منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-09-2022, 01:21 PM   رقم المشاركة : 111
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۖ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ وَلَهُمۡ فِيهَآ أَزۡوَٰجٞ مُّطَهَّرَةٞۖ وَهُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ 25)







(كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنۡهَا مِن ثَمَرَةٖ رِّزۡقٗا):

(كُلَّمَا): ظرف زمان، إمَّا أن يكون صفة ثانية لـ (جَنَّٰتٖ تَجۡرِي)، أو خبر مبتدأ محذوف، أو جملة مسـتأنفة؛ لأنَّه لَمَّا قيل: (أَنَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ) لم يَخْلُ قَلْبُ السَّـامِع أنْ يقع فيه أنَّ ثمار تلك الجنَّات تُشبهُ ثِمَارَ الدُّنْيَا أم لا؟.
والأصل في: (كُلَّمَا) أن "كل" منصوب على الظرف وسرت إليه الظرفية من إضافته لـ "ما" المصدرية الظرفية.
والعاملُ في (كُلَّمَا) هاهنا: (قَالُواْ)، و(مِنۡهَا) متعلِّق بـ(رُزِقُواْ)، و"مِن" لابتداء الغاية وكذلك(مِن ثَمَرَةٖ) لأنها بَدَلٌ من قولِه: (مِنۡهَا) بدَلُ اشتمالٍ بإعادةِ العاملِ. و (رِّزۡقٗا) مفعولٌ ثانٍ لـ (رُزِقُواْ)، وهو بمعنى "مَرْزوقٍ".
(رُزِقُواْ): رَزَقَ، يَرْزُقُ، رِزْقَاً، فهو رَازِقٌ، والمفعول: مَرْزُوق. تقول: رزقه الله: أعطاه نعمة وعطاءً. ورُزِقَ بمولود إذا وُلِدَ له. وتقول في الصحيح المعافى: ما زال حياً يُرْزق.
والرِزْق هو كل ما ينتفع به من عطاء دنيوي أو أخروي. وقد يُسَمَّى المَطَرُ رِزْقاً كما في قوله تَعالى: (وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن رِّزۡقٖ فَأَحۡيَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَا) الجاثية 5، والآية فيها دليل على نوعي الرزق. والله - تعالى - يخبرنا في آيات عديدة على أن الرزق إنما يكون منه، مثل قوله: (وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقۡنَٰكُم) المنافقون 10، فإذا رزق أحدهم من مخلوق، فلا يزيد ذلك المخلوق عن كونه وسيلةً وسبباً لرزق الله.

ما موقع: (مِن ثَمَرَةٖ)؟:

ثمة وجهان:
1) تنكير الثمـرة هو كقولك كلما أكلت من بسـتانك من الرمان شـيئاً حمدتك فموقع (مِن
ثَمَرَةٖ) موقع قولك من الرمان. و (مِن) لابتداء الغاية، لأن الرزق قد ابتدأ من الجنات والرزق من الجنات قد ابتدأ من ثمرة وليس المراد بالثمرة التفاحة الواحدة أو الرمانة الفردة على هذا التفسير، وإنما المراد النوع من أنواع الثمار.
2) أن يكون (مِن ثَمَرَةٖ) بياناً على منهاج قولك: رأيت منك أسداً تريد: أنت أسد، وعلى هذا يصح أن يراد بالثمرة النوع من الثمرة أو الحبة الواحدة.


(قَالُواْ هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ):

(هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا): مبتدأ وخبرٌ في محلِّ نصبٍ بالقول، وعائدُ الموصولِ محذوفٌ لاستكمالِهِ الشروطَ، أي: رُزِقْناه.
و (مِن قَبۡلُۖ) متعلِّقٌ به. و (مِن) لابتداءِ الغايةِ، ولَمَّا قُطِعَتْ (قَبۡلُۖ): بُنِيَتْ.
وإن قيل: كيف يصح أن يقولوا: هذا الذي رزقنا الآن، وهو (ٱلَّذِي رُزِقۡنَا مِن قَبۡلُۖ)؟، أجيب عليه بأنه لما اتحد في الماهية وإن تغاير بالعدد صح أن يقال: هذا هو ذاك، أي: بحسب الماهية فإن الوحدة النوعية لا تنافيها الكثرة بالشخص، ولذلك إذا اشتدت مشابهة
الابن بالأب قالوا إنه الأب.
ومعمول القول:
- إما أن يكون جملة خبرية يخاطب بها بعضهم بعضاً، وليس ذلك على معنى التعجب.
- أو أن يقولون ذلك على طريق التعجب، لأنهم يرزقون الثمرة ثم يرزقون بعدها مثل صورتها، والطعم مختلف، فيتعجبون لذلك ويخبر بعضهم بعضاً.


