منتديات مجلة أقلام - عرض مشاركة واحدة - الحــب والثَــورة
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-03-2012, 01:19 AM   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عبيرٌ خالد
أقلامي
 
الصورة الرمزية عبيرٌ خالد
 

 

 
إحصائية العضو







عبيرٌ خالد غير متصل


افتراضي رد: الحــب والثَــورة / بقلمي ..


( الجزء المتبقي من الفصل الأول )


ظل سامي غارقاً بين رسائل الحب والغرام التي أرسلتها له ناديا ..
و مكتفياً بسمو الحب عن علو البشر من حوله
لم يكن يعرف ما تخبئ له أقداره من مفاجئات و حكايات بخلاف ناديا والحب العقيم !

كان سامي وحيداً في مصر لم يتبقى أحد من أسرته سوى أخاً واحداً أكبر منه
بثمانية عشر عاماً وهو رجل أعمال ثري في مصر ،
و يتنقل منذ سنوات طويلة بشكل دوري من دولةٍ لدولة بسبب طبيعة عمله ..



كانت علاقة سامي بأخيه الأكبر ليست علاقة أخوية مكتملة ؛ مبادئ سامي وقيمة ،
تختلف تماماً عنها عند أخيه ؛ فكان الاختلاف موجود بالشكل واللهجة والمنطق
و على الرَغم مــن ذلك كان ناجي ..
هو القلب الوحيد الذي لجأ له سامي ليبوح له بوجع الفراق وهم البعاد ..


*****


اتصل سامي والعبرة تخنق صوته قائلاً :
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..
ناجي بشوقٍ لأخيه الأصغر و الأكثر مشاكسة :
.. و عليكم السلام .. أهلاً وسهلاً بمن انشغل بثورته عن دراسته
سامي : ليس وقت المزح يا أخي ..
ناجي : أهو خبر وفاة ستخبرني إياه ؟
نفذوا الأحبة لم يتبقى لنا أحد !
سامي : ماتت ناديا يا ناجي .. غاب الشروق من أرض سامي ..
زال الأمل .. و أنجلى الضوء .. وراح الطموح ..

ناجي ( بجدية سكنت ملامحه لم يراها سامي ) :
صاحبة محل الخضروات الذي اشتريته لك ؟
سامي و بوجع : بذاتها يا ناجي وأنا مكتئب جداً
ناجي : لما لا تزورني في مانشستر تغير أجواء الحزن عنك قليلاً ..
وتخلع ثوب العتمة من حياتك ..
سامي : لا ، لن أتخلى عن مصر في وقت أزمتها ..
ليس لي قلب أعود لأرضها وقد اختزلتها طلقات الرصاص ..
ناجي : لدي دفعة مبيعات ستأتي للإسكندرية مروراً بليبيا و الجزائر ..
لعلي سآتي أنا لزيارتك إذا لم تأتي ..
- : سأكون سعيداً بالفعل ..
ناجي : حسناً إلى اللقاء ..
- : مع السلامة .


******

وفي جانبٍ آخر من الأوطان الثائرة ، الأوطان التي باتت الحرية هاجساً لها ،
و منهاجاً في عقول أبناءها ..
على الرغم من أن بعض قراراتهم غير مدروسة لكنها تركت ورائها أشياءَ جميلة..
من ذكريات و حكايات دافئة ..و قصص جميلة و هادئة ..
تجلس هبه الفتاة السوريَة صاحبة الـ 24 ربيعاً ، على مكتبها في غرفة المعلمات ،
تتابع أخبار درعا من الفيس بوك عن طريق هاتفها المحمول ..
وتقلب بالملعقة شاي الصباح ..
ومن الفقد باتت تلمح في كوبها صورة كل فرد من أفرد عائلتها
تخشى عليهم الضياع ، الوجع ، الموت ، والتعذيب ..

ثم تعود لواقعها فتتأمل في هاتفها صور مذابحٌ من الدم كانت قائمة في درعا و حمص..
كان اهتمامها بحمص زائد لأن أهلها و ذويها يقطنون هناك ،
ولظروف العمل اضطرت هي لأن تعمل في جانبٌ آخر من المدينة ..
و بالرَغم من أنها تخشى أن تفارق أهلها للأبد مع بعد سكنها عنهم ،
ولكن حاجتهم للمال حالت بينها وبين التخلي عن الوظيفة ..

تناولت فطورها بشهية ضعيفة و مزاج غير معتدل ..
ثم أخذت أوراقها و دفاترها ذاهبةً لحصتها الدراسية ..
ودت هبه لو أن يتسلل التفاؤل لقلبها قليلاً ..

كانت بحاجة لأن تقرأ خبراً في هاتفها يسر خاطرها ، بعيداً عن أخبار الجرائم والقتل ..
ودت لو أن شباب سوريَة لم يقوموا بالثورة في تلك اللحظة ..
فالبعثرة والضياع كانت هدية الثورة لها !

