زراعة الحرير
الدودة الودودة ، عاملة مجدة و نبيهة ، لن يرضيها أن تنقض غزلها وتقدده ، لمجرد الذهاب في رحلة محدودة ، ستموت فيها بلا شك على شمعة ماجنة ، في غرفة مظلمة ، تجمع حولها حبيبين كاذبين ، في لحظة عشق عابرة . أو على سلك كهربي يحوط لمبة مشعة ، في جهاز صعق الحشرات الطائرة . الجهاز الذي شغله أحد الكاذبِيْنِ ، طلبا للصفاء وخوفا من الهرش والحك ..
تيك الدودة العاقلة لن تفعل ذلك أبدا ، هي المشغولة بحياكة فكرتها اللامعة ، في حبسها الذي اختارته بملء وعيها الدبق القصير . هل تصدقينني لو قلت : انها هي من أقنعت رعاتها بقتلها البطيء ؟ .. متاكد انك لن تصدقيني !.. لقد وقفت إحداهن في وجه راعيها وقالت : أجوهك بالله وبكل عارف منير أن تفعلها ، أقصر الطور ياجامع الحرير أو اكسره ، دعني أذوب في عين الشمس و حسنها ، دعها تدور حولي كعاشقة .. فأبوسها مرتين ، في الصباح وحين تغيب ، دعني أموت في فكرتي مرة ، علني يا راعي الفراشات أطير .
* و في لحظة إشراق نورانية ، وساعة رضا رحمانية ، اقتنع الزارع بفكرتها ، وحزن لأجلها كثيرا .. ، فأخذ يقلبها تحت الشمس ذات الشمال "كما شاءت" وذات اليمين .. كان يشويها بسعادة غامرة و تسليم عجيب .
* هذه الحادثة حقيقية وقديمة يؤكد المحب : من يومها لم أر فراشة تطير ابدا .. حتى أني بحثت عنها في قاعدة جهاز الصعق الكهربي ، لم أجد سوى ناموس كثير و هِسْهِسَ .. ، وبعوضتين بالغتين . ولكني أحيانا أسمع صوتها النعسان في السحر ، يطل علي من كهفها البعيد ، يهدهدني ، ويهمس في أذني القريبة : لازْراعلك بستان ورود .. وسجرة زغيرة تفييكي .. ولاغزيلك من نور الشمس .. ، فأبتسم مطمئنا ، و أمسح بيدي على طاقيتي الحرير البيضاء ، أعدلها منيح منيح .. شمال يمين يعني ، ثم أنام ....
**
* لازراعلك بستان ورود : أغنية للسوري فؤاد غازي
* ساجْرَةْ : شَجَرَةْ ..
* لازراعلِك : سَأَزْرَعَنَّ لك ..
* تفييكي : تظلك ..
* لاغزيلِّك : سَأغْزِلَنَّ لك ..
* منيح : مَليح ، كويس ..