تمويل سياسي وليس حراكا ..
ما هي النتائج التي حققتها جولة العاهل السعودي على مصر وسورية ولبنان والأردن ؟
إذا كان الكيان اليهودي "إسرائيل" , هو القاعدة الأمنية اللوجستية الأم , لإدارة بقية القواعد الأمريكية في المنطقة النفطية الكونية الأولى , "الشرق الأوسط" .
فإن الكيان الوهابي "السعودية" , هو القاعدة المالية اللوجستية الأم , لتمويل الحروب الأمريكية القذرة , ليس في "الشرق الأوسط" وحسب , بل وعبر العالم كله .
قد يكون ملف اغتيال رئيس حكومة لبنان الأسبق رفيق الحريري , "عنوانا مثيرا" للحراك السياسي الحالي الذي يقوم به الملك السعودي عبد الله .
بمعنى أن الرجل سيحاول وعبر هذا الملف الخاضع لتوظيفات لبنانية وعربية وإقليمية معقدة ..
أن يقوم هو نفسه بتوظيفه أيضا , من ضمن الصراع الحاد على الخلافة , في البيت الملكي السعودي , في مواجهة تيار السديريين , (المتهم الرئيسي في ملف اغتيال رفيق الحريري) , مضافا إليهم تيار سعود الفيصل , كتيار يريد الحفاظ على وزارة الخارجية في فرعه , تلك الوزارة التي يريدها الملك لنجله .
وخصوصا أن الأمير البندر , أمير صفقة اليمامة , أو أحد أبنائه , قد اعترف في دمشق نفسها , بكل شيء .
بل ربما تكون الاعترافات قد كشفت الدور الملكي السعودي في ملف اغتيال عماد مغنية .
وبالتأكيد هذه الاعترافات , ستغير شكل السلطة في سوريا , وستطيح ونهائيا أو أطاحت فعليا , بأحد أكبر وآخر دعائم "إسرائيل" داخل النظام .
لا يزال العنوان الرئيسي في المنطقة النفطية العربية هو : الخروج من العراق وتداعياته على الجوار العربي والإقليمي ..
وبدأ يتبلور العنوان التالي في الأهمية وهو : خلافة حسني مبارك وتأمين الاستقرار السلطوي في مصر .
ارتدادات الخروج الأمريكي الحتمي من العراق , ولو جزئيا أولا , سيضع بلاد جزيرة العرب , ولأول مرة , في مواجهة مباشرة مع إيران الثورة الإسلامية , بعد أن فقدوا "الدرع العراقي" , إذا جاز لنا التعبير .
بمعنى أنهم وأسيادهم الأمريكان , ضحوا بالعراق بعد أن وظفوه طويلا , من أجل عملية سرقة نفط غبية ومافيوية , ستغير ارتداداتها وإلى الأبد (قواعد اللعبة وشكلها) , في هذه الجغرافيا العربية السوداء , تحت الأرض وفوقها .
الملك عبد الله , وتقليديا , سيحاول تمويل بمعنى شراء , منصب رئيس حكومة العراق لأحد الحلفاء , في الصراع مع الإخوة السديريين ..
وهذا ما سيضعه في مواجهة مباشرة مع سوريا .
وسيحاول شراء متهمين في ملف اغتيال رفيق الحريري , يفيدونه في الصراع مع الإخوة السديريين ..
وهذا ما سيضعه في مواجهة مباشرة مع سوريا وإيران .
وسيحاول تعويم حكومة وشخص سعد الدين رفيق الحريري , بما يفيده في الصراع مع الإخوة السديريين ..
وهذا ما قد يكون التوافق عليه مع السوريين سهلا للغاية , فالطرفين يتوجسان شرا من عودة "المتطرف الإسرائيلي" بكل ما لهذه الكلمة من معنى , فؤاد السنيورة رئيسا لحكومة الاقتتال المذهبي في لبنان .
وسيقدم الدعم المرسوم بدقة وبالتوازي لتياري السلطة المتصارعين في رام الله , الرئيس عباس ورئيس حكومته , وسيقدم المال السخي "لتمرير وتسويق" مشهد المفاوضات المباشرة والعبثية , ومرة جديدة ..
وهذا ما سيضعه في مواجهة مباشرة مع سوريا .
وسيقدم الدعم المطلق لمن يختاره الأمريكان خليفة لحسني مبارك في مصر ..
وهو ملفه الأسهل .
الجغرافيا الأردنية , إذا جاز لنا التعبير , هي المدخل السعودي لإسرائيل , أو نفق العلاقات غير المباشرة , العلاقات الوجودية والمصيرية , بمعنى الاتحاد بين الكيانين والنظامين بالجوهر , الدور والغاية والهدف والمصير .
