منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2022, 03:12 PM   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة متصل الآن


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

(وَإِن كُنتُمۡ فِي رَيۡبٖ مِّمَّا نَزَّلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّن مِّثۡلِهِۦ
وَٱدۡعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ 23)







ما قيل في النزول والتنزيل:

وقع الخلاف في أول وأصل نزول القرآن. وسبب الخلاف هو في استعمال القرآن لفعلي: أنزل، ونَزَّل. أما الإنزال، فدليله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) البقرة 185، وقوله: (إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍۚ) الدخان 3،وقوله: (إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ 1) القدر، وأما التنزيل فدليله: (وَقُرۡءَانٗا فَرَقۡنَٰهُ لِتَقۡرَأَهُۥ عَلَى ٱلنَّاسِ عَلَىٰ مُكۡثٖ وَنَزَّلۡنَٰهُ تَنزِيلٗا 106) الإسراء، وقوله: (وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡلَا نُزِّلَ عَلَيۡهِ ٱلۡقُرۡءَانُ جُمۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ وَرَتَّلۡنَٰهُ تَرۡتِيلٗا 32) الفرقان، فهل نزل مرة واحدة إلى السماء الدنيا، ثم نزل على الرسول - عليه الصلاة والسلام - مفرقاً، أو كان نزوله على صفة واحدة، مفرقاً حسب الوقائع. قد اختلف العلماء في هذا النزول على أقوال أشهرها قولان :
أولهما: وهو قول الأكثر: أن القرآن قد نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر جملةً واحدة ، ثم نزل بعد ذلك منجَّماً في ثلاث وعشرين سنة . وكان الله - عز وجل - يُنزل على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - بعضه في أثر بعض، فقالوا: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً).
القول الثاني: أنه ابتُديء إنزال القرآن في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجَّماً في أوقات مختلفة حسب الحوادث والوقائع وحاجات الناس.
على أن هذا الخلاف ليس له كبير أثر في واقع تنزيل القرآن على النبي - عليه الصلاة والسلام - وقد قيل إن هذا التنزيل سببه إظهار كرامة القرآن وعظيم منزلته في العالَم العلوي . فإن قيل: ما السر في إنزاله جملة إلى السماء؟
قيل: فيه تفخيم لأمره وأمر مَن نزل عليه ، وذلك بإعلان سـكان السـموات السبع أن هذا آخر الكتب المنزلة على خاتم الرسـل لأشـرف الأمم.

وقد بحثنا الفروق بين الإنزال والتنزيل في أول السورة، وبينَّا أن الإنزال تم في ليلة القدر بتحويل القرآن إلى صيغة لسانية بعد أن كان كلاماً في علم الغيب لا يعلمه إلا الله، ثم تم التنزيل تنجيماً وفق الوقائع والأحداث طوال البعثة النبوية. ومَثلّنا الإنزال والتنزيل بآيات إنزال اللباس والحديد والأنعام.

ما فائدة تنزيل القرآن مفرقاً؟:

في نزول القرآنُ متفرقًا حسب الوقائع والمناسبات حِكَم بالغة:
1) تثبيت قلب النبي - عليه الصلاة والسلام - وهذه الحكمة هي التي رد الله بها على اعتراض الكفار في نزول القرآن متفرقًا بقوله تعالي: (كَذَٰلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِۦ فُؤَادَكَۖ) الفرقان 32، أي لنقوّي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به، وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل.

2) التحدي والإِعجاز: لقد اعترض الكفار على نزول القرآن مُفرَّقًا، كما قال القرآن عنهم، وبما أنهم قد عجبوا مِن نزوله مُفرقًا، فإن الله تحداهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا، وإن تحديهم به مُفرَّقًا أقوى في الِإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة واحدة فمن يعجز عن أن يأتي بسورة مثله مُفرقًا يعجز بالأولى من الِإتيان بمثله جملة واحدة.

3) تيسير حفظ القرآن وفهمه وترتيله: إن نزول القرآن مُفَرَّقًا يسهل للناس حفظه وفهمه، ولا سيما إذا كانوا أُميين كالعرب الذين نزل القرآن بلغتهم، فكان نزوله مُفرقًا خير عون لهم على حفظه في صدورهم، وفهمهم لآياته، كلما نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة، وتدبروا معانيها، وعملوا بها. كذلك قد أمر الله نبيه بترتيل القرآن، فلزم أن يعلمه للناس، ولو نزل القُرآن دفعة واحدة، لَما استطاع النبيّ تعلُّم الترتيل، وتعليمه للصحابة الذين سينقلونه إلى مَن بعدهم من المسلمين.

4) تنشيط نفوس المؤمنين لقبول ما نزل من القرآن والعمل به: حيث يتشوق المسلمون إلى نزول الآية، ولا سيما عند الحاجة إليها كما في آيات الأحكام؛ كما أنّ نزوله مُفرَّقاً يُمهّد لهم تغيير بعض العقائد والأحكام التي تعلّقوا بها.

5) مسايرة الحوادث: ساير القرآن المواقف المهمة من سيرة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه، في مثل: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) التوبة 25، فدعاهم لتصحيح المسار، وتثبيت دعائم الإيمان بنصر الله في قلوب المسلمين.
وقد يكون القُرآن مُجارياً لبعض الوقائع، كقصة المرأة التي جاءت تشتكي زوجها؛ بسبب ظهاره منها، فأنزل الله آياتٍ تُبيّن حُكم الله في هذه الواقعة، وما شابهها، وذلك كلّه يُسهم في معالجة المواقف بوضع الحلول الشرعية لها، بحيث تصبح بعد ذلك نهجاً مُتّبعاً.
وكإجابة القُرآن على بعض الأسئلة الإيمانية، نحو: سؤال بعض الناس عن الروح، فقال تعالى: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) الإسراء 85، أو الأسئلة التشريعية، نحو سؤال المؤمنين عن حُكم الله - تعالى - في اليتامى، إذ قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) البقرة 220.
وهذا النوع من الإجابات يُبيّن الطريق الصحيح الذي يجب أن يسير فيه المؤمنون.

6) التدرج في التشريع: كان القرآن الكريم يتدرج في نزوله، ويبدأ بالأهم فالمهم؛ فكان اهتمام القرآن الكريم أولًا بأصول الإِيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من بعث وحساب وجنة ونار، وإقامة الأدلة على ذلك ليستأصل العقائد الفاسدة من نفوس المشركين، ويغرس فيها عقيدة الإِسلام. ثم بدأ يأمر بمحاسن الأخلاق، وينهى عن الفحشاء والمنكر ليقتلع جذور الفساد والشر، ويبين قواعد الحلال والحرام في المطاعم والمشارب والأموال والأعراض والدماء وغير ذلك. وكان القرآن ينزل وفق الحوادث التي تمر بالمسلمين في جهادهم الطويل لِإعلاء كلمة الله، وتشجيعهم على ذلك.

ومن أوضح الأمثلة على نزوله بالتدريج آيات تحريم الخمر؛ فقد نزل قوله تعالى: (وَمِن ثَمَرَٰتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلۡأَعۡنَٰبِ تَتَّخِذُونَ مِنۡهُ سَكَرٗا وَرِزۡقًا حَسَنًا) النحل 67، فإنَّه وصف الرزق بالحسن دون السَّكَر إشارة إلى ذم الخمر، ثم نزل قوله تعالى: (يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡخَمۡرِ وَٱلۡمَيۡسِرِۖ قُلۡ فِيهِمَآ إِثۡمٞ كَبِيرٞ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثۡمُهُمَآ أَكۡبَرُ مِن نَّفۡعِهِمَاۗ) البقرة219. فقارنت الآية بين منافع الخمر الوقتية، وبين مضارها في إثم تعاطيها وما ينشأ عنه من ضرر الجسمِ، وفساد العقل، وضياع المال، وإثارة لبواعث الفجور والعصيان، ثم نفَّرت الآية من الخمر بترجيح المضار على المنافع، ثم نزل قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) النساء 43، فعرفوا تحريمه وقت الصلوات ثم نزل قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ 90) المائدة. ولعل من حكمة التدرج في تشريع مثل هذه الأمور التي كانت قوام حياة الجاهليين، أنه لو نزل أول شيء: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تزنوا، لقالوا: لا ندَع الزنا أبدًا.

7) إثبات أنّ القرآن من عند الله - تعالى - بالدليل القاطع: وذلك من خلال التناسُق والترابُط بين آيات القُرآن جميعها؛ فلو كان من عند البشر، لكان فيه الكثير من الاختلاف، والتناقُض؛ خاصة وهناك تداخل بين الآيات والسور في الترتيب الزمني، وهو منهج لا يمكن لغير الله أن يتقن توزيع سوره وآياته على هذا النحو.






 
رد مع اقتباس