الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > منتديات اللغة العربية والآداب الإنسانية > منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي

منتدى البلاغة والنقد والمقال الأدبي هنا توضع الإبداعات الأدبية تحت المجهر لاستكناه جمالياته وتسليط الضوء على جودة الأدوات الفنية المستخدمة.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-09-2017, 11:20 AM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
راحيل الأيسر
المدير العام
 
الصورة الرمزية راحيل الأيسر
 

 

 
إحصائية العضو







راحيل الأيسر متصل الآن


افتراضي رد: من كتاب أسرار البلاغة ..

وتُشَبَّهُ ثُدِيُّ الكواعب بالرُمّان كقوله‏:‏

وَبِمَا تَبِيتُ أَنَامـلـي *** يَجْنِينَ رُمّانَ النُّحورِ

وقولِ المتنبي‏:‏

وقابَلني رُمَّانتا غُصنِ بـانةٍ *** يَمِيل به بدرٌ ويُمسكه حِقْفُ

وقوله‏:‏

يخطّن بِالعيدان في كُلِّ منزلٍ *** وَيَخْبَأْنَ رُمَّان الثُّدِيِّ النواهِد

ثم يُقلَب فيُشبَّه الرّمان بالثُدِيّ، كقول‏:‏

ورُمّـانةٍ شَـبَّـهـــتُـــهـــا إذ رأيتُـــهـــا *** بثَـدْيِ كَـعــابٍ وبـــحُـــقّةِ مَـــرْمـــرِ

مُنمنَمةٍ صفراءَ نُضِّد حولها يواقيتُ حُمْرٌ في مُلاءٍ مُعصْفَرِ





وتُشبَّه الجداول والأنهار بالسيوف، يراد بياض الماء الصَّافي وبصيصُه، مع شكل الاستطالة الذي هو شكل السيف، كقول ابن المعتز‏:‏

