منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - مقومات القصة القصيرة جدا عند يوسف حطيني
عرض مشاركة واحدة
قديم 18-01-2012, 05:27 AM   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ربيع عبد الرحمن
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية ربيع عبد الرحمن
 

 

 
إحصائية العضو







ربيع عبد الرحمن غير متصل


افتراضي رد: مقومات القصة القصيرة جدا عند يوسف حطيني

1- نظرية القصة القصيرة جدا:
ينطلق يوسف حطيني من أن القصة القصيرة جدا لها جذور في تراثنا السردي العربي القديم، ولها علاقة وطيدة بالأخبار، والحكايات، والطرائف، والشذرات،والأكاذيب، والمنامات، والمقامات، وغير ذلك مما يبلغ حدا لافتا من القصر. ومن ثم، فهو ينكر تأثر كتاب هذا الفن في حقلنا الثقافي العربي بالآداب العالمية بشكل مباشر، مادام هذا الفن موجودا في تراثنا السردي. وينحو في هذا الاتجاه منحى صديقه أحمد جاسم الحسين: " ولابد من التأكيد هنا- يقول يوسف حطيني- أن الإفادة من الثقافة العالمية محمودة دائما بشرط واحد ووحيد هو ألا تمارس هذه الثقافة استلابا من أي نوع على ثقافتنا القديمة والمعاصرة.
ومن هنا، فإن القصة القصيرة جدا، بوصفها نوعا أدبيا له أركانه وتقنياته، لايعيبها أن تكون متأثرة بأي أدب عالمي، ولكن واقع الحال يبعد هذا الاحتمال من وجهين:
الأول وجودها فعلا في تراثنا العربي الغني بأشكال مختلفة.
الثاني وجود سرد عربي متميز حديث صالح لأن يتطور وينتج أشكالا سردية جديدة. ولاسيما أن الرواية العربية التي تم استيراد تقنياتها الحديثة من الغرب في بدايات القرن الماضي لم تقف عند حدود تلك التقنيات، بل عملت على تطويرها بكفاءة ممتازة".(3)
لكن السؤال الذي يبدر إلى أذهاننا هو أن مصطلح القصة القصيرة جدا كان موجودا في الثقافة الغربية بهذا الاسم، وخاصة في آداب أمريكا اللاتينية، فمصطلح (microrrelatos) يعني القصة القصيرة جدا، وقد استعمله إرنست همنغواي سنة 1925م. وهذا دليل على أن فن القصة القصيرة جدا فن وافد علينا، وذلك على الرغم من جذوره التراثية. بمعنى أن نشأة القصة القصيرة، وذلك على مستوى الوعي والمقصدية والنية، غربي النشأة والاصطلاح. كما أن ترجمة كتاب "انفعالات" لناتالي ساروت من الفرنسية إلى اللغة العربية، وذلك من قبل المترجم المصري فتحي العشري سنة 1971م، كان يحمل فوق ظهر الغلاف مصطلح القصة القصيرة جدا. ومن المعلوم أن نصوص ناتالي ساروت القصيرة جدا قد تم نشرها عام 1932م.
وإذاأخذنا - مثلا- هذه القصة القصيرة جدا التي كتبها أنطوان تشيخوف، فقد يتبين لنا بأن الكتاب الروس كانوا على علم بتقنيات القصة القصيرة جدا بشكل واع، كما في مثل هذه القصة المعنونة ﺑ"ثروة"، والتي يقول فيها تشيخوف: " منذ أربعين عاما، وعندما كنت في الخامسة عشرة، عثرت في الطريق على ورقة من فئة جنيه، ومنذ ذلك اليوم لم أرفع وجهي عن الأرض...
