ذكرى النــكــــــبة .. قصص انكسار

[وائل سبعاوي]

؛؛

ذكرى النكبة .. قصص انكسار

عمان - الدستور - جمانة ابو حليمة

للجوء الفلسطيني قصص كثيرة وقصة الحاجة منظومة عبدالرحمن قطام احدى هذه القصص
ورغم كبر سنها الا انها تول لو سمحوا لي بالعودة الان فاني ساعود سيرا على اقدامي وتلفت
انها أنا من مواليد العام 1939 من قضاء الخليل. هاجرنا من قريتنا في العام 1948 حيث بدأت
الحرب من غربا، جهة يافا وحيفا واللد وعكا، اذ سمعنا انه وقعت حرب هناك بين اليهود وأهل المدن،
كما وسمعنا عن وقوع الحرب ايضا في أقضيتها. بعد خمسة الى ستة شهور انتقلت الحرب الى قرانا،
حيث وقعت مناورات فبدأنا نرى في السماء قنابل ملونة أحمر وأخضر كانت تطلق ليلا، والامر
الذي أرعب اهل القرية الخروج وحماية ابنائهم ونسائهم كي لا يحدث معهم ما حدث
مع أهل دير ياسين وقرى اخرى .
هاجرنا الى بلدة قريبة من قريتنا اسمها أذنة، قال ابي ان له أقارب فيها لكننا وجدنا ان اهلها هربوا
منها قبلنا- لكن بعضهم عاد بعد ذلك- ولم نجد أقاربنا فصعدنا جبل الخليل وقضينا تلك الليلة على رأس الجبل،
ثم أخذنا ابي مع طلوع الشمس الى مدينة الخليل، وكان معنا ايضا حوالي 15 رأس بقر
وهي ما أخذها ابي معنا عندما خرجنا.
وهناك في الخليل بدأ ابي بيع بقراته؛ كل بضعة ايام يبيع واحدة كي نعتاش منها.
وكان يجلس يوميا في المقهى ليستمع الى الراديو الموجود هناك وينتظر ان يسمع خبرا ما
عما يحدث او ما سيحدث حتى. بقينا في الخليل عشرين عاما تقريبا، تزوجت هناك وانجبت معظم ابنائي.
في العام 1967 تفاجئنا بطائرات تحلق في سماء الخليل، ودخل اليهود المدينة، هربنا شرقا
حيث ظن الناس انهم سيأتون من الغرب، لكنهم جاؤوا من الشمال الغربي، دخلوا الخليل
دون مقاومة السكان حيث انهم باغتونا الا ان احد ابناء الحي من عائلة ابو منشار قام من باطلاق النار عليهم
من نافذة بيته فقصفوا البيت بقذيفة دبابة .
هربنا الى الجبال لمدة اسبوع تقريبا ثم أعلنوا في سماعات الجوامع والحرم الابراهيمي
اننا نستطيع لكن عندما عدنا فرض حظر تجول في المدينة، وكان يسمح لنا بالخروج
لمدة ساعتين يوميا، في هذه الايام لم يتبق لدى الناس من مونتهم شيء من طحين او حمص
او ترمس، استمر الحال هكذا لمدة 27 يوما. ثم ذات يوم تفاجنا ايضا بقيام مجموعة من اليهود
بجولة في المدينة وقراها وحددوا الخطوط الأممية ومن ثم استلموا المدينة مما دفع بعض العائلات اللاجئة
الى الهجرة ثانية خوفا من تعرضهم للخطر. قررنا انا وزوجي اللجوء الى الاردن .
هاجرنا من الخليل باتجاه جسر اريحا فتفاجأنا باعدد الكبير من اللاجئين مثلنا يقفون على الدور، ومعظمهم
قادمون من مخيم عقبة جبر ومخيم عين السلطان في اريحا، كلهم مهاجرون الى الاردن.
هذه الهجرة كانت معاناة ما بعدها معاناة؛ أطفال وشيوخ ماتوا وتركهم ذووهم على جانب الطريق،
نسوة انجبن، مرضى، قلة ما ولا نملك حتى خبزا. بعد عناء لا يمكن وصفه وصلنا مخيم الوحدات
حيث كان أخي قد سبقنا اليه وأعطانا ايضا خيمته لنقضي فيها ليلتنا. ثم نزلنا الى الشونة للحصول
على كرت المؤن وللعيش في مخيم هناك، فعلا ذهبنا ووجدنا ان الوكالة يوزعون هناك كروت المؤن والخيام ،
أخذنا خيمة لكن بعد ان رأيت افعى ضخمة داخلها قررت عدم البيات هناك
وطلقة حتى لو سرت مشيا الى عمان، فنصحنا الآخرون بالذهاب الى غور نمرين حيث وجدنا هناك
ايضا خياما منصوبة جاهزة لاستقبال اللاجئين، فاخترت خيمة قريبة من الشارع،
حيث كانت جثث جنود الجيش العراقي ملقاة على جوانب الطريق مليئة بالتراب،
كان منظرا مؤلما وأياما صعبة جدا .
بقينا في غور نمرين عدة اشهر فقط، الحياة فيه صعبة جدا ومريرة، حيث اضطربت الامور
مرة اخرى؛ بدأ اليهود يقصفون المخيم من الجو، وكأنهم يريدون تهجيرنا من هناك، فخرج الناس
مرة اخرى وهم مصابون بالهلع بعضهم في شاحنات والاخرون سيرا على الاقدام بملابسهم فقط،
وصلنا ليلا الى مخيم البقعة، لا نملك شيئا ولا حتى رغيفا من الخبز، الاطفال يبكون من الجوع ،
