منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - تعليق على قصيدة ‘ عاصمة البرتقال ‘ للشاعرة السورية وفاء دلاّ....بقلم : فوزي الديماسي
عرض مشاركة واحدة
قديم 20-04-2020, 04:22 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
فوزي الديماسي
أقلامي
 
إحصائية العضو







فوزي الديماسي غير متصل


افتراضي تعليق على قصيدة ‘ عاصمة البرتقال ‘ للشاعرة السورية وفاء دلاّ....بقلم : فوزي الديماسي

الشعر حياة تقوم على أنقاض الحياة ، وجمال يبعث في الأشياء قيمه ومحاسنه ورؤاه ، والشاعر فؤاد يتمثّل ، وطويّة تستبطن ، ومعانقة في لحظة في غفلة من المادة ودنسها للكون على مذهب الدرس النفسي لدي الفيلسوف فريد ، ثمّ يعمد الشاعر لتفكيك كيانها وكيانه الكون وما يحيط به ، فيهدمه ، ويفتّته ، ثمّ يعيد تركيبه ، وبناءه بماء الحرف ومداد المشاعر ... أليس الشعر هو الرسم بالكلمات على حدّ تعبير الشاعر نزار قباني ... إنّه العوالم الأنيقة النابعة من رفيع الأحاسيس وأرقى المشاعر، والشعر في قومه رديف النبيّ ، بلا رسالات دينه ، ورسالاته في الوجود بثّ الجمال وقيمه في الأفئدة . وكذا كانت قصيدة الشاعرة السورية وفاء دلاّ المهداة للمدينة التونسية بني خلاد ، وهي لعمري قصيدة منحدرة زلالا من مرتفعات الروح الشفيفة . وهي المتحدثة في معرض أبياته عن كرم أهل تلك الربوع بكلماتها الأنيقات الجميلات ، تمتح من سجلّ الطبيعة أرقى العبارات ومن بذخ السبك ترسم كلمات ، وتقطف من بساتين الرومانسية ورقيق الأحاسيس أجمل الباقات ، وهي التي كانت حروفها رقيقة المخارج . تجسّمت في أبهى التصاوير ، وقد عمدت في استعاراتها على امتداد القصيدة لاستعمال صفات هي من عمق الطبيعة الخلاّبة الغنّاء مقتطفة ، وكان الشعر في قولها اختزال ، وتكثيف ، واستعارة حسنة ، فجعلت من نساء تلك المدينة ورجالها ماء متدفّقا من عين الكرم لذّة للسامعين ، وعوض أن ينضو الكرم أفعالا حسنة.

و كرامات وجدناه ينضو خلقا وذلك في قولها :

طوّقونا كلَّ أصنافَ النّدى

كرماً ينضو نساءً والرجال

فاستعارت في معرض قولها من جمال الطبيعة في بني خلاد مدينة البرتقال بهاء المنظر ، وجمال الطبيعة ، وسحر اللقاء ، تلك الأشياء والمحاسن التي بعثت في الشاعرة مشاعر شتى مضمّخة بعبق كرم الناس والطبيعة معا. فحولت قيم الكرم وحسن الوفادة إلى موسيقى حالمة ، سكنت مفاصل قصيدتها وتفاصيلها، فبعثت من ركام السكون وكثبانه أجمل الألحان ، هذه الألحان التي تناغمت مع مشاعر الشاعرة المنبثقة من بهاء الحسّ الفنيّ وشفيفه . فعزفت على أوتار الكلمات قولا صقيلا ، يحكي الطبيعة وجمالها ويحاكيها لا محاكاة ساذجة شاحبة ، بل محاكاة فاعلة وظيفية جمالية ، زادت المكان / المرجع جمالا. وصنعت منه بجليل الحرف سنفونية وجودية تتغنّى بالشاعرة ومشاعرها وتتحدّث بها وعنها لحظة حلوله ( القول ) في آيات الخفر الكونيّ والتدلّل على مذهب الصوفيين في لحظة عشقيّة ، حالمة ، مجنّحة ، ومفارقة لدنس المادة والنفعية وواقعيّة المكان .

حتّى المطر (رمز الخصب و الطهارة والتطهر والحياة " وجعلنا من الماء كلّ شيء حيّ " ) في فؤاد الشاعرة وعلى أرض القصيدة حلّ في رحابها حلول الروح في الجسد ، ليعزف على آثار موسيقاها حلاوة الوجود في أركان الوجود المنبثقة مفاتنه وفتنته من روح شاعرة عالية الحس ، فائقة الجمال الحبريّ السرمديّ الناسل من روح شفيفة ، شفّافة الخطوات ، تلك التي ارتقت ببهاء الوحي الشعري وأنيق الخصال إلى أعلى درجات الفتنة والضوء ، حتّى أنّ المطر ينقلب في دارة الشعر والتّخييل الإبداعي من رمز إلى مريد منخرط في حلقات الذكر في محراب الشاعرة ليحاكي صوتها الصباحي الممتدّ في الآفاق والبساتين وليعزف من بعدها وعلى خطاها موسيقى ، هي انعكاس لموسيقاها المتعالية في جنان النّظم ، ولكن أنّى لمطر قليل الحيلة في دنيا الجمال محاكاة الشعر والشعراء ، أولئك الذين يسكنون أعلى الأكوان ، نصفهم آلهة ونصفهم إنسان ، يطوفون في سماوات المداد في مراتب لا تدركها قطرات المطر لتعزف على قيثارة قولهم لحنا صقيلا يضاهي ألحان أنبياء الكلام ، ويتجلي ذلك في قولها :

كم سقتني من نداها مطراً

رائعَ المسرى بأرضِ البرتقالْ

فيُحاكيني على قيثارتي

بصدى الأشواقِ واللقيا مُحالْ

إنّ لمن البيان لسحرا ، ولمن القول لفتنة كفعل موسى يوم الزينة ، تتلقف العبارات في دنيا القصيدة سحر الوجود وضياء الكون فيه وكرم الخلق في الدنيا، وتنفخ فيه من ضوئها وصلواتها لترتقي به إلى لوحة أو لحن ربّانيّ فوق الحسّ ورمزه وأبعد من الواقع وصنوفه ، إنّه الشهر ، ذاك الذي قيل فيه " أحلاه أكذبه " والكذب هنا صفة جمالية جميلة فوق تصنيف القيمة وأبعد منه ، فالشعر سحر، وكذب ، وبهاء أو لا يكون






 
رد مع اقتباس