منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل
عرض مشاركة واحدة
قديم 29-04-2022, 03:07 PM   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: قراءات في الكتاب: ســـورة البقرة: 1) المدخل

﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ ١٦









﴿أُوْلَٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ﴾:

اسم الإشارة هنا غير مشار به إلى ذوات، ولكن إلى صنف اجتمعت فيه الصفات الماضية، فانكشفت أحوالهم، حتى صاروا كالحاضرين تجاه السامع بحيث يشار إليهم، وهو استعمال كثير الورود في البلاغة.
﴿ٱشۡتَرَوُاْ﴾: اشترى وباع من الأضداد. والاشتراء والشراء بمعنى الاستبدال بالشيء والاستيعاض منه، إلا أن الاشتراء يستعمل في الابتياع، والبيع: في البيع، مثل: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ يوسف 20، و ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ البقرة 207، وفي الابتياع كما في: ﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ ﴾ يوسف 21، و ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ التوبة 111.
والشراءُ هنا مجازٌ عن الاستبدالِ بمعنى أنهم لَمَّا تَرَكوا الهدى، وآثروا الضلالةَ، جُعِلوا بمنزلة المشترين لها بالهدى، ثُم رُشِّح هذا المجازُ بقولِه تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ﴾ فَأَسْنَدَ الربحَ إلى التجارةِ، والمعنى: فما ربحوا في تجارتهم، وسمي هذا النوع من الاستعارة بالمرشحة؛ من الترشيح وهو التقوية؛ لتقويها بتقوي مبناها، فيبرز المجاز في صورة الحقيقة ثم يحكم عليه ببعض أوصاف الحقيقة فينضاف مجاز إلى مجاز، ومنها قول المتنبي:
ســــقاك و حيّانـا بك اللّه إنّمـــا ..... على العيس نور والخدور كمائمه‌
والخطاب في: سقاك لمحبوبته، يدعو لها بالسقيا و أن يحيّا بها كما يحيّا الناس بالأزهار.
و ﴿ٱلضَّلَٰلَةَ﴾: مفعولُ ﴿ٱشۡتَرَوُاْ﴾، وأصل الضلالة الحيرة والجور عن القصد، وفقد الاهتداء، وتطلق على النسيان، كما في قَالَ: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ الشعراء 20، وعلى الهلاك كقوله: ﴿وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ﴾ السجدة 10.
و ﴿بِٱلۡهُدَىٰ﴾: متعلِّق بـ ﴿ٱشۡتَرَوُاْ﴾، والباءُ هنا للعِوض وهي تدخلُ على المتروكِ أبداً.

ما مناسبة التجارة في الآية؟:

الاشتراء هنا مجاز كني به عن الاختيار، فكأنه قال: اختاروا الضلالة على الهدى، وجعل تمكنهم من اتباع الهدى، كالثمن الذي بذلوه في المشترى. ولأن الباء لغة تدخل على المتروك يكونون قد باعوا الهدى ليشتروا به الضلالة. أما وهم أساساً لم يتبعوا الهدى بقلوبهم من البداية، فمن أين لهم الهدى الذي يبيعونه؟ إنه هدى الفطرة أو هدى الدلالة، مثل قوله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَى﴾ فصلت 17، ولما استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم. والربح هو ما يحصل من الزيادة على رأس المال. والتجارة هي مهنة التاجر، وهو الذي يتصرف في المال لطلب النمو والزيادة. والتاجر هو الذي يربح أو يخسر لا التجارة، فالتجارة لا تربح، بل يربح فيها، ومثله قوله تعالى: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ سبأ 33، أي مكرهم في الليل والنهار، ومثل قول الشاعر:
حَارِثُ! قَدْ فَرَّجْتَ عَنِّي هَمِّي ..... فَنَامَ لَيْلِي وَتَجَلَّى غَمِّي
والليل لا ينام، بل ينام فيه. وكما قال جرير بن الخَطَفَى:
وَأَعْوَرَ من نَبْهَانَ أَمَّا نَهَارُهُ ..... فَأَعْمَى، وَأَمَّا لَيْلُهُ فَبَصِيرُ
فأضاف العمى والإبصار إلى الليل والنهار، ومرادُه وصفَ النبهانيّ بذلك.

لِمَ قال: ﴿اشْتَرَوُا ولم يقل: "استبدلوا"؟:

الاستبدال لا يكون شراء إلا إذا كانت فيه فائدة يقصدها المستبدل منه سواء كانت الفائدة حقيقية أو وهمية.
والشراء يكون بين متبايعين بخلاف الاستبدال، والمعنى المراد من الآية أن أولئك القوم اختاروا الضلالة على الهدى لفائدة لهم يحصلونها من الناس، فهو معاوضة بين طرفين يقصد بها الربح، فكانت المعاوضة بالمنافع الدنيوية مقابل خسارة الآخرة، فاستحبوا العمى على الهدى ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ﴾.

لِمَ قال: ﴿ٱشۡتَرَوُاْ ٱلضَّلَٰلَةَ بِٱلۡهُدَىٰ ولم يأت بالمصدر: "الضلال"؟:

- الضلالة واحدة الضلالات، وإذا ذموا على أخذ واحدة، فأولى أن يذموا على كثير،
- أن هذا أشنع، إذا أخذوا القليل في مقابل الكثير، فهم بدلوا الهدى الكثير الشريف فأخذوا عوضه الشيء القليل في مقداره الحقير في ذاته.


﴿وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ﴾:

المهتدي: اسم فاعل من اهتدى. والهداية سبق ذكرها في الفاتحة وأول آيات سورة البقرة.
﴿وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ لإضاعتهم رأس المال والربح، والهدى أو الفطرة السليمة تمثل رأس المال، بينما الربح هو التوفيق في الدنيا والآخرة.

ما وجه المقابلة بين هذه الآية وما قبلها من آيات؟:

- موقع هذه الجملة من نظم الكلام مقابل موقع جملة: ﴿أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5﴾ ومقابل موقع: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ 7﴾.
- اسم الإشارة هنا: ﴿أُوْلَٰٓئِكَ﴾ دل على صنف من الناس جمعوا صفات المنافقين المذكورة في الآيات السابقة، فانفضحوا وصاروا في حكم الحاضرين أمام السامع، فأشير إليهم. مقابله قوله تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 5﴾.
- استعمال اسم الإشارة للبعيد في القريب ورد في: ﴿ذَٰلِكَ الْكِتَابُ﴾ وكان من دلالته تعظيم القرآن. أما هنا فأتى لتحقير المنافقين، كقول قيس بن الخطيم:
مَتّى يَأْتِ هَذا المَوْتُ لا يُلْفِ حاجَةً ..... لِنَفْسِيَ إلّا قَدْ قَضَيْتُ قَضاءَها
والموت بعيد عنه لكنه استعمل اسم الإشارة للقريب ليظهر استخفافه به.

ما سبب مجيء: ﴿ومَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ بعد: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾؟:

- أي: وما كانوا مهتدين في اشتراء الضلالة،
- أو: وما كانوا مهتدين إلى التجارة التي اهتدى إليها المؤمنون،
- أو: إنه لما كان التاجر قد لا يربح، ويكون على هدى في تجارته نفى الله عنهم الأمرين من الربح والاهتداء مبالغة في ذمهم. ودل ضياع الربح وخسارة الهدى على خسران رأس المال جميعاً.






 
رد مع اقتباس