منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الأديب والشاعر والناقد المصري القدير ابراهيم سعد الدين في حوار مفتوح مع الأقلاميين
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-12-2007, 11:26 PM   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
إبراهيم سعد الدين
أقلامي
 
الصورة الرمزية إبراهيم سعد الدين
 

 

 
إحصائية العضو







إبراهيم سعد الدين غير متصل


افتراضي مشاركة: الأديب والشاعر والناقد المصري القدير ابراهيم سعد الدين في حوار مفتوح مع الأق

عودة إلى الحوار المُمتع مع الأخ الكريم نايف ذوابة، ونتابع حديثنا عن تجليات القصيدة. يقول شاعرنا صلاح عبد الصبور في كتابه "حياتي في الشِّعر": ليسَ الحَدْسُ ظَنَّاً لا يُبنى على مقَدِّمات، شيئاً كالإلهام، ولكنه قِمَّةٌ شِبْه عَقليّة لنشاطٍ عقليّ. والحَدْس البرجسوني قد يكون صالحاً لتفسير الوثبات الفكرية العالية، ولكنه لا يصلحُ لتفسير الوثبات الوجدانية بل لابُدَّ لتفسير هذه الوثبات من مصطلحٍ خاص، لا نجده عند الفلاسفة ولكننا نجده عند أصحاب الاجتهاد الرُّوحي من الأنبياء والمُتَصَوِّفة. والقصيدة كََـ"وَارِدْ" قد تكون حين يَرِدُ إلى الذِّهن مَطلعُ القصيدة أو مقطعٌ من مقاطعها بغيرِ ترتيبٍ في ألفاظٍ مُمَوسقَة، لا يكاد الشاعرُ نفسه يستبين معناها. ويعيده الشاعر على نفسه، فيجد أنّ هذا الوارِدْ قد يفتحُ له سبيلاً إلى خلقِ قصيدة، وقد يُعيده مَرَّاتٍ ومَرَّاتٍ حتى تنفتحَ أمامه إحدى السُّبُل. لقد تَمَّ الحَملُ بالقصيدة في صورةٍ ما، والذّات تريد أن تعرض نفسها في مرآتها. وهنا تبدأ المرحلة الثانية من حياة القصيدة، وهي القصيدة "كَفِعْل" يلي "الوَارِدْ" وينبعُ منه. فـالوَارِدْ كما حَدَّثنا الصُّوفِيَّة لابُدَّ أن يتبعه فِعْل. ولو جَرَيْنا مع مُصْطلحهم لقُلنا إنَّ هذه هي مرحلة "التلوين والتمكين" التي يُحَدِّثنا عنها القشيري بقوله: مادامَ العَبْدُ في الطريق فهو صاحبُ "التلوين"، لأنه يرتقي من حالٍ إلى حَالْ، وينتقلُ من وَصْفٍ إلى وَصْف، ويَخْرجُ مِن مَرْحَلٍ (مكان الرَّحيلْ) ويَحْصُلُ في مَرْبَعْ (مَحَلّ الربيع والرَّعْي)، فإذا وصَلَ تَمَكَّنْ.

عَودة إلى الأخ الكريم نايف ذوابة الذي يسأل:
ألا يؤثر استغراق العمل الفني من أعمالك لمدة طويلة - بسبب ما سميته كسلا ـ على نضج العمل ووضوح الفكرة والرؤية؟

بالتأكيد يؤثّرُ تأثيراً كبيراً على نُضْج العمل ووضوحِ الفكرة والرؤية، وأثره ـ من هذه الزاوية ـ إيجابيّ، لأنَّ الفكرة أو "الوارِدْ" في إرهاصاتها الأولى تكون أشبه بعقْدِ الثمار التي لم تبلُغْ ـ بَعْدُ ـ مراحلَ نُضْجها واستوائها، فتحتاجُ إلى زمنٍ ترتوي فيه من ماءِ الرِّيِّ والمطر، وتَشْبَعُ من نسيمِ الهواءِ وضوءِ الشَّمسِ وعناصرِ الأرضْ. لكن لهذا "الكَسَلْ" وجهٌ أو بالأحْرَى وجوهٌ أخرى سَلْبِيَّة تتمثَّلُ في أنَّ طولَ أمَدِ الولادة يُبَدِّدُ أحياناً وهجَ هذه اللحظة ـ لحظة انبثاقِ القصيدة وتشكلها ـ فيفتر الحماس وربما يضيعُ هاجسُ الكتابةِ هباءً فتبقى "القصيدة" جنيناً غير مُكتملْ ربما لا يُقَدَّرُ له أن يرى النُّورْ. فهذه اللحظة ـ كما ذكرت ـ عزيزة وغالية خاصةً إذا كانت الكتابة مِزاجاً شَخْصِيّاً وفِعْلاً مُتَحَرِّراً من أيّة ضُغوطٍ مُلِحَّة باستثناء هاجس الكتابة ذاته. والأمر الثاني أن مُحَصّلة هذا "الكَسَلْ" ـ في النهاية ـ هو قِلَّةً ملحوظة في الإنتاج الأدبي، وهو جانبٌ آخر سَلبيّ بكل تأكيد. لكنْ مَا يُعَزِّيني ـ أحياناً ـ أنني لم أكتب شيئاً قَطّ وأنشره إلاّ وأنا مُرتاح الضَّمير وقَرير النَّفسْ.