أعددتُ للجارِ ولـلـعُـفـاة *** كُومَ الأعالي مُتَـسـامـياتِ

رَوازِقاً في المَحْلِ مُطعِمَاتِ





يعني نخلاً، ثم قال بعد أبيات‏:‏

تُسقَى بأنْهـارٍ مُـفَـجَّـراتِ *** على حَصَى الكافورِ فَائضاتِ

بَرِيئَةِ الصَّفْوِ مـن الـقَـذَاةِ *** مثلِ السُّيوفِ المتـعـرِّياتِ

ابن بابك‏:‏

فما سَيلٌ تُخلّصهُ المَحَـانـي *** كما سُلَّت من الخِلَلِ المناصِلْ

أبو فراس‏:‏

والـمـاءُ يفـصِـل بـين زَهْ *** رِ الرَّوْض في الشَطَّين فَصْلاَ

كَبِـسـاطِ وَشْـي جَــرَّدت *** أيدي القُيُونِ علـيه نَـصْـلاَ

كشاجم‏:‏

وتَرَى الجداوِل كالسُّيو *** فِ لَها سَوَاقٍ كالمباردْ

آخر‏:‏

وفي الجداول أسيافٌ مُحَـادَثَةٌ *** والطير تَسْجع أهْزاجاً وأرمالاَ

وقال ذو الرمّة‏:‏

فما انشقَّ ضَوْءُ الصبح حتى تَبيَّنت *** جَداولُ أمثالُ السُّيُوف القواطِـعِ

ابن الرومي‏:‏

عَلى حِفافَيْ جَدْولٍ مَسـجـورِ *** أبيضَ مثلِ المُهْرَقِ المنشـورِ

ومثلِ متن الصارم المشهور





ثم يَقْلبونَ أحدَ طرفي التشبيه على الآخر، فيشبّهون السيوفَ بالجداول، كقوله‏:‏

وتخالُ ما ضربوا بهنّ جداولاً *** وتَخَال ما طَعَنُوا به أَشْطَانَ

ابن بابك‏:‏

وأُهدِي إلى الغارات عَزْماً مشـيَّعـاً *** وبأساً وباعاً في اللِّقاءِ ومِقْـصَـل

سَفِيهَ مَقَطِّ الـطُـرَّتـين أَشـيمـهُ *** فيُوحي إلى الأعضاء أن تَـتَـزيَّلاَ

أغَرَّ كأني حـين أَخْـضِـبُ حَـدَّه *** خرقتُ به في مُلْتَقَى الرَّوض جَدْوَلاَ

السرّى‏:‏

وكم خَرَقَ الحجابَ إلى مَقَامٍ *** تَوارَى الشمسُ فيه بالحجابِ

كأنّ سُيوفَه بين العَـوالـي *** جَداولُ يطَّرِدْنَ خِلالَ غابِ

وله أيضاً‏:‏

كأنّ سيوف الهِندِ بين رِماحه *** جداولُ في غابٍ سَمَا فتأشَّبا

وتُشبَّه الأسنّة، كما لا يخفى، بالنجوم، كما قال‏:‏

وأَسِنَّةً زُرقاً تُخالُ نجومَا

وقال البحتري‏:‏

وتراه في ظُلَم الوَغَى فتخالُـه *** قَمراً يكُرُّ على الرِّجال بكَوْكَبِ

يعني السنان، وقال ابن المُعتزّ‏:‏

وَتَراه يُصغِي في القناة بكَفِّه *** نَجْماً ونجماً في القناة يَجُرُّه

ومثله سواءً قوله‏:‏

كأنما الحرْبةُ في كفِّه *** نجمُ دُجَى شيَّعه البَدْرُ

ثم قد شبّهوا الكواكب بالسِّنان، كقول الصنوبري‏:‏

بشَّر بالصُّبح كوكبُ الصُّبـحِ *** فاضَ وجِنْحُ الدُّجَى كَلا جِنْحِ

فَهْوَ على الفَجْرِ كالسِّنان هَوَى *** للعين لمَّا هَوَى على رُمْـحِ

ابن المعتزّ‏:‏

شرِبتُها والديكُ لم يَنْتَـبِـهْ *** سَكْرَانُ مِن نَوْمَتِهِ طافـحُ

ولاَحت الشِّعرى وجَوْزَاؤها *** كمثل زُجٍّ جَـرَّهُ رامـحُ

وهذه إن أردت الحقَّ، قضيّةٌ قد سبقت وقَدُمت، فقد قالوا‏:‏ المسك الرامح، على معنى أن كوكباً يتقدّمه وهو رمحه، ولا شكّْ أن جُلّ الغرض في جعل ذلك الكوكب رمحاً أن يقدّروه سناناً، فالرمح رُمْحٌ بالسنان، وإذا لم يكن السنان فهو قناة، ولذلك قال‏:‏

ورمحاً طويلَ القَناةِ عَسُولاً

ومن ذلك أن الدموع تُشبَّه إذا قَطَرت على خدود النساء بالطَّلّ والقَطْر على ما يُشْبِهُ الخدودَ من الرياحين، كقول الناشئ‏:‏

بَكَتْ للفراق وقَد رَاعَها *** بُكَاءُ الحبيب لبُعْدِ الدِّيارِ

كأنَّ الدُّموعَ على خدّها *** بقيّةُ طَلٍّ على جُلّنـارِ

وشبيه به قول ابن الرومي‏:‏

لو كنتَ يوم الوَداع حاضرَنا *** وهُنَّ يُطِفئْن غُلّةَ الـوجـدِ

لم ترَ إلا الدموعَ سـاكـبةً *** تَقْطُر من مُقْلةٍ على خـدِّ

كأنَّ تلك الدموعَ قَطْرُ نَـدًى *** يقطُر من نَرْجِس على وَرْدِ

ثم يُعكَس، كقول البحتري‏:‏

شقائقُ يَحْمِلن النَـدَى فـكـأنَّـه *** دُمُوع التصابي في خُدود الخَرائِد

وشبيهٌ به قولُ ابن المعتزّ، وبعد قوله في النرجس‏:‏

كأن عيون النرجس الغضِّ حولها *** مداهنُ دُرٍّ حشْوُهـنّ عـقـيقُ

إذا بلَّهُنّ القَطْرُ خِلْتُ دُمُوعَـهـا *** بُكاءَ عُيونٍ كُحْلُهـنَّ خَـلُـوقُ

وفي فنّ آخر منه خارجٍ عن جنس ما مضى، يُشِّبه الشيخ إذا أفناه الهَرَم، وحناه القِدَم، حتى يدخل رأسه في منكبيه بالفرخ كما قال‏:‏

