السلام عليكم
يا أخي, الإختلاف لا يفسد للود قضية, لأننا أصلاً لا نتحدث ليثبت كل منا خطأ الآخر, هدفنا الوصول للحقيقة, إختلاف الآراء نعمة وليست نقمة كما يتصورها كثيرون, والحوار مطلوب دائماً, وليست أدعي أن ما قلتُه هو الحق فقط بل هو مجرد وجهة نظر, قناعة في نفسي قد توافقني عليها وقد لا توافقني, ولا أطلب منك ولا من غيرك تبني وجهة نظري إطلاقاً, ولكن النقاش يضيء جوانب معتمة, ويفتح آفاقاً جديدة دائماً, ونحن كمسلمين مطالبون باتباع الحق وتتبع الحكمة حتى لو جاءتنا ممن يخالفنا, فالحكمة ضالة المؤمن.
أعود للموضوع, عندما كتبت ردي لم يكن المقصود في كلامي حضرتك بالذات أنا أتحدث عن واقع نعيشه, أمتنا اكتفت بالسب والشتم والدعاء على الأعداء, ماذا فعلنا غير هذا؟ , قد تقول وماذا بيدنا غيره, ونحن أمة ضعيفة مستضعفة؟ وأجيبك : وماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان المسلمون قلة مستضعفين يتخطفهم الناس؟ كان يربيّهم ويزكيّهم, كان يعدّهم ليكونوا أمة خير, نقّى ضمائرهم, وأصلح نفوسهم, حتى صار أحدهم كله لله ولدين الله.
هذا ما أطلبه يا أخي, أطلب أن نعيد تربية أنفسنا بأنفسنا, كم من المظاهر السيئة الهدامة التي تحكم حياة المسلمين في تعاملاتهم اليومية مع بعضهم؟ هل فينا تسامح؟ هل يعذر بعضنا بعضاً؟ هل يحب أحدنا لأخيه ما يحب لنفسه؟ هل تهمنا مصلحة الأمة؟ هل نهتم بمرافقنا العامة؟ هل وهل وهل .......مظاهر كثيرة وسلوكيات هدامة, وفي النهاية نطلب من الله النصر, ما الذي يمنعني من تزكية نفسي؟ أعيد هذا السؤال عليك وعلى كل مسلم. لماذا لا أبدأ بإصلاح نفسي وتزكيتها؟ لماذا لا نفعّل أخلاق الإسلام في حياتنا؟
أنا أكيدة أننا متى ما فعلنا ذلك فإن حياتنا ستتغير, وستنتفي هذه المظاهر المحزنة التي تحكم حياتنا والتي هي سبب تخلفنا وضعفنا.
عندما ننتهي من الطائفية والتكفير, عندما نقبل باختلاف الآراء, عندما يسامح بعضنا بعضاً, عندما نلتمس لأخينا العذر إن أخطأ, وعندما نتراجع عن أخطائنا ولا تأخذنا العزة بالإثم, عندما نفهم روح الإسلام وعدل الإسلام وأنه رسالة رحمة وهداية عندها سنعرف كيف نحل كل مشاكلنا, وعندها لن نظل الأمة المغلوبة.
أما مسألة الهلاك فأنا معك, والله قادر على إهلاكنا متى أراد, لا راد لحكمه, لكن الله عادل رحيم, لا يلعب بنا "وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ" (الدخان:38) , جعل لهذا الكون قوانين وسنناً يسير عليها, ومن رحمته أنه ربط النجاح في هذه الدنيا بهذه السنن ولم يمنع خيره عن كافر, فهو لم يربط التوفيق بالإيمان بل ربطه بالعمل الصالح, والصالح هنا ـ برأيي ـ الملائم لسنن الكون "وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (الانبياء:105) والصالحون تأخذ معنى الصلاحية, الصلاحية للبقاء.
مسألة الجهاد , نعم السيف له وقته, بلاد المسلمين محتلة ونفوسنا محتلة كذلك, كيف نجاهد ونحن بهذا الضعف؟ ستقول "كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ"(البقرة: من الآية249), صدق الله العظيم, ولكن النصر لا يأتي دون استعداد, ماذا أعددنا للجهاد؟ أسلحة مستوردة من أعدائنا؟ أمة نائمة تقاتل بالصوت؟, ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة سنين عديدة لم يحمل فيها سيفاً؟ لماذا؟ لأنه كان يربي النفوس كما قلت لك, وعندما حان وقت السيف حمله, وحتى بعد حمله لم يترك التربية وقد احتاج المسلمون لدروس قاسية أحياناً كانت تعيدهم لجادة الصواب متى ما أخطأوا كما في أُحد وحنين.
ليست مسؤوليتنا قاصرة على بلاد المسلمين فقط, مسؤوليتنا عن العالم كله, وإذا أردت توضيحاً أكثر, فإن كل ما يحصل في الكون من مآسي سوف نُسأل عنه كما يُسئل القائد عن تخاذله.
أمتنا يجب أن تكون رحمة وخير للعالم كله, وعندما نستطيع مجاهدة أنفسنا لنعيدها للصواب فإننا مسؤولون عن إعادة الخير والعدل للعالم كله.
لن أقول لطفل لا يعرف الصح من الخطأ احمل سيفاً ودافع عن دينك, وهو لا يعرف ما هو دينه حقاً, ولا يعرف كيف يدافع, ولا يعرف من يقاتل, انظر كيف يضحي شبابنا بأرواحهم, لقد بلغت عندهم التضحية أوجها حتى صار أحدهم يجعل من نفسه قنبلة لتفجير أعدائه, ولكن هؤلاء أنفسهم للأسف لا يميزون أعداءهم حقاً, فقد اختلطت عند بعضهم الدماء, ومنهم للأس من لا يتورع عن الدخول في معارك مع إخوانهم أنفسهم رفاق السلاح لمجرد خلاف قد ينشب في أية لحظة.
لذلك فالمطلوب أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وتربيتها وتهذيبها والله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
تحياتي