(وَأُتُواْ بِهِۦ مُتَشَٰبِهٗاۖ):

الظاهرُ أن هذه جملةٌ مستأنفةٌ لا محلَّ لها، ومنه: (وَجَعَلُوٓاْ أَعِزَّةَ أَهۡلِهَآ أَذِلَّةٗۚ وَكَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ 34) النمل، أو هي معترضة - لا محلَّ لها أيضاً - بين أحوالِ أهل الجنة، فإنَّ بعدها: (وَلَهُمْ فِيهَآ أَزْوَاجٌ)، وقيل: هي عطفٌ على (قَالُواْ)، وقيل: محلُّها النصبُ على الحالِ، وصاحبُها فاعلُ (قَالُواْ) أي: قالوا هذا الكلامَ في هذه الحالِ، ولا بُدَّ من تقديرِ "قد" قبل الفعلِ أي: وقد أُتوا.
وفاعل الإتيان المضمر: للوِلْدان والخَدَمْ، للتصريحِ بهم في غير موضع. والضميرُ في (بِهِۦ) يعودُ على المرزوق الذي هو الثمرات، كما أنَّ (هَٰذَا) في: (هَٰذَا ٱلَّذِي رُزِقۡنَا) إشارةٌ إليه.
والتشابه: تفاعل من الشبه، والشبه المثل.
وانتصب: (مُتَشَٰبِهٗا): على الحال من الضمير في (بِهِۦ)، وهي حال لازمة، لأن التشابه ثابت له، أتوا به أو لم يؤتوا به، والتشابه قيل: في الجودة والخيار، فإن فواكه الجنة ليس فيها رديء، أو هو تشابه في اللون دون الطعم، أو في الطعم واللذة والشهوة، وإن اختلفت ألوانه، أو متشابه بثمر الدنيا في الاسم مختلف في اللون والرائحة والطعم، أو متشابه بثمر الدنيا في الصورة لا في القدر والطعم.

هل المشبه به من أرزاق الدنيا، أم من أرزاق الجنة؟

الآية تدل على أنهم شبهوا رزقهم الذي يأتيهم في الجنة برزق آخر جاءهم قبل ذلك، فالمشبه به فيه وجهان:
1) أنه من أرزاق الدنيا، ويدل عليه وجهان:
- الأول: كأنهم قالوا: هذا الذي وَعَدنَا به في الدُّنيا؛ فإن الإنسان بالمألوف آنس وإلى المعهود أميل، فإذا رأى ما لم يألفه نفر عنه طبعه، ثم إذا ظفر بشيء من جنس ما سـلف له به عهد، ثم وجده أشـرف مما ألفه أولاً، عظم ابتهاجه وفرحه به، فأهل الجنة إذ أبصروا الرمانة في الدنيا ثم أبصروها في الآخرة ووجدوا رمانة الجنة أطيب وأشرف من رمانة الدنيا كان فرحهم بها أشد من فرحهم بشيء مما شاهدوه في الدنيا.
- والثاني: كأنهم قالوا: هذا الذي رُزِقنا في الدنيا، لأنَّ لونه يشـبهُ لـون ثمـار الدُّنيـا، فإذا أكلوا وجدوا طَعْمَهُ غير ذلك. أي أن قوله: (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا) يتناول جميع المرات، فيتناول في كل مرة من أرزاق الجنة شـيئاً، فيقول: هذا الذي رزقنا من قبل، أي في الدنيا، ويشبهون في كل مرة رزق الجنة بشيء من أرزاق الدنيا، فإذا طعموا علموا أنه شيء آخر أطيب وأشهى.
2) أن المشبه به رزق الجنة أيضاً، والمراد تشابه أرزاقهم ثم اختلفوا فيما حصلت المشـابهة فيه على وجهين:
- الأول: المراد تساوي ثوابهم في كل الأوقات في القدر والدرجة حتى لا يزيد ولا ينقص.
- الثاني: المراد تشابهها في المنظر واللون، لكِنَّها تكون مختلفةً في الطَّعْم، أو أنه يُشْبِهُ ثَمَرَ الدُّنيا، ويباينه في جل الصِّفات.

ما وجه الاشتباه في الرزق؟:

هم مختلفون:
- فمنهم من يقول: الاشتباه كما يقع في المنظر يقع في المطعم، فإن الرجل إذا التذ بشيء وأعجب به لا تتعلق به نفسه إلا بمثله، فإذا جاء ما يشبه الأول من كل الوجوه كان ذلك نهاية اللذة.
- ومنهم من يقول: إنه وإن حصـل الاشــتباه في اللـون لكنها تكون مختلفة في الطعـم، وقيل: يؤتى أحدهم بالصحفة فيأكل منهـا ثم يؤتى بالأخـرى فيقول هذا الذي أتينا به من قبل، فيقول المَلَكُ: كل فاللون واحد والطعم مختلف.
- وقال رأي ثالث: إن ثمار الجنة متحدة الصورة مختلفة الطعوم؛ فاختلاف الأشكال في الدنيا نشأ من اختلاف الأمزجة والتراكيب فأما موجودات الآخرة فإنها عناصر الأشياء فلا يعتورها الشكل وإنما يجيء في شكل واحد وهو الشكل العنصري. ويحتمل أن في ذلك تعجيباً لهم والشيء العجيب لذيذ الوقع عند النفوس ولذلك يرغب الناس في مشاهدة العجائب والنوادر.






 
رد مع اقتباس