|
|
المنتدى الإسلامي هنا نناقش قضايا العصر في منظور الشرع ونحاول تكوين مرجع ديني للمهتمين.. |
مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان) |
|
أدوات الموضوع | تقييم الموضوع | انواع عرض الموضوع |
26-07-2008, 02:35 AM | رقم المشاركة : 1 | |||||
|
الإمام الشعراوى " سيرة ومسيرة "
الإمام الشعراوى " النور الذى شق السماء وعاد من الهداية بالمزيد " بسم الله الرحمن الرحيم " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .. " صدق الله العظيم .. وإنا نحسبه والله عند الله على خير .. ولا نزكى على الله أحدا .. انه الإمام محمد متولى الشعراوى الداعية الاسلامى الأشهر فى القرن العشرين .. والذى طبقت شهرته الآفاق بشعبية غير مسبوقة فى العصر الحديث باعتباره أحد أعلام الدعوة الأفذاذ على مر العصور .. وبالرغم من ذلك .. فقد خفيت جوانب كثيرة من صفاته الإبداعية ومواهبه وكنوز شخصيته الفريدة إلا عن الخاصة دون العامة .. فلم يكن العملاق الراحل رجل دعوة وتفسير فقط .. بل كانت شخصيته واحدة من الشخصيات المتعددة الأبعاد بحيث عجز وصف الداعية على استيعاب سائر صفاته .. فقط وحده لقب المفكر الاسلامى قد يحتويه .. فالرجل فى فكره ومواقفه لم يكن قاصرا على مجال العقيدة ومعالجتها فقط بل امتد ببصيرته قبل بصره إلى شتى المجالات الفكرية والاجتماعية واضعا نفسه فى قلب كل حدث .. مـُطلقا فى كل حادثة حديث .. لم تهن عزيمته لحظة .. ولم يركن لخوف أو إغراء .. وحاول خصومه جهدهم معه .. لكنه بقي عـَـلـَما فى كل قلوب محبيه كان رحمه الله عظيما .. كما عرَف بنفسه مقياس العظمة حين قال .. " إن مقدار عظمة المرء تكون بمقدار المسافة بين حب محبيه وبغض مبغضيه " فرحمه الله من شخصية أعادت عهدا .. لا زلنا نتنسم شذاه عبر أفق التاريخ بادئة النبوغ .. إن العبقريات تتسم بعدة شواهد وصفات يجب أن تتوافر لها لكى تكتمل صورتها فتنطلق معبرة عن نفسها .. فبدايةً .. يكون التمرد والانطلاق من أهم سمات العبقري فى بداية حياته فالعبقرية بطبيعتها كما يقول الإمام الشعراوى تموت بقص أجنحتها وحريتها فان كـُبحت فى مجال ماتت فى بقية المجالات .. ومع الحرية يجب أن يتوافر لها ولى الأمر القوى القادر ذو النظرة على إدراك النبوغ .. ولذلك نرى أغلب العبقريات التى أفصحت عن نفسها فى شتى المجالات .. كانت تحت تأثير أب واع أدرك بحسه النابغ ما لابنه من نبوغ فأعطاه حق تلك الموهبة .. مثال ذلك والد الإمام الشعراوى .. ووالد الأديب الكبير يوسف السباعى .. ووالد المفكر العملاق محمد حسنين هيكل وغيرهم ووالد الإمام الشعراوى هو الجندى المجهول أو المعلوم فيما بعد وراء تأسيس ولده النابغة حيث تمكن هذا الرجل البسيط بما أتاه الله من قدرة على تنسم أفق المستقبل فى ولده فصمت وصبر على عناد الطفل المتمرد وأصر بالرغم من المعاناة على بذل الغالي والرخيص لتبصير ولده بنفسه أولا ثم تبصير العالم به فيما بعد .. والد الإمام الشعراوى هو المعلم وصاحب الفضل بعد الله سبحانه وتعالى فى تمهيد الطريق للإمام محمد الشعرواى ليتبوأ مكانه إمام القرن الذى هدى به الله ودفع عن العقيدة والفكر الإسلاميين شوائب الانحراف فى عالم متغير وما أكثرها الأيام والمواقف التى خاضها الشيخ متولى الشعراوى الفلاح البسيط وتحملها دون مللٍ أو كدر مقتنعا بحق .. أنها ضريبة العبقرية التى قرأها فى ولده .. وتلك المواقف هى التى شكلت شخصية الفتى محمد الشعراوى ودفعته تحت رعاية والده لآفاق لم يكن يراها بعين الأمل غير هذا الأخير .. مواقف صنعت النبوغ • عندما اصطحب الشيخ متولى ولده الطفل الذى أتم حفظ القرءان لاختبار القبول بالمعهد الدينى .. وكان الطفل متمردا ورافضا لدخوله المعهد لم يجد حيلة لإثناء والده عن هذا الأمر غير اعتزامه الفشل عمدا فى اختبار القبول ودخل الطفل العنيد إلى لجنة الاختبار وكان عليها أحد الشيوخ الأجلاء ممن كان لهم أبلغ الأثر فى حياة الإمام فيما بعد وعندما سؤال الطفل الحافظ للقرءان عما يحفظه كان يتعمد فى الإجابة أن يتلو الآيات بطريقة الإسقاط بمعنى أنه كان يقرأ الآية ويتجاوز التى تتلوها ثم يقرأ ما بعدها وهكذا .. فتنبه الشيخ المختبر لتلك الأخطاء وبدت له أنها أخطاء متعمدة من طالب يحفظ جيدا آيات القرءان الكريم لكنه يتعمد التفويت .. فصرخ فى الطفل لينتهى وبعث لوالده الشيخ متولى وقال له .. " ولدك يقرأ آية ثم يترك ما بعدها ويقرأ التالية .. وتلك دلالة على حفظه الجيد أولا .. وثانيا تدل على عدم رغبته فى خوض الاختبار .. ثم ألقي نظرة صارمة على الطفل والتفت لوالده مكملا " احمل ولدك يا شعراوى .. فهو ناجح .. " وذاق الشيخ متولى الأمرين وهو يقنع ولده بضرورة الانتظام وحب الدراسة .. مع المحاولات المتكررة من الطفل للهرب من الدراسة وتقيدها • عندما أتم الفتى اليافع محمد الشعراوى دراسته الأولية وحان الوقت لدخوله السنة الثالثة بالأزهر وهو اليوم الذى تمناه والده .. كان للفتى رغبة بعدم الدخول أيضا وخطر له خاطر أن يثنى والده بطريقة غير مباشرة عن إصراره العنيف بضرورة الاستمرار بالأزهر بشكل لا يغضب والده .. فطلب منه أن يأتى معه للقاهرة ليشترى له بنفسه الكتب المطلوبة لدراسته فى عامه الثالث بالدراسة .. وهناك بالقاهرة وفى مكتبة الاتحاد الكبري وقف الفتى اليافع ينتقي أمهات الكتب والمراجع الكبري فى الفقه والتاريخ تحت زعم أنها مقررات دراسته بعد أن اتفق مع صاحب المكتبة الشيخ محمد زكى على السكوت عند اختياره لتلك المراجع وهو الأمر الذى صـُعـق له الرجل لعلمه بتلك المراجع التى لا يقتنيها إلا شيوخ الأئمة ومنها " شرح نهج البلاغة لبن أبي الحديد " و " مجمع الأمثال " .. وكان ظنه أن والده الفلاح البسيط لن يدرك حيلته لعدم علمه بالمناهج الأزهرية فعندما يتبين له أن تكلفة عام واحد من أعوام الدراسة بلغت هذا الحد فسيتراجع بلا شك .. وتتحقق أمنيته بالعودة لقريته دقادوس التابعة لميت غمر فى الريف المصري غير أنه فوجئ بوالده يشترى له كل ما أشار إليه من قمم الكتب والمراجع ويدفع الثمن المبالغ فيه دون كلمة اعتراض واحدة بالرغم من الأزمة الاقتصادية الطاحنة المعروفة باسم " أزمة الثلاثينيات " التى ألقت بظلالها على العالم كله فى تلك الفترة .. وخابت آمال الفتى فى رفض والده .. واضطر لحمل المراجع التى اشتراها والتى قلما توجد عند شيوخ الفقهاء إلى الحجرة التى استأجرها له والده ليقيم بها وهناك بالحجرة المستأجرة .. تطلع الوالد الحكيم إلى رتل المراجع وقال لولده فى هدوء .. " إنها تحتاج تجليدا يقيها شر الضرر من الاستعمال المتكرر يا ولدى .. " وبالفعل قام من فوره وأتى بأوراق التجليد وانشغل بتجليد المراجع طوال الليل وفى الفجر قام محمد مصطحبا والده إلى محطة القطار ليعود الوالد إلى قريته .. وبينما القطار يستعد للمغادرة .. ابتسم الوالد متولى الشعراوى لولده وقال له فى لهجة معبرة .. " أريد أن أقول لك شيئا بسيطا لكن لا تتضايق .. فقد عز على أن تظن أن والدك مغفلا .. أنا أعرف جيدا أن ثمن مقررات دراستك لا يتجاوز ثمانية وثلاثين قرشا وأن ما اشتريته لك من كتب اخترتها لا علاقة له بمستوى دراستك الحالى .. لكنى اشتريتها لك .. وما كنت أقول لك هذا إلا لشيئ واحد وهو ألا تحسب أنك نجحت فى خداع والدك البسيط .. وفقك الله ونفعك بها " نزلت الكلمات على رأس الفتى كوقع الصاعقة وهو لا يدرى بأى كلمات يرد .. فلم يكن يتخيل مدى حصافة والده الذى لم يمنعه إدراكه من تنفيذ رغبات ولده الجامحة .. ومطاوعته لما طلب كى يعطيه درسا بعد