حاولت أن تتصل و باءت محاولاتها بفشل الاتصال كل مرة ..
استأذنت مدير العمل و خرجت للبحر ، تشتكي هماً يؤرقها ..

أمسكت بقلمها الأزرق ، و همَت بالبوح :

" يا بحر ،
إن الطريق يبدو ضيقاً ،
و إن الدروب تبدو نهاياتها غير مرضية ..
و إن الأزقة موحشة و مُخيفة
و إننا لعابرون !
لأجل كل حلمٍ من أحلامنا قد تأثر ..
و لأجل كل جناح من أجنحتنا قد تكسر ..
و لأجل كل حرفٍ من حروفنا قد تبعثر ..
و لأجل كل أمنية من أمانينا قد اُعتقلت ..
و لأجل كل شهيد من أحبتنا قد أٌستشهد ..
إننا عابرون
عابرون ..
عابرون ..
و إن خُلقت لنا متاهات وسموم ..
سنتسلل من بين النجوم ..
و سنعبر أمام العيون ..
حينها ، ستنجلي كل الهموم ! "

ثم أغلقت القلم ، وقررت أن تغلق معه كل الأفكار السلبية والقلق الزائد ،
تجاه أحبتها في درعا حيث الحرب والنار ..
واضعةً نصب عينيها ، كل ذكرياتهم الجميلة .
وكل ما تخبئة بين ضلوعها لهم ، من حبٍ و وداد و إخلاص ..
مسحت دمعة بيضاء آبية ، زادتها لمعاناً أشعة شمس الشاطئ الذهبية ..
و أخذت حقيبتها لتعود للمدرسة ؛
و تزرع بداخل كل طالبة من طالباتها فسيلة جميلة
ولعل الابتسامة الكاذبة والمستمرة ، أيسر وسيلة .
من الممكن الممتنع أن تعيش هبه بدون أحبة ولا أقارب
ولكن من الصعب المستحيل أن تعيش بدون تفاؤل ولا صبر ولا عزم و لا قيم أو حكم ،
تخلق لها أمجاداً ولمن حولها فخراً ........


كان هذا مبدأ هبة ، ولأنها من أهل المبادئ حافظت على خريطة الطريق ..
وقفت أمام الشاطئ وتنهدت : آآآآآآآآه .. يارب ؛ أنت معي !
( ولن يخيب رجائها بمن يغير الأقدار بالدعاء والرجاء .. كان الله معها ! )


ثم رجعت لتكمل يومها المدرسي . بمزاج أكثر اعتدالا و نفس أكثر اتزاناُ .
وروح مؤمنة يقيناً أن كل ما عند الله لها خيراً و أبقى ..

******

للوراء قليلاً ..
في عام ( 1988 )

على أحد شواطئ مدينة فالنسيا الأسبانية ..
تجلس شيرين ..

تعبق هناك نفحات فبراير الباردة و تحرك معها أمواج البحر ،
وخصلات من شعرها الذهبي المنسدل على ملامحها الناعسة بهدوء و رقه
شعاع الغروب رسم لمعةً حزينة في عيني شيرين ،
قد كانت متورطة بما تخبئة بين أحشائها ..

شيرين فتاة العشرون عاماً ، هربت من ليبيا إلى إسبانيا ،
بسبب جريمة اٌرتكبت بحقها بكل عنفوانية و قسوة ..
وبدون أي شعور بالمسؤولية أو الإنسانية كأكثر الأحاسيس تمرداً للذات ..

اٌختطفت في عمر الزهور و لم يكن لدى خاطفها لا وازع دين ولا ضمير ..
ولسِعة نفوذه في الدولة آن ذاك وفَر لها الخدمات لتختبئ في أسبانيا
كونها تعد من أقرب الدول الأوروبية للمغرب العربي ..



دموع شيرين الحارقة على وجنتيها كانت تقول ،
لو كنت أمتلك الحرية آن ذاك لصرخْت ............
باسم الجاني و لتقوم المحاكم بدورها ،
و لكن بسبب الأعراف الدينية والتقاليد المجتمعية كان الصمت والهروب
أقرب الحلول لها تاركةً لها حلولها وحدة و وجع يؤرقانها !

الحسرة و الألم ، وفراق الأهل والأحبة . . كراهية لا طوعاً
رسم في قلب شيرين حزناً دفيناً يظهر في عينيها ، و في بحة صوتها ..
ورغم ذلك كذبت على مختطفها ،
وقالت بأنها أسقطت الجنين و هي تخبئة في كنفات روحها ..

