منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-11-2022, 01:05 PM   رقم المشاركة : 167
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

المدخـــل






الوحدانية:


ويمكن توضيح دليل النظام الدال على وجود الله من خلال الخطوات التالية:

أوّلاً: الصياغة المنطقية:
على مقدمتين: مقدمة حسية، وهي أن هذا العالم منظم، ومقدمة عقلية، وهي أن كل منظَّم يحتاج إلى منظِّم.

ثانياً: مفهوم النظام :
مفهوم النظام من المفاهيم الواضحة في ذهن الإنسان، ومن خصائص النظام أنه يتحقق بين أمور مختلفة سواء كانت أجزاء لمركب، أو أفراداً من ماهية واحدة، أو ماهيات مختلفة. فهناك ترابط وتناسـق بين الأجزاء، أو توازن وانسجام بين الأفراد يؤدي إلى هدف وغاية مخصوصة، هي وجود الشيء على ما هو عليه من النظام الهادف.

ثالثاً: كيفيّة الاستدلال بالنظام :
يتألّف دليل النظام من المقدمتين:
وإثبات المقدمة الأولى (هذا العالم منظَّم) إمّا بالمشاهدة الحسيّة الظاهرية وإمّا بفضل الأدوات والطرق العلميّة التجريبية. ومن هنا فإن للعلوم الطبيعية دور واسع في هذا الدليل. وفيما يلي إشارات سـريعة على بعض النماذج النظامية:

- المنظومة الشمسية: إنّ من أهم ما يلفت النظر في المنظومة الشمسيّة هو المسافات الدقيقة التي تفصل الشمس عن الكواكب التابعة لها. والحركات المنتظمة لهذه الشمس والكواكب وما يتولد عن ذلك، أو يترتب عليه من الأحوال اللازمة كالفصول والليل والنهار وما شابه ذلك.
- عالم النبات: إنّ النظر إلى النباتات يهدينا إلى أنّ هذا النوع من الكائنات عالم عجيب تحكمه المعادلات الدقيقة ونجد من عجيب التركيب هذه الأمور والأسرار العجيبة في عالم النباتات إلى ظهور علوم مختلفة مثل علوم تركيب النبات وشكله، وعملية التخليق الضوئي و.. إلخ.
- خلق الإنسان :لو قلنا بأنّ الإنسان من أعجب الكائنات وأكثرها إثارة للدهشة لم نكن في ذلك مبالغين، وذلك لأننا نجد في هذا الكائن كل ما تفرق في المخلوقات مضافاً إلى أجهزة معقّدة أخرى. ومن الأجهزة المعقّدة التي تثير الدهشة لكثرة ما فيها من عجائب وأسرار وأنظمة وقوانين: عالم الخلايا، جهاز الهضم، جهاز الدورة الدموية، جهاز التنفس، جهاز المخّ، ولعلّ أكثر أقسام الجسم البشري تعقيداً ونظاماً هو "المخ" باعتباره مركز القيادة والأعصاب التي هي وسيلة اتصال المخ بالجسم وبالعكس .
وعليه، فإن المقدمة الأولى في دليل النظام ثابتة بالمشاهدة الحسيّة الظاهرية، أو من خلال الأدوات والطرق العلميّة التجريبية. ولهذا ذكرنا في خصائص هذا النوع من الأدلة أنها تستند إلى مقدمات حسيّة تجريبية.
وإثبات المقدمة الثانية (كل منظَّم يحتاج إلى منظِّم): إنّ العقل بعدما لاحظ النظام وما يقوم عليه من دقة وروعة في التقدير والتوازن والانسجام، يحكم بالبداهة بأن أمراً هكذا شأنه يمتنع صدوره إلا عن فاعل قادر عليم ذي إرادة وقصد، ويستحيل أن يتحقق ذلك صدفة وتبعاً لحركات فوضوية للمادة العمياء الصمّاء، فإنّ تصوّر مفهوم النظام، وأنه ملازم للحساب الدقيق والعلم، يكفي في التصديق بأن النظام لا ينفك عن وجود منظِّم عالِم أوجده، وحُكم العقل بذلك من البديهيات .

وعليه فإن وجود النظام في الكون والحياة لا بد أن يكشف عن وجود المنظّم ، وذلك بمقتضى حساب الاحتمالات الذي يرفض اعتبار الصدفة سبباً لوجود النظام في عالم الشهادة، فالشخص الأمي إذا أراد أن يكتب مقالة بسيطة أو شعراً بمجرد الضغط عشوائياً على مفاتيح الآلة الكاتبة بصورة عفوية وتصادفية، فإن ذلك بحساب الاحتمالات يستغرق بلايين السنين بحيث لا يكفي حتى عمر الأرض لإنجاز ذلك. هذا إذا تصورنا ما تحتاجه مجرد مقالة بسيطة لتظهر صدفة فكيف بهذا العالم الرحب والواسع والمعقد في تكوينه تعقيداً بالغاً ؟!