أن صار مدركا .. ويمكننا القول بما لا يدع مجالا لشك .. أن هذا الموقف كان له أبلغ الأثر فى تفجر مـَـلَـكات الإمام محمد الشعرواى الذى لم يجد مفرا من الخجل الذى اعتراه أمام والده إلا أن يعكف على دراسة وقراءة كل ما اشتراه من أمهات الكتب وأقسم ألا يعود لقريته فى إجازة قبل أن يحوى كل ما فيها وهو ما وضح أثره هو بعد لا يزال طالبا بالأزهر ويحضر مجالس والده بالقرية مع عليه القوم ويبرز فيها متحدثا ومعلما .. لا سيما وأنه تأكد من أن والده سيروى لرفاقه من كبار الموظفين والأئمة بقريته ما كان من ولده ولا شك أن الإمام محمد أعد نفسه لجلسة سخرية عنيفة منهم إن هو ذهب إليهم لا يعرف شيئا عن تلك المراجع .. ولذلك عندما عاد لقريته كان مستعدا فتلقفه رفاق والده بالأسئلة وهو يجيب بهدوء وثقة أثار انبهارهم بها وبالطبع كانت دافع تقدير كاسح من والده • فى واحد من تلك المجالس .. وكان أحد معارف الوالد من أهل القرية رجلا بغيض الطبع لم يرقه ما يتمتع به طالب الأزهر الصغير من مكانه فقام بالترصد للفتى وكان قد علم بأن الشعرواى من المدخنين .. وبطبيعة الحال لم يكن والده يعرف بهذا العيب الخطير الذى كان ولا زال يعد كارثة فى الريف والصعيد المصريين بالنسبة لصغار الشباب وبينما الإمام الشعراوى جالسا إلى جوار والده ومستويا فى جلسته كعادته إذا بهذا الرجل يخرج علبه سجائره ويمد يده إلى الحضور داعيا إياهم للتدخين ومنهم الإمام الشاب قائلا له فى لهجة ذات مغزى " لا تتحرج يا مولانا من وجود والدك .. قم بالتدخين لا عليك " فتغير وجه الشيخ متولى وان لم يشأ أن يبين هذا حفاظا على مكانه ابنه بين المجتمع .. فطوى على الأمر كشحا وكأنه مر مرورا عاديا وترك ولده يدخن سيجارته بشكل عادى جدا .. حتى أن الإمام محمد ظن وقع الأمر على والده وقعا عاديا .. وعندما جَـنَ المساء عاد الإمام إلى منزله وفى فمه سيجارة وما إن شاهده والده على تلك الهيئة حتى قام من فوره والتقط العصا التى كانت إلى جواره وأفرغ غضبه عبر ضرباتها التى وجهها إلى ولده النابغ وهو يصرخ مـُفهما إياه أن سكوته على هذا التصرف فى المجلس كان لأجل الحفاظ على صورة الشاب المتألق أمام الرجال فلم يكن لائقا أن يؤدبه وهو يستوى فى صدر المجالس واعظا ومعلما .. لكن هذا يعنى أن الأمر يمر عاديا حتى يتجرأ بالتدخين بالمنزل أمام والده .. موقف آخر تبدى من الوالد المتمكن المدرك لمعنى الأبوة .. فقد كان عادة الريف المصري أن يلتحق كل أبناء فلاح بالفلاحة مهما كانت مجالاتهم وذلك فى خلال الإجازات الدراسية .. وهكذا كان من المفترض أن يعود محمد الشعراوى خلال الإجازة الصيفية ليشارك بقية إخوته فى أعمال الحقل .. لكن والده لم يكن ليرضي بهذا فقد كان يصر أن يسلك ولده أبواب المعرفة فى كل حين .. وتوصل إلى حل ماكر لكى يدفع عن قلوب أبنائه أى تطلع من جانبهم لأخيهم الشيخ الذى يقضي وقته فى أريحية بين كتبه بينما هم فى مكابدة الرزق مشتغلون .. فقام الوالد بنشر اشاعه مفادها أن وجه ابنه محمد وجه شؤم على الأرض فإذا جاء إلى الحقل حدثت كارثة واختلق لهذه الاشاعه ما يؤيدها فقام بكسر عدة أدوات حقلية وأفسد بعض أعمال الزراعة ليجد المبرر أمام بقية أبنائه لمنع محمد من نزول الأرض .. وبالفعل نجح نجاحا مبهرا عندما اقتنع بقية أخوة محمد بهذا فتركوه لشأنه .. تلك المواقف اللافتة تنم عن مدى الحكمة المتبدية فى هذا الرجل البسيط الذى كابد فلقي الجزاء فى ولده .. وكان أول الأعمدة التى أسست نبوغ الإمام محمد الشعراوى وصنعت منه أسطورة حقيقية خرجت من أفق الخيال حقيقة واقعه والآن إلى المواقف التى أسست النبوغ عند الإمام الراحل مواقف أسست النبوغ .. عندما طرق الإمام الشعراوى باب الفتوة والشباب كان مثار انبهار من يحتك به فى هذا العصر وتلك الفترة من أواخر الثلاثينيات وأوائل الأربعينيات .. هذا العصر الذى كان العامة فيه أشبه بمعمل صانع الجواهر .. كانت الجماهير خير مقوم ومقدر .. فما بالنا بالأعلام إذا ..؟ كان الطريق إلى الشهرة والريادة معروف فقط بمدى نبوغ صاحبه لا بمدى معرفته بأهل النفوذ ..! هو العصر الذى فتح أبواب التألق أمام العمالقة من شتى المجالات فبرزوا رغم المنافسة القوية وهم بعد شبابا يتريض فى شوارع الإبداع فتألق الشعرواى والعقاد وحافظ وأبي القاسم الشابي وناجى ومطران ومصطفي كامل ومحمد فريد وغيرهم وهو بعد فى شرخ الشباب .. فالمجال كان مفتوحا أمام كل صاحب موهبة وفكر للانطلاق بأقصي طاقته فى مضمار سباق محكموه من أهل الفكر لا أهل الحكم .. وفى تلك الفترة .. كان للإمام الشعراوى رحمه الله نشاطا سياسيا بارزا وكان هذا طبيعيا فى ظل ظروف هذا العصر الذى كان الفلاح فى أرضه سياسيا لطبيعة إدراكه أن السياسة ليست مجالا محكوما على متخصصيه .. بل هى المجال الأعم الذى يحكم حياة الجماهير ومن ثم فهى مضمار كل ذى صوت وإرادة وكانت تلك المواقف هى التى أسست لتفرد الشعراوى فى شتى مجالات فكره كان الوفد فى ذلك الوقت هو حزب الأغلبية الساحقة بكل ما للكلمة من معان .. وكان انتماء الشعراوى لحزب الوفد وقياداته التاريخية طبيعيا لأن قريته بأكملها كانت محكومة بانتمائها الوفدى الصارم بالشكل الذى لا يسمح لغير الوفديين بمجرد الإقامة بها مع الانتماء الشديد من أهل القرية للحزب الأول فى مصر .. كان انتماء من الأعماق .. لا بالأوامر .. كان انتماء فعليا .. لا كما تقول الأوراق .. !! وفى كل عام كانت القرية تقيم حفل تأبين كبير لذكرى الزعيم الراحل سعد زغلول مؤسس حزب الوفد الذى اقتبس اسمه من مهمته التاريخية بقيادة نداء مصر عبر زعمائها الوطنيين فى مؤتمر الدول الكبري وسعيا لتطبيق مبدأ حرية تحديد أو حق تحديد المصير الذى نادى به الرئيس الأمريكى ويلسون فى أعقاب الحرب العالمية الأولى فلما طلب سعد زغلول ورفاقه من أمثال على علوبة بيك وعبد العال باشا حلمى وحمد باشا الباسل وغيرهم الإذن من السلطات البريطانية للسفر لعرض قضية مصر واستقلالها تم رفض طلبهم وفيما بعد كان الاعتقال والنفي مصيرهم لتتحرك جموع الشعب المصري رجالا ونساء وأطفالا فى ثورة شعبية رهيبة وجامحة عام 1919 م هاتفة باسم الوفد وزعيمه سعد باشا زغلول .. وتأسس حزب الوفد بزعامة سعد زغلول ليتربع فى قلوب الجماهير حتى سرت فى ذلك الوقت مقولة شهيرة فى الأوساط السياسية أن الوفد لو رشح حجرا لانتخبناه .. وهى دلالة عبقرية على شعبية هذا الحزب وفى موعد الحفل السنوى بقرية دقادوس أو بعاصمة الإقليم كان الشعرواى حاضرا بقوة فى كل عام .. فعرفه الناس متحدثا وشاعرا مفوها كما عرفوه من قبل فقيها يسبق عمره .. فكان الشعراوى الشاعر القدير ذو ملكة غير عادية فى الإبداع اللغوى لفتت نظر الجماهير والقادة وصارت أبياته الشعرية من دلائل الانبهار بهذا الشاب الذى تنوع فى نبوغه فتألق فى كل ما طرقه من مجالات وكان من علامات وعيون شعره تلك القصيدة التى يقول فيها .. يهون القلب فى تحرير مصرٍ ×× وعذبٌ .. فى قضيتها العذابُ وهى القصيدة التى قدم فيها قصيدته بمقدمة نثرية شديدة البلاغة نالت استحسان الحضور حتى صفق الجميع له وكانت أول مرة يصفق فيها بحفل تأبين .. وكان التصفيق بادئا من عند الأديب الكبير محجوب ثابت التى بهرته بلاغه الشعراوى .. كما بهرت الحضور لدرجة تنازل كل صاحب خطبة عن دوره للشعراوى لكى يزيدهم من مفاتن كلماته وأترك القارئ الكريم حرية التمتع بتلك البلاغة المنسكبة عبر هذا البيت الفاتن الذى يـُعد واحدا من أنبغ ما قالته العرب فى تاريخها والتى نقلها مندوب الوفد فى ذلك الوقت مصطفي بيك نصرت إلى زعيم الوفد مصطفي باشا النحاس فصمم النحاس على استقبال الشعرواى بل ولقاء والدته فى قريتها بعد الموقف الطريف الذى تصورت فيه الأم التلقائية التعبير أن كلمة " أعد " التى أخذت جماهير الحفل ترددها للشعراوى استحسانا .. حسبتها من قبيل الاستياء لعدم إجادة والدها حفظ ما يـُلقي وعندما تخرج الشعراوى وحان موعد استلامه لعمله .. فضل أن يؤجل استلامه العمل الحكومى لتكون له حرية حضور الاحتفال المهيب المنعقد بمناسبة اليوبيل الفضي لتأسيس حزب الوفد بمرور ربع قرن .. وكان الوفد فى ذلك الوقت خارج الحكومة فى صفوف المعارضة فخشي الشعراوى مغبة الالتحاق بالوظيفة الحكومية لأن الحكومة معادية للوفد وكان طبيعيا أنها ستلجأ للضغط على موظفيها لعدم حضور الحفل الجارف الشعبية وكان للشعراوى فى الحفل الضخم حضور متوقع .. فألقي إحدى قصائده التى عُدت من أساطين البيان فيما بعد .. خاصة مع معالجته لمسألة الحساسية لدى الأقباط والتى نجمت اثر فصل الوفد لمكرم باشا عبيد أحد أقطابه المعروفين وواحد من أعلام المحامين والمفكرين الأقباط فى مصر .. وكان الفصل نتيجة للخلاف العنيف بين مكرم عبيد والنحاس .. وبطبيعة الحال كان خروج شخص بوزن مكرم عبيد عامل مؤثر زادت فاعليته عندما لجأ الأقباط الوفديون لإثارتها كمسألة طائفية لا كخلاف سياسي فكانت وصية النحاس باشا إلى من سيصعد خطيبا بضرورة التركيز على تلك المسألة ونزع الحساسية من الصدور بمشرط البلاغة وكان الشعراوى بقصيدته أحد أهم العوامل فى إثارة هذا الأمر ونزع فتيله بما أتاه الله حيث قال إخوانـنا الأقباط فـيما بـيـننـا ×× ودٌ قـديم .. ثابتٌ لم يـُفصمِ عطف الهلال على الصليب فحاذروا ×× أن تجعلوا روح المسيح بمكرمِ لا تجعلوها غـضـبةً ديـنــيـةً ×× فلكم فصلنا قبلـه من مسلمِ والأبيات ليست بحاجة إلى لفت نظر إليها .. قمة التعبير والأداء الشعري بأى مقياس منطقي ولم يقتصر نبوغ الشعراوى اللغوى على الشعر .. بل كان النبوغ النثري وسرعه البديهة علامة حاضرة بكل قوة فى شتى المواقف منها ما عبر به دفاعا عن موقف الوفد عندما تمسك بالأحكام العرفية عندا أتى للحكم .. بينما كان الوفد لا يكف عن مطالبه الحكومة التى سبقته بضرورة ترك الأحكام العرفية .. واستغلها خصوم الوفد للدعاية ضد شباب الحزب باعتبار الوفد فقد منطقيته التى ينادى بها دائما .. فاجتمع الشعراوى مع شباب الحزب لإيجاد مخرج من هذا المأزق .. وتمكن الشعراوى من الخروج من المأزق ببراعة لافته .. عندما خطب قائلا " نعم كان الوفد حريصا وهو فى صفوف المعارضة على نبذ الأحكام العرفية .. فلما جاء للحكم .. تمسك بها .. وليس هذا بغريب أو داعى تناقض .. فالمشرط فى يد الجراح .. غيره فى يد السفاح " وكانت تلك الخطبة من علامات المجتمع السياسي وحديث الصالونات فى ذلك الوقت بعد أن بلغ الإعجاب بسرعة البديهة عند الشعراوى أن قام نجيب باشا الهلالي بإلقاء غطاء رأسه " الطربوش " على الأرض لمدى انفعاله بما سمع وفيما بعد عندما شد الإمام الشعراوى الرحال إلى الحجاز فى رحلة عمل بإعارة لتدريس الفقه هناك .. أثناء ولاية الملك سعود بن عبد العزيز .. وكان أن عرف الشعراوى بقرار الملك نقل مقام إبراهيم من مكانه بالحرم إلى مكان قصي بغرض توسعه المكان وكان النقل فى مرحة التنفيذ الفعلى .. فلم يصمت الشعراوى مع إدراكه بعدم شرعية النقل وبعث للملك ببرقية هاتفية طويلة يشرح فيها بأمانه العلماء خطأ الإجراء .. وابتلعت البرقية الطويلة راتبه بالكامل إلا أنه لم يأبه .. وفور وصول البرقية أمر الملك بتشكيل لجنة من أئمة السعودية وفقهائها لمناقشة الإمام الشعراوى والوصول لفتوى واضحة حول الأمر .. وبالفعل أتى الشعراوى فحاور العلماء الذين بهرتم قوة حجته وأدلته فأجمعوا معه على خطأ الإجراء ليصدر الملك أمره بوقف التنفيذ وإعادة المقام إلى مكانه بقلب الحرم بهذه المواقف التى روينا منها بعض الأمثلة .. عرفنا الجو الذى خرج فيه الشعراوى عملاقا صنع النبوغ عبر مرحلتين من حياته ... مرحلة عاش فيها مواقفا صنعت نبوغه وصقلته بوعاء الحزم والخبرة .. ومرحلة تالية عاش فيها مواقفا صنعها هو .. وأسست لتألقه ولفتت إليه أنظار عيون المجتمع المصري فى ذلك الوقت .. ليعبر الإمام الشعراوى إلى سنوات الخمسينيات بوجه آخر .. وجه جديد .. هو وجه المفكر الذى حوى فوعى .. فجاء بوقته وأوانه لأداء رسالة عجز عنها ـ رغم التألق ـ أساطين الدعوة فى ذلك الوقت .. لأن الهجمات على الإسلام من المستشرقين ودعاتهم والعلمانية وسائر المذاهب الإنسانية التى ثبت فشلها بالتجربة فيما بعد لم تكن تلك الهجمات تتطلب داعية وفقط .. مهما كان عملاقا فى دعوته .. رائدا فى الذود عن عقيدته فالداعية مهما بلغت براعته سيكتفي بموقف الدفاع ومحاولة تفنيد ما يأتى به المهاجمون من سقطات يتصورونها فى العقيدة الإسلامية فيتخذون منها سبيلا للتشكيك فى العقيدة والتاريخ الإسلاميين ولذلك كانت الجماهير بحاجة إلى مفكر .. مفكر حقيقي تشرب الثقافة والفكر بخلفية إسلامية صلبة مفكر عرف العلم بالمطالعة المثمرة .. وهى تلك القراءة الواعية التى تكتسب من خبرات الأجيال ثقافة رفيعة المستوى وتدمجها لتخرج بنتائج جديدة وفكر معبر لم يطرقه من قبله أحد مطالعه منتجة فكريا .. تسمح بالخروج بكل ما يناسب العصر عن طريق التبصر بما فات من التاريخ وأحواله وتمكن صاحبها ليس فقط من الدفاع والذود عن العقيدة .. بل تتيح له فرصة مهاجمه العقائد الفكرية المضادة واثبات تفوق الإسلام عليها عقيدة وتاريخا وكل هذا توافر جوهريا فى شخص وقلب وعقل الإمام محمد متولى الشعراوى كما سنرى الآن عصر القوة لو أننا بصدد تأريخ للإمام محمد الشعراوى لما كفتنا الصفحات .. ليس لإلقاء الضوء على تاريخه .. بل لمجرد إلقاء الضوء على فكره الشاسع .. وعدد المسائل التى احتواها منهجا وفكرا وأرسي بها معارفا لم تتح من قبله لأحد بل نحن نلقي الضوء على أمثلة معبرة عن منهج الإمام الشعراوى وفضله وتقواه وزكاة علمه رحمه الله وفى تلك الحقبة التى ظهر بها نجم الشعراوى .. حقبة الخمسينيات .. كان العصر عصر قوة فى المجال السياسي والوطنى والفكرى .. مع ظهور المذاهب المتضادة وانقلاب الصراع بين القوى العظمى إلى صراع عقائد لا صراع مناجزة بالسلاح فتقلب الشباب بين الشيوعية والعلمانية والرأسمالية وما إلى ذلك من مذاهب أغرت العديدين حتى نحوها جانبا بعد إدراكهم .. ومنهم من استمر بها ومن أمثلة الذين مروا بتلك التجارب وانقلبوا عليها فيما بعد ووصلوا إلى قمة الفكر الاسلامى ودعوته الكاتب الاسلامى الكبير خالد محمد خالد والمفكر الاسلامى البارز د. محمد عماره العالم الجليل د. مصطفي محمود وغيرهم ممن عبروا طرق الفكر الشائكة حتى وصلوا بالاقتناع إلى قمم الفكر السالك وظهرت دعوة الإخوان المسلمين كمتحدثة رسمية باسم الإسلام والدفاع عن الأصولية لكنها انكشفت مبكرا كجماعه سياسية وليست دعوية وليس فى ذلك بأس ..