واستطيع الآن أن أحصي ممتلكاتي كما يفعل أصحاب الثروات في نهاية حياتهم- فأنا أملك 2917 زرا، و34172 دبوسا، و12 سن ريشة، و13 قلما، ومنديلا واحدا، وظهرامنحنيا، ونظرا ضعيفا، وحياة بائسة".(4)
هذا، ويرى يوسف حطيني أن القصة القصيرة جدا تختلف كل الاختلاف عن الحكاية التراثية بجمعها بين الجانبين: الإخباري والجمالي، في حين تقتصر الحكاية التراثية على الإخبار فقط: "فالحكاية التراثية كانت تكتفي في معظم الأحيان بالجانبين الحكائي والوعظي، أما القصة الحديثة فقد تخلصت في نماذجها الجيدة من الوعظية، واهتمت باستثمار إنجازات التطور السردي، بمعنى أن السرد القديم كان مهتما بالجانب الإخباري، بينما اهتم السرد الحديث بالجانبين: الإخباري والجمالي في الآونة نفسها".(5)
ومنهنا، فقد أورد يوسف حطيني كثيرا من النصوص التراثية التي تنتمي إلى السرد القصصي القصير، وذكر منها الحكايات، والأكاذيب، والأخبار، وقصص الحيوانات، وقصص الطفيليين كأشعب وجحا. وكل هذه الحكايات والنصوص القصيرة جدا تحمل في طياتها قضايا اجتماعية وسياسية، ولاسيما قصص جحا ونوادره الساخرة.
مما تقدم، "نرى أن السرد القصير جدا ليس جديدا ، ولكنه قديم جدا، غير أن الذي يميز السرد الحديث عنه أنه - أي القديم- احتفل بالمقولة على حساب الفن، وأن انتماء النص إلى نوع سردي بعينه لم يكن واضحا، إذ اختلط الخبر بالنادرة،واختلط المنام بالأكذوبة، في كثير من النماذج.(6)
وبعد ذلك، يذهب يوسف حطيني إلى أن القصة القصيرة جدا فن أدبي مستقل على الرغم من استفادته من الفنون والأجناس الأدبية الأخرى. والآتي، أن كثيرا من المبدعين مازالوا يخلطون بين القصة القصيرة جدا والخاطرة والنكتة والنادرة. وأن هذا الفن صعب المراس، ولا يمكن أن يتقنه سوى مبدع تمرس على كتابة القصة القصيرة. ومن ثم، يطرح التنظير مشكلا عويصا، فلا يجوز بحال من الأحوال تقييد المبدعين بوصفة فنية جاهزة، قوامها: اكتب ولا تكتب... وفي الوقت نفسه، لا ينبغي أن نترك باب هذا الفن على مصراعيه لكل من هب ودب ، فلابد من وضع مجموعة من الأركان والشروط لتوجيه هذا الإبداع توجيها صحيحا. وفي هذا النطاق، يقول يوسف حطيني: " وعلى الرغم من أن القصة القصيرة جدا بحاجة إلى معايير تميزها من فنون النثر الحكائي الأخرى، فأنا أعتقد أن الحديث مازال مبكرا عن ضبطها بتلك المعايير من خلال مقياس نقدي صارم، صحيح أنني أطرح تصورا نظريا لأركانها، ولكنني لا استطيع أن أفرض هذا التصور على المبدعين والنقاد على حد سواء. فثمة خلاف مع الناقد حول هذه العناصر، وثمة خلاف أيضا مع المبدع الذي يمكن أن يطورها.
غيرأن هذا لا يعني أن الأمور ستبقى عائمة إلى الأبد ، لأن السنوات القادمة، فيما أعتقد، ستفرز كثيرا من النصوص التي ستحاور النقد بجدارة، وعندها سيكون النقد مطمئنا أكثر للمقاييس التي تفرضها النصوص الأكثر تطورا ونضجا.
ولابد هنا من التأكيد أن وجود إطار نظري يحدد عناصرها لا يمكن أن يكون نهائيا ، والمبدع الحقيقي هو الذي يلم بقواعد الفن من أجل أن يتجاوزها لا من أجل أن يتقيد بها تقيدا صارما".(7)
وأرى شخصيا أن التنظير لهذا الفن الجديد ضروري في هذه المرحلة، وذلك من أجل توجيه المبدعين توجيها سليما، ولاسيما الذين يخلطون هذا الفن بفنون وأجناس أدبية أخرى. ولابد أيضا من وضع مجموعة من القواعد الثابتة والثانوية لتطويق هذا الفن الجديد، وإرساء معالمه فنيا وجماليا في الحقل الثقافي العربي. وباحترام تلك القواعد، تتحدد موهبة المبدع، وتتفتق عبقريته على العطاء والإنتاج. وبتكسير تلك القواعد، يتطور هذا الجنس فنيا، ويتقدم إلى الأمام. أما أن نترك الأمور على عواهنها، فسنحكم - بلا محالة- على هذا الفن بالموت والانهيار والانقراض، كما هو حال القصيدة النثرية التي أصبحت مستباحة بشكل خطير.