الكل جائع وانهكه التعب، كان المكان مظلما لدرجة انك لا ترى يدك فيه، فزع الاطفال وبكوا كثيرا،
في الصباح جاءت سيارة كبيرة تابعة لوكالة الغوث ووزعوا علينا خبزا لكن فرحتنا لم تكتمل
بحصولنا على الخبز فقد كان مليئا بالدود والسوس، لكننا أكلنا وأطعمنا الاطفال.
قضينا ليال صعبة ، ثم بدأ فصل الشتاء، ازدادت الامور سوء، اوضاعنا اصبحت اصعب ، الخيام غرقت بالماء،
البرد قارس، لم نذق طعم النوم لا نحن ولا اولادنا، فقد كنا نحملهم على ايدينا وظهورنا طيلة الليل والنهار،
الى ان قامت وكالة الغوث ببناء وحدات من الطوب والزينكو، وبدؤا يوزعونها علينا على الاسماء،
وبقينا فيها حتى اليوم، وما زلنا نحلم بالعودة الى بيوتنا في قريتنا التي لن يعوضنا عنها شئ،
ولو عرضوا علينا اليوم تعويضات لن نوافق، لن نأخذ مالا، حتما سنعود يوما،
ولو سمحوا لي بذلك اليوم فسأعود سيرا على قدمي دون ان انتظر لحظة واحدة وبثوبي الذي ارتديه .
اما الحاجة عزية جابر جراح فقالت كان عمري أحد عشرة عاما عندما هاجرنا من قريتنا دير نخاس- وهي
قرية صغيرة تقع في ناحية الخليل ضمن لواء القدس، عدد سكانها قليل يعيشون فيها بأمان- الى مدينة الخليل
في العام 48 ، عشنا فيها حوالي عامين ثم هاجرنا الى مخيم عين السلطان في أريحا ثم الى الغور.
بدأت هجرتنا عندما سمعنا عما حدث في دير ياسين وما فعله اليهود بأهلها، فقد سمعنا
انهم يغتصبون البنات ويبقرون بطون الحوامل ويقطعون أرجل الأولاد. كما وسمعنا ايضا
روايات مرعبة عن ما حدث في الدوايمة، حيث ارتكب اليهود مذبحة هناك ، أعدموا شباب القرية
كما ذبحوا حوالي مائة شخص كانوا يختبؤون في مغارة، كما سمعنا عما حدث في بيت جبرين
حيث قصفها اليهود بالطائرات، وأيضا قصفوا قريتنا فهرب أهلها جميعا بملابسهم فقط
ولم يأخذوا معهم شيئا، ولا حتى طعاما الا حليبا لأطفالهم على أساس ان يعودوا
بعد ان تهدأ الامور، بعد عدة ساعات، خرجنا سيرا عى الاقدام وبعضنا على الحمير .
في الخليل لجئنا عند أقارب أمي وهناك تزوجت وزوجي كان ايضا لاجئ من نفس قريتنا
دير نخاس ، حصلنا على كرت مؤن من وكالة الغوث، كانوا يصرفون لنا مؤن مكونة
من طحين وسكر وارز وعدس وفاصولياء، فلم نكن نعمل آنذاك، ،
كان عددنا كبير، خمس بنات وولد،خجل والدي فقد كان الحال ضيق، وحال أقاربنا كذلك،
وايضا كان بعض اهل الخليل- بصفتهم مدنيين ونحن فلاحون يعايروننا وينعتوننا
بصفات سيئة فلم يحتمل ابي الوضع وعزم بعد عام على الهجرة ثانية الى مخيم عين السلطان في اريحا.
هاجرت انا وزوجي ايضا معهم، حيث عمل هناك بائعا للخضار، كان يأخد الخضار من حسبة أريحا
ويبيعها في عين السلطان، وهناك أنجبت ابني الاول والثاني.
وفي المخيم كنا نحن النساء نراجع مركز صحية تعمل فيه طبيبات أمريكيات
وهن ايضا انفسهن جئن معنا عندما نزحنا الى هنا الى الاردن.
عشنا في مخيم عين السلطان عشرين عاما تقريبا، وفي احدى ايام الصيف عندما كنا
في عمان- حيث كنا نأتي اليها في الصيف وننصب خيمتنا لمدة شهرين،
نبيع خضارنا ثم نعود الى عين السلطان عندما يبدأ دوام المدارس في اريحا،
سمعنا من بعض الاشخاص انه حدث اطلاق نار وهجوم على اريحا وان اليهود قصفوا المخيم،
فخشينا ان يحدث ما كان حدث في العام 48 ، فقررنا البقاء في خيمتنا في الاردن
قرب منطقة الحسبة عند مخيم الوحدات.
لم نعد الي عين السلطان منذ تلك اللحظة، لم نعد الى فلسطين،
تركنا بيتنا وملابسنا ومونتنا كما هي.
بعد ذلك نصحنا اللاجئين مثلنا بان نذهب الى الشونة في غور الاردن
لنأخذ كروت مؤن جديدة بدل التي تركناها في مخيم عين السلطان من مقر وكالة الغوث هناك، حيث
كانت الخيام جاهزة لاستقبالنا هناك، فبقينا فيها حتى حصلنا جميعا على كرت مؤن
ثم تم تحميلنا في باصات وشاحنات كبيرة ووضعونا في مخيم
قالوا لنا اسمه البقعة ، وهانحن نعيش فيه حتى الآن .
كنا دائما موعودين بالعودة بعد عدة ايام ،
لكن هذه الايام القليلة امتدت الى اعوام طويلة ولم نعد.
لقد مات زوجي وهو يحلم بالعودة؛ كل يوم يجلس والراديو بيده على عتبه وحدتنا في المخيم
عله يسمع خبرا برجوعنا الى دير نخاس .

