منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 21-11-2021, 11:42 AM   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

﴿الٓمٓ ١﴾




﴿الۤمۤ﴾:

في إعراب: ﴿الۤمۤ﴾ ونحوها سـتةَ أوجه:
1) أنها لا محلَّ لها من الإِعراب،
2) أو لها محلٌّ، وهو الرفعُ بالابتداء،
3) أو الرفعُ على أنها خبر،
4) أو النصبُ بإضمارِ فعلٍ،
5) أو النصبُ بحَذْفِ حرف القسم،
6) أو الجرٌّ بإضمارِ حرفِ القسم.
وهي تُقرأ: ألف لام ميم، وهي من الحروف المسماة: الحروف المقطعة، أو المقطعات، أو الحروف النورانية. وهي خاصة بالقرآن الكريم وحده، ولم يعرف هذا الأسلوب في الاسـتهلال قبله.
والأحرف المقطعة تجيء في مطالع تسع وعشرين سـورة قرآنية. والأحرف هي:
- ثمانية وسبعون حرفاً، تختصر في أربعة عشر حرفاً غير مكرر،
- وكلها تُعد آيات مفردة إلا:
...1 ﴿الۤمۤر﴾ الرعد،
...2 ﴿الۤرۤ﴾ يونس وهود ويوسف وإبراهيم والحجر،
...3 بينما ﴿حمٓ 1 عٓسٓقٓ 2﴾ الشورى تعد آيتين.

الإحصاء العددي للحروف المقطعة في السور:

1) ثلاث سور بدأت بحرف واحد: ﴿ص﴾ ﴿ق﴾ ﴿ن﴾ ، ولم يستقل الحرف هنا بالآية،
2) تسع سور بدأت بحرفين:
- ﴿طه ١﴾،
- ﴿طسٓۚ تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱلۡقُرۡءَانِ وَكِتَابٖ مُّبِينٍ ١النمل، وردت كجزء من الآية،
- ﴿يسٓ ١﴾،
- ﴿حم ١﴾ غافر، فصلت، الزخرف، الدخان، الجاثية، الأحقاف،
3) ثلاث عشرة سورة بدأت بثلاثة حروف:
- ﴿الۤمۤ﴾ البقرة، آل عمران، العنكبوت، الروم، لقمان، السجدة،
- ﴿الۤرۤ﴾ يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحجر، وقد وردت فيها كلها كأجزاء من آية،
- ﴿طسم﴾ الشعراء، القصص، وقد وردت في آيات مستقلة ،
4) سورتان بدأتا بأربعة حروف:
- ﴿الۤمۤر﴾ الرعد، وهي جزء من آية،
- ﴿الۤمۤص ١﴾ الأعراف،
5) سورتان بدأتا بخمسة حروف:
- ﴿كهيعص ١﴾ مريم،
- ﴿حم ١ عسق ٢﴾ الشورى آيتان.
هي أربع عشرة حرفاً، وهي لغوياً أسـماء لدلالة كل منها على نفسه دلالة مستقلة. وقد استعمل فيها الحرف بمعنى الكلمة، على عكس المعنى الاصطلاحي للحرف؛ إذ الحروف في اللسان العربي تدل على معانٍ في غيرها. وقالوا إن الحروف المقطعة هي مفاتيح للسـور التي وردت فيها، وقيل فيها أقوال كثيرة عبر العصور.

وأشهر الأقوال فيها:

1) هي سـر من أسـرار الله اختص بها نفسه، فلا تسـأل عنها،
والرد على هذا القول يسير؛ إذ لا يجوز أن يكون في كتاب الله ما لا يكون مفهوماً للخلق،
2) كل حرف فيها مفتاح اسم من أسماءه،
3) هي أبعاض أسـماء الله تعالى، فحروف: "الر. حم. ن" تجميع لاسـم الرحمن، والباقي لم يعرف تركيبه،
4) هي أسماء الله مقطعة، مخفي فيها اسـم الله الأعظم،
5) هي صفات أفعال الله،
6) بعضها يدل على اسـم الله وبعضها يدل على غيره، مثل: الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد،
7) كل واحد من الحروف يدل على فعل من الأفعال،فالمعنى في:﴿الۤمۤ﴾: فِي مَعْنَى "أَلِفٍ": أَلِفَ اللَّهُ مُحَمَّدًا فَبَعَثَهُ نَبِيًّا، وَمَعْنَى "لَامٍ": لَامَهُ الْجَاحِدُونَ وَأَنْكَرُوهُ، وَمَعْنَى "مِيمٍ": مِيمُ الْجَاحِدُونَ الْمُنْكِرُونَ مِنَ الْمُومِ وَهُوَ الْبِرْسَامُ.
8) هي أسماء القرآن،
9) هي أسماء سور القرآن،
10) ذكرت احتجاجا على الكفار لعجزهم عن معارضة القرآن بمثله، أو بعشـر سور أو بسـورة،
11) جاءت مقطعة كتدريج للبشـر، من حروف لجمل ذات معان معجزة، مثل تعليم الصبيان بحروف ثم المركبات من الحروف، ثم يعلمونهم القرآن آيات وسوراً،
12) وسيلة للفت الانتباه، وجمع الاهتمام وجذب القلوب. أو هي إيقاظ للمشركين كقرع العصا لمن تحدى بالقرآن،
13) كل حرف منها مدة لأقوام بحسب حساب الجمل،
14) جاءت تنبيهاً للمخاطبين على قطع كلام واستئناف كلام جديد،
15) هي ثناء أثنى الله به على نفسه،
16) هي حروف لا يعلمها إلا العالمون، فلما جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم على أميته دل هذا على أنه ينقل عن الغيب،
17) النطق بأسـماء الحروف اقتصر على المتعلم، فلما جاء به الرسـول الأمي دل على أنه أوحي به إليه،
18) الألف من أقصى الحلق، وهو أول مخارج الحروف، واللام من طرف اللسان، وهو وسط المخارج، والميم من الشفة، وهو آخر المخارج، فهذه إشارة إلى أنه لابد أن يكون أول كلام العبد ووسطه وآخره ذكرا لله تعالى، على ما قال: ﴿فَفِرُّوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۖ﴾ الذاريات 50،
19) تأويلات صوفية، مثل: الألف للشـريعة، واللام للطريقة، والميم للحقيقة، أو: الألف إشارة إلى وحدانية الذات، واللام إلى أزلية الصفات، والميم إلى ملكه في إظهار الآيات، أو: الألف للقيام، واللام للركوع، والميم للسجود. أو تأويل صاحب الفتوحات بأنها أسماء للملائكة، وأنها إذا تليت كانت كالنداء لملائكتها فتصغي أصحاب تلك الأسماء إلى ما يقوله التالي بعد النطق بها،
20) تأويلات مذهبية شـيعية تشير لخلافة علي كرم الله وجهه، ومنها قولهم في:﴿حمٓ 1 عٓسٓقٓ 2﴾: إِنَّ الْحَاءَ حَرْبُ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَالْمِيمَ وِلَايَةُ الْمَرْوَانِيَّةِ وَالْعَيْنَ وِلَايَةُ الْعَبَّاسِيَّةِ، وَالسِّينَ وِلَايَةُ السُّفْيَانِيَّةِ، وَالْقَافَ قُدْوَةُ مَهْدِيٍّ
21) هي من الرمز الذي تستعمله العرب، مثل:
قُلْتُ لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَافْ
أراد قالت: أقف،
22) هي كلمات سـريانية، لكل منها معنى مستقل مرتبط بالنص القرآني الذي وقع في استهلاله،
23) في هذه الحروف رموز وحقائق دينية وتاريخية ستظهرها الأيام،
24) هي رموز لأسماء النبي وصفاته، جاءت على هيئة نداء بحرف نداء مقدر، بدليل ظهور ذلك الحرف في ﴿يس﴾ بمعنى يا سيد،
25) هي علامة لأهل الكتاب من أنبيائهم أن القرآن يفتتح بحروف مقطعة،
26) هي دلالة لمن قالوا بقدم القرآن على حدوثه، بدليل أنه مؤلف من حروف كحروف الكلام التي تتكلمون بها،
27) هذا القرآن هو مثال على الفرق بين صنع الله وصنع غيره من خلقه،
28) في فهم حديث قيل: كلها حروف مقطعة ما عدا: ﴿طه﴾: وتعني يا أيها الرجل بالحبشية، و﴿يس﴾ وتعني: عبد الله (من: إلياسين، وإل تعني الله)، و ﴿ن) ويقصد بها حوت يونس.
29) الإشـارة إلى إعجاز القرآن: إن هذا الكتاب مؤلف من جنس تلك الحروف التي تصيغون منها كلامكم، ومنه ما تتباهون به من شعر ونثر، فإنا نتحداهم بكتاب معجز، أن تأتوا بمثله، أو بعشـر سور منه، أو بسـورة واحدة تباريه،
30) من الإعجاز الرقمي الدال على تناسـق القرآن الكريم،وتناسـب آياته وكلماته وحروفه بالعدد والمعنى.