وتأسيسا على ما سبق، فقد حدد يوسف حطيني مجموعة من العناصر الجوهرية للقصة القصيرة جدا، فقد حصرها في المقومات التالية:
1- الحكائية أو القصصية: كما في قصة: " فجر" للقاصة ابتسام شاكوش: " اتفقت الكلاب على طرد الليل، اجتمعت بأعداد غفيرة في أعلى التل الكبير، ظلت تنبحمستعجلة الفجر ساعات وساعات، وحين جاء الفجر بموكبه المهيب من الشرق وجدها نائمة".(8)
وبغياب الحكائية، تضيع القصة القصيرة جدا، وتتحول إلى خاطرة كما في نص: " رسالة" لعماد النداف:
" حبيبتي
اشتريت لك ثوبا كحليا..
سأقدمه لك عندما أعود... أنا الآن أمضي الليلة وحيدا أرقب النجوم...
اسمعي... هذه النجوم استطيع أن أقطفها لك، وأرميها فوق ثوبك الكحلي، لكي تعرف النجوم أنك القمر".(9)

وهنا كنصوص بعيدة عن فن القصة القصيرة جدا، حيث تسقط في الشاعرية، وتقترب من الشعر أكثر من اقترابها من القصة القصيرة جدا كما عند حياة أبو فاضل
: " صداقتنا مذ خلع ألوان الخريف عن شجرة المشمش في حديقتنا. وقفت تحتها صغيرة، مأخوذة، شعري يصافح الورق الراقص والهواء البارد، وصوت أمي طائر من داخل البيت: " ادخلي، أو ضعي قبعتك على رأسك! " سمعتها وما سمعتها. كنت أعتقد عهد صداقة مع الشمالي الساحر القاسي. فكيف أخفي عنه شعري الطويل داخل جدران قبعتي؟ "(10)

ونفس الحكم، ينطبق أيضا على بعض قصص عبير كامل إسماعيل كما في نص: "حضور" الذي تغيب فيه الحكائية أو القصصية: " تقول الحاضرة للغائب: ما أشد وقع حضورك فيالغياب".(11)
كما يسقط القاص الفلسطيني محمود علي السعيد في النزعة الشعرية ؛ مما يفقد قصصه الخاصية الحكائية أو القصصية كما في هذا النص: " الورقة": " في فسحة من فضاء الحلم الأزرق، راق في عينيه الطقس، فاستيقظ قبل زقزقة العصافير يحمل محفظته الشقراء كجدائل غيمات فصل الخريف، يمتطي قطار الريح، يعبق برائحةالفل المتطايرة كشرارات موقد الحطب من شرفات حارات حلب القديمة ذات الإيقاعات الجمالية الخاصة جدا بفن الهندسة والزخرف، يستقبل صفحات جريدة الجماهير العربية بعشق، يطالع إشكالات الثقافة العصرية عبر حوار طاقة من الشباب الطيب فكرا وثقافة وقشعريرة الشوق على فلسطين تخفق بجناحيها بمسافة طويلة تضم الوطن دفعة واحدة حتى يصحو من دوامة التساؤلات، وقد انفرطت من عقد القصة على صوت فاطمة يرشح من زجاج المقهى. صباح الخير يا حبيبتي".(12)

2- الوحدة: والمقصود بها وحدة الحبكة والعقدة بشكل خاص؛ "لأن تعدد الحبكات والعقد والحوافز المحركة للأحداث، وتكرر النماذج المتشابهة، يمكن أن يقود إلى نوع من الترهل الذي يفقد القصة القصيرة جدا تمركزها".(13) ومن الأمثلةعلى ذلك قصة "قاراقوش" لعدنان كنفاني : "فارمان سلطان شديد اللهجة يقول:
كل حمار (مهما كان تصنيفه) ينهق في الأماكن العامة يتعرض لعقوبة الخوزقة.
ساد الهرج والمرج وتزاحمت وحوش الغابة وطيورها وحشراتها تغادر مواطنها هربا..