التاريخ : 15-05-2012

المصدر

ـــــــــــــــ

بالفعل شعبُ الجبارين , كان ولا يزال
وأمرُ الله قريب إن شاء الله

[سلمى رشيد]

اربعة وستون عام من قصص الإنتصار والمقاومة والصبر الذي تحملته اجيال متعاقبة مرت وستمر ..
تمر الذكرى ثم تعودرحل من رحل
وبقي في الأسر الكثير
ودم الشهداء لا زال يعطر ارض فلسطين ...
وهؤلاء كتبوا ملحمة الصبر في التغريب والمنافى ..

أخي الكريم وائل
قصص الشتات وحكايا الذكريات مع الوطن الغافي في حبات العيون
يافا
حيفا
اللد
بير السبع

ليت اجدادنا لم يغادروها مهما كان الثمن ...
قدر الله وما شاء فعل ..

موضوع لامس شغاف القلوب
بوركت يمناك

[وائل سبعاوي]

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلمى رشيد

اربعة وستون عام
من قصص الإنتصار والمقاومة والصبر
الذي تحملته اجيال متعاقبة مرت وستمر
تمر الذكرى ثم تعود ورحل من رحــــل
وبقي في الأســــــر الكــــثير
ودم الشهداء لا زال يعطر ارض فلسطين
وهؤلاء كتبوا ملحمة الصبر في التغريب والمنافى

الكريمة والفاضلة سلمى

قطار النكبة قد عبر المحطات والمحيطات

وهاهو في السنة الخامسة والستون

وكما تفضلتم , رحل من الأجداد والأباء من رحل

ونسأل الله الرحمة لهم في عليين

وأني العبد الفقير ألى الله أرى بأن قطار النكبة أو النكسة عائدٌ إلى حيث كان

يحمل هذه الأجيال , الى المحطة الأولى ..

وسيستقر الرحال في محطته الأولى

في كروم الزيتون والعنب ... وما ذلك على ربكم ببعيد

هي فقط .. عقد باقيات في منشارٌ صدء ..
آثارها في قصور ملوكٍ وأمراء لقطاء

ستزول قريبا إن شاء الله تعالى

وآخر ردي في هذا الموضوع , لا أتمنى على الله

إلا أن يزديـــــكم الله من فضــــــله

و أن يجعلكم من سالكي ُطرق الخير والرحـمة

والواقفين بوجه الباطل والنقمة

آمين يارب العالمين


////