ثلاثُ مِئِينَ قَدْ مَضَـيْنَ كـوامـلاً *** وَهَا أنَا هذا أَرتجـي مـرَّ أربـعِ

فأصبحتُ مِثْلَ الفَرْخِ في العُشِّ ثاوياً *** إذا رَام تَطْـيَاراً يقـالُ لـه قَـعِ

وهو كثير، ثم يُعكس فيُشبَّه بالشيخ، كما قال أبو نواس يرثى خَلَفاً الأحمر‏:‏

لو كان حَيٌّ وَائلاً من التَّلَـفْ *** لَوألَتْ شَغْوَاءُ في أَعلَى شَعَفْ

أمُّ فُرَيخٍ أَحرزَتْه في لَـجَـفْ *** مُزَغَّبِ الأَلغادِ لم يأكُل بكَـفّ

كأنه مُسْتَقْعَدٌ من الـخَـرَفْ







التوقيع

لم يبق معيَ من فضيلة العلم ... سوى العلم بأني لست أعلم .
 
رد مع اقتباس
قديم 23-09-2017, 11:24 AM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
راحيل الأيسر
المدير العام
 
الصورة الرمزية راحيل الأيسر
 

 

 
إحصائية العضو







راحيل الأيسر متصل الآن


افتراضي رد: من كتاب أسرار البلاغة ..

وأعاده في قصيدة أخرى في مرثيته أيضاً‏:‏

لاَ تَئِلُ العُصْمُ في الهِضابِ ولا *** شَغْواءُ تَغْذُو فَرْخَينِ في لَجَفِ

تَحْنُو بجُؤْشُوشها على ضَـرِمٍ *** كقِعدة المُنْحَنى من الخَـرفِ

ويُشبَّه الظَّليم في حركة جناحيه، مع إرسالٍ لهما، بالخِباء المُقوَّض، أنشد أبو العباس لعلقمة‏:‏

صَعْلٌ كأنّ جناحَيه وجُؤجُـؤَه *** بيتٌ أطافت به خَرْقاءُ مهجومُ

اشترط أن تتعاطى تقويضَه خَرْقاءُ، ليكون أشدَّ لتفاوت حركاته، وخروجِ اضطرابه عن الوزن، وقال ذو الرمة‏:‏

وبَيْضٍ رفعنا بالضُّحَى عَنْ مُتُونها *** سَماوةَ جَوْنٍ كالخِبَاء المُقـوَّضِ

هَجُومٍ عَلَيها نفسَـهُ غَـيْرَ أَنّـه *** متى يُرْمَ فِي عينيه بالشَّبْحِ يَنْهَضِ

قالوا في تفسيره‏:‏ يعني بالبيض بَيضَ النعام، ورَفَعنا، أي‏:‏ أثرنا عن ظهورها، وسَمَاوة جون أي‏:‏ شخص نَعام جون، وسماوة الشيء، شخصه، والجون الأسود هاهنا، لأنه قابل بين البياض والسواد، ثم شبّه النَّعام في حال إثارته عن البَيض بالخباء المقوَّض، وهو الذي نُزعت أطنابه للتحويل، والبيت الثاني من أبيات الكِتاب، أنشده شاهداً على إعمال فَعول عملَ الفعل، وذلك قوله هَجومٍ عليها نَفْسَهُ، فنفسُه منصوب بهَجوم، على أنه من هَجم متعدّياً نحو هجم عليها نفسه، أي طرحها عليها، كأنه أراد أن يصف الظَّليمَ في خوفه بأمرين متضادّين، بأن يبالغ في الانكباب على البَيض فِعْلَ مَن شأنُهُ اللزوم والثبات وأن يُثيره عنها الشيءَ اليسير، نحوُ أن يقع بصرُه على الشخص من بُعدٍ، فِعْلَ مَنْ كان مستوفِزاً في مكانه غير مطمئنّ ولا موطِّن نفْسَهُ على السُّكون، وقوله‏:‏ يُرْمَ في عينيه بالشَّبْحِ، كلام ليس لحسنه نهاية‏.‏ وقد قال ابن المعتزّ فعكس هذا التشبيه، فشبّه حَرَكة الخباء بالطائر، إلا أنه رَاعَى أن يكون هناك صفةٌ مخصوصةٌ، فشَرَطَ في الطائر أن يكون مقصوصاً، وذلك قوله‏:‏