ولعل التفسير الأنسب لعصرنا هو أنها كلها دليل إعجاز، يتحدى به المولى جل وعلا الإنس والجن. فالحروف -على ما نرى- مفاتيح للسـور الواردة فيه، لها بها علاقات معنوية وعددية، لمن يسـبر غورها، ويسـتخرج من كنوزها. وأزعم أن بمقدور المتخصصين في الإعجاز العددي للقرآن الكريم الغوص فيها لوضع خرائط عددية تبين:
1) علاقة كل حرف منها بغيره من الحروف الواردة معه، مثل علاقة الألف باللام والميم،
2) وعلاقتها كلها بحروف وكلمات السورة الواردة فيها،
3) وبمجمل القرآن الكريم،
4) وعلاقة كل حرف نوراني بسائر الحروف الأربعة عشر،
5) وخصوصية السور التي وردت فيها الحروف نفسها،
6) وعلاقاتها فيما بينها، مثل الحواميم، أو الطواسيم.
7) وغير ذلك كثير.
إن إفتراضات البحث في هذا الحقل كثيرة لا تكاد تحصى، وحري بمن يملك القدرة على الخوض فيها أن يخرج لنا من الكنوز ما لم يخطر على بال، ليزداد فهمنا لكتاب الله، ولنرى بعض الأسرار التي لا يحيط بها إلا العليم الخبير.
ماذا كان موقف غير المسلمين منها؟:

