منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - وما يعلم تأويله إلا الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-04-2022, 02:55 PM   رقم المشاركة : 53
معلومات العضو
عوني القرمة
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو






عوني القرمة غير متصل


افتراضي رد: وما يعلم تأويله إلا الله



أثر الفلسفات القديمة في المذهب الشيعي:

اختلف الباحثون حول مرجع الأصول العقدية للتشيع؛ فمن قائل: إنها ترجع لأصل يهودي، ومن قائل: بل ترجع لأصل فارسي، ومن قائل: إن المذهب الشيعي كان مباءة للعقائد الآسيوية القديمة كالبوذية. والديانة البوذية المنتشرة في شرق آسيا، ترجع لبوذا، الذي يعدونه إلهاً حالاً في الكون، على اختلافات بين البوذية الهندية، وهي أصل الديانة، والبوذية اليابانية، وبوذية الصين. أما القول بالأصل اليهودي، فمن الباحثين من يرجع التشيع للأثر اليهودي، لاعتبارين:
1) أن ابن سبأ كان أول من قال بالنص والوصية، والرجعة، وهو سبأ يهودي. وهذه الآراء صارت من أصول المذهب الشيعي.
2) وجود تشابه في الأصول الفكرية بين اليهود والشيعة. يقول ابن حزم: "سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين: إن إلياس -عليه السلام - وفنحاس بن العازار بن هارون - عليه السلام - أحياء إلى اليوم" (الفصل: 5/37). وقد ذكر ابن تيمية أن في الشيعة من الجهل والغلو واتباع الهوى ما أشبهوا فيه النصارى من وجه، واليهود من وجه، وأن الناس مازالوا يصفونهم بذلك، ثم نقل ما روي عن الشعبي من مشابهة الشيعة لليهود والنصارى (منهاج السنة: 1/6). وقد قال بهذا الرأي جمع من الباحثين، منهم الأستاذ أحمد أمين، حيث قال: "فاليهودية ظهرت في التشيع بالقول بالرجعة، وقالت الشيعة: إن النار محرمة على الشيعي إلا قليلاً كما قال اليهود: ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَةً﴾. والنصرانية ظهرت في التشيع في قول بعضهم: إن نسبة الإمام إلى الله كنسبة المسيح إليه..." (فجر الإسلام ص: 276). ويرى جولد تسيهر أن فكرة الرجعة تسربت إلى التشيع من طريق المؤثرات اليهودية والنصرانية (العقيدة والشريعة ص 215). وكذلك يرى فريد لندر أن التشيع قد استمد أفكاره الرئيسة من اليهودية. (المصدر السابق: ص 100 وما بعدها). ويقول فلهوزن بالأصل اليهودي، ويشير إلى بعض أوجه التشابه في الأفكار بين اليهود والشيعة (أحزاب المعارضة ص: 170).

وأما القول بفارسية التشيع، فيقرر بعض الباحثين أن التشيع نزعة فارسية، وذلك لعدة اعتبارات:
1) ما قاله ابن حزم والمقريزي من أن الفرس كانت من سعة الملك، وعلو اليد على جميع الأمم، وجلالة الخطر في أنفسها بحيث إنهم كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأسياد، وكانوا يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب، كان العرب عند الفرس أقل الأمم خطراً، تعاظمهم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة في أوقات شتى، وفي كل ذلك يظهر الله الحق، فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع، بإظهار محبة أهل البيت، واستبشاع ظلم علي - بزعمهم – ثم سلكوا بهم مسالك حتى أخرجوهم عن طريق الهدى (فصل ابن حزم: 2/273، وخطط المقريزي: 2/362).