شعرت وكأن لهذا الطفل صاحب الخمسة أشهر مكانةً في قلبها قبل أن يولد ..
لتخلق لنا في هذه الصفحات قصةً جديدة و حكاية عجيبة .. لم تكن بالحسبان

شيرين ، لا تتذكر شيئاً من تلك الحادثة السوداء سوى أن الجاني كان رجلٌ ثري ،
و تظهر جنسيته العربية في لهجته ..
لا يبدو أنه من أهل المغرب العربي !

مرت الأيام و الأسابيع حتى جاءت لحظة الولادة
و أنجبت شيرين ابنها فأسمته " مُحمد " كونه دلالة فخرية على الإسلام

و السعادة باتت على محياها من جديد ..
كانت تعرف أن الله أهم من الأحكام والقوانين ،
و أكثر حكمة من الأعراف والتقاليد ..

ولأن السميع العليم ، يعرف أن ما حصل لم يكن بقدرتها .. ولا بمشورتها !
و قد آبت أن ترتكب جريمة قتل تزهق بها هذه الروح البريئة ......


~~~


أخذت شيرين ابنها محمد إلى شقتهم السكنية ،
و بالاستعانة بجاراتها و صديقاتها بدأت بتعلم الأمومة و ممارستها شيئاً فشيئاً
حتى غدت أماً ناجحة ، و مربية عظيمة ، تهتم و تقلق وتدرس وتسأل !

وما كان لهذا الاهتمام إلا أن يجعل من أبنها لبنه صالحة في مجتمعه ،
و زهرة يانعة تأبى الرضوخ لواقع اليتم .. أو الاستسلام للفقر والذل ..
وسط تيارات أفكار شيرين حول ذكرياتها و سبب وجودها في فالنسيا ، رن هاتفها ،
وإذا بجارتها سما تتصل ..
و هي صديقة صدوقة أعانتها منذ أول لقاءٍ بينهم في فالنسيا ..
فكانت لها ظهراً عربياً تستند عليه في زمنٍ قل وأنعدم فيه المساندون ،

سما : آلو .. السلام عليكم ..
شيرين : في وقتك اتصلتِ يا سما ..
- : لا بد وأنك على البحر ؟
شيرين : نعم بالطبع
- : سأآتيك حالاً
شيرين : و انأ في حاجتك .. شكراً .. مع السلامة
كبرت شيرين ، و كبرت معها خبراتها في الحياة .. غزا الشيب شعرها ،
و بدأت خطوط الزمن بالظهور على وجهها !
حتى صارت طلتها أكثر نضجاً ..
و أخذت مكانة وظيفية راقية في اسبانيا .. وكبر معها بطلنا محمد
و أصبح شاباً اسبانياً من أصول ليبية ؛ بجمــال عربي نادر و أناقة غربية راقية ..

لم يكن جماله نسبياً كأي جمال فلا مخالف أو معارض على جمال وجهه ومحياه ..
كان فارع الطول عريض المنكبين أسود الشعر ، عسليَ العينين ، أبيض البشرة ..
تعلم محمد ثلاث لغات و درس في أعرق الجامعات الأسبانية ..
أتقن لغته الأم العربية وبجانبها الأسبانية ، والإنجليزية واللغة البرتغالية ..
وبين الحين والآخر ، تكرمه الجامعة كأكثر الطلاب تميزاً ،



آمنت والدته شيرين بعد أكثر من 20 عاماً من الكفاح والاجتهاد ..
أن الإبداع و التميز يزدادً نوره ولمعانه إذا خالطته المعاناة !

فكانت ثمرة غربتهم و صبرهم أن ينالوا بعد المراتب الوظيفية المميزة في البلد ،
قبول و محبة في قلوب الآخرين ..
نسبت شيرين أبنها محمد لأسمها و كان لها ذلك من حكومة أسبانيا
وبعد 23 عاماً من الغربة والكفاح ..
حدث ما لم تستعد له شيرين .. و ما لم تجهز لأجله المبررات و الأعذار
كانت تتوقع البحث عن الحقيقة من قبل محمد
لاسيما و أنه ذكي وفضولي لأبعد درجة ، إنما كانت تتعشم
أم لا يسألها مبكراً عن والده ..
أو عن طريقة حملها به !




" مسكينة هي شيرين ،
حاصرتها أنياب الأعراف والتقاليد و القوانين العرفية و أٌرشقت بأسوأ الظنون
كيف لهم أن يصدقوا أن ما حدث لم يكن بيدها أو قدرتها ! ،
في زمنٍ كانت سمته الجهل و التخلَف ،
و في وقتِ كان فيه العلم منبوذاّ
و الحب ممنوعاً
و الجرم مشهوداً "


إنتهى الفصل الأول " جناح الموت "


" أذكركم ، موعدنا الإثنين القادم : بالفصل الثاني من الرواية "







 
رد مع اقتباس