منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - ظلال وقطاف ..
الموضوع: ظلال وقطاف ..
عرض مشاركة واحدة
قديم 13-02-2024, 04:40 AM   رقم المشاركة : 158
معلومات العضو
راحيل الأيسر
المدير العام
 
الصورة الرمزية راحيل الأيسر
 

 

 
إحصائية العضو







راحيل الأيسر متصل الآن


افتراضي رد: ظلال وقطاف ..

يقولون عن الحياة إنها كنهر يجري منسابا لا يتوقف ، يتدفق من المنبع وحتى المصب ..
وبعض يقول عن الحياة بل هي كقارب يمضي في بحر رهو وآخر عاصف ..
يمضي والريح السهوج تعصف بشراعه تارة ، وتارة تحركه أنسام هادئة .. حتى يبلغ منتهى رحلته وهناك عند شط الوصول يستريح
مثل مغترب أعياه طول المسير ..
هذه الحياة ، لكننا كبشر نشبه الشجرة في جذورها الضاربة في ازدهارها ونضرتها ثم ذبولها ..
في الفصول التي تمر بها
صيفا ، وخريفا ، وشتاء ، وربيعا ..
والمرأة ما أكثر أوجه الشبه بينها وبين الورد ..
وعشاق الورد بالضرورة يعشقون الجمال ..
و أما الجمال فله عشاق من الانس والجان والرجال والنساء على حد سواء ..
ولأني أحب الجمال
أحببت أكثر ما أحببت من مخلوقات الرب البديع
الخيول ببطنها الضامر وسبيبها ( شعرها ) الأصهب تارة والأسود أخرى ..
كل مافي الخيل خلاب .

ثمة قواسم مشتركة بين الحياة والجمال
كلاهما له مرحلة عنفوان ومن ثم مرحلة ذبول وانزواء ..
ما أجمل مرحلة استواء الجمال
وما أقسى مرحلة الذبول والذوي ..
يقولون حتى إن رحل الجمال يترك أثره قبل أن يغيب
تماما كالشمس حين تسحب خيوطها الذهبية اللامعة تصبغ الأفق بعقيق متشظٍّ قبل أن يلفها الليل تحت عباءته السوداء ويرتحل ..
هذا القلب المتعلق بالجمال يحزنه ذبول الجمال
حتى إن أقنعوه أن الوردة الذاوية لايزال أريجها يفوح من عمق قلبها العطري ..
الجمال كالقوة إن ذهبا وارتحلا قد لا يبقى لهما أثر ..

في قصيدة الشاعر الجاهلي :

لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ ..

كان تحليل الشطر الثاني أن الجمال وإن ذوى لابد يبقى أثره ..
لا ، ليس دائما
تماما كالقوة ، قد يحيل العمر محاربا إلى طفل لا يقوى على حمل نفسه .
كنت جالسة وأمي تتحدث معي وهي قائمة ..
لأول مرة بعد سنوات أحسست بعلامات الشيخوخة وأنا أراقب جيدها وأكتافها المتهدلة ..
يا آلله ..
هذه أمي أيقونة زمانها
تلك التي كانت صديقاتي وامهاتهن يحسدنني على جمالها ..
تلك التي كلما جلستُ مع صديقاتها ، أسهبن في وصف حسنها وجمالها الأخاذ في شبابها ..
تذكرتُ مرة عندما قالت لي إحداهن : أذكر أمك قبل عشرين عاما مضى .
كانت تسلب العقل ، هناك جمال ، وهناك جمال فوق حدود الوصف . تلك كانت أمك ..
أذكر يوم كنت طفلة في مدارس القرآن وكان يوم درس للتجويد ونسيت أن أخبرها أنني سأتأخر .. واقترب العشاء وأنا لم آت
فلبست عباءتها وجاءت إلى مدرستي تنهج من التعب والقلق ..
كيف أن معلمتي التي من بلاد الشام أرض الجمال الذي لا مثيل له ..
جلست تتأملها وتسألني هذه أمك ؟
رباه ما أجملها ..

أين هذا اليوم .. ؟؟!!!
رغم أنها عاشت مدللة ولم يحملها أبي يوما فوق طاقتها .. لكن هذا لا يمنع أنها تمرغت بكأداء الحياة ومشقتها وصروف الدهر ونوائبه ..
لم تعترف يوما أنها شاخت وذبلت
مع هذا كل مافيها ذوى ..
لماذا لم يرض الكريم الرحمان للمرأة الحزن ..
لأنه فتاك قاتل ..
أمي التي لم يظهر عليها سنوات عمرها ، شاخت فجأة بعد الحزن على وفاة أخيها من بعد زوجها ..
أترابها اللاتي كن في مثل عمرها
كانت هي تبدو أصغر منهن بعشرين سنة ..
اليوم تبدو أنها تكبرهن بعشر سنوات.

هكذا هبطت دون تدرج
فجأة من النقيض إلى النقيض ..
تسألني يا ابنتي .
هل ظهرت علي علامات الكبر..
يعتصر قلبي وأقول : لا ما زلت كما أنت ، فتسعد وتصدقني ..

كانت خالتي رحمة الله عليها تقول يارب عمرا على قدر صحتي
قبل أن تحتاج يدي اليمنى يدي اليسرى .
وأنا أقول وأعنيه يارب
عمرا بقدر جمالي .
فأنا قد لا أحتمل أن أشيخ .
نعم إنها سطحية في التفكير
لكني أعرف نفسي ..







 
رد مع اقتباس