تفصل بيننا بعض الجدران، وبعض الممرات وقليل من الخطوات الخجولة، ووجوه شاحبة تستغرب ابتسامتي رغم لسعات البرد وصمت الصباح. مررت بالأزقة والشوارع التي اعتَدْتِ المرور بها عبرها، وتوقفت برهةً عند محطة الحافلة التي أَلِفْت الانطلاق منها. تنفست الهواء نفسه.
التقينا عند بائع الفواكه، ثم عند بائع العطور والجرائد. لم أجد عطرًا يليق بك أكثر من عطر حبي لك. تصفحت الجرائد على عجل بعينين قلقتين اشتياقًا. وجدت كل الأخبار، والمقالات، والعناوين الصغيرة والكبيرة تتحدث عنك، وكل الصور بالأبيض والأسود أو بالألوان لك أنت وحدك، وكل الإهداءات لأجلك.
شربت قهوةً بأربع ملاعق سكر دون جدوى، فمرارتها المقيتة لا يمكنني استساغتها إلا لأجلك. شربتها صباحًا على غير عادتي أملًا في استجماع كل انتباهي لكل لحظة تجمعنا، لكنها كانت عذرًا آخر لأكتب، وكي يمر الوقت كما يشاء على مهل أو على عجل بين السادسة والنصف زمن وصولي، والثامنة والنصف ساعة انطلاقي نحوك لألقاك فعليًّا.
في لحظات الانتظار تابعت الكتابة: هل يمكنني أن أتجاوز كراهيتي للقهوة لونًا وذوقًا ومزاجًا وتاريخًا لأجلك؟ ربما؛ لأنها فقط ارتبطت بلحظات لقاء روحينا هنا. بياض الرغوة الممزوجة بالسكر تشبه موج البحر. رحت أقلب فنجاني بشاعرية، فحسبني أحدهم قارئ فنجان. غريبة هي الصدف والأقدار!!
لم تكن لحظات الكتابة بلون البن إلا ثورة حزن من عمق النزف الأكبر والجرح الأكثر غورًا. اليوم تحطم معانقة البن لرقص الحرف قدرية الحزن، وترسم رقصةً كلاسيكيةً تحت حبات مطر افتراضي؛ صنعه خيال عاشق للحب والمطر.
حبيبتي؛ اليوم لا موعدٌ سرابيُّ، ولا رحلةٌ ماسيةٌ في مجرة الحلم، فاليوم كل اللحظات تتوشح الحقيقة: حقيقةَ وجودنا، وحبنا، ولقائنا، واجتماعنا معًا، وإن وُجِد مفهوم السرابية، والحلم فهما كأوراق النعناع في كوب شاي صحراوي فاخر؛ يزيده نكهةً وتميزًا.
حبيبتي؛ عندما تصبح مئات الكيلومترات مئة متر فقط كمسافة فاصلة، وعندما تصبح مئات الساعات مئة دقيقة فقط كزمن فاصل يرتبك داخلي وعمقي رغم أني أجلس منتظرًا ببرودة ظاهرة؛ صنعتها نسمات الصباح الباردة، وصنعها مزاج قهوتي.
قهوتي يزداد مقتي لها كلما انخفضت درجة حرارتها؛ لأنها تجعل من الشمس باهتةً رغم سطوعها.
أتساءل أنا: ما الداعي لهذا الانحراف في مسار النبض؟ ما الداعي لهذه اللحظة الحزينة غير المبررة؟ لا تقلقي حبيبتي من هذه المزاجية الطارئة لأنها تدخل في إطار تجديد نفَس الابتسامة وتقويتها أكثر.
ابتسامتي معك عانقت الحقيقة، ولا مجال لإخمادها. قد تَبْهُت ألوانها بسبب سحيبات عرضية، لكنها تشرق مجددًا أكثر سطوعًا وتوهجًا.
قبل أن تنتهي لحظات الانتظار كتبت: "أنا خائف من خيبة مجددة".