لا شئَ فيكِ لي !
د. نديم حسين
( إزميليـَّةٌ على صفحة الماء )
فقيهُ الجليدِ مُتعـَبٌ . متعَثـِّرٌ بالبَردِ . يُطِلُّ من شُرفةٍ شماليـَّةٍ : أيتها الرياحُ الباردةُ ، أغيثيني بقَيلولَتـِكِ لأَقطفَ عنكِ إطلالَةً على لغةٍ تستحمُّ بنورٍ .. خصيبٌ خوفُ الخُطى الباردة . وسعادةُ التَّجوالِ أبـَدٌ ضيـِّقٌ . وبكاءُ البُكاءِ بُخارٌ .. في المآقي غيومٌ .. وما من مطر ! وأنا ما زلتُ حيـًّا يبذُرُ الغيمَ ليقطف الهطولَ .. أفواهٌ كثيرةٌ لسلالي الفارغةِ . وأنا حـَيٌّ حزينٌ حـَدَّ الموتِ ! لا يسمَعُ صوتـًا مؤنـِسـًا عندما تسقُطُ ثمرةٌ ناضجةٌ على عُشبِ روحِهِ . لا شئَ لفـِقـْهِ الجليدِ فيكِ ! لا شئَ فيكِ لي !!.
قطبانِ للأَرضِ ، وقلبي ثالثٌ .. مُصابـَةٌ مدائني الساهرةُ الماجنةُ بدُواريْ .. تدورُ الأرضُ ولا تُعيرُ البِشارةَ إصغاءً .. واجِفٌ قلبُها حـَدَّ الخَجَل . وأنا الباقي هنا ، حِصَّتي من هموم البلادِ نورٌ لها .. ومن عِبئِها راحَةٌ لها .. ومن صمتِها لغةٌ كثيرةٌ لها .. وحصَّتي من جليدِ ترحالي في وحدتي الباردةِ دفءُ البلادِ كلـُّهُ .. وكلـُّها .. وسيرَتي " جريمةٌ " مناوِبـَةٌ ، هامسةٌ ضميرَها الموجوعَ : أنتَ القتيلُ المُذنـِبُ . وهي البلادُ المُذنـِبـَهْ . فالسيفُ ماتَ ضميرُهُ ، لكنـَّهُ ما أَنـَّبـَهْ . ليُقالَ : حـَدٌّ خانـَهُ . ودمُ المُجَندَلِ عَذَّبـَهْ ! يا سادتي ، ما أصدَقَ الموتَ الذي أحيا القتيلَ فكّذَّبـَهْ !! للأرضِ قطبانِ ، وأنا .. لا شئَ فيكِ ليْ !!.
يسقُطُ قلبي في راحَتَي خريفِكِ ، وليسَ يُسعِفُهُ ربيعٌ ! يُريكِ الجنوبُ دروبـًا إليكِ ، ويهذي الشَّمالُ : أنامُ رياحًا على راحتيكِ .. شرقي وغَربي ذراعا ضبابٍ . ربيعُكِ أُمـِّيٌّ ، يحـُطُّ كطائرٍ خريفِيٍّ على غصنِكِ العاري .. يرميكِ بزهرةٍ من البلاستيك المُقَوَّى عن أغصانِ المحابرِ الناشفة .. ومرايا الفصولِ كَسَرَتْ أشعـَّتَنا ! فهل نكتفي بأنصافِ الأشعـَّةِ ؟ هل يُطِلُّ من شظايا الأشعـَّةِ نهارُنا ؟ ونحنُ العاجزينَ ، ينبُتُ من هدوءِ دمِنا العُشبُ العاشِقُ . لعلـَّهُ يُعيدُ للفصولِ رُشدَها ! ويُشعِلُ الحواسَّ فيكِ .. لا شئَ فيكِ لي !!.
أنتِ لستِ لي ! لا شئَ فيكِ ليْ إلاَّ امتِلاكُكِ المُطـْلَقُ لي ! أنا الباقي هنا لكِ ! أوبـِّخُ حنينَ الراحِلينَ إليهم .. وألعَنُ مَن حمَلَ لسانَهُ إلى " هناكَ " ليَدَّعيكِ !! وأُعلنُ بينَ يديكِ أنني، وبكلِّ ما أملكُ من أثاثِ الروحِ والعقلِ والقَلبِ لكِ وحدَكِ ! لا شئَ فيكِ لي إلاَّ امتِلاكـُكِ المُطلَقُ لي !!.