منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - وما يعلم تأويله إلا الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 19-04-2022, 03:19 PM   رقم المشاركة : 54
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله

نشأة مذاهب أهل السـنة


على الرغم من أن الخلاف السني الشيعي كان وما يزال هو أكبر الخلافات في التاريخ الإسلامي، إلا أننا لا يمكن أن نغفل خطر الخلافات الداخلية بين كل طائفة من الشيعة وأهل السنة. وكما أوجدت الخلافات بين المتشيعين طوائف متعددة، أفرزت الخلافات السنية مذاهب متعددة، استقرت في أربعة مذاهب، على اختلافات كثيرة ـ كذلكـ داخل كل مذهب.
ولفظة "المَذْهَب" في العربية تعني الطريقة، والمَذْهَبُ: المعتقد الذي يُذْهبُ إليه، يقال: ذهب مذهبًا حسنًا، ويقال: ما يُدْرَى له مَذْهَبٌ: أصل. والمَذْهَبُ في العرف العلمي: مجموعة من الآراء والنظريات العلمية ، والفلسفية ارتبط بعضها ببعض ارتباطًا يجعلها وحدة منسقة ، والجمع : مَذَاهِبُ. أما في الاصطلاح فهو يشير إلى مجموعة الأحكام، والمسائل الفقهية التي تصدر عن فقيه أو مجتهد، مضاف إليها المسائل التي يتوصل إليها أتباع هذا المذهب من تلاميذ وفقهاء عن طريق الرجوع إلى قواعد الفقه، والأصول التي وضعها.

وكشأن الخلافات القومية والقبلية والطبقية والحزبية التي تفجرت عبر التاريخ داخل الدولة الإسلامية، استمر الصراع بين المذاهب منذ نشأتها على أشده، ولم يهدأ؛ فعل سبيل المثال، فإنه منذ القرن الخامس الهجري، بقي الحنابلة أو أهل الحديث يشككون بسنية الأحناف والأشاعرة والماتريدية، ولا يعترفون بهم إلا من خلال معنى عام على أساس بعض المقاييس.

وقد فرض التمذهب على الأمة، دون أي مصوغ شرعي؛ فلا يوجد أي أحد ملزم بتبني كل الآراء التي كتبها الرجال السابقين بالجملة في مختلف الأبواب العقدية والفقهية والتاريخية، وانما هو حر بانتقاء ما يجتهد فيه، وطبع نسخة خاصة به، قد لا تكون متطابقة مع أي نسخة أخرى، لأن المسلم يلتزم بالعقيدة الإسلامية الواردة في القرآن الكريم، وفيما عدا ذلك فإن كل شيء مظنون واجتهادي وخاص ومختلف فيه، ولذلك لا يجوز تكوين صورة كلية عن الطوائف والمذاهب وتطبيقها على أي إنسان. وانما يجب التعرف على آراء كل فرد بصورة ذاتية. خاصة لان المجتمعات تتطور وتتغير فلا تبقى على حال واحدة. وما التمذهب إلا شكل من أشكال التحجر، تستوي في هذا القول كل المذاهب السنية والشيعية. وتسقط ـ عندناـ مزاعم القائلين بأن العامي ينتقي ما يصلحه، لكن العالم ملزم بالالتصاق بمذهب واحد، يقول به، ولا يخرج عنه.

إن من الثابت عند المسلمين، أن الله جعل للناس في القرآن الكريم أحكاماً وواجبات، أوحى بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغهـا للناس دون زيـادة أو نقصان. وقد أدى المهمـة كما ينبغي أن تؤدى. وقد سـعى المسـلمون طوال
التاريخ للوصول إلى طرق يمكن من خلالها معرفة تلك الأحكام. وفي زمن التشريع كان الحصول على الأحكام متيسراً لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم دون أية واسطة، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ 151البقرة. وقد كان المسلمون يرجعون إليه لطرح قضاياهم وسماع أجوبتها مباشرة منه، ومَن كان منهم بعيداً عن الرسول، فانه يرجع إلى موفدي الرسول، وبذلك فهو يحصل على الأحكام بواسطة غير بعيدة عن الرسول وكان الناس يعملون بأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم على أساس أنها حكم الله دون أي اختلاف أو شك. ولهذا السبب لم يكن هناك من داع للاجتهاد. ثم بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم كان الناس يرجعون إلى العلماء والقراء من الصحابة في المدينة والأمصار، وكان هؤلاء العلماء والقراء يجيبون في ضوء كتاب الله، وما يعلمونه من السنة. على أن ما يجب التنبه إليه، أن الاستفتاءات ما زالت منحصرة في تشريع العبادات، ولما يستجد في المجتمع الإسلامي ذلك التوسع الفكري، الذي سببه الاطلاع على ثقافات الأمصار المفتوحة. وكان من اليسير أن يجيب الصحابي عن سؤال عن كيفية الصلاة، وهيئتها، أو مقادير الزكاة، أو أوقات الصيام أو مناسك الحج والعمرة.

وبمجيء عصر التابعين، وتوسع الدولة، وبدء اختلاط العرب بغيرهم من الأجناس ممن دخلوا في الإسلام، بدأ التعقيد، لا سيما وقد ظهر جيل آخر من العلماء، هم تلاميذ الصحابة. وظهر الاختلاف بين آراء العلماء فيما لم يروا فيه نصاً صريحاً من الكتاب والسنة، فحكم بالاجتهاد والقياس والاستحسان. وفي أواخر عصر التابعين وبداية عصر ما بعدهم، تفرعت الأمور بتنوع العلماء وتوزعهم بين الأمصار، فظهرت مدارس الرأي، في مكة والمدينة والكوفة والشام ونيسابور، وغيرها. وقد ظهرت المذاهب نتيجة الاختلاف الشديد الذي ظهر بينهم في بيان أحكام الموضوعات، بسبب المصادر الأخرى التي أوجدوها، مثل: المصالح المرسلة والعرف. وقد قيل: لقد تأسس منذ أوائل القرن الثاني وحتى منتصف القرن الرابع ما يقرب من 138 مذهباً، وأصبح الكثير من البلاد الاسلامية لها مذاهبها الخاصة. لكن المذاهب أخذت بالانحسار خصوصاً بعد القرن الرابع الهجري، ولم يستمر منها إلا المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والظاهرية.






 
رد مع اقتباس