منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-10-2022, 12:13 PM   رقم المشاركة : 126
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَسۡتَحۡيِۦٓ أَن يَضۡرِبَ مَثَلٗا مَّا بَعُوضَةٗ فَمَا فَوۡقَهَاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَيَعۡلَمُونَ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّهِمۡۖ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلٗاۘ يُضِلُّ بِهِۦ كَثِيرٗا وَيَهۡدِي بِهِۦ كَثِيرٗاۚ وَمَا يُضِلُّ بِهِۦٓ إِلَّا ٱلۡفَٰسِقِينَ 26)







ما الفرق بين الإرادة والمشيئة:

في قوله تعالى: (وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ مَا ٱقۡتَتَلُواْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يُرِيدُ 253) البقرة، إثباتُ صفةِ المَشيئَةِ، وفيها أيضًا إثباتُ صفةِ الإرادةِ، والإرادةُ والمشيئةُ بينَهما شيءٌ من التداخلِ، فالإرادةُ الكَوْنِيَّة مطابقةٌ للمشـيئةِ، والإرادةُ الشرعيَّةُ مطابقةٌ للمحبةِ، وإرادة الله قد يقَعُ مُقْتضاها وقد لا يَقَعُ. إن الله - تعالى - أراد الطاعات شـرعاً، فأراد من الخلق كلهم الإيمان شرعاً، وأراد منهم الطاعات، فأراد منهم أن يتقوه، فيعبدوه، ويذكروه، ويطيعوه، وهذه إرادة شرعية. وأراد منهم ترك المعاصي شرعاً. وهو - تعالى - يحب الطاعات، ويبغض المعاصي، فهذه إرادة شرعية وهي تستلزم المحبة للمراد.

إنَّ اللهَ - تعالى - أرادَ للعبادِ أن يَعبدوه، فمنهم مَن امتَثَلَ، ومنهم مَن لم يَمْتَثِلْ، فمَن امتَثَلَ صدَقَتْ فيه الإرادةُ الشرعيَّةُ وهي محبوبةٌ للهِ - جلَّ وعلا - ومَن لم يَمْتَثِلْ ولم يَعْبُدِ اللهَ ثبتت عليه المشيئةُ والإرادةُ الكَوْنِيَّة وهي غيرُ محبوبةٍ للهِ - جلَّ وعلا -. وقد اقتَضَتْ حكمةُ اللهِ أن يَشـاءَ شيئًا إرادةً كَوْنِيَّة وهو لا يُحِبُّه. ويقَعُ في تصرُّفاتِ البشرِ من هذا النوعِ الكثيرُ؛ فالرجلُ يُقدِّمُ ولدَه بطوعِه واختيارِه إلى الطبيبِ؛ ِليَفتَحَ بطنَه ولِيزيلَ عنه ما يُؤذيه وهو يَكرَهُ هذا العملَ، فهو مكروهٌ من وجهٍ، محبوبٌ من وجهٍ.

والمكلَّفُ مطالبٌ بأن يدورَ مع الإرادةِ الشـرعيَّةِ والسعي إلى تحقيقها، ولا يَلْتَفِتَ إلى الإرادةِ الكَوْنِيَّة. وعلى المُسـلمِ أن يتعلَّقَ بالإرادةِ الشَّـرعيةِ، ولا يتعلَّلَ بالإرادةِ الكَوْنِيَّة؛ لأن ذلك دليلُ العجزِ. إن الله يشاء السـرقة والزنا، لكنه لا يرضاها، ولا يحبها، وإن وقعت فبعلمه وإرادته؛ لأن كل ما يقع في الملكوت بإرادته، ولو لم يردها لما وقعت. لكن ليس كل ما يقع يكون محبوباً لله. وقد احتجَّ المشركون بالإرادةِ الكَوْنِيَّة، فقالوا: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) الأنعام 148، فاللهُ أرادَ أن يشـركوا إرادةً كَوْنِيَّة من بابِ الابتلاءِ لهم، مع أن اللَه هداهم إلى السبيلِ هدايَة دَلالةٍ وإرشادٍ، لكنهم اختاروا الضلال، كما قال - تعالى - عن ثمود: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيۡنَٰهُمۡ فَٱسۡتَحَبُّواْ ٱلۡعَمَىٰ عَلَى ٱلۡهُدَىٰ) فصلت 17، فهم الذين جنوا على أنفسِهم. والحق هو في التوسط بين الجبرية والقدرية الذين اختلط عليهم الأمر، فلم يحسنوا التفريق بين الإرادة والمشيئة. والقول الفصل هو في أن للعبدِ حريةً واختيارًا؛ لأنه لو كان مجبورًا لكان في ذلك ظلمٌ له، لكنَّ مشـيئته واختيارَه لا تخرجُ عن مشيئةِ اللهِ وإرادته الكَوْنِيَّة.






 
رد مع اقتباس