إذا استقصينا ـ بداية ـ زمن نزول الآيات التي وردت فيها الحروف، لا نجد نصاً يطعن فيها، أو يطعن في القرآن بسببها. إن المشركين كانوا يتعطشون لهدم هذا الدين في مهده، ويبذلون الغالي والرخيص لإبعاد الناس عنه. رأيناهم يحاجون الرسول صلى الله عليه وسلم في مثل: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلٗا وَنَسِيَ خَلۡقَهُۥۖ قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيمٞ ٧٨يس فلماذا إذن لم يراجعـوه في هذه الحـروف؟ لعل الجواب هو انهم اســتوعبوها وفهمـوا المغـزى
منها، وأمامنا نموذجان واضحان على تقديرهم للنص القرآني مشتملاً على هذه الحروف:
1) في خبر عتبة بن ربيعة مع الرسول صلى الله عليه وسلم ما يزيد الأمر وضوحاً. إن الرجل إغراء الرسول صلى الله عليه وسلم بشؤون من الدنيا تثنيه عن دعوته، فكان موقف الرسول صلى الله عليه وسلم منه بعد أن استمع إليه، أن يطلب منه سماعه، وما رد صلى الله عليه وسلم بأكثر من تلاوة آيات من أوائل ﴿حم﴾ فصلت*، فقال لقومه: والله قد سمعت قولا ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة.
* عن جابر بن عبد الله، قال: أَرْسَلَتْ قريشٌ ، عُتْبَةَ بنَ ربيعةَ - وهو رجلٌ رَزِينٌ هادىءٌ - فذهب إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: يا ابنَ أَخِي، إنك منا حيثُ قد علمتَ من المكانِ في النسبِ، وقد أَتَيْتَ قومَك بأمرٍ عظيمٍ فَرَّقْتَ به جماعتَهم، فاسمَعْ مِنِّي أَعْرِضْ عليك أمورًا لعلك تقبلُ بعضَها. إن كنتَ إنما تريدُ بهذا الأمرِ مالًا جَمَعْنا لك من أموالِنا حتى تكونَ أكثرَنا مالًا. وإن كنتَ تريدُ شَرَفًا سَوَّدْناكَ علينا فلا نَقْطَعُ أمرًا دونَك. وإن كنتَ تريدُ مُلْكًا مَلَّكْناكَ علينا. وإن كان هذا الذي يأتِيكَ رِئْيًا تَرَاه لا تستطيعُ رَدَّه عن نفسِك، طَلَبْنا لك الطِّبَّ، وبَذَلْنا فيه أموالَنا حتى تَبْرَأَ. فلما فرَغَ قولُه تلا رسولُ اللهِ عليه الصلاةُ والسلامُ صَدْرَ سُورَةِ فُصِّلَتْ: ﴿حمٓ ١ تَنزِيلٞ مِّنَ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ٢ كِتَٰبٞ فُصِّلَتۡ ءَايَٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا لِّقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ ٣ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا فَأَعۡرَضَ أَكۡثَرُهُمۡ فَهُمۡ لَا يَسۡمَعُونَ ٤ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِيٓ أَكِنَّةٖ مِّمَّا تَدۡعُونَآ إِلَيۡهِ وَفِيٓ ءَاذَانِنَا وَقۡرٞ وَمِنۢ بَيۡنِنَا وَبَيۡنِكَ حِجَابٞ فَٱعۡمَلۡ إِنَّنَا عَٰمِلُونَ ٥ قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ فَٱسۡتَقِيمُوٓاْ إِلَيۡهِ وَٱسۡتَغۡفِرُوهُۗ وَوَيۡلٞ لِّلۡمُشۡرِكِينَ ٦ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ ٧﴾. إسناده حسن. أخرجه البيهقي في دلائل النبوة، وابن عساكر في تاريخ دمشق من حديث محمد بن كعب القرظي، وأورده الألباني في "فقه السيرة" ص 107.

2) وفي شهادة الوليد بن المغيرة للقرآن الكريم بعد سماعه لآيات تستفتح بشيء من الحروف المقطعة ما يدلل على تقدير العرب لهذا النص المعجز الذي لا يقدر على الإتيان بمثله بشر: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً؛ ما هو من كلام الأنس ولا من كلام الجن؛ والله إنَّ له لحلاوة، وإنَّ عليه لطلاوة، وإنَّ أعلاه لَمُثمِر، وإنَّ أسفَلهُ لَمُغدِق، وإنّه يعلو ولا يُعلى عليه*.
* قال البيهقي عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن سعيد بن جبير- أو عكرمة عن ابن عباس -أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش وكان ذا سن فيهم، وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا فأجمعوا فيه رأيا واحدا ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قول بعضكم بعضا. فقيل: يا أبا عبد شمس، فقل، وأقم لنا رأيا نقوم به، فقال: بل أنتم فقولوا وأنا أسمع. فقالوا نقول كاهن؟ فقال ما هو بكاهن رأيت الكهان. فما هو بزمزمة الكهان. فقالوا نقول مجنون؟ فقال ما هو بمجنون ولقد رأينا الجنون وعرفناه فما هو بحنقه ولا تخالجه ولا وسوسته. فقالوا: نقول شاعر؟ فقال ما هو بشاعر قد عرفنا الشعر: برجزه وهزجه، وقريضه ومقبوضه، ومبسوطه فما هو بالشعر. قالوا فنقول هو ساحر؟ قال ما هو بساحر قد رأينا السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا بعقده. قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لمغدق، وإن فرعه لجني فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وان أقرب القول لان تقولوا هذا ساحر، فتقولوا هو ساحر يفرق بين المرء ودينه، وبين المرء وأبيه، وبين المرء وزوجته، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وعشيرته فتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حتى قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم أمره. البداية والنهاية لابن كثير، ج3، ص79.