تركيا تراقب إسرائيل , التي تريد أن تكون بديلا عن اليونان (الذاهب إلى الجحيم الأمريكي , الجحيم الاقتصادي) , "شريكا أمنيا" على ضفتي المضيقين الاستراتيجيين بوابة البحر الأسود وروسيا , تماما كما هو الحال بين مصر وإسرائيل على ضفتي قناة السويس بوابة حركة التجارة العالمية والنفط .
من هذه الزاوية علينا دائما أن نقرأ "القضية القبرصية" , العنوان المبكر للصراع التركي الإسرائيلي على الدور الاستراتيجي .
إسرائيل تترقب تعليمات أمريكية تعطيها السيناريو المطلوب لإشعال حروب أمنية قذرة , مذهبية في العراق ولبنان , وأهلية في فلسطين , وكردية تركية في تركيا , وتخريبية في اليونان وإيران ..
أمريكا تتفاوض على كامل مساحة الشرق الأوسط , مع روسيا والصين مجتمعين في ما يتعلق بملف النفط في بحر قزوين ..
وأمريكا تتفاوض على حوض البحر الأسود , وممرات الغاز والنفط إلى أوروبا , مع الروس , بما يشبه مفاوضات الحصار البحري ..
وأمريكا تتفاوض على كامل مساحة بحر اليابان والبحر الأصفر وبحر الصين , مع الصين , بما يشبه مفاوضات الحصار الحقيقي ..
هذه المفاوضات ونتائجها , وبتبسيط , مع اعتبار الأوربيين تابعين إلى حد كبير للأمريكان , مضافا لها , درجة السيطرة على الأزمة الاقتصادية الأمريكية الكارثية , ومدى الاحتواء الأمريكي لحديقتهم الخلفية أمريكا اللاتينية , وتقدم المفاوضات بمعنى التجربة , تجربة الشراكة الأمريكية الصينية الشديدة التعقيد في أفريقيا كلها ..
كل ذلك المشهد , وحتميا , هو من سيحدد , آلية وكيفية الخروج الأمريكي من العراق .
والخروج الأمريكي من العراق , وآلياته , هي من ستحدد , مستقبل لبنان بطريقة ما , وبالتأكيد مستقبل وشكل الجغرافيا السياسية في جزيرة العرب وعلى جانبي البحر الأحمر تاليا .
المشهد الكوني يتجه إلى حرب شاملة في جغرافية بحر العرب , كل الملفات وصلت إلى طريق مسدود .
والجميع تلمس حجم الهلاك الأمريكي اقتصاديا , الحلفاء القسريون قبل الأعداء .
والأمريكان لا يزالون غير قادرين على إنتاج وصياغة ورؤية , تشاركية فعلية , ودور مستقبلي أقل هيمنة .
العجز المستمر أمريكيا , في التفاهم مع بقية الكوكب , على أبجدية جديدة لاقتسام مناطق السيطرة والتحكم والنفوذ , ومؤشر ذلك هو استمرار الاحتلال في أفغانستان ..
هذا العجز , هو تحديدا , وبتبسيط , السبب المباشر لاندلاع الحربين الكونيتين الأولى والثانية .
هل يريد الأمريكان حربا كونية أو حروبا صغيرة ..؟؟
هو هنا الآن وغدا , السؤال الأخطر , على مستقبل المنطقة العربية تحديدا , والشرق الأوسط عامة , بل والعالم كله .
الصين , ولأسباب غاية في التعقيد , لا تريد حربا , أو حتى حروبا صغيرة .
الروس , ولأسباب أكثر تعقيدا من الصين , والمشهد الروسي السلطوي الثنائي , يشير إلى ذلك , روسيا تستعد للاحتمالين معا وبنفس القوة .
إسرائيل تريد حربا , لتتوسع على حساب تركيا باتجاه أوروبا , وعلى حساب بقية القواعد الأمريكية في المنطقة , وتحديدا القواعد العربية باتجاه البحر الأحمر وبحر العرب , صراع قواعد أمريكية .
تركيا لا تريد حربا , بل الأتراك الآن مستعدون لمساعدة اليونان على الصمود وبكل الوسائل الممكنة يساعدهم في ذلك الروس الأكثر حذرا منهم تجاه إسرائيل .
قطر وتيار الملك عبد الله , لا يريدون حربا , خوفا عل استقرار سياسي لن يستمر طويلا .
الأخوة السديريين يحتاجون إلى حرب للانقضاض على الملك عبد الله ..
2/8/2010
..