قال حمار يخاطب أرنبا هاربا:
لماذا تهرب والفرمان يخصنا دون سوانا؟
ضحك الأرنب ساخرا، وأجاب:
في غابة مثل هذه، كلنا حمير.
وانطلق يركض على غير هدى".(14)
ومن الأمثلة الدالة على هذه الوحدة القصصية قصة: " تقمص" لعبير كامل إسماعيل: " عندما أحرقوا جسده انتقاما.. أخذت رماده، مزجته بتراب حديقة منزلها.. بعد شهور نبتت ياسمينة بيضاء، امتدت.. وامتدت حتى سورت قصور المدينة كلها".(15)
3- التكثيف: يرى يوسف حطيني أن التكثيف من: " أهم عناصر القصة القصيرة جدا، ويشترط فيه ألا يكون مخلا بالرؤى أو الشخصيات، وهو الذي يحدد مهارة القاص،وقد يخفق كثير من القاصين أو الروائيين في كتابة هذا النوع الأدبي، بسبب عدم قدرتهم على التركيز أو عدم ميلهم إليه".(16)
ومن أهم الأمثلة القصصية على خاصية التكثيف قصة: "تمساح" لمحمود شقير: "تمساح باهت الجلد، مسترخ تحت شمس الظهيرة، مرتاح لبلادته التي لا توصف، يرقب بسكينة ودعة، المرأة وهي تتعرى ببطء لذيذ، يرقب بالسكينة وبالدعة نفسها،الرجل وهو يتمسح بالمرأة التي تبدو مثل فريسة سهلة المنال، التمساح وهو مسترخ تحت شمس الظهيرة، يذرف الدموع، شفقة على المرأة التي ركضت، ضاحكة، مستثارة نحو حافة الماء، وهي لاتدري أنها تغوي تمساحين اثنين في وقت واحد".(17)
لاأعتقد أن هذه القصة في منظوري الشخصي مثالا لقصة مكثفة، بل هي زاخرة بتفاصيل وجزئيات وصفية كان بالإمكان تجنبها، والاقتصاد فيها تكثيفا وتركيزاوتبئيرا. لكن أهم قصة تصلح للتكثيف قصة طلعت سقيرق تحت عنوان: " الفاعل": "اصطف الطلاب.. دخلوا بنظام، جلسوا على مقاعدهم بهدوء، قال المعلم: درسنااليوم عن الفاعل.. من منكم يعرف الفاعل؟؟ رفع أحد الطلاب إصبعه.. وقف.. تثاءب.. قال: الفاعل هو ذلك الذي لم يعد موجودا بيننا.. ضحك الطلاب، وبكى المعلم.".(18)
ومن النماذج المسيئة إلى فكرة التكثيف قصة "بيتان" لمحاسن الجندي، وذلك بسبب التكرار والتطويل والإسهاب" اختلفا فيما بينهما، ولم يطيقا العيش معا، ثم أعلنا الطلاق وبكى الأطفال..
أراد كل منهما أن يعمر بيتا مريحا للأولاد:
اشترت أرضا قريبة من القلب واشترى مساحة قريبة من العقل المتسلط.
شيدت غرفة صغيرة من الصدق والعفوية، وبنى غرفة شاسعة من الكذب والادعاء..
بنت غرفة من الحرية، وبنى غرفة من التربية الصارمة.
ملأت مطبخها بفواكه الحنان والتضحية، وملأ مطبخه بفواكه الحب المطعمة بفاليوم الخوف والأنانية.