ورفعنا خباءَنا تَضْربُ الـري *** حُ حَشَاهُ كالجادِفِ المَقْصُوصِ

وأخرجه إلى هذا الشرط أنه أراد حَركة خِباءٍ ثابتٍ غير مُقوَّض، إلا أن الريحَ تقع في جوفه فيتحرك جانباه على تَوَالٍ، كما يفعل المقصوص إذا جدف، وذلك أن يردّ جناحيه إلى خلفه، فحصل له أمران أحدهما أن الموفور الجناح يَبْسُط جناحيه في الأكثر، وذلك إذا صفَّ في طيرانه، فلا يدومُ ضربه بجناحيه، والمقصوص لقصوره عن البسط يُديم ضَرْبهما والثاني تحريكُ الجناحين إلى خلفٍ‏.‏ وهذا كثير جدّاً، وَتَتَبُّعُه في كل باب ونوعٍ من التشبيه يَشْغَل عن الغرض من هذه الموازنة، وإنما يمتنع هذا القلبُ في طرفي التشبيه، لسبب يعرض في البين فَيَمْنَعُ منه، ولا يكون من صميم الوصف المشترك بين الشيئين المشبَّهِ أحدُهما بالآخر، فمن ذلك، وهو أقواه فيما أظنُّ، أن يكون بين الشيئين تفاوتٌ شديد في الوصف الذي لأجله تُشبِّه، ثم قصدتَ أن تُلحق الناقصَ منهما بالزائد، مبالغةً ودلالةً على أنه يفضُل أمثاله فيه، بيانُ هذا‏:‏ أن هاهنا أشياءَ هي أصولٌ في شدة السَّواد كخافية الغراب، والقارِ، ونحو ذلك، فإذا شبّهتَ شيئاً بها كان طلبُ العكس في ذاك عكساً لما يُوجبه العقل ونقضاً للعادة، لأن الواجب أن يُثَبت المشكوك فيه بالقياس على المعروف، لا أن يُتَكلَّف في المعروف تعريفٌ بقياسه على المجهولِ وما ليس بموجود على الحقيقة، فأنت إذا قلت في شيء‏:‏ هو كخَافِية الغراب، فقد أردت أن تُثبت له سواداً زائداً على ما يُعهَد في جنسه، وأن تصحِّح زيادةً هي مجهولة له، وإذا لم يكن هاهنا ما يزيد على خافية الغراب في السواد، فليت شعري ما الذي تريد من قياسه على غيره فيه، ولهذا المعنى ضَعُف بيت البحتري‏:‏

على باب قِنَّسرينَ والليلُ لاطخٌ *** جَوَانبَه من ظُلـمةٍ بـمـدادِ

وذاك أن المداد ليس من الأشياء التي لا مزيد عليها في السواد، كيف ورُبَّ مِدَادٍ فاقد اللون، والليلُ بالسواد وشدّته أحقّ وأحرى أن يكون مثلاً، ألا ترى إلى ابن الرومي حيث قال السريع‏:‏

حِبْرُ أبي حفصٍ لُعَابُ الليلِ *** يَسيلُ للإخوان أيَّ سَـيْلِ

فبالغ في وصف الحبر بالسواد حين شبّهه بالليل، وكأن البحتري نظر إلى قول العامّة في الشيء الأسود هو كالنِّقسِ، ثم تركه للقافية إلى المداد، فإن قلت فينبغي على هذا أن لا يجوز تشبيه الصُّبح بغرّة الفرس لأجل أنّ الصبح بالوصف الذي لأجله شُبّه الغرة به أخصُّ، وهو فيه أظهر وأبلغ، والتفاوت بينهما كالتفاوت بين خافية الغراب والقار وبين ما يشبَّه بهما، فالجواب أن الأَمر، وإن كان كذلك، فإنّ تشبيه غُرّةِ الفرس بالصبح حيث ذُكرتْ، لم يقع من جهة المبالغة في وَصفها بالضياء والانبساط وفرط التلألؤ، وإنما قُصد أمرٌ آخر وهو وقوعُ مُنيرٍ في مُظلمٍ، وحصولُ بياضٍ في سوادٍ، ثم البياضُ صغيرٌ قليل بالإضافة إلى السواد، وأنت تجد هذا الشَّبه على هذا الحدّ في الأصل، فإذا عكستَ فقلت كأنّ الصُّبح عند ظهور أوَّله في الليل غُرَّةٌ في فرس أدهم، لم تقع في مناقضة كما أنك لو شبّهت الصُّبْح في الظلام بقَلَم بياضٍ على ديباج أسود لم تخرج عن الصواب وعلى نحو من ذلك قول ابن المعتز‏:‏