2) أن العرب تدين بالحرية، والفرس يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة، وقد انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، ولم يترك ولداً، فأولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب، فمن أخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان، فقد اغتصب الخلافة من مستحقها، وقد اعتاد الفرس أن ينظروا إلى الملك نظرة فيها معنى التقديس، فنظروا هذا النظر نفسه إلى علي وذريته، وقالوا: إن طاعة الإمام واجبة، وطاعته طاعة الله سبحانه وتعالى (محمد أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/37، أحمد أمين: فجر الإسلام: ص277، عرفان عبد الحميد: دراسات في الفرق: 23، فلهوزن: أحزاب المعارضة السياسية الدينية في صدر الإسلام: ص 168، فلوتن: السيادة العربية: ص 76). وكثير من الفرس دخلوا في الإسلام ولم يتجردوا من كل عقائدهم السابقة التي توارثوها أجيالاً، وبمرور الزمان صبغوا آراءهم القديمة بصبغة إسلامية، فنظرة الشيعة إلى علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين إلى الملوك الساسانيين. يقول الشيخ محمد أبو زهرة: "إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك والوراثة، والتشابه بين مذهبهم ونظام الملك الفارسي واضح، ويزكي هذا أن أكثر أهل فارس من الشيعة، وأن الشيعة الأولين كانوا من فارس" (محمد أبو زهرة: تاريخ المذاهب الإسلامية: 1/ 38).

3) حينما فتح المسلمون بلاد الفرس تزوج الحسين بن علي - رضي الله عنه - ابنه يزدجرد أحد ملوك إيران، بعدما جاءت مع الأسرى فولدت له علي بن الحسين، وقد رأى الفرس في أولادها من الحسين وارثين لملوكهم الأقدمين، ورأوا أن الدم الذي يجري في عرق علي بن الحسين وفي أولاده دم إيراني من قبل أمه ابنة يزدجرد والذي من هو من سلالة الملوك الساسانيين المقدسين عندهم (النشار: نشأة الفكر الفلسفي: 2/11، رونلدسن: عقيدة الشيعة: ص 101). أضف إلى ذلك أن اسم فاطمة - فيما يقال - اسم مقدس عند الفرس، لأن لها مقاماً محموداً في تاريخ الفرس القديم، وكانت في أساطيرهم بطلة مقدسة (عبد الرزاق الحصان: المهدي والمهدوية: ص 84، عن هيرودوتس: 2/462، المقدسي: البدء والتاريخ: 4/134، 6/95).

4) نلمح الأصل الفارسي أيضاً في روايات عديدة عند الاثني عشرية، منها تفرد سلمان الفارسي - رضي الله عنه وبرأه الله مما يفترون - بخصائص وصفات فوق مرتبة البشر، حيث جاء في أخبارهم: "أن سـلمان باب الله في الأرض، من عرفه كان مؤمنـاً، ومن أنكره كان كافـراً" (رجال الكشي: ص 15). وهذا الوصف لسلمان اعتاد الشيعة في رواياتهم على إطلاقه على أئمتهم الاثني عشر، كما أثبتت رواياتهم بأن سلمان "يبعث الله إليه ملكاً ينقر في أذنه يقول كيت وكيت"، وأن سلمان يوحى إليه، وله علم الأئمة والأنبياء، وقد أدرك علم الأول وعلم الآخر (رجال الكشي: ص 16). وجاء في رواياتهم أن سلمان أحد الشيعة الذين بهم ترزقون، وبهم تنصرون، وبهم تمطرون (رجال الكشي: ص 6-7). ثم إنهم بالغوا في المغالاة فقال بعضهم بألوهية سلمان الفارسي (مقالات الإسلاميين: 1/80).
وثمة اتجاه آخر داخل الدوائر الشيعية، بتعظيم بعض العناصر الفارسية التي شاركت في التآمر والكيد ضد دولة الخلافة الراشدة، فيمجدون أبا لؤلؤة الفارسي المجوسي قاتل الخليفة عمر، ويطلقون عليه: بابا شجاع الدين" (عباس القمي: الكنى والألقاب: 2/55). واعتبروا يوم مقتل عمر - رضي الله عنه - بيد هذا المجوسي عيداً من أعيادهم، وقد ساق شيخهم الجزائري روايات لهم في ذلك (الأنوار النعمانية: 1/108). كما يعظمون يوم النيروز، وهو عيد مجوسي، فيستحبون صوم يومه والغسل فيه، ولبس أنظف الثياب والطيب (وسائل الشيعة 7/346).

5) تبدو آثار المجوسية والمانوية واضحة في بعض فئات الشيعة، وماني بن فاتك كان في الأصل مجوسياً، ثم أحدث ديناً بين المجوسية والنصرانية، وقد خالفته المجوس وسعت في قتله، حتى قتله بهرام بن هرمز بن سابور وذلك بعد عيسى - عليه السلام - وبقي مذهبه في أتباعه، وهم يقولون بالأصلين: النور والظلمة، وأن العالم صدر عنهما، وأن النور خير من الظلمة وهو الإله المحمود (الملل والنحل: 1/244 وما بعدها).

وأما القول بأن المذهب الشيعي من آثار العقائد الآسيوية القديمة، فيقول الأستاذ أحمد أمين: "وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح (وهو انتقال الروح بعد الموت من بدن إلى آخر؛ إنساناً أو حيواناً). قال بهذه النظرية بعض الهنود، وفيثاغورس من اليونان، وتسربت للعالم الإسلامي" (المعجم الفلسفي: ص 55). وتجسيم الله بوصفه ـ جل وعلا ـ بصفات المخلوقين، وجد عند طوائف من الشيعة كالهشامية أتباع هشام بن الحكم وغيرها. والحلول بزعم أن الإله قد يحل في جسم عدد من عباده، أو بعبارة أخرى أن اللاهوت يحل في الناسوت، ونحو ذلك من الأقوال التي كانت معروفة عند البراهمة الهنود (الملل والنحل : 2/251).

يذكر صاحب مختصر التحفة: "أن مذهب الشيعة له مشابهة تامة مع فرق اليهود والنصارى والمشركين والمجوس"، ثم يذكر وجه شبه المذهب الشيعي بكل طائفة من هذه الطوائف (مختصر التحفة ص 298 وما بعدها). كما يذكر البعض أنه تتبع مذاهب الشيعة فوجد عندها كل المذاهب والأديان التي جاء الإسلام لمحاربتها (بركات عبد الفتاح: الوحدانية: ص 125).

على أنه يبدو بعد هذا الاستعراض، أن التشيع المجرد من دعوى النص والوصية ليس هو وليد مؤثرات أجنبية، بل إن التشيع لآل البيت وحبهم أمر طبيعي، وهو حب لا يفرق بين الآل، ولا يغلو فيهم، ولا ينتقص أحداً من الصحابة، كما تفعل الفرق المنتسبة للتشيع، وقد نما الحب وزاد للآل بعدما جرى عليهم من المحن والآلام بدءاً من مقتل علي. هذه الأحداث فجرت عواطف المسلمين، فدخل الحاقدون من هذا الباب، ذلك أن آراء ابن سبأ لم تجد الجو الملائم؛ لتنمو وتنتشر إلا بعد تلك الأحداث. أما التشيع بمعنى عقيدة النص على علي، والرجعة، والبداء، والغيبة، وعصمة الأئمة، وغيرها، فلا شك أنها عقائد طارئة على الأمة، دخيلة على المسلمين، ترجع أصولها لعناصر مختلفة، ذلك أنه قد ركب مطية التشيع كل من أراد الكيد للإسلام، وأهله، وكل من احتال ليعيش في ظل عقيدته السابقة باسم الإسلام، من يهودي، ونصراني، ومجوسي، وبوذي، وهندوسي، وغيرهم. فدخل في التشيع كثير من الأفكار الأجنبية والدخيلة. ولهذا ذهب ابن تيمية إلى أن المنتسبين للتشيع قد أخذوا من مذاهب الفرس والروم، واليونان، والنصارى، واليهود، وغيرهم أموراً مزجوها بالتشيع (منهاج السنة: 4/147).






 
رد مع اقتباس