سيجت بيتها المنمنم بورود الجرأة والتفاؤل والفرح، وسيج بيته بسياج الكآبة والتسلط... حينها طار الأولاد صوب البيت الصغير على جناحي فرح إنساني لا تشوبه شائبة".(19)
4- المفارقة: تعد المفارقة من أهم عناصر القصة القصيرة جدا، ولايمكن الاستغناء عنها، وتعتمد على: " تفريغ الذروة، وخرق المتوقع، ولكنها في الوقت ذاته ليست طرفة، وإذا كانت هذه القصة تضحك المتلقي، في بعض الأحيان،فإنها تسعى إلى تعميق إحساسه بالناس والأشياء، ولعل إيجاد المفارقة أن يكون أكثر جدوى في التعبير عن الموضوعات الكبيرة، كالعولمة والانتماء ومواجهة الذات".(20)
وإذا كان أحمد جاسم الحسين يعتبر المفارقة من التقنيات الثانوية التي تحضروتغيب ، فإنني - شخصيا- أتفق مع يوسف حطيني الذي عدها ركنا ضروريا للقصةالقصيرة جدا، فشعرية القصة القصيرة جدا تتمثل في هذه المفارقة المكثفة القائمة على التضاد، والتنافر، والتقابل، والسخرية، والباروديا، والتهجين. وفي هذا الصدد، يقول يوسف حطيني: "ولابد من الإشارة هنا إلى أن ضرورة وجود المفارقة فيها هي إحدى نقاط الخلاف مع الدكتور أحمد جاسم الحسين، فأنا أراها عنصرا لازما، أما هو فيراها تقنية ممكنة الاستخدام. وقد درست من أجل حسم رأيي حول هذه المسألة مئات النصوص المتوفرة، منطلقا من أن النص القصصي هو الذي يفرز أدواته التي تناسبه، وثبت لدي أن ما قرأته من القصص الناجحة حتى الآن يعتمد اعتمادا كبيرا على المفارقة. ولاشك أن الحل لا يكون بالإقحام القسري لها، بل بالبحث عن صيغ سردية مناسبة ؛ لأن المفارقة هي الأقدر على رفع إحساس المتلقي بالقصة القصيرة جدا التي لا يمكن أن تكون ناجحة أبدا بدونها".(21)
ومن الأمثلة على خاصية المفارقة قصة: " مفاجأة" لجمانة طه: " ملأت كفها بحفنة من تراب الوطن. حدقت فيه، وجدته مملوءا دبابات وأسلاكا شائكة".(22)
ومن القصص المفارقة الأخرى قصة محاسن الجندي: "رن الهاتف... قال بضع كلمات وهم بمغادرة مكان عمله.
سأله منذر عن السبب، فأجاب باختصار المستعجل:
- تلك التي كانت تحدثني على الهاتف مدة شهر كامل، ولم أعرف اسمها أو شكلها، أعطتني موعدا في الشارع المجاور..
قال منذر:
- وكيف ستتعرف عليها...؟
- قالت إنها ستلبس ثوبا أزرق، وغطاء أبيض، وستحمل في يدها اليمنى، وردة حمراء. وعندما دخل غرفة النوم ليغير ملابسه رأى منذر على السرير ثوبا أزرق وغطاء رأس أبيض.. أما الوردة..".(23)
وغالبا ما تعتمد المفارقة على النكتة والطرفة والإدهاش والمفاجأة، ولكن المفارقة لا تعني النكتة الساخرة بأي شكل من الأشكال.
5- فعلية الجملة: تعتمد القصة القصيرة جدا على عنصر الفعلية في تحريك الأفعال، وتسريع الحبكة السردية سواء أكانت تلك الجمل جملا فعلية أم جملا تفيد الفعلية، مثل: الجمل الاسمية التي خبرها فعل. كما في قصة: "انفتاح" للكاتبة الكويتية ليلى العثمان: "سألت الزهرة رفيقتها:
- لماذا تفتحت قبلي؟
قالت الرفيقة بانتشاء:
- فتحت قلبي للنور والمطر قبلك".(24)
وإليكم قصة: "الجامعة" للكاتب السعودي ناصر سالم الجاسم تعتمد على الجمل الاسمية كثيرا ؛ مما أثر سلبا على حبكتها السردية، وإيقاعها الفني والجمالي: "السور رفيع، الباب موصد، النوافذ علوية زجاجية عاكسة، موظفو الأمن عند بوابة الخروج ببذلاتهم الأنيقة يطابقون الأسماء في البطاقات المحددة، ويطلون برؤوسهم داخل السيارات من خلال نوافذ السائقين، وينظرون إلى الأجساد الجالسة والحلي الفارة من سواد العباءات السوداء والحقائب الجلدية الموضوعة فوق كل حجر، والرجال في المواقف المكشوفة للشمس ينتظرون ويدخنون ويقرؤون الصحف اليومية بدون شهوة، كنت منتظرا معهم، وأسأل نفسي: كم جميلة بداخل هذاالمبنى؟ كم عاشقة خلف هذا السور؟ كم خائنة في قاعة المحاضرات تناقش بارتياح؟ كم حبلى واقفة في طابور الكافيتيريا تمد يديها أمام بطنها تخشى الإجهاض؟ وكم...؟ وكم...؟"(25)

وعليه، فالدكتور يوسف حطيني يحدد خمسة أركان
للقصة القصيرة جدا، ولكن ثمة أركان أخرى، وإن كنت لا أرى أن الوحدة ركنا،لأنه يوجد في جميع الأجناس الأدبية، فليس هناك فن أو جنس أدبي لا يتوفر على وحدة موضوعية أو عضوية أو اتساق أو انسجام سواء على مستوى الحبكة أو على مستوى الخطاب أو الدلالة. وأتفق مع الدارس في تأكيد باقي العناصر الأخرى. بيد أن ثمة أركان أخرى تعتمد عليها القصة القصيرة جدا، مثل: التسريع، وقصر الحجم، والإدهاش، والإرباك، والمفاجأة.