فخلتُ الدُّجَى والفَجْرُ قد مدَّ خَيْطَهُ *** رِداءً مُوشّىً بالكواكب مُعْلَـمَ

فالعلم في هذا الرداء هو الفجر بلا شبهة، وله، وهو صريح ما أردتُ‏:‏

والليلُ كالحُلّة السَّوداءِ لاح بـه *** من الصَّباح طِرازٌ غيرُ مرقُومِ

وإن كان التفاوت في المقدار بين الصُّبح والطِّراز في الامتداد والانبساط شديداً، وكذلك تشبيه الشَّمس بالمرآة المجلوَّة، وبالدينار الخارج من السِّكّة، كما قال ابن المعتزّ‏:‏

وكأنّ الشَّمسَ المُنيرةَ دِينا *** رٌ جَلَته حَدَائدٌ الضُّرَّابِ

حَسَنٌ مقبول، وإن عظُم التفاوتُ بين نُورِ الشمس ونور المرآة والدِّينارِ والجِرْم والجرم، لأنك لم تضع التشبيه على مجرَّد النُّور والائتلاق، وإنما قصدت إلى مستديرٍ يتلألأ ويلمع، ثم خصوصٍ في جنس اللون يوجد في المرآة المجلوَّة والدينار المُتَخلِّص من حَمْيِ السِّكّة، كما يوجد في الشمس، فأما مقدار النور، وأنه زائد وناقص ومتناهٍ، ومتقاصر، والجِرمُ أعظِيمٌ هو أم صغير؛ فلم تتعَرَّض له، ويستقيم لك العكس في هذا كله، نحوُ أن تشبّه المرآة بالشمس، وكذلك لو قلت في الدينار كأنه شمس، وقلت كأن الدنانير المنثورة شموسٌ صغار لم تتعدَّ، وجملةُ القول أنه متى لم يُقصَد ضَرْبٌ من المبالغة في إثبات الصفة للشيء، والقصدِ إلى إيهامٍ في الناقص أنه كالزائد، واقتُصِر على الجمع بين الشيئين في مطلق الصورة والشكل واللون، وجمعِ وصفين على وجهٍ يوجد في الفَرْع على حدّه وقريبٍ منه في الأصل، فإنّ العكسَ يستقيم في التشبيه، ومتى أُرِيد شيء من ذلك لم يستقم،‏.‏ وقد يَقصِدُ الشاعر، على عادة التخييل، أنْ يُوهِم في الشيء هو قاصرٌ عن نظيره في الصفة أنه زائد عليه في استحقاقها، واستيجابِ أن يُجعَل أصلاً فيها، فيصحُّ على موجَب دعواه وسَرَفه أن يجعل الفرعَ أصلاً، وإن كُنّا إذا رجعنا إلى التحقيق، لم نجد الأمرَ يستقيم على ظاهر ما يضع اللفظ عليه، ومثاله قول محمد بن وُهيب‏:‏

