14-01-2025, 01:07 PM
|
رقم المشاركة : 1
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
قراءة تحليلية لقصة "سواحل بيضاء" بقلم المبدعة مريم بنصالح
وافر الشكر والامتنان لأختي إلهام بيدبا على قراءتها الفذة في قصتي؛ إلهام بيدبا أومن بأنها ستكون ناقدة لامعة في القادم من الأيام؛ فهي تمتلك الأدوات والمعرفة والرؤية المتبصرة. أرجو لها مسيرة موفقة بتشجيعاتكم لها.
وجب التنبيه إلى أن هذه هي مغامرتها الأولى في مجال النقد، وأعتبرها ناجحة.
**
سواحل بيضاء.
قال لصاحبه وهو يحاوره: لعلنا نجد في هذا الشاطئ طعاما، وكأن الجوع لجسديهما قاتلا ، لما جلس على الصخرة اتخذ الرفيق في البحر عجبا، رمى بشبكة خياله بحثا عنه، فعادت كما ولدتها أمها، حزن حزنا شديدا، واتجه صوب جدار ونام بجواره كما ضريح، مر رجل فوجد الجدار يتداعى فقومه، ثم أيقظ النائم ومده بطعام وماء، وقاده إلى حيث ترسو سفينة بعد أن استخرج الكنز، وقال له : اذهب الى الضفة الأخرى، ستجد ناسا لا يظلم عندهم أحد، استثمر أموالك، وعش حياتك، ولا تناقش أمري بالمرة، ثم غاب كشمس في يوم مطير.
مجموعة"المشهد الأخير" . عبد الرحيم التدلاوي.... قصص قصيرة جدا....
🌹🌹قراءة عاشقة لواحدة من أجمل قصص المجموعة..
"سواحل بيضاء" نكرة موصوفة إشارة إلى انها تكتسب صفة الامتداد إلى اكثر من مكان، برمزية البياض النقي الصافي لكن بحمولة دلالتها منسحبة على النص مختزلة معناه.
بداية الفعل السردي ب"قال" بصيغة الماضي التي شملت اغلب القصة مؤشر قوي على وقوع الأحداث في زمن انقضى لكنه ممتد في الزمن الحاضر بافعال آنية مستقبلية، و على قالب وبناء حواري مسرحي بين بطلي القصة وسلوكياتهما الدالة على حركية متواترة بل وقائمة على صراع فكري بين الراوي البطل وصاحبه...... لكن ما أثار دهشتي وانا اقرأ مجموعة الكاتب في القصة القصيرة جدا-وهذا نموذج واحد للاستئناس - عبقرية تصويره واسلوبه ولغته التي انزاحت عن المعتاد لتنقلك إلى عوالم تجدك فيها متحررا من ذاتية الكاتب منخرطا في صنع عالمك الخاص، وانت تجتهد في تأويل المشهد وفق ما تسمح به مخيلتك ورؤياك المجتمعية دون أن تنسلخ عن الرسالة المقصودة... وهو ليس شيئا هينا ولا بسيطا وإنما فيه إمتاع المساهمة في إعادة كتابة النص ب نسج مخيلتك. والقصة تلقى بظلال وارفة على انزياح المشهد لسورة الكهف من خلال قصة موسى عليه السلام مع الخضر، بكل مكوناتها ومقوماتها السردية... قال تعالى: (وَإِذ قالَ موسى لِفَتاهُ لا أَبرَحُ حَتّى أَبلُغَ مَجمَعَ البَحرَينِ أَو أَمضِيَ حُقُبًا فَلَمّا بَلَغا مَجمَعَ بَينِهِما نَسِيا حوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبيلَهُ فِي البَحرِ سَرَبًا)... موسى يبحث عن ضالته في شخص اكثر منه علما بمجمع البحرين، وحين يجده يستنكر أفعاله ويجادله في صديقتها، لكن الخضر يرفض منه الحاحه في معرفة مبررات كل تلك التصرفات ليخبره بأنّه قد أتاه لِيُعلّمه: (قالَ لَهُ موسى هَل أَتَّبِعُكَ عَلى أَن تُعَلِّمَنِ مِمّا عُلِّمتَ رُشدًا قالَ إِنَّكَ لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا وَكَيفَ تَصبِرُ عَلى ما لَم تُحِط بِهِ خُبرًا)، إلّا أنّ موسى -عليه السلام- أصرّعلى صحبته دون أن يخالف أمره.. وافق الخضر بشرط ألّا يسأله عن شيء حتى يُبيّن له هو: (قالَ سَتَجِدُني إِن شاءَ اللَّـهُ صابِرًا وَلا أَعصي لَكَ أَمرًا قالَ فَإِنِ اتَّبَعتَني فَلا تَسأَلني عَن شَيءٍ حَتّى أُحدِثَ لَكَ مِنهُ ذِكرًا)؛ فبدآ المسير على ساحل البحر حين مرت بهما سفينة حملتهما. وقد تفاجأ موسى باقتلاع الخضر أحد ألواحها ؛ فأنكر فعله الذي لا يُناسب إحسان أهل السفينة لهما (فَانطَلَقا حَتّى إِذا رَكِبا فِي السَّفينَةِ خَرَقَها قالَ أَخَرَقتَها لِتُغرِقَ أَهلَها لَقَد جِئتَ شَيئًا إِمرًا)؛ فما كان من الخضر إلّا أن ذكّره بشرطه فاعتذر له مُبينا أنّ ذلك ما كان إلّا نسياناً منه: (قالَ أَلَم أَقُل إِنَّكَ لَن تَستَطيعَ مَعِيَ صَبرًا قالَ لا تُؤاخِذني بِما نَسيتُ وَلا تُرهِقني مِن أَمري عُسرًا)، فنزلا من السفينة ومشيا على الساحل حيث شاهد الخضر غلاماً يلعب مع رفاقه فأمسك برأسه واقتلعها فقتله،فأنكر موس فعله ؛فما كان من الخضر إلّا أن ذكّره بشرطه مرّة ثانية، واعتذر موسى ثم تابعا المسير إلى أن وصلا إلى قرية رفض أهلها ضيافتهما، فرأى الخضر فيها جداراً مائلاً يوشك على السقوط؛ فعدّل ميله لكن موسى استحسن أخذ أجر على فعله. فما كان من الخضر إلّا أن أخبره بأنّ لحظة فراقهما قد حانت وسيُوضّح الحكمة في جميع الأفعال التي أنكرها عليه: (قالَ هـذا فِراقُ بَيني وَبَينِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأويلِ ما لَم تَستَطِع عَلَيهِ صَبرًا).....
تماثل المشهدين واضح بكل الرموز من خلال حوار ومخيلة منحازين إلى المتن القرآني تجسيدا لواقع أشبه بكهف انعدمت فيه ملامح الحياة إلا من أرواح أمرها بيد خالقها.. واقع يسكنه هم البحث عن الذات واحتياجاتها كتعويض لفقد وضياع وحرمان يقتل حزنا.. وما الحل الا في الضفة الأخرى حيث الامل في حياة مشرقة... حالة انزياح لتسليط الضوء على مشهد معيشي مجتمعي يختزل معاناة مرتادي البحر بل الحياة بين بحرين سطت عليهما حيتان ضخمة اعتنقت الطغيان والسطو دون أن ترعوي، هي قسوة واقع مغر بالرحيل إلى حيث تلوح كرامة العيش،لكن مع رفض الجدل إقرارا بعدم جدواه في إيجاد حل تجسد في حكمة الخضر... وربما هو يأس يسكن النفوس بسبب الإحباط المنتشر.... فالمشهد هنا في انزياحه يتناصّ مع النص القرآني بحمولته التاريخية الدينيةفي إيجاز مبهر ولغة شاعرية ووعي فني قد يحتاج منك وقفة طويلة في مواضع وقصص قصيرة أخرى، لكنه هنا جلي وواضح ومتعته كبيرة في أن الكاتب يترك للقارئ عبر التأويل المجال الفسيح لتحريك الذهن والمخيلة.. هذه ميزة من مزايا النص القصصي القصير جدا الذي ابدع فيه عبد الرحيم التدلاوي أيما إبداع...وفيها يقول مقدم المجموعة الناقد " ادريس الزايدي" : " القصة القصيرة جدا هي حكي خاص. برق خاطف....استفزاز قوي يغري، تفك بناء الجملة لتجد نفسك مشدودا لسيل من الأسئلة.... الوان من النصوص تستعير آلياتها من سيمفونية الزمن الحديث..."...غيض من فيض التدلاوي وهو يعتنق هذا اللون من السرد القصص القصير جدا والذي يستفز العقول للإبحار معه واكتشاف مخزونه الساحر.....
|
|
|