هذا، وقد حاول بعض المبدعين السوريين، ألا وهو الأستاذ نبيل المجلي، جمع بعض أركان القصة القصيرة في منظومة على غرار أراجيز النحو والفقه والعلوم(26)
سرد قصير متناه في القصر
كالسهم، بل كالشهب تطلق الشرر
كتبها الأوائل الكبار
وليس يدرى من هو المغوار
قد ميزتها خمسة الأركان
حكاية غنية المعاني
وبعدها يلزمنا التكثيف
ووحدة يحفظها حصيف
واشترط الناس لها المفارقة
وأن تكون للحدود فارقة
وجملة فعلية بها كمل
بناؤها.. وحقه أن يكتمل
وثمة مجموعة من التقنيات التي تحضر وتغيب، وتشترك فيها مع الفنون والأجناس الأدبية الأخرى، مثل: التناص (أسماء الأعلام والأمكنة...)، والتلوين الأسلوبي (النفي، والإثبات، والاستدراك...)، والتشخيص (قصص على ألسنةالحيوانات والجمادات)، ووضع العنوان في خدمة النص، وتشغيل الحوار المشهدي، وتوظيف الإيقاع النحوي والتركيبي والموضوعي، واستخدام الألوان في أكثر منقصة، كما في قصة: " ألوان" لهيمي المفتي: " لا تزال، ومنذ أن أبدى إعجابه الخجول بفمها البكر الممتلئ، تطلي شفتيها كل يوم بلون جديد...
لونتهما بالأحمر القاني يوما، وبالأرجواني يوما، ثم رسمت خطوطا قاتمة على حدود الشفاه لتبدو أكثر اكتنازا، وطلتها بلون الرماد الشهي...
جربت اللون الناري، المرجاني، الخمري، التوتي، البرتقالي، الزهري، الفوشيا... وحين انتهت التشكيلة المتوافرة في السوق، أخذت تمزج بين أصابع الشفاه المختلفة فتأتي بألوان جديدة لا اسم لها ولا تشبه غيرها...
الألوان الصارخة في الشفتين تبهره بجديدها كل يوم، وتغتصب إعجابه الجريء السافر... أما كل ما تأتي به الشفتان من ابتسامات، وكل مايصدر عنهما من كلمات أوقبلات، بل كل ما يحيط بهما من ملامح، فقد فقد لونه."(27)
ويبرزسليم عباسي في لوحة الغلاف الأخير من مجموعته القصصية: (البيت بيتك) (28) مجموعة من الأركان، فيحصرها في: الحكائية، والمفارقة، والسخرية، والتكثيف الذي يشمل اللغة والحدث والوصف والشخصيات،. كما يتطرق إلى التقنيات،فيستحضر منها: الأنسنة، والرمز، والإيماء، والتلميح، والإيهام، والخاتمة المتوهجة الواخزة المحيرة، وطرافة اللقطة، واختيار العنوان الذي يحفظ للخاتمة صدمتها. إن سليم عباسي حسب يوسف حطيني: "يخلط بين الأركان والتقنيات. ويبدو أن الخلط بين الأركان والتقنيات ليس مشكلة عباسي وحده، بلهي مشكلة كتاب القصة القصيرة جدا ونقادها على حد سواء".(29)






 
رد مع اقتباس