وإن المقدمة الثانية في دليل النظام عقلية بديهية لا تحتاج إلى الدليل والبيان، وهي ترتكز في صميمها إلى قانون العليّة الثابت بحكم العقل البديهي.
والنتيجة: بما أن العالم منظَّم بحسب المشاهدات الحسية والوقائع التجريبية، وبما أن كل منظَّـم يحتاج إلى منظِّـم بالبداهـة العقلية، إذاً فالعالم يحتاج إلى الخالـق المنظِّـم، وبذلك يثبت المطلوب وهو وجود الله سبحانه وتعالى .
ولتتأمل إنك إذا نظرت إلى السماء وجدت فيها نظاماً كونياً عظيماً، بحيث لو اختلّ هذا النظام لحظة واحدة لتحطمت الأجرام السماوية ولاصطدمت بعضها ببعض. والهواء الذي نستنشقه فيه من النظام ما لو زادت نسبة الأوكسجين فيه أو نقصت لهلك البشر، كما أن الماء الذي نشربه لو اختلفت مركّباته لما وجد، وهكذا في كل شيء تجده في هذا العالم سواء كان في السماء أو في الأرض. وحتّى هذا الإنسان الذي يجري على سطح الارض إذا طالعت تشريح عينه أو أنفه أو أذنه، أو جهازه الهضمي أو الدوري، لوجدت نظاماً رائعاً عجيباً. وكذلك الأمر في النبات والأنعام، وتسيير المحيطات والبحار والأنهار، وتوزيعها، وما فيها من أحياء. أفلا يدل هذا النظام على وجود خالق منظّم ؟! ويُضرب مثل لنفي الفوضى والعشوائية التي يدعيها الملحدون، إذا وجدت ساعة يد ساعة ملقاة فى صحراء، محكمة الصنع، لها عقرب للساعات وآخر للدقائق وثالث للثواني، ولها مفتاح لملئها إذا فرغت، وتروس ومحركات وقطع دقيقة تؤدى كل منها وظيفة، ولها غطاء لوقايتها يفتح ويغلق حسب الحاجة، وأنها تعمل دون تأخير أو تقديم منذ سنوات لا تعد، فهل يعقل أن يقول عاقل بأن الساعة أوجدت نفسها؟! أو أنها تكونت بالصدفة من قطع مهملة في الصحراء، تجمعت من تلقاء نفسها؟!. وأي ساعة اضبط من الشمس تلك الساعة العظمى المحكمة التي تحدد الزمن بدقة ، وقد صار لها ملايين السنين، دون خلل أو ملل. وقريب من هذا الاستدلال ما روي عن قول أبي حنيفة لبعض الزنادقة المنكرين للخالق: "ما تقولون في رجلٍ يقولُ لكم: رأيتُ سفينةً مشحونةً بالأحمالِ، مملوءةً من الأنفال، قد احتوشتها في لُجَّةِ البحرِ أمواجٌ متلاطمة، ورياحٌ مختلفة، وهي مِنْ بينها تجري مستويةً، ليس لها ملاّحٌ يجريها، ولا متعهِّدٌ يدفعُها، هل يجوزُ ذلك في العقل؟ قالوا: هـذا شيءٌ لا يقبلُه العقلُ. فقال أبو حنيفة: يا سبحان الله! إذا لم يجزْ في العقلِ سفينةٌ تجري في البحرِ مستويةً من غيرِ متعهِّدٍ ولا مُجْرٍ، فكيف يجوزُ قيامُ هـذه الدنيا على اختلافِ أحوالها، وتغيُّرِ أعمالها، وسَعَةِ أطرافها، وتباين أكنافها، من غير صانعٍ ولا حافظٍ؟!". هذا القانون الذي سلّمت به العقول، وانقادت له، هو الذي تشير إليه الآية الكريمة: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) الطور 35، وهو دليلٌ يرغمُ العقلاءَ على التسليم بأنَّ هناك خالقاً معبوداً، إلاّ أنَّ الآيةَ صاغته صياغةً بليغةً مؤثّرةً، فلا تكادُ الآية تمسُّ السمعَ حتى تزلزلَ النفسَ وتهزَّها.






 
رد مع اقتباس