منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-05-2022, 12:46 PM   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

﴿أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ ١٩
يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ
وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٠








﴿يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ:

كَادَ - يَكادُ من أفعال المقاربة قليلة الاقتران بـ أن. وانتفاء مقاربة الفعل ينتفى هو من باب أَوْلَى ولهذا كانَ قَولُه تعالى: ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ النور 40، أبلغَ مِنْ أَنْ لو قيل: لم يَرَها، لأنه لم يقارِبِ الرؤيةَ.
وكاد يدخل على فعل آخر فيعطيه معنى أن الفعل بدأ، ولكنه توقف ولم يكتمل ولم ينتهي إلى غايته ونهايته. وخبره مشروط فيه أن يكون فعلاً مضارعاً، تنبيهاً على أنه المقصود بالقرب من غير أن، لتوكيد القرب بالدلالة على الحال.
﴿الْبَرْقُ﴾: اللام للعهد، وهو البرق المذكور في الآية السابقة.
والخطف: أخذ الشيء بسرعة، ومنه سمي الطير خطافاً لسرعته.وإذا لمع البرق بشدة مفاجئاً من هو في ظلمة فإنه يؤثر في بصره تأثيراً يكاد يخطفه.
﴿كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ﴾: على تقدير مفعول لأن البرق لا يمشى فيه، والتقدير: كلما أضاء لهم ممشى مشوا فيه، أو على تقدير مضاف، والتقدير: كلما لمع لهم مشوا في مطرح ضوئه.
وقريء: {ضاء} ثلاثياً. كما قريء: {أُظْلِمَ} في ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ على البناء للمفعول،
و ﴿وَلَوْ﴾: حرف لما كان سيقع لوقوع غيره، وهو تعريف أدق من: حرف امتناع لامتناع.
﴿شَاءَ﴾: بمعنى أراد.
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾: أي: لو شاء الله ذهاب سمعهم بقصيف الرعد، وأبصارهم بوميض البرق لذهب بهما، فحذف المفعول لدلالة الجواب عليه، وحذف المفعول وإبقاؤه يحدده السياق، وإن كان الحذف أكثر لبلاغة الإيجاز. ومن إظهاره قول الشاعر:
ولَوْ شِئْتُ أنْ أبْكِي دَمًا لَبَكَيْتُهُ ..... عَلَيْهِ ولَكِنْ ساحَةُ الصَّبْرِ أوْسَعُ

ما مدلول: ﴿يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ﴾:

أي:يكاد نور القرآن لشدة ضوئه يعمي بصائرهم، كما أن البرق الخاطف الشديد يكاد يخطف بصر ناظره، ولا سيما إذا كان البصر ضعيفاً، ويقول الشاعر:
مِثْلَ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى ..... نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ
ويقول الآخر:
خَفَافِيشُ أَعْمَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ ..... وَوَافَقَهَا قِطَعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
وبصائر الكفار والمنافقين في غاية الضعف، وقد جرى توصيف ذلك في آيات عديدة، منها:
- قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ﴾ الرعد 19،
- وقوله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ﴾ فاطر 19،
ومن العلماء من قال في ﴿يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ﴾ أي: يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين.

ما سبب إضافة: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ للمثل؟:

هو تمثيل لحيرتهم وتخبطهم. وفيه تأويلان:
1) كلما أضاء لهم الحق اتبعوه، وإذا أظلم عليهم بالهوى تركوه،
2) كلما غنموا وأصابوا من الإسلام خيراً اتبعوا المسلمين، وإذا أظلم عليهم فلم يصيبوا شيئاً قعدوا عن الجهاد، كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ﴾ الحج 11.

لِمّ قال مع الإضاءة ﴿كُلَّمَا ومع الإظلام ﴿وَإِذَا؟:

- لأنهم حراص على إمكان المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها، وليس كذلك التوقف. إلاَّ أنَّ مِن النحويين مَنْ جعلَ أنَّ "إذا" تُفيد التكرار أيضاً، والشاهد:
إذا وَجَدْتُ أُوارَ الحُبِّ في كَبْدِي ..... أَقْبَلْتُ نحو سِقاءِ القومِ أَبْتَرِدُ
وقيل: معناها هنا: كلما.
- وكأنهم يمشون مع لمعان البرق، ويتوقفون عند خفيته.

لماذا خص السمع والأبصار للذكر دون سائر الحواس؟:

- لما جرى من ذكرهما في الآيتين من قوله: ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ وفي قوله: ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾، فلما جرى ذكرهما على وجه المثل، عقب بذكر ذلك بأنه لو شاء أذهبه من المنافقين عقوبة لهم على نفاقهم وكفرهم.
- وفي: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ تحذير للمنافقين ليثوبوا إلى الهدى، وهو أجدى لإيقاع الرعب في قلوبهم كما وقع لعتبة بن ربيعة حين قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ 13فصلت.

لِمَ أفرد السمع في: ﴿بِسَمْعِهِمْ﴾؟:

جاء بلفظ الواحد والمراد الجمع، كقول الشاعر:
كُلُوا في بَعْضِ بَطْنِكم تَعِفُّوا ..... فَإنَّ زَمانَكم زَمَنٌ خَمِيصٌ

ماذا أفاد مجيء: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ بعد: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾؟:

من العجيب أن يأتي من يعتقد التناقض بين الموضعين مع وضوح العلاقة بينهما. ففقدهم لحواسـهم هو فقد معنوي لا حسي. هم فقدوا الإدراك. جاء في سورة محمد: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ 16﴾فدل على أنهم يسـتمعون فلا يفهمون كأن حواسـهم معطلة، وقد غطاها الضلال بغلالة سميكة منعت اسـتقبال عقولهم لكل خير وصلاح.

ما وجه ورود الفاصلة: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾؟:

القدرة تعني التمكن من إيجاد الشيء، وقيل صفة تقتضي التمكن. والقادر هو الذي إن شاء فعل، وإن لم يشأ لم يفعل، والقدير الفعال لما يشاء على ما يشاء.

بين القادر والقدير والمقتدر:

1) ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ الأنعام 65.
2) ﴿مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ البقرة 106.
3) ﴿كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ ﴾ القمر 42.
4) ﴿عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ﴾ القمر 55.

يقال في معنى التقدير: التروي والتفكير في تسوية الأمور، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ المدثر 18. وفعله: قدرت الأمر أقدره إذا نظرت فيه. وقَدْرُ كل شيء ومقداره مقياسه، وقَدر الشيء بالشيء، وقدّرَهُ: قاسه. ويقال: قَدْرتُ لأمر كذا إذا نظرت فيه ودبرته.

والقادر اسم فاعل، من الفعل قدر، ومعناه المتمكن من الفعل فلا يلحقه عجز فيما يريد إنفاذه. والله القادر لأن له القدرة كصفة قائمة بذاته، فالله القادر على ما يشاء، لا يعجزه شيء، ولا يفوته مطلوب، أما إن وصف بهذا الوصف غير الله، فقد استحقه بالاستعارة من الله، مع جواز العجز، كأن يقدر في شأن، ويقصر في آخر، أو أن يقدر حيناً ويعجز أحياناً، بينما الله عز وجل قادر على كل شيء، في كل حين، لا يتطرق عليه العجز، ولا يعتريه فتور، ولا يفوته شيء. وقد يكون القادر بمعنى المقدر للشيء، يقال: قدرت الشيء وقدرته بمعنى واحد كقوله تعالى: ﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ المرسلات 23، أي: نعم المقدرون. أما قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ الأنبياء 87، فيتأول بمعنى: لن نُقَدِّرَ عليه الخطيئة أو العقوبة، إذ لا يجوز على نبي الله أن يظن عدم قدرة الله عز وجل في حال من الأحوال.

أما القدير فهي على "فعيل" وهي صيغة مبالغة من القادر، ولا تقال إلا لله، فهو التام القدرة، بقدرته أوجد الموجودات، وبقدرته دبرها، وبقدرته سواها وأحكمها، وبقدرته يحيي ويميت، ويبعث العباد للجزاء، ويجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، الذي إذا أراد شيئاً قال له: كن، فيكون، وبقدرته يقلب القلوب ويصرفها على ما يشاء ويريد. وهو القدير لا يُلابس قدرته عجز بأي وجه. قال ابن القيم:
وهوَ القَدِيرُ وليسَ يُعْجِزُهُ إِذَا ..... ما رَامَ شَيْئاً قَطُّ ذُو سُلْطَانِ
أي: هو القادر على كل شيء، فلا يعجزه شيء يريده، بل هو الفعال لما يريد، فلا يخرج عن مقدوره شـيء
من الموجودات، كما لا يخرج عن علمه، فكل ما تعلق به علمه تعلقت به قدرته ومشيئته.
وأما المقتدر ووزنه: مفتعل، مبالغة في الوصف بالقدرة، والأصل في العربية أن زيادة اللفظ تفيد زيادة المعنى. وقد ورد في القرآن الكريم في أربعة مواضع، ذكرنا منها موضعين جاءا في سورة القمر، والموضعان الآخران هما:
1) ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا 45الكهف.
2) ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ 41 أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ 42الزخرف.
فتبين أن المقتدر هو المظهر قدرته بفعل ما يقدر عليه، وقد كان ذلك من الله تعالى فيما أمضاه، وإن كان يقدر على أشياء كثيرة لم يفعلها، ولو شاء لفعلها، فاستحق بذلك أن يسمى: مقتدراً.

القادر والقدير والمقتدر كلها من اسماء الله الحسنى وصفاته العلي وتعني في جملتها السيطرة والتمكن والهيمنة كما تعني التقسيم والتنظيم والتخطيط، إلا أن الاقتدار أبلغ وأعم لأنه يقتضي الإطلاق، والقدرة قد يدخلها نوع من التضمين بالمقدور عليه. وفي قوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ حذر المنافقين من بأسه وسطوته، وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير، ثم قال: فاتقوني أيها المنافقون، واحذروا خداعي وخداع رسولي وأهل الإيمان بي، لا أحل بكم نقمتي، فإني على ذلك وعلى غيره من الأشياء قدير.






 
رد مع اقتباس