وتُشَبَّهُ ثُدِيُّ الكواعب بالرُمّان كقوله:
وَبِمَا تَبِيتُ أَنَامـلـي *** يَجْنِينَ رُمّانَ النُّحورِ
وقولِ المتنبي:
وقابَلني رُمَّانتا غُصنِ بـانةٍ *** يَمِيل به بدرٌ ويُمسكه حِقْفُ
وقوله:
يخطّن بِالعيدان في كُلِّ منزلٍ *** وَيَخْبَأْنَ رُمَّان الثُّدِيِّ النواهِد
ثم يُقلَب فيُشبَّه الرّمان بالثُدِيّ، كقول:
ورُمّـانةٍ شَـبَّـهـــتُـــهـــا إذ رأيتُـــهـــا *** بثَـدْيِ كَـعــابٍ وبـــحُـــقّةِ مَـــرْمـــرِ
مُنمنَمةٍ صفراءَ نُضِّد حولها يواقيتُ حُمْرٌ في مُلاءٍ مُعصْفَرِ
وتُشبَّه الجداول والأنهار بالسيوف، يراد بياض الماء الصَّافي وبصيصُه، مع شكل الاستطالة الذي هو شكل السيف، كقول ابن المعتز:
أعددتُ للجارِ ولـلـعُـفـاة *** كُومَ الأعالي مُتَـسـامـياتِ
رَوازِقاً في المَحْلِ مُطعِمَاتِ
يعني نخلاً، ثم قال بعد أبيات:
تُسقَى بأنْهـارٍ مُـفَـجَّـراتِ *** على حَصَى الكافورِ فَائضاتِ
بَرِيئَةِ الصَّفْوِ مـن الـقَـذَاةِ *** مثلِ السُّيوفِ المتـعـرِّياتِ
ابن بابك:
فما سَيلٌ تُخلّصهُ المَحَـانـي *** كما سُلَّت من الخِلَلِ المناصِلْ
أبو فراس:
والـمـاءُ يفـصِـل بـين زَهْ *** رِ الرَّوْض في الشَطَّين فَصْلاَ
كَبِـسـاطِ وَشْـي جَــرَّدت *** أيدي القُيُونِ علـيه نَـصْـلاَ
كشاجم:
وتَرَى الجداوِل كالسُّيو *** فِ لَها سَوَاقٍ كالمباردْ
آخر:
وفي الجداول أسيافٌ مُحَـادَثَةٌ *** والطير تَسْجع أهْزاجاً وأرمالاَ
وقال ذو الرمّة:
فما انشقَّ ضَوْءُ الصبح حتى تَبيَّنت *** جَداولُ أمثالُ السُّيُوف القواطِـعِ
ابن الرومي:
عَلى حِفافَيْ جَدْولٍ مَسـجـورِ *** أبيضَ مثلِ المُهْرَقِ المنشـورِ
ومثلِ متن الصارم المشهور
ثم يَقْلبونَ أحدَ طرفي التشبيه على الآخر، فيشبّهون السيوفَ بالجداول، كقوله:
وتخالُ ما ضربوا بهنّ جداولاً *** وتَخَال ما طَعَنُوا به أَشْطَانَ
ابن بابك:
وأُهدِي إلى الغارات عَزْماً مشـيَّعـاً *** وبأساً وباعاً في اللِّقاءِ ومِقْـصَـل
سَفِيهَ مَقَطِّ الـطُـرَّتـين أَشـيمـهُ *** فيُوحي إلى الأعضاء أن تَـتَـزيَّلاَ
أغَرَّ كأني حـين أَخْـضِـبُ حَـدَّه *** خرقتُ به في مُلْتَقَى الرَّوض جَدْوَلاَ
السرّى:
وكم خَرَقَ الحجابَ إلى مَقَامٍ *** تَوارَى الشمسُ فيه بالحجابِ
كأنّ سُيوفَه بين العَـوالـي *** جَداولُ يطَّرِدْنَ خِلالَ غابِ
وله أيضاً:
كأنّ سيوف الهِندِ بين رِماحه *** جداولُ في غابٍ سَمَا فتأشَّبا
وتُشبَّه الأسنّة، كما لا يخفى، بالنجوم، كما قال:
وأَسِنَّةً زُرقاً تُخالُ نجومَا
وقال البحتري:
وتراه في ظُلَم الوَغَى فتخالُـه *** قَمراً يكُرُّ على الرِّجال بكَوْكَبِ
يعني السنان، وقال ابن المُعتزّ:
وَتَراه يُصغِي في القناة بكَفِّه *** نَجْماً ونجماً في القناة يَجُرُّه
ومثله سواءً قوله:
كأنما الحرْبةُ في كفِّه *** نجمُ دُجَى شيَّعه البَدْرُ
ثم قد شبّهوا الكواكب بالسِّنان، كقول الصنوبري:
بشَّر بالصُّبح كوكبُ الصُّبـحِ *** فاضَ وجِنْحُ الدُّجَى كَلا جِنْحِ
فَهْوَ على الفَجْرِ كالسِّنان هَوَى *** للعين لمَّا هَوَى على رُمْـحِ
ابن المعتزّ:
شرِبتُها والديكُ لم يَنْتَـبِـهْ *** سَكْرَانُ مِن نَوْمَتِهِ طافـحُ
ولاَحت الشِّعرى وجَوْزَاؤها *** كمثل زُجٍّ جَـرَّهُ رامـحُ
وهذه إن أردت الحقَّ، قضيّةٌ قد سبقت وقَدُمت، فقد قالوا: المسك الرامح، على معنى أن كوكباً يتقدّمه وهو رمحه، ولا شكّْ أن جُلّ الغرض في جعل ذلك الكوكب رمحاً أن يقدّروه سناناً، فالرمح رُمْحٌ بالسنان، وإذا لم يكن السنان فهو قناة، ولذلك قال:
ورمحاً طويلَ القَناةِ عَسُولاً
ومن ذلك أن الدموع تُشبَّه إذا قَطَرت على خدود النساء بالطَّلّ والقَطْر على ما يُشْبِهُ الخدودَ من الرياحين، كقول الناشئ:
بَكَتْ للفراق وقَد رَاعَها *** بُكَاءُ الحبيب لبُعْدِ الدِّيارِ
كأنَّ الدُّموعَ على خدّها *** بقيّةُ طَلٍّ على جُلّنـارِ
وشبيه به قول ابن الرومي:
لو كنتَ يوم الوَداع حاضرَنا *** وهُنَّ يُطِفئْن غُلّةَ الـوجـدِ
لم ترَ إلا الدموعَ سـاكـبةً *** تَقْطُر من مُقْلةٍ على خـدِّ
كأنَّ تلك الدموعَ قَطْرُ نَـدًى *** يقطُر من نَرْجِس على وَرْدِ
ثم يُعكَس، كقول البحتري:
شقائقُ يَحْمِلن النَـدَى فـكـأنَّـه *** دُمُوع التصابي في خُدود الخَرائِد
وشبيهٌ به قولُ ابن المعتزّ، وبعد قوله في النرجس:
كأن عيون النرجس الغضِّ حولها *** مداهنُ دُرٍّ حشْوُهـنّ عـقـيقُ
إذا بلَّهُنّ القَطْرُ خِلْتُ دُمُوعَـهـا *** بُكاءَ عُيونٍ كُحْلُهـنَّ خَـلُـوقُ
وفي فنّ آخر منه خارجٍ عن جنس ما مضى، يُشِّبه الشيخ إذا أفناه الهَرَم، وحناه القِدَم، حتى يدخل رأسه في منكبيه بالفرخ كما قال:
ثلاثُ مِئِينَ قَدْ مَضَـيْنَ كـوامـلاً *** وَهَا أنَا هذا أَرتجـي مـرَّ أربـعِ
فأصبحتُ مِثْلَ الفَرْخِ في العُشِّ ثاوياً *** إذا رَام تَطْـيَاراً يقـالُ لـه قَـعِ
وهو كثير، ثم يُعكس فيُشبَّه بالشيخ، كما قال أبو نواس يرثى خَلَفاً الأحمر:
لو كان حَيٌّ وَائلاً من التَّلَـفْ *** لَوألَتْ شَغْوَاءُ في أَعلَى شَعَفْ
أمُّ فُرَيخٍ أَحرزَتْه في لَـجَـفْ *** مُزَغَّبِ الأَلغادِ لم يأكُل بكَـفّ
كأنه مُسْتَقْعَدٌ من الـخَـرَفْ