أما يهود يثرب الذين لديهم ثقافة مختلفة عن تراث عرب الجزيرة اللغوي والأدبي، فقد رأوا أن يترجموا الحروف لحساب الجمل فضاعوا وضلوا: "لأنه ذكر أن جماعة من اليهود منهم كعب بن الأشرف وحيي بن أخطب، وأبو ياسر بن أخطب، وشعبة بن عمرو، ومالك بن الصيف دخلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: بلغنا أنك قرأت: ﴿الۤمۤ ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ﴾ فإن كنت صادقا، فيكون بقاء أمتك إحدى وسبعين سنة، لأن ثم الألف: واحد، واللام: ثلاثون، والميم: أربعون. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا له: وهل غير هذا؟ قال: نعم ﴿الۤمۤصۤ﴾. فقالوا: هذا أكثر، لأن ﴿ص﴾ تسعون. فقالوا: هل غير هذا؟ قال: نعم ﴿ الۤر﴾. فقالوا: هذا أكثر، لأن (الراء) مائتان. ثم ذكر ﴿الۤمۤر﴾ فقالوا: خلطت علينا يا محمد لا ندري أبالقليل نأخذ أم بالكثير؟"*. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرحهم بجدال أو نقض أو تفسـير، وتركهم في تخبطهم.
* بحر العلوم للسمرقندي، ج1، ص 21.

وأما الادعاء بأن الراهب بحيرى وضع الحروف في القرآن الكريم كرموز تدل على المسيح، فكلام ساذج بأدلـة واهيـة مزورة لا يقبلهـا عقل واع، ولا تسـتحق الوقوف عندهـا. وقد ثبت في الســنة أن بحيـرى قابل الرسول صلى الله عليه وسلم في الشام وهو طفل في صحبة عمه أبي طالب، ولم يرو أنه صادفه بعدُ*. ومن بين الكذب ما بثه المسـتشـرقون وأشـياعهم من نصارى العرب أن الإسـلام صنعة ورقة بن نوفـل، الذي سـلم الراية بعده لبحيرى الذي أكمل تأليف القرآن حتى مات في العام الثاني من الهجرة. وقد فند القرآن الكريم فرية تعليم البشر للرسول صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ نَعۡلَمُ أَنَّهُمۡ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُۥ بَشَرٞۗ﴾ النحل 103.
* ورد خبر اللقاء في حديث من رواية أبي موسى الأشعري حسنه الترمذي وإسناده جيد وقد صححه الحاكم والجزري وقواه العسقلاني والسيوطي، وصححه الألباني. وحديث إسناده مرسل صحيح لأبي مجلز أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى 1/20.

حول مضمون الآية:

تسع وعشرون سورة من سور القرآن الكريم تفتتح بحروفٍ مفردةٍ أو مركبةٍ من حروف الهجاء. وهي لا تعطينا ـ على قدر معارفنا ـ معنىً محدداً، أو دلالة نفهم منها مضمونها. وقد سموها بالمقطعات، أو فواتح السور، أو الحروف النورانية، أو ـ وهو الأكثر شيوعاً ـ الحروف المُقَطّعَة. ومنها ما أتي حرفاً مفرداً، مثل "ق" أو حرفين، مثل: "طه"، أو ثلاثة، مثل "طسم" أو أربعة، مثل: "المص"، أو خمسة موصولة، هي:
"كهيعص"، أو مقسومة، هي: "حم عسق". وسميت مقطعة لتقطيعها عند القراءة، فهي تقرأ حرفاً حرفاً حتى لو كانت موصولة. وسر الاستفاضة في بحثها، لغياب الاتفاق على معانيها، ولاتخاذها مركباً لطعن القرآن وإثارة الشك فيه. وقد بلغ الاهتمام بها حد تأليف الكتب حولها، ليزيد عدد الأقوال في معانيها على ثلاثين وجهاً. ومما زاد الأمر إلغازاً أنه لم يرد لنا أن أحداً من العرب الأوائل استنكر تلاوتها، أو استغرب وجودها في القرآن، أو صرح بإبهام فهمه لها. ولم يأتنا أن عربياً من عصر النبوة أعاب على النبي صلى الله عليه وسلم تلاوتها، أو استغرب سماعها، ولم يتخذ المشركون منها وسيلة للطعن والاستهزاء، مع ما كان منهم من حرص على نقض الإسلام ودك قواعده، وهذا يشير إلى أنّهم لم يكونوا يجهلون أسـرار وجودها في النص القرآني. وعلى الجانب الآخر، تفنن العلماء في تركيب عبارات من تجميع الحروف من غير تكرير، قالوا:
- "صراط علي حق نمسكه"
- " وصح طريقك مع السنة"
- " نصٌ حكيمٌ قطعاً له سر"
- "نص حكيم له سر قاطع"
في محاولات منهم لإيجاد مدلول للحروف، بعقد علاقة فيما بينها.