وبَدَا الصَّباحُ كأنّ غُرَّتَهُ *** وَجْهُ الخليفةِ حِين يُمتدَحُ

فهذا على أنه جعل وَجْه الخليفة كأنه أعرفُ وأشهرُ وأتمُّ وأكملُ في النور والضياء من الصَّباح، فاستقام له بحكم هذه النِّيَّة أن يجعل الصباحَ فرعاً، ووجهَ الخليفة أصلاَ‏.‏ واعلم أن هذه الدعوى وإن كنت تراها تُشبه قولَهم لا يُدرَى أوَجْهُه أَنورُ أم الصُّبح، وغُرَّته أضوأُ أم البدر، وقولَهم إذا أفرطوا نور الصباح يَخْفَى في ضوء وجهه، ونور الشمس مسروقٌ من جبينه، وما جرى في هذا الأسلوب من وُجوه الإغراق والمبالغة فإن في الطريقةِ الأولى خِلاَبةً وشيئاً من السحر، وهو أنه كأنه يستكثِر للصَّباح أن يُشَبَّه بوجه الخليفة، ويوهم أنه قد احتشَد له، واجتهد في طلب تشبيه يُفخِّمُ به أمره، وجِهَتُه الساحرة أنه يُوقع المبالغةَ في نفسك من حيث لا تشعر، ويُفيدُكَهَا من غير أن يظهر ادِّعاؤه لها، لأنه وضع كلامَه وَضْعَ مَنْ يقيس على أصل متَّفَقٍ عليه، ويُزَجِّي الخبر عن أمرٍ مسلَّم لا حاجة فيه إلى دعوى ولا إشفاقَ من خلاف مخالفٍ وإنكار منكرٍ، وتجهُّمِ معترضٍ، وتهكُّم قائِلٍ‏:‏ لِمَ?، ومن أين لك ذلك?، والمعاني إذا وردت على النَّفس هذا الموردَ، كان لها ضربٌ من السُّرور خاصٌّ وحَدَث بها من الفَرح عجيبٌ، فكانت كالنعمةِ لم تُكدرها المِنَّة، والصَّنيعةِ لم يُنَغِّصها اعتداد المُصْطَنِع لها، وفي هذا الموضع شبيهٌ بالنكتة التي ذكرتها في التجنيس، لأنك في الموضعين تنال الربحَ في صورة رأس المال، وترى الفائدة قد ملأت يدك من حيث حَسِبْتَها قد جازتْك وأخلَتْك، وتَجِد على الجملة الوجودَ من حيث توهمَّت العدمَ، ولطيفةٌ أخرى، وهو أن من شأن المدح إذا ورد على العاقل أن يَقِفَه بين أمرين يصعب الجمع بينهما وتوفية حقَّهما‏:‏ معرفةِ حقّ المادحِ على ما احتشد له من تزيينه، وقصِده من تفخيم شأنه في عيون الناس بالإصغاء إليه والارتياح له، والدِّلالة بالبشر والطلاقة على حُسن موقعه عنده ومَلْكِ النفس حتى لا يغلبها السرور عليه، ويخرج بها إلى العُجْب المذموم وإلى أن يقول‏:‏ أنا، فيقعَ في ضَعَة الكِبْر من حيث لا يشعُر، ويَظهر عليه من أَمارته ما يُذَمُّ لأجله ويُحَقَّر، فما كُبر أحد في نفسه إلاّ غان الكِبْرُ عَلى عقله، وفَسخَ عُقْدةً من حلمه، وهذا موقفٌ تزلُّ فيه الأقدام، بل تخِفَّ عندهُ الحلوم، حتى لا يسلم من خُدَع النفس هناك إلا أَفرادُ الرجال، وإلا مَنْ أدام التوفيقُ صُحْبتَه، ومن أين ذلك وأنَّى فإذا كان المدح على صورة قوله وجه الخليفة حين يمتدح، خَفَّ عنه الشطرُ من تكاليف هذه الخصلة، وإذ قد تبيّن كيف يكون جعلُ الَفرْع أصلاً، والأصْلِ فرعاً فالتشبيه الصريح، فارجعْ إلى التمثيل، وانظر هل تجيء فيه هذه الطريقة على هذه السَّعة والقوة? ثم تأمَّل ما حُمل من التمثيل عليها كيف حكمه وهل هو مُسَاوٍ لما رأيتَ في التشبيه الصريح، وحاذٍ حَذوَه على التحقيق، أم الحال على خلاف ذلك، والمثال فيما جاد من التمثيل مردوداً فيه الفرعُ إلى موضع الأصل، والأصل إلى محلِّ الفرع، قوله‏:‏

وكأنّ النُّجومَ بين دُجَاه *** سُنَنٌ لاحَ بَيْنَهنَّ ابتداعُ





يتبع في وقت لاحق ..







التوقيع

لم يبق معيَ من فضيلة العلم ... سوى العلم بأني لست أعلم .
 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:08 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط