17-05-2022, 01:13 PM
|
رقم المشاركة : 51
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
﴿أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ وَٱللَّهُ مُحِيطُۢ بِٱلۡكَٰفِرِينَ ١٩
يَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ٢٠﴾
﴿يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلۡمَوۡتِۚ﴾:
الظاهرُ جملةَ ﴿يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم﴾ مستأنفة، وكأنه قيل: ما حالُهم؟ فقيل: يَجْعَلون ...
والجَعْلُ هنا بمعنى الإِلقاء، ويكونُ بمعنى الخَلْق فيتعدَّى لواحِدٍ، ويكون بمعنى صيَّر أو سَمَّى فيتعدَّى لاثنين، ويكون للشروع فيعملُ عَمَلَ عسى.
وواوُ الجماعة في: ﴿يَجۡعَلُونَ﴾ تعود للمضاف المحذوف (أصحاب صيب)، ويجوز إذا حُذِفَ المضافُ أن يُلْتفت إليه، أو لاَّ يُلْتَفَتَ إليه. وقد جُمِع الأمران في قوله تعالى: ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾ الأعراف 4، والتقدير: وكـم من أهـل قريـة. وقد تجاوزه في قوله: ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ و ﴿فَجَآءَهَا﴾ ، وراعاه في قوله: ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾.
وأصابِعُهم جمعُ إصْبَع. "يَجْعلون" كما تقدم إيضاحُهُ.
و ﴿فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَاعِقِ﴾ كلاهما متعلقٌ بالجَعْل، و ﴿مِّنَ﴾ معناها التعليل.
والصواعِقُ: جمع صاعقة، وهي الصيحة الشديدة من صوت الرعد يكون معها القطعة من النار، ويقال: ساعِقة بالسين، وصاقِعة بتقديمِ القاف، وهي لغة بني تميم وبعض بني ربيعة وأنشد :
ألم تَرَ أنَّ المجرمين أصابَهُمْ صواقِعُ، ..... لا بل هُنَّ فوق الصواقِعِ ومثلُه قول الآخر:
يَحْكُمُونَ بالمَصْقُولَةِ القواطِعِ ..... تَشَقُّقَ اليدَيْنِ بِالصَّواقِعِ وعليها قريء: {الصواقع}.
ونصب ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ على أنه مفعول لأجله، وقيل أنه منصوب على المصدرِ، وعامِلُهُ محذوفٌ تقديرُهُ: يَحْذَرُونَ حَذَراً مثلَ حَذَرِ الموت.
والحَذَرُ والحِذار مصدران لحَذرِ أي: خافَ خوفاً شديداً.
والموتُ ضدُّ الحياة يقال: مات يموت ويَمات، قال الشاعر:
بُنَيَّتي سَيِّدَةَ البناتِ ..... عِيشي ولا يُؤْمَنُ أن تَماتي وعلى هذه اللغة قُرِئَ: مِتْنَا ومِتُّ بكسر الميم كخِفْنَا وخِفْت. والمُوات بالضمِّ الموتُ أيضاً، وبالفتح: ما لا رُوحَ فيهِ، والمَوَتان بالتحريك ضد الحَيَوان، والمُوتان بضمِّ الميم: وقوعُ الموتِ في الماشية، ومُوِّت فلانٌ بالتشديد للمبالغة، قال:
فَعُرْوَةُ مات موتاً مستريحاً ..... فها أنا ذا أُمَوَّتُ كلَّ يومِ والمُسْتميتُ: الأمرُ المُسْتَرْسِلُ، قال رؤبة:
وزَبَدُ البَحْرِ له كَتِيتُ ..... والليلُ فوق الماء مُسْتَمِيتُ
لِمَ قال ﴿يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ﴾ مع أن رؤوس الأنامل هي التي توضع في الآذان؟:
هنا ملامح ثلاث:
1) إطلاق الأصابع موضع الأنامل من الاتساع، وهو إطلاق كل على بعض، مثل: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ المائدة 38، والمقصود الأكف. وهو كمن قال: إنهم من هول المشهد كأنهم لا يكتفون بوضع الأنملة في آذانهم، بل لو أمكنهم السد بالأصابع كلها لفعلوا،
2) ورد الإبهام في الأصابع، والمعهود وضع المسبحة في الآذان، فمن دهشتهم ورعبهم يدخلون أي أصبع كانت ولا يسلكون المسلك المعهود،
3) استخدام الجعل في موضع الإدخال أدل على إحاطة الثاني بالأول من إدخاله فيه، وهذا من المجاز اللغوي لتسمية الكل بقصد الجزء أو للتجوز في الجعل.
﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾:
هي جملةٌ اعتراضية من مبتدأ وخبرٍ.
الإِحاطةُ: حَصْرُ الشيء مِنْ جميعِ جهاتِهِ، وهو هنا مجاز. أي: لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط به حقيقة.
ما قيل في إحاطة الله بالكافرين؟:
- عبارةٌ عن كونِهِم تحت قَهْرِهِ، ولا يَفُوتونه.
- وقيل: جامعهم وقدرته مُسْتولية عليهم؛ كما قال: ﴿وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ﴾ البروج 20، أي: يجمعهم فيعذبهم.
- وقيل: عالم علم مجازاة كما في ﴿وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ الجن 28.
- وقيل: مشرف على الهلاك، كما قال: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ البقرة 81.
- وقيل: مُهلِك، قال تعالى: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ الكهف 42.
- وقيل: ثمَّ مضافٌ محذوفٌ، أي عقابُهُ محيطٌ بهم.
ما المقصود من قوله: ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾؟:
1) الإحاطة معناها السيطرة التامة على الشيء بحيث لا يكون أمامه وسيلة للإفلات، وقدرة الله سبحانه وتعالى محيطة بالكافرين وغير الكافرين: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ﴾ فصلت 54. ولأنه تعالى لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ذكر أنه مطلع على أعمالهم، فقال فيهم: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ الأنفال 47، وهو تنويه إلى أنه معاقبهم على أعمالهم ومعذبهم بها.
2) ورود صفة الكافرين هنا في هذه الجملة الاعتراضية تؤكد أن المنافقين ليسوا إلا طائفة من الكافرين، فيقع عليهم حكم الكفر، مضافاً إليه حكم النفاق.
ما قيل في تشبيه المثل في الآية؟:
- مثل للقرآن، شُبه المطر المنزل من السـماء بالقرآن، وما فيه من الظلمات بما في القرآن من الابتلاء، وما فيه من الرعـد بما في القرآن من الزجر، وما فيه من البرق بما في القـرآن من البيـان، وما فيـه من الصواعق بما في القرآن من الوعيد الآجل، والدعاء إلى الجهاد في العاجل،
- إنه مثل لما يخافونه من وعيد الآخرة لشكهم في دينهم، وما فيه من البرق بما في إظهار الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم ومواريثهم، وما فيه من الصواعق بما في الإسلام من الزواجر بالعقاب في العاجل والآجل،
- أنه ضرب الصيب مثلاً بظاهر إيمان المنافق، ومثل ما فيه من الظلمات بصلابته، وما فيه من البرق بنور إيمانه، وما فيه من الصواعق بهلاك نفاقه.
|
|
|