والقرآن الكريم في مجمله كتاب معجز تحدى به الله الإنس والجن أن يأتوا بمثله ﴿وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهيرًا﴾ الإسراء 88. ومما لا شـك فيه أن هذه الحروف داخلة في التحدي، فالعرب وإن جاءوا في أشـعارهم باختصار للكلام يحوي طرفـاً يشـبه الحروف المقطعـة، وقد مثلنـا لها في اســتعراضنا لأقـوال الناس حول
معاني الحروف المقطعة. وهم وإن قالوا: قاف بقصد قول: وقفت، أو نحوها من اختصارات، مثل:
نادَوْهُمُ أنْ ألْجِمُوا ألاتا ..... قالُوا جَمِيعًا كُلُّهم ألا فا
يريد: ألا تركبون، قالوا بلى فاركبوا، ومثل:
بِالخَيْرِ خَيْراتٍ وإنْ شَرًّا فَآ ..... ولا أُرِيدُ الشَّرَّ إلّا أنْ تَآ
معناه: وإن شـراً فشـر، ولا أريد الشـر إلا أن تشـاء.إلا أنهـا لم تزد عن شـذرات جاءت كملح ونوادر. أمـا القرآن الكريم، فأوردها في نظام وسبك معجز، حير الناس إلى اليوم. ومع منطقية القول بأن الله أراد باختيار حروف بعينها هي نصف حروف الأبجدية، ليدلل على أن هذه الحروف متداولة بينكم، وميسرة لكل منكم، قد نسجنا منها كتاباً معجزاً، فانظموا منها كتاباً يقابل هذا التحدي ويجاريه، إلا أن قيمة الحروف المقطعة أعلى من ذلك، وسرها أعمق من التحدي اللغوي أو البلاغي. ولا يخفى على أحد الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم، إذ هو من أهم أركان الإعجاز القرآني، وفيه معين لا ينضب، وكنوز يغترف منها كل جيل، لكن سر الحروف يشمل الفصاحة وزيادة.

ورغم وجاهة القول القائل بأن معظم الحروف المقطعة تلاها ذكر الكتاب على نحو من الأنحاء، إلا أن "ألم" العنكبوت والروم لم يأت في مطلعيهما ذكر الكتاب، و "كهيعص" مريم كذلك، و "ن" ذكر فيها القلم وما يسطرون. والذي نراه مستحقاً للبحث والدراسة هو منهج الإعجاز العددي، وقد تيسر لعصرنا علم لم يتيسر للأجيال السابقة، وصار بالإمكان الاستفادة من الحاسبات الإلكترونية في الوصول لحسابات رقمية دقيقة، تكاد تخلو من الخطأ. ولمعرفة سر الحروف المقطعة ينبغي بحث العلاقة بين:
- كل حرف والسورة التي جاء فيها،
- كل تركيب (مثل: حم) ونص القرآن،
- السور التي اختلف فيها حرف واحد، كالعلاقة بين سـور "ألم" و "المر" و "المص"، أو "طس" و "طسم"،
- "حم عسق" وسائر الحواميم،
- الحروف الأربعة عشر وباقي حروف الأبجدية في النص القرآني، من حيث التواتر والقيم العددية،
- الحروف مجمعة وإجمالي النص القرآني،
- الحروف غير المكررة وإجمالي النص القرآني،
- لفظ "الكتاب" أو "القرآن" والحروف النورانية علاقة عددية.
هذا جانب من المواد التي تستحق البحث، لعلنا نخرج بعدها بتفسير حديث لقيمة هذه الأحرف النورانية، وهو مجال قد تصنف فيه دراسات ودراسات.







 
رد مع اقتباس