضهم مع بعض أو طريقة تعاملهم مع الأشياء) على الذين هم هدف هذه السلطة. وبالتالي فإن الجو الثقافي الاجتماعي العربي ليس مفضيا إلى التنشئة على الفكر النقدي.
والجهات الفاعلة الغربية تثني عن التنشئة الفكرية النقدية. (إنها تريد شخصا موظفا يكون مسرورا براتب مئة أو مئتي جنيه في الشهر بالكاد يسد الرمق، دون أن يتصف بالفكر المحلل والمناقش والمجادل والناقد والنشيط وما إلى ذلك من الصفات، صفات الوثبة والفطنة واليقظة الفكرية وعدم الركون إلى المسلمات.
يمكن الخروج من هذا المأزق أو المعضلة عن طريق تولي فئة من الرجال والنساء للسلطة الحكومية
يكونون واعين وعيا كبيرا لأهمية تحقيق التنشئة على الفكر النقدي الحر الوثاب المنفتح الجريء.
إحدى مهمات المفكرين العرب في الوقت الحاضر ينبغي أن تكون الترويج لفكرة وجوب تمتع المتولين للسلطة الحكومية بوعي الحاجة إلى التنشئة على الفكر النقدي كبوابة تفضي إلى كسر قيود الأوهام وإلى الوعي العملي التطبيقي بأهمية التضامن العربي (والإسلامي) وإلى تحقيق ريادة الفكر والعقل العربيين على الساحة العالمية. (أنظر كيف عاد الدكتور أحمد زويل إلى الغرب، بينما من الأولى أن يكون قد أعد له الجو المناسب لأن يتخذ قرارا بالبقاء في بلده الأصلي).
وإذ أنتقل إلى السؤال التالي فأنا أحب الكتابة باللغتين العربية والإنكليزية. وأنا في المقام الأول مؤلف. ومن البسير علي أن أفصح عن فكري كتابة باللغتين. ولي بضعة مخطوطات باللغتين أسعى إلى نشرها.
الكتابة باللغتين تنطوي على قضايا، إحداها أن قلة القراء العرب نسبيا قد تكون عاملا في ثني المؤلف عن الكتابة باللغة العربية. قد يحدث هذا لدى المؤلف على الرغم من أن يتوق توقا شديدا الى الكتابة باللغة العربية التي أحبها أنا حبا قويا. وقد يفضل مؤلف الكتابة في لغة يتمتع متكلموها بقدر أكبر من الحرية في الإعراب عن الفكر.
|
أعزّك الله بالإسلام،
واعزّ الإسلام بك،
عرفتم الثقافة بقولكم :
( والثقافة تعريفها أنها طريقة تعامل البشر بعضهم مع بعض أو طريقة تعاملهم مع الأشياء).
وأرى أن طريقة تعامل البشر مع بعضهم البعض أو طريقة تعاملهم مع الأشياء إنما تحددها مفاهيم الناس عن الأشياء مربوطة بمفاهيمهم عن الحياة. والمفاهيم هي أفكار ارتبط تصديق الناس بها بمشاعرهم. فالمفاهيم عبارة عن أفكار ومشاعر، أي هي إدراك متصل بالشعور. إذ الشعور هو الدافع للسلوك في الحياة، فإذا اقترن الشعور بإدراك العقل كان السلوك بحسب الفكر، فالذي يُعين سلوك الانسان في الحياة إنما هي المفاهيم أي الأفكار التي لها واقع في الذهن ويُصدق بها الانسان .
وأما الثقافة فليست هي الأفكار فقط .
فاللغة مثلا من الثقافة وليست هي أفكارا أو ليست هي فكرا يتصل بسلوك الانسان في الحياة، لأن اللغة هي الألفاظ الموضوعة للتعبير عما في الذهن وليس للماهية. وقد ورد في إجابتكم المقتبسة ما يدل على أنكم تفرقون بين اللغة والفكر ، فقد قلتم :
( وإذ أنتقل إلى السؤال التالي فأنا أحب الكتابة باللغتين العربية والإنكليزية. وأنا في المقام الأول مؤلف. ومن البسير علي أن أفصح عن فكري كتابة باللغتين. ولي بضعة مخطوطات باللغتين أسعى إلى نشرها. ).
ومن الثقافة أيضا الفلسفة. والفلسفة تبحث فيما وراء الطبيعة، فهي أبحاث في غير الواقع المحسوس، فليست هي أفكارا، بل لا صلة لها بوقائع الحياة، فلا تأثير لها في سلوك الانسان في الحياة.
والتاريخ أيضا من الثقافة، والتاريخ قد يكون له تأثير في طريقة تعامل البشر مع بعضهم البعض وقد لا يكون له أثر مثل " وامعتصماه " فجزء من تاريخنا ولا وجود له في واقع حياتنا بكل أسف .
وعليه فتعريفكم للثقافة من شأنه أن يُخرج من تعريف الثقافة العناصر الأخرى التي لا أثر لها في طريقة تعامل البشر مع بعضهم البعض أو مع الأشياء. هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، طريقة تعامل البشر مع بعضهم البعض هي في واقعها العلاقات بين الناس. والعلاقات الدائمية بين الناس لا يؤثر فيها الأفكار والمشاعر التي يحملها الناس فقط وإنما يُضاف إليها عامل آخر مهم وهو النظام المطبق على الناس. فالذي يحدد طبيعة العلاقات الدائمية بين الناس أي في المجتمع هي الأفكار والمشاعر والنظام المطبق.
والنظام المطبق قد يتفق مع ثقافة الناس وقد يكون على النقيض مع ما يؤمن به الناس. كما هو واقع الحال في البلاد الاسلامية. ففي حالتنا لا يوجد تطابق بين ثقافتنا والعلاقات المفروضة علينا. فمثلا الربا علاقة موجودة تفرضها الأنظمة القائمة في عالمنا الاسلامي، والربا ليس من ثقافتنا. ومثلا الوحدة من ثقافتنا ، ولكن الواقع المفروض هو التجزئة بين المسلمين، فبدل أن نكون أمة واحدة، في دولة واحدة انظر إلى كم هي عدد الدول والكيانات القائمة في عالمنا الاسلامي، وكم هم عدد حكام هذه الأمة !
ومثلا من ثقافتنا حرمة التنازل عن شبر واحد من بلاد المسلمين، لكن ما تفرضه الأنظمة الحاكمة في بلداننا هو الاعتراف بحق اليهود بغالبية الأرض التي بارك الله فيها .
وعليه، فمن هذه الجهة أيضا يكون تعريفكم للثقافة مفتقرا للدقة لأنه يُوحي بأن العلاقات بين الناس هي بالضرورة نتاج لثقافة الأمة .
حجاً مبروراً وسعياً مشكوراً وذنباً مغفوراً
بإذن الله تعالى