إذا ما تم الإعلان عن هذا التوجه السياسي بوضوح لكن ما هو غير مقبول أن يـُزج بالإسلام فى معرض تسويات سياسية وصفقات حكومية .. ومع ذلك تصر الجماعة على أنها ليست حزبا بالرغم من أن لقب الجماعة الدعوية لم يكن يتناسب مع متناقضات السياسة التى سمحت للمستشار حسن الهضيبي المرشد العام الثانى للجماعة أن يقول عن فاروق بعد الأزمة بين الجماعة والقصر فى تعقيبه على الصحفيين بعد زيارته لفاروق " زيارة كريمة لملك كريم " فتلك المقولة نتصورها فى رئيس حزب سياسي تدفعه ضرورات العمل الحزبي لتلك المجاملة أما أن تصدر باسم جماعه تتخذ الدين والعقيدة وتصر على أن الحكم ليس هدفها .. هنا وقفة بالطبع .. لأن تعقيب الهضيبي لم يكن منطقيا مع مفاسد فاروق التى انكشفت فى ذلك الوقت للشعب كله عبر الجرائد وما يتسرب من أخبار القصر بالمثل .. فموقف الجماعة من الاتفاق المعقود بين الجماعة ممثلة فى عمر التلمسانى وبين الرئيس الراحل أنور السادات فى منتصف السبعينيات لا يمكن قبوله من جماعه دينية دعوية .. لأنه اتفاق سياسي محض دخل فى لعبة التوازنات مع السلطة عندما قبل التلمسانى عرض السادات بالعودة للشارع السياسي تحت رعاية السلطة نظير القضاء على التيارات السياسية المزعجة للنظام وقتها والمتمثلة فى الناصريين والشيوعيين .. وهو الاتفاق الذى أودى بحياة السادات نفسه فيما بعد ومن غريب الأمور رفض الجماعة الصارم للإعلان عن التوجه السياسي لها بوضوح مع كل ما تتمتع به من شرعية فعلية وشعبية خرافية فى الشارع السياسي لم يفلح أمامها النظام الحاكم عبر ثلاثة عهود .. خاصة وأن الرفض لم يكن ليجدى فى درء خطر الاضطهاد والترصد من النظام .. فما الداعى لرفض الإعلان والتخوف والنتيجة واحدة فى كل الأحوال .. فنية الجماعة فى الحكم وطموحها المشروع فى الوصول لسدة الحكم أمر لا يخفي على أطفال الشارع السياسي .. ولا أتصور جماعه كالإخوان المسلمين تحتوى على كوادر سياسية عملاقة مثل كخيرت الشاطر ود. خالد صلاح أبو إسماعيل ود. محمد مرسي ود.عصام العريان وغيرهم لا أتصورها تعتقد أن الظهور بالوجهة الدعوية سيمثل دافعا أمام النظام ليتركها لحالها أو يدعمها كما يفعل مثلا مع دعاة الصوفية فهؤلاء الفئات مغيبة عقلا والنظام يسعد بها ومن ثم فجميع أجهزة الدولة تمضي فى ركابهم وتشجعهم .. أما الإخوان المسلمون .. وتنظيمهم العالمى الذى ينظر لمقر الجماعة بمصر على أنها مركز القرار حتى للجناح الموجود بالسلطة الفلسطينية عبر منظمة حماس .. فلا يمكن قطعا أن يركن النظام لتلك الدعاوى التى تريد إلهاءه عن الأغراض الحقيقية للجماعة والشاهد حاليا مع الصحوة السياسية التى ضربت بنصلها الجمهور المصري وقواه السياسية لتوقظه من عميق سباته .. قد أفلحت وصبت فى مصلحة ميل القيادات التاريخية للإخوان إلى وجهة نظر شباب قياداتها فى مكتب الإرشاد بالإعلان الواضح عن نيتها وحقها المشروع فى نشاطها السياسي .. وعودة إلى حقبة الخمسينيات وما تلاها من عصور المناجزة الفكرية بعد تلك الإطلالة السريعة .. ففي تلك الفترة ظهرت الدعاوى المشككة فى العقيدة بتساؤلات تحمل معها ما تصوره المتسائلون تناقضا فى العقيدة ما بينها وبين المنطق أو بينها وبين العلم وغير ذلك من تساؤلات أعجزت من أمامها وكادت تؤدى إلى كارثة .. مثال تلك الأسئلة .. هل الإنسان مخير أم مسير .. ؟! ما دام الله يعلم السابق والآتى ويقدر كل شيئ بمشيئته .. فلم يعذب العصاة مع أن قدرهم طرق العصيان ؟ وصول الإنسان للقمر دليل على طرقه أبواب علم الله التى قال باختصاصها له وحده ؟ كما توجه المستشرقون إلى القرءان الكريم باحثين فيه عن ما يزعمون من أوجه التناقض .. فمثلا . قول الله تعالى فى وصف شجرة الزقوم " طلعها كأنه رؤوس الشياطين " هنا تناقض واضح لأن الله تعالى شبه غير معلوم بغير معلوم فشجرة الزقوم مجهولة وكذلك رؤوس الشياطين ؟ تلك الأسئلة المغالطة وضعت الأئمة والشباب الغيور على دينه فى موقف لا يحسدون عليه .. فهم مدركون بوجود التفسير لكنهم يعجزون عن إبدائه والتصدى لمثل تلك السفسطة .. هنا .. كان الظهور الأول للإمام الشعراوى على المستوى العام .. حيث استطاع الاعلامى الفذ أحمد فراج استضافة الإمام الشعراوى فى حلقات متابعه ببرنامجه العملاق " نور على نور " وفى قلب الحلقة الأولى ألقي أحمد فراج بتلك المغالطات ليستمع الشيخ إليها مبتسما .. ثم تنفرج شفتاه إيذانا بقلب المائدة على رؤوس المستشرقين ومن والاهم طيلة أربعه عقود من الزمان خسروا فيها كل منطق أمام فتاوى الشعراوى حتى هتفوا من أعماقهم بصيحة مشهورة أتت دليلا لهزيمتهم " أسكتوا هذا الرجل " خاصة بعد أن انفرد الشعراوى بحديث متسلسل يشرح به خواطره عن القرءان والتى امتدت حتى نهاية عمره رحمه الله ومات وقد أتمها لتصبح مرجعا عملاقا فى التفسير والتاريخ والعقيدة .. فلم تكن تفسيرا قاصرا على أسباب النزول وأحكامها أو شرح للعقائد بل كانت فى شطرها الأهم مناجزة فكرية عملاقة لكل مهاجم للعقيدة بدأ الشعراوى بحمد الله تعالى والثناء عليه وإنكار الطباع البشرية التى تتبغض إلى رب يتفضل بالنعم ورغم ذلك لا يمنعها طيب الرزق ولا يقف أمام توفيقها بعقاب ثم تناول السؤال الأول هل الإنسان مسير أم مخير .. ؟! وعلى منضدة المنطق قام بتشريح السؤال ليكشف أمام الجميع أن السؤال لا يحتاج إلى إجابة بل إلى تصحيح !! فالإنسان فى جزء فيه مسير وهو جزء الجوارح التى لا تعمل بإرادته كالتنفس ونبض القلب وغيرها ومخير فى جزء آخر فى الأفعال والطباع والعقل القادر على تفنيد الأمور واختيار طريقه .. وهو الجزء الذى منح الله فيه لعباده حرية التصرف والجزاء فيما بعد أمام حكم عدل .. وفى مسألة أن الله قدر للعاصي عصيانه فعلام عقابه .. فمردود هذا أن الله ترك لكل إنسان حرية اختياره لكن تلك الإرادة لا تتأثر بعلم الله بما سيكون من أثر لها فيما بعد بعصيان أو طاعة ودلل على ذلك بأن المدرس فى أى فصل يكون عالما بما أتاه الله من علم ومشاهدة أى تلاميذه سيتفوق وينجح وأيهم سيفشل .. فهل نزعم أن علم المدرس بهذا ينفي مرجعية فشل التلميذ إلى إهماله ؟!! كلا بالطبع وفى شأن وصول الإنسان للقمر كدليل على بزوغ فجر سلطان العلم .. ضحك الشيخ ساخرا وهو يقول " إن القمر يا سادة يعد ضاحية من ضواحى الأرض .. فأين أنتم من تلك السماوات المتناهية العظمة وكل ما فى مجرتنا ومجموعتنا الشمسية لا يتجاوز فى رحاب الكون إلا عقال بعير " وفى شأن آية شجرة الزقوم .. فسر الشيخ فى بساطة سبب إرجاع غير معلوم إلى غير معلوم .. بعكس مألوف اللغة فالحكمة الإلهية فى ذلك النص اقتضت أن تخوف الناس بسوء العاقبة المتمثلة فى شجرة الزقوم نعوذ بالله منها ومن منبتها وكيف أنها تنبت فى أصل الجحيم .. وليس هناك إعجاز فى التخويف قدر إعجاز التخويف بالمجهول .. فالناس أعداء ما يجهلون .. فعندما يقول الله تعالى طلعها كأنه رؤوس الشياطين سيطير خيال كل قارئ إلى الصورة البشعة التى يتخيلها للشيطان .. وتلك التصورات تختلف من عقل لآخر لأن كل عقل سيصور مشهدا مخيفا ومرعبا كما يتصور صاحبه .. وتلك مسألة نسبية بين البشر ومن ثم جاء الإسناد مجهولا وتتابع أحاديث الشيخ الإمام على نحو يخرس الألسنة بعد أن عجزت أمام منطقه الحاسم وحجته التى لم تعتمد على دلائل العقيدة وهى تواجه غير المؤمنين بها بل اعتمدت أكثر على اللغة التى يفهمها هؤلاء وهى لغة المنطق والتفنيد وتلك هى حقيقة قدرة الإمام وللحديث بقية
|
|||||
26-07-2008, 02:52 AM | رقم المشاركة : 2 | |||||
|
مشاركة: الإمام الشعراوى " سيرة ومسيرة "
عصر التصدى عبر حياته الحافلة تعرض للكثير من أمور الفتنة والجدل مع الكبار والصغار فى ساحات الفكر .. وأثار العديد من الاعتراضات حول أمور أتى بها عمالقة المفكرين والكتاب ممن لا يجرؤ صاحب قلم على التصدى لهم ومع ذلك خضعوا لوجهة نظر الإمام ومن رفض منهم كان الحكم للجماهير التى قضت للشعراوى بسريان الحجة وقوتها مثال ذلك • مع صاحب العبقريات المفكر الاسلامى الكبير عباس محمود العقاد والذى يعد نصيفا للإمام الشعراوى فى مجابهته لخصوم الإسلام .. عندما أسس لسلسة كتبه الشهيرة " العبقريات " .. وبدأ بعبقرية عمر ثم تلتها بقية العبقريات حتى صدرت عبقرية محمد صلي الله عليه وسلم .. هنا ظهر الإمام الشعراوى معترضا على عنوان الكتاب ورسالته وكان مبرر اعتراضه منطقيا مفحما وقد كانت نسبة الخصال النبوية للرسول عليه الصلاة والسلام وإرجاعها للعبقرية تنفي التمييز الالهى هنا لأنها أتت كاملة من عند الله تعالى بالعصمة لضرورة الرسالة وبالفعل كانت زلة للعقاد لا يمكن أن يكتشفها إلا من هو مثل الشعراوى مع كل ما يمثله العقاد من عقلية جبارة كان من قبيل المستحيلات فى عصره أن يخرج من يهزمه فى محاورة أو طريق إبداع فكرى وكما أن لله ورسوله عليه الصلاة والسلام وصحابته المثل الأعلى .. فهذا الموقف يذكرنى بموقف أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تصدى للفاروق عمر رضي الله عنه وأفحمه بمنطقه فى ضرورة التصدى لمانعى الزكاة وهو ما ثبتت صحته عندما انقلب التمرد إلى ردة عاصفة .. ومع كل ما يمثله عمر بن الخطاب من هيبة أسطورية صنعها تحيزه الدائم للحق وتحيز الحق لمنطق عمر .. كان من المستحيل على غير أبي بكر رضي الله عنه أن يأخذ بلحية عمر فى موقف مشهود ويهتف به " أجبارا فى الجاهلية .. خوارا فى الإسلام .. والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله عليه الصلاة والسلام لقاتلتهم عليه " فرحم الله أبي بكر الفكر وعمره .. محمد متولى الشعراوى وعباس محمود العقاد • مع صاحب المائة عظيم قام الكاتب الكبير أنيس منصور بترجمة كتاب شهير لأحد المفكرين الأجانب وهو " العظماء مائة .. أعظمهم محمد عليه الصلاة والسلام " هنا كان اعتراض الشيخ على إدراج اسم الرسول عليه الصلاة والسلام فى تلك القائمة وكالعادة كان منطقه مفحما .. فالرجل أورد اسم الرسول عليه الصلاة والسلام فى قائمة .. وهنا تشبيه ومفاضلة حتى وان كان التفوق فيها للرسول عليه الصلاة والسلام فهى غير جائزة لأن دلائل العظمة عند رسول الله عليه الصلاة والسلام لم تكن بشرية بل إلهية بحكم منحة الرسالة .. وبالتالي فوجود اسمه ضمن المائة عظيم يرد أمر رسالة الإسلام وشيوعه وقدرته إلى قدرات رسول الله عليه الصلاة والسلام وهذا ما يتضح فعليا فى الكتاب عندما يقارن المؤلف بين الرسول عليه الصلاة والسلام وأثره الممتد عبر أربعه عشر قرنا إلى اليوم وبين البوذية والهندوسية وغيرها باعتبار أن الإسلام صنيعه بشرية لا رسالة سماوية ويبدى الشيخ عجبه ممن منحوا الرسول عليه الصلاة والسلام صفات إلهية كصنع الرسالة ورفضوا الاعتراف بما هو أقل وهو الرسالة التى حملها أمينا حتى تمت .. فكان الاعتراض لأن العظمة جاءت من زاوية غير إيمانية بل فكرية بحته • مع راهب الفكر فى أخريات عمره .. كتب المفكر والروائي القدير توفيق الحكيم سلسلة مقالات بجريدة الأهرام حملت العنوان التالي " حديث مع الله " وطالعها الشيخ ذات صباح لتثور ثائرته .. فالعنوان كارثة لأنه استخدام " مع " تـُوحى بالكفاية بين المتناظرين كما تحتم رؤية كل منهما للآخر .. وهو ما يعد تعديا غير مقبول من كاتب بحجم توفيق الحكيم يدرك أثر كل حرف يكتبه .. ونقل الشيخ اعتراضه إلى الحكيم الذى رحبت سعة صدر بالشيخ الجليل .. والى جوار سريره بالمستشفي جلس الشعراوى فى زيارته الشهيرة إلى الحكيم ليخبره الأخير أنه أصدر تعليماته إلى مسئولي الجريدة بتغيير العنوان إلى " حديث إلى الله " واستخدام حرف الجر " إلى " هنا جعل الخطاب متوجه من ضعيف إلى عظيم وهو ما راق للإمام الشعراوى وشكر الحكيم عليه ودعا له • مع عملاق السياسة اختلاف الكبار متعه لتلامذتهم من صغار المفكرين .. هذه حقيقة لا شك فيها .. لأن الكبار حقا يكون اختلافهم اختلاف العلماء لا الجهلاء .. فيكون اختلافا ساعيا للحق لا سعيا لأغراض طفولية فى تغليب وجهة نظر على أخرى .. ولذلك فان هذا الاختلاف يأخذنا الانبهار به ونحن نشاهد عشرات الحجج كلها من ذوات المنطق وكل عالم يصعد بمنطقه على الآخر فإما أن يقتنع أحدهما بوجهة نظر الآخر فى نهاية مناظرتهما وإما يحترم كلا منهما وجهة نظر الآخر وحق كل مفكر فى طرح وجهة نظره إذا ظل الخلاف كما هو .. ولسنا بحاجة إلى القول أن العلاقة الإنسانية بين المفكرين لا تتأثر مقدار خردلة باختلافهم مهما علا مثال ذلك .. المعارك الفكرية فى الأدب العربي بين عباس العقاد وأحمد شوقي .. وبين توفيق الحكيم وهيكل حول أزمة كتاب خريف الغضب لهيكل وكتاب عودة الوعى لتوفيق الحكيم .. ونفس الكتاب " خريف الغضب " بين هيكل ود. فؤاد زكريا المفكر اليسارى المعروف فى أسباب انقلاب هيكل على السادات أو انقلاب السادات عليه وكثير مما أورده د. فؤاد زكريا ردا على هيكل فى كتابه الشهير " كم عمر الغضب " وإذا أغرقنا قليلا فى عمالقة الأمس .. رأينا بمزيد من البشر والحبور رفعه الحضارة الإسلامية عبر أعظم مفكريها .. وأُصرُ على كلمة مفكريها لا فقهائها لأنهم كانوا أساطينا للفكر الانسانى بشتى مجالاته ولم يقتصروا على الفتوى مثل المفكرين الأربعة الكبار مالك وأبي حنيفة والشافعى وبن حنبل رضي الله عنهم شاهدنا اختلاف مذاهبهم الواضح فى المعالجات والنصوص .. لكنه لم يكن يغير من احترام وتقدير كل منهما للآخر بأى حال .. وهؤلاء هم من أخرجوا فيما بعد رواد الفكر الاسلامى من بن تيمية حتى الشعراوى فرأينا أبي حنيفة رائد الفقه التقديري يعرف لمالك فضله وهذا الأخير رائد المذهب النصي أو مذهب السنة المتوارثة .. فيقول عن مالك " لا يفتى ومالك فى المدينة " ورأينا الشافعى يختلف مع أبي حنيفة ويناجز بعض مسائله بعد وفاته مع صاحبي أبي حنيفة أبو يوسف ومحمد الشيبانى رواد المذهب الحنفي ومع ذلك عندما سؤل عن أبي حنيفة أجب فى يقين صارم " كل الفقه عيال عند أبي حنيفة " وكان الشافعى يعرف فضل أستاذه .. يعرف فضله كما ينبغي للمعرفة أن تكون .. فمالك بن أنس رضي الله عنه هو أستاذ الشافعى ما في ذلك شك لكن الاحترام للأستاذ لا يعنى بأى حال أن يكون التلميذ نسخه من عقل أستاذه وقناعاته .. فليس هذا من قبيل الاحترام فى شيئ .. بل يجب أن يكون اقتناع التلميذ بأستاذه اقتناع عقل رأى الحجة فغلب منطقها وان رأى وجهة نظر مخالفة لأستاذه فلا مجال للقول أن الخلاف هنا نقص فى تقديره لأستاذه ومعلمه بل على العكس .. لأن الأستاذ الحقيقي ينشئ فكرا لا نسخا منه ولهذا اختلف الشافعى مع مالك فى بعض معالجاته وضمنها الشافعى كتابا شهيرا .. وتأملوا معى عنوانه عنوان الكتاب " اختلاف مالك والشافعى " .. هنا وحفاظا لقيمة الأستاذ قام الشافعى بتقديم اسم شيخه على اسمه فى عنوان الكتاب الذى جمع فيه نصوص مخالفته له .. هذا هو حوار المفكرين .. واختلاف العظماء .. واحترام الآخر كما يجب أن يكون .. احترام الآخر كما عرفته الحضارة الإسلامية وأسسته لشتى الحضارات فيما بعد .. أى أنه ليس اختراعا جديدا كما حاول المعاصرون تصويره باعتباره من بنات أفكارهم وجاءوا بكل صفاقة يحاولون تعليم أبناء الإسلام معنى الاختلاف واحترام الآخر .. !! وهذا إن دل على شيئ فإنما يدل على مدى جهلنا بتاريخنا وآدابنا على النحو الذى سمح لهؤلاء بالتطاول دون رد وهو ما عبر عنه الإمام الشعراوى وكثير من عمالقة مفكرينا بأن الاختلاف الحضاري فى الفكر الانسانى صناعه إسلامية أسسها الرسول عليه الصلاة والسلام ودلل عليها رجال الدعوة فيما بعد بقول الإمام مالك عليه رضوان الله وعلى أبيه وعمه " كلٌ يؤخذ فى كلامه ويـُرد .. إلا صاحب هذا المقام " وأشار إلى قبر المصطفي عليه الصلاة والسلام أما ما اكتسبه الجمهور فى العالم الاسلامى حاليا وبالذات بمصر مهد الحوار من أسلوب غريب فى تكفير وجهات النظر المضادة وقلبهم للفكر إلى ميدان حرب طاحنه بمقولة " من ليس معى فهو ضدى " فليس هذا من قبيل الحوار فى شيئ بل هو شريعة الغاب حين تحكم ومن غرائب المشاهدات فى واقعنا المرير .. استنكار البعض قيمة المفكر السياسي العملاق محمد حسنين هيكل لمجرد أن المعارضين له من غير الناصريين مثلا .. وكأن هيكل بكل قيمته الفكرية كان عنوانا للحقبة الناصرية دون سواها فمن اتفق معها يقدر رجالها ومن اختلف يعارضهم .. أى منطق هذا .. ؟!! إن القناعات الشخصية لأى مفكر لا تـُلزم مستمعيه وجمهوره بأى انتماء لها ..كما أنها ـ وهو الأهم ـ لا تعنى إنكار حق مكانة وفضل هذا المفكر ومؤخرا فى الأحاديث العاصفة لمحمد حسنين هيكل على قناة الجزيرة ومن خلال مراجعه تلك الأحاديث ومقارنتها بكتاباته من قبل على مدار السنوات الطوال وبالذات من سنة تفرغه عام 1974 م .. وحتى اليوم سنجد أن هيكل غير الكثير من قناعاته التى اعتمدها ودافع عنها بكل قوة عندما تكشفت له حقائق صقلتها نظرة الخبرة فلم يتردد فى الإعلان عنها .. فهيكل فى كتابه " لمصر لا لعبد الناصر " والذى أصدره فى نهاية السبعينيات دفاعا وذودا عن صديق عمره جمال عبد الناصر فى بعض الافتراءات العنيفة المدفوعة الأجر على سيرة الرجل تبعا للتوازنات السياسية فى ذلك الوقت كان هو القائل " اننى لا أدافع عن عبد الناصر .. فقط أوضح ما يجب أن يوضح لأننى لا أدع لأحد شرعية اتهامه كما لا أمنح لأحد شرف تبرئته " ونفس الشخص الذى كتب هذه العبارة التى يـُشـْتـَم منها حالة نفسية معقدة دفعت الكاتب الكبير إلى تلك الكلمات المتعصبة نوعا ما .. كان هو نفس الشخص الذى قال فى إحدى أشهر حلقاته الأخيرة فى معرض حديثه عن سقطات النظام المصري الحالى عندما أثقلوا عليه فى كل اعتراض يقول به على النظام .. باستنكار لتلك الاعتراضات مؤداه أن هيكل الذى يتحدث عن الديمقراطية الآن أولى به أن يتوارى باعتباره من مناصري العصر الناصري الذى أسس للحكم الفرد فى مصر .. فقال هيكل كى يغلق الباب على هذا الشأن " أمامكم عبد الناصر افعلوا به وبسيرته ما شئتم فلا يهمنى هذا فى شيئ قط .. لكن تعالوا إلى وأخبرونى عن سقطات النظام وما نثيره من اعتراضات للرد عليها بمنطق عادل " وليس هذا تناقضا بالطبع .. فالنظرة المتعمقة تكشف أن القناعات لدى المفكرين تتغير وتتبدل عشرات المرات ليس فى ذلك بأس طالما أن داعى التغيير له من المنطق والحق نصيب وهو نفس المنطق الذى دفع هيكل أثناء معالجته لفترة الثورة المصرية يوليو 1952 م إلى رفض مسمى ثورة ورفض حتى مسمى الانقلاب لافتقادها لمقومات كلا الوصفين .. وأصر على وصفها بأنها شيئ من قبيل القدر أتى لأصحابه صدفة دون إدراك أو تخطيط ودلل على ذلك بالتردد الرهيب الذى حكم تصرفات مجلس قيادة الثورة وهم جميعا بخلاف محمد جيب الزعيم الصورى للحركة من صغار الضباط منعدمى الخبرة وجدوا أنفسهم وعلى نحو مفاجئ مسئولين عن دولة كبيرة بحجم مصر وهم أنفسهم حين قاموا من ثكناتهم كانت مطالبهم إصلاح أحوال الجيش وتعيين محمد نجيب الذي انتخبوه رئيسا لنادى الضباط وزيرا للحربية فكانت أحوال النظام الملكى المتهاوى فى الأساس مفاجأة للضباط أنفسهم قبل أن تكون مفاجأة لغيرهم عندما اكتشفوا أنهم أمام ملك ينتظر رصاصة الرحمة فأطلقوها عليه ثم أخذتهم الرهبة فحكمت تصرفاتهم بطبيعة الحال وكانت الرهبة هى داعى التردد الشديد فى القرارات الأولية لرجال النظام الجديد فتارة يقولون بتولية أحمد فؤاد ملكا ومعه مجلس وصاية برياسة رشاد مهنا وتارة يقولون بإلغاء النظام الملكى وقيام الجمهورية .. كما تبدى ترددهم فى مناقشة مصير الملك السابق فاروق فتحيروا بين إعدامه وبين نفيه إلى آخر تلك التصرفات التى ختمت بسيطرة الجيش وضباطه على شتى المناصب والهيئات وفرض النظم العسكرية عليها فى دلالة واضحة على حداثة السن التى دفعتهم لمكافأة صغار الضباط على هذا النحو الطفولى ..كما أن مجلس القيادة لم يترك المسميات العسكرية فى شأن الحكم المدنى فرأينا وكيل الاذاعه يتحول إلى أركان حرب الاذاعه وهكذا .. !! تلك القناعات الجديدة .. لم تكن خارجة من مفكر مضاد لوجهة نظر التجربة الناصرية بل خرجت من راهبها الكبير وصانع أسطورتها وتجربتها التى تألقت بزعامة عربية فذة تمثلت فى جمال عبد الناصر الذى أحسن استثمار وجود مفكر عملاق كهيكل إلى جواره .. وبقدر ما أتاح عبد الناصر الفرصة لهيكل لبسط نبوغه .. كان هيكل داعما أقوى دون أدنى شك لشخصية جمال عبد الناصر وزعامته وليس هذا التحليل الجديد من هيكل تناقضا يعاب عليه .. بل هو كما قلت مراجعات فكرية دفعتها الخبرة .. وليس معنى هذا ضمان صحتها أو صحة غيرها من الأفكار فالفكر بين أخذ ورد .. ولكن أين .. ؟!! عند من يُعمل العقل .. لا عبيد النقل وكان طبيعيا أن نرى الاختلاف بين الإمام محمد متولى الشعراوى وبين المفكر القدير محمد حسنين هيكل .. نظرا لرفض الإمام للتجربة الناصرية فى مجملها رفضا قاطعا تحت تأثير المتناقضات التى شهدتها التجربة ومست صميم العقيدة الإسلامية من التوجه الاشتراكي والميل للاتحاد السوفياتى وتكميم الأفواه وتغيير اسم مصر ضمن تجربة الوحدة مع سوريا وعدم العودة إلى الاسم الأصلي برغم الانفصال فيما بعد وان كان اختلافا لم يتحول إلى صدام مباشر بينهما إلا فى القليل من الأحيان لطبيعة الإمام الشعراوى التى كانت تتناول السياسة تلميحا لا تصريحا نأيا بنفسه عن مهالك الجدل والمراء بلا فائدة .. ولو كان كل المتحاورين مثل هيكل فى القدرة والعلم والإدراك لما كان الشعراوى إلا سياسيا نابغا كما كان فى بداياته عندما كانت المجالات بمسمياتها الفعلية .. قد اعترض الإمام اعتراضا عنيفا على ما نشره هيكل بالأهرام غداة حرب أكتوبر عام 1973 م .. وهو التاريخ الفارق بقلب كل مصري وعربي وكان برأى الشعراوى أنها انجاز من عمق التاريخ الاسلامى لاستهلال العمليات بصيحة " الله أكبر " والتى انطلقت من أفواه الجنود عالية مدوية من أعماق قلوبهم دون أوامر .. وهذا هو بيت القصيد .. أنها انطلقت تلقائية معبرة عن توجه فطرى لدى المصريين ناحية العقيدة . وكانت تلك الصيحة سببا رئيسيا فى الرعب العنيف الذى استبد بجنود العدو القابعين خلف تحصينات خط بارليف حتى دعاهم الفزع لترك مواقعهم والفرار هلعا بالرغم من التسليح الخرافي للجيش الإسرائيلي وخبرة تدريبه كتب هيكل بالأهرام معترضا على الصبغة الإسلامية التى صبغت النصر الكبير خاصة مع قامت به الشئون المعنوية بالقوات المسلحة من نشرها لمنشور يحتوى على خبر رؤيا رآها أحد الصالحين وشاهد فيها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو واقف على شط قناة السويس مشيرا إلى الشرق مبشرا بالنصر .. وكان المنشور بعنوان " رسول الله على الصلاة والسلام معنا فى المعركة " فقد رأى هيكل أن تصوير الأمر على هذا النحو فيه اغماط لحق الجنود وهم أصحاب النصر الحضارى ! وبدون شك .. فقد كانت سقطة من الأستاذ الكبير داعيها خلفيات ثقافية أظن أنها ذهبت عنه بعد تلك العمر والخبرة .. فمن قال أن النصر عند رده لله فيه اغماط لحق المجاهدين .. بل العكس هو الصحيح لأن إسقاط تلك الصفة عن الفعل الجهادى كفيل بحجب النزعة الإيمانية والفدائية فى أعماق المقاتلين .. هذا إضافة إلى الروح المعنوية المتدفقة كمصهور الحديد فى وجوه العدو كانت دون شك نابعة من أعماق العقيدة بقلب كل مقاتل .. . مع صاحب القرار كانت للإمام محمد متولى الشعراوى مع الرئيس الراحل أنور السادات مواقف عدة بحكم العلاقة البسيطة التى جمعت بينهما عبر أصدقاء مشتركين فى الأيام التى كان فيها السادات فردا فى جماعه .. إلى أن أصبح ولى الأمر والطاعة وكان اللقاء الأول بينهما فى بيت صديق مشترك لقاء ترك أثرا سيئا نوعا ما غير أنه تبدل فيما بعد .. لأن الإمام الشعراوى عندما علم بصفة أنور السادات ومكانته بادره بقلقه من التوجه الاشتراكي والميل الشرقي لمصر ناحية الاتحاد السوفياتى وهو ما كان يـُضاد الطبيعة الفطرية للشعب المصري كما أنه يضر بموقفها الدولي المنادى بعدم الانحياز بينما هو فى حقيقته انحياز كامل للروس فقال السادات ... وماذا ترى يا شعراوى .. هل برأيك أن توجهنا للغرب أفضل ؟ فهتف الشيخ .. ومالنا والشرق والغرب يا أخى .. لماذا لا نتوجه إلى حضارتنا وفطرتنا وتاريخنا الطبيعى وتوجهنا الاسلامى فنظر إليه السادات بنظرة دهشة مع الاستنكار السائد أيامها لكل ما هو اسلامى تحت تأثير مختلف الأيديولوجيات غربا وشرقا . غير أن العلاقة تحولت إلى تقدير متبادل بينهما خاصة بعد عودة الإمام لمصر موافقا على شغل منصب وزير الأوقاف فى وزارة ممدوح سالم الأولى والتى أعقبت قرار السادات الشهير بإنهاء التواجد الروسي بمصر .. وكان هذا القرار هو السبب الرئيسي الذى دفع بالشيخ إلى قبول التكليف الوزارى وكان حدثا بالنسبة له فى غاية الأهمية بما يحمله من بغض فطرى للشيوعية وقبول الشيخ لتولى الوزارة كان ذو أثر وضيق على نفسه بعدما تكشفت له من أساليب الممارسة الشيئ الكثير ولذا بادر لتقديم استقالته بعد فترة فقالوا له أن الوزارة كلها على وشك الاستقالة فانتظر حتى تحرر من قيدها ليعود لنشاطه المعهود فى الدعوة إلى الله .. والموقف الذى لا ينسي بينه وبين السادات .. عندما طلب الشيخ مقابلة السادات وعرض عليه مذكرة تخص شيخ الأزهر منصبا وتنظيما لما يري الشيخ فيه من مقر لدعوة الإسلام فى العالم كله .. فأحب أن تكون له مكانته التنظيمية التى تلى رئيس الجمهورية فى الترتيب فاستمع السادات إليه ولم يمد يده إلى أوراق المذكرة ثم قال له ما معناه أن يتفهم دوافع الشيخ فى هذا الطلب .. وألمح له بأنه يتفهم أن للشيخ رغبة فى شغل منصب شيخ الأزهر وليس لديه مانع لكن بعد فترة من الوقت ..!! فنظر الإمام إلي الرئيس محتفظا بثبات نفسه مع التلميح غير المناسب والذى لم يخطر له على بال وقال له ما معناه أنه لم يتقدم ليجعل من منصب شيخ الأزهر مكانة دنيوية يطمع فيها بل كان مطلبه للصالح العام لبيان تقدير مصر لتلك المؤسسة العريقة وأنه إن كان موقفه تم فهمه بتلك الصورة فهو يرفض المنصب حتى لو كان معروضا عليه ليس من قبيل التعالي بل من قبيل أنه لا يري فى نفسه قدرة على شغله .. وترك المذكرة للرئيس ومضي لحال سبيله ليتكشف بعدها أن خصوم الإمام أخذوا عليه احتفاظه بالزى الأزهرى حتى ذلك الوقت كدلاله على طمعه فى مكانه شيخ الأزهر .. وكان رد الشيخ بسيطا ولافتا .. فقد قام بتغيير زيه إلى الجلباب وكفي نفسه أقوال خصومه كما يظهر موقفه مع الرئيس مبارك إبان نجاته من محاولة الاغتيال الشهيرة بأديس أبابا عام 1998 م .. وكان الشيخ فى أخريات أيامه وقد كبرت سنه ومقامه .. وشد الرحال على رأس وفد من طلاب ومشايخ الأزهر ومعهم شيخ الأزهر الجليل الإمام جاد الحق على جاد الحق إلى مقر إقامة الرئيس بقصر العروبة بمصر الجديدة ضمن الوفود التى جاءت مهنئة بنجاته .. وهناك وقف الشيخ واضعا كتفه على الرئيس مبارك قائلا فى لهجة معبرة .. " سيادة الرئيس وأنا أقف على عتبة دنياى لأستقبل أجل الله فى خلقه .. ما كنت لأختم حياتى بنفاق أو أبرز عن ثريتى بافتراق .. ولكنى أقول كلمة موجزة للأمة كلها حكومة وحزبا ومعارضة رجالا آسف أن يكون سلبي !! أريد منهم أن يعلموا أن الحكم بيد الله فلا تآمر لأخذه ولا كيد للوصول إليه فان الحق سبحانه وتعالى عندما حكى حوار إبراهيم للنمروذ ماذا قال ؟ .. قال ( أن آتاه الله الملك ) فان الملك يـُؤتى من الله لأنه لن يحكم فى ملك الله أحد بغير مشيئة الله فان كان عادلا نفع بعدله وان كان جائرا ظالما بشـَع الظلم فى عيون الناس فيكرهون كل ظالم حتى لو لم يكن حاكما .. ولذا أقول للقوم جميعا .. إننا والحمد لله تأكد لنا صدق الله فى كلامه فكيف كنا ندرك ونفسر لولا ما حدث حكمة الله سبحانه فى قوله ( ويمكرون ويمكر الله ) ثم قوله ( إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا ) ولذا أنصح كل من يريد الحكم ألا يطلبه بل ينتظر أن يطلب إليه فمن طلب لشيئ أعين عليه ومن طلب شيئا أوكل إليه " ثم تهدج صوت الشيخ وهو يستطرد .. " يا سيادة الرئيس آخر ما أحب أن أقوله لك ولعل هذا يكون آخر لقائي أنا بك .. إذا كنت قدرنا فليوقفك الله وان كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل " وهى الكلمات التى أثارت الشيئ الكثير فى نفس الرئيس وفى نفوس مستمعيها وما كانت مصر فى فترتها الحالية تعانى كل هذا الاختلال الذى بدأ مع عام 2000 م لينقلب إلى عصبية فى السياسة ودوائر الحكم .. أقول .. ما كانت مصر تعانى من هذا لو أن الرئيس مبارك تفضل بادراك المعنى خلف كلمات الشيخ الجليل واستمر تأثره بها خاصةً فى قوله " فكيف كنا ندرك ونفسر لولا ما حدث حكمة الله سبحانه فى قوله ( ويمكرون ويمكر الله ) ثم يقول ( إنهم يكيدون كيدا .. وأكيد كيدا ) ولذا أنصح كل من يريد الحكم ألا يطلبه بل ينتظر أن يطلب إليه فمن طلب لشيئ أعين عليه ومن طلب شيئا أوكل إليه " عندما واجه نفسه فكسبها لدينه لا يمكن للإنسان فى معركة أن يواجه ما هو أقوى من نفسه .. فالمواجهة مع النفس مريرة ..مريرة .. فأنت لا تواجه ساعتئذٍ خصم يمكنك التحايل أمام قوته أو التدبير إزاء حنكته .. بل أنت تواجه نفسك بكل ما تملكه من جموح وجنوح قل أن تجد من يروض سلطانها النافذ .. بعد أفذاذ الصحابة والتابعين الأولين رضوان الله عليهم ولبيان مدى خطورة النفس على الإنسان .. فان اعتبرنا المواجهة معركة ـ وهى كذلك بكل تأكيد ـ فأول النصر على خصمك مدى إدراكك لطبيعته واكتفائك بمعلومات كاملة عنه تمكنك من معرفة نقاط ضعفه فتأخذه من حيث لا يحتسب .. فالمعلومة فى هذا الشأن هى العامل الحاسم للنصر أو الهزيمة .. فتخيل معى عزيزى القارئ الكريم مدى المعاناة وأنت تواجه نفسك فى معركة غير متكافئة .. لأنها تعلم عنك ولا تعلم أنت عنها شيئا .. فنفس الإنسان حاضرة بقوة مع كل نزوة تحيل الحرام حلالا عند الهوى تأخذها العزة بالإثم ونادرا ما تعدل فى حكم تكون هى طرفا فيه .. فيكون الهلاك هو المصير إلا من رحم ربي وامتلاكك زمام نفسك يرتفع بإسلامك إلى حيث الذرى العليا من الإيمان .. وهو ما تمكن منه الإمام محمد متولى الشعراوى رضي الله عنه ورحمه رحمة واسعة فى الكثير من المواقف التى كادت نفسه فيها أن تغلبه .. ومن أبرزها ثلاثة مواقف تلخص مدى الصبر والصمود فى أعماق الإمام .. كان أولها عندما قـُتل أخاه الشقيق فى حادثة ثأر كالتى يعرفها الريف المصري فى ذلك العصر .. وكان معروفا عن الإمام نبذه لتلك العادة السيئة التى لا يأخذ فيها ولى الدم من قتل بل يتجاوزه إلى من سواه .. وعـُرف عنه قيامه ليل نهار بحض الناس على العفو وفى المجلس المنعقد من أهل القرية لتصفية الخلاف بالحل الودى عن طريق الدية .. جلس الإمام محمد مع والده فى صدر المجلس وأمامهما القاتل وعشيرته وكان الوالد يريد الهرب من تلك الجلسة كى يحتفظ لنفسه بحق الرد على القاتل دون أن يلتزم بسطوة الجلوس إلى كبار القرية فى حل ودى سيلزمه بطبيعة الحال .. غير أن الإمام محمد أصر على حضور الجلسة ونفسه كنفس والده فى الشعور بالألم لفقد شقيقه .. وعندما سأل شيخ القرية الإمام محمد عن الدية التى يطلبها لأخيه .. بادر القاتل إلى قول محرج للإمام محمد كى يعفي نفسه من الغلو المتوقع فى الدية .. وذكـَر الإمام بسابق حديثه ونصائحه وطلب إليه أن يضرب المثل فيخفف فى الدية المطلوبة ويقبلها .. فالتفت الإمام محمد إلى والده وطلب إليه أن يعطيه حق الرد فى المجلس وينزل على رأيه فأذن له والده تقديرا لمكانته .. فالتفت الإمام إلى قاتل شقيقه فى صمت وهدوء .. وأطال النظر إليه ثم انفرجت شفتاه قائلا .. " تذكرنى بما قلت وكأنى بك تظننى أقول للناس وأمنع عن نفسي مئونة الالتزام بما أقول .. لا والله .. أما يا هذا فانا نعفو عن دم أخى ولا نريد منك دية ولا قصاصا .. غفر الله لنا ولكم " وبالطبع كان موقفا من أعنف وأقوى المواقف التى تغلب فيها الشيخ على نفسه وقلبه بل وعلى والده الذى فوجئ بفعل ولده رغم إكباره له وكان ثانى معاركه مع نفسه .. موقفه عندما بلغته أخبار نكسة عام 1967 م وكان ساعتها بالجزائر .. وعانى مثلما عانى جميع المصريين داخل وخارج مصر .. وتمثلت المعاناة فى ما لاقاه المصريون بشتى البلدان من شماتة أحيانا ومن غضبة كاسحه فى بلاد أخرى وكان منها الجزائر إلى درجة أن الشيخ ورفاقه تعرضوا لمقاطعه المتاجر الجزائرية لهم حتى متاجر بيع الخبز .. كان الألم عنيفا والصدمة ذات وجوه .. وفوجئ رفاق الإمام وولده الأكبر الذى كان ساعتها معه البعثة الأزهرية .. فوجئوا بالإمام يسجد لله شكرا فى تصرف أثار دهشة عميقة وأحيانا أثار غضبة أشد .. حتى أن ولده فقد قدرته على السيطرة على نفسه وهتف غاضبا " ما بالك يا أبي تسجد شكرا وتلك كارثة محققة .. " فقابل الإمام غضبة ولده فى هدوء وأسف .. ثم قال " يا ولدى لن يتسع ظنك إلى ما بينى وبين ربي .. وغير أن السجود حمدا لله لا يحتاج منا تبريرا فى أى حال .. فاني سجدت لله شكرا أننا نلناها ونحن بأحضان الشيوعية فلو كان النصر معهم لأصبنا بفتنة فى ديننا " وقد تبدت عظمة الإمام الراحل فى تفهمه لموقف ولده وفقدانه لأعصابه وهو يبرر له بهدوء وحكمة وقد يقول قائل .. أننا انتصرنا بحرب أكتوبر بالسلاح والعون الروسي .. ولهؤلاء أقول .. أن المقصد ليس فى العون بالسلاح .. بل المقصد الرئيسي الذى قصده الشيخ هو تطبيقنا للمبادئ الشيوعية أثناء الحقبة الناصرية حتى لو تم تسميتها بالاشتراكية والسير على نفس النهج لا سيما وأن الاتحاد السوفياتى لم يكن بعيدا عن جو المؤامرة فقد كانت الأخبار الكاذبة عن الحشود العسكرية الإسرائيلية بالحدود السورية أول طريق الكارثة بعد أن أصر السوفيات على وجودها بالرغم من سفر الفريق محمد فوزى رئيس الأركان المصري بذلك الوقت ومشاهدته للجبهة بنفسه وعاد لمصر نافيا تلك الأخبار التى أدت بنا إلى الهزيمة الأعنف فى تاريخنا كله .. ولا يمكننا أن ننسي موقف نيكيتا خروشوف قبيل تركه لمقعد الزعامة فى الاتحاد السوفياتى وما كان يوجهه من نقد علنى وضغط عنيف على عبد الناصر لتخفيف القبضة الأمنية على الشيوعيين بمصر وكثير من تلك المشاهد التى أثرت سلبا بأكثر مما جنيناه من ايجابية للعلاقات الإستراتيجية بين مصر والاتحاد السوفياتى أما المعركة الكبري بين الشيخ ونفسه والتى انتصر فيها انتصارا ساحقا لدينه قبل أن يكون لذاته .. فقد كان إبان عمله بالجزائر ضمن البعثة الأزهرية هناك .. حيث تمكن من التدخل ووفقه الله إلى أن يكون طريق الصلح بين قبيلتين عظيمتين من القبائل الجزائرية المتناحرة لينهى بينهما فيما يشبه المعجزة عهدا طويلا من الدماء المسفوكة .. مما كان له أبلغ الأثر فى صورة الشيخ أمام الجماهير هناك خاصة بعد أن احتوى الجميع بمنطقه وحجته وتمكن بفضل الله من تجفيف منابع التآمر التى دفعت بالقبائل للصدام .. ومع فعل كهذا .. تبسم الشيخ وأحس بعزة فى نفسه لهذا الصنيع الجليل .. وقبل أن تتلاشي ابتسامته من شفتيه .. هبت روحه الصادقة الإيمان ملقية فى وجهه تحذيرا صارما مخافة أن تغتر نفسه فيحسب نفسه صاحب فضل ومعجزة .. وعلى الفور .. وجد الشيخ الحل للخلاص من تسلط نفسه قبل أن يتخذ منه مسري الدم .. وفى أقرب مسجد إليه دخل إلى دورات المياه العامة وانهمك فى مسح أرضياتها وتنظيفها مما علق بها .. ليكسر لمحة الغرور التى اشتمها إيمانه فلم يرض عنها فتأملوا يا أهل الحكمة .. !! وما أكثرها المواقف فى حياة الإمام .. وما أغفلنا عن روائع شخصياتنا وتاريخنا !!
|
|||||
26-07-2008, 03:24 AM | رقم المشاركة : 3 | |||||
|
مشاركة: الإمام الشعراوى " سيرة ومسيرة "
المشهد الأخير فى المسلسل التليفزيونى الشهير " إمام الدعاة " الذى قام ببطولته الفنان حسن يوسف وقام بتجسيد شخصية الإمام الراحل كان التناول الذى أخرج به المسلسل مشهد انتقال الإمام لرحمة الله عز وجل منافيا لما حدث بالفعل .. حيث جاء المشهد مصورا الشيخ وهو يتمتم بالشهادة متطلعا إلى الفراغ أمامه قائلا " أشهد أن لا اله الله .. وأشهد أنك محمد رسول الله " أما الواقعة الحقيقية فقد كانت خلاف ذلك حيث روى من حضر وفاة الإمام بأنه تمتم بعبارات ترحيب وتهليل لأئمة قدماء من أهل البيت رضوان الله عليهم جميعا .. وفى تبرير هذا التغيير قال الفنان حسن يوسف " اننى فضلت الكناية بمشهد رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام عن رواية الواقعة الحقيقية لأنها أمور غيبية ليس كل عقل قادر على استيعابها " وواقع الأمر أن وفاة الإمام الراحل عام 1998 م .. كانت خاتمة خير لداعية خير على أحسن ما يفضل الله به عبده الصالح الذى نحسبه على خير ولا نزكى على الله تعالى من أحد وهو حسيبه .. وكان مشهد النهاية كما رواه المقربون مشهدا يشرف من انتمى إلى الراحل نسبا أو فكرا حيث دلت كلمات الإمام على رؤياه لأهل البيت رضوان الله عليهم وهو بالنزع الأخير .. وأسلم الروح خاتما حياته بكلمات الشهادة لرب العزة والوحدانية له بعد أن حقق أمله الكبير فى إتمام خواطره عن القرءان وهو الأمر الذى كان الإمام يدعو به ليل نهار منذ أن نطق باسم الله تعالى بادئا رحلة التفسير .. وقد ثار التساؤل فى مصر عقب وفاة الإمام الراحل عن الأجزاء الثلاثة الأخيرة من القرءان والتى لم يسجلها التليفزيون المصري ولم تذع على الجمهور .. حتى اتضح أن الإمام قام بتفسيرها فى مرحلة سابقة ومسجلة لدى البعض من تلاميذ ورفاق الشيخ بالمملكة السعودية وهو الأمر الذى سر من كان يطمح لإتمام تلك الخواطر خاصة بعد أن سخر الله لنا من قام بطبعها وتوزيعها كاملة من أول الأجزاء لآخر الأجزاء بأسطوانات مضغوطة بمقابل متاح بالشكل الذى يكفل لعلم الإمام استمرارا وبقاءً فى المطبوع والمسموع فرحمه الله من عالم عامل .. ومفكر متكامل .. ورجل أزاح الغمام عن عشرات الخصال التى تاهت بتعاقب الأجيال .. فكان مثلا فى التواضع والإخبات .. ومثالا إنكار الذات .. رد إلى الله فضل نعمته .. فأتم الله عليه فيض مثوبته .. ودعاؤنا له أن يجزيه عنا خير الجزاء بجنته .. بعد أن منَ الله عليه بالخصال الثلاث التى تتيح للمرء عدم انقطاع عمله فى الدنيا بعد وفاته .. علما يتواصل نفعه فى صدور شاكره .. وأولادا ما أكثرهم يسألون الله له المغفرة .. وعملا ما أطيبه وأطيب أثره فى الآخره تم بحمد الله مصادر هذا الفصل • " من الألف إلى الياء " ـ برنامج مسجل للمذيع طارق حبيب مع الإمام الشعراوى على أربع حلقات مطبوعة / إنتاج شركة " السبكى للإنتاج الفنى • تفسير الشعراوى " مجلدات متواصلة الإصدار " ـ للإمام الشعراوى / دار أخبار اليوم • " الشعراوى .. أنا من سلالة آل البيت " ـ محمد أبو العينين / دار أخبار اليوم • سقوط نظام ـ محمد حسنين هيكل / دار الشروق للطبع والنشر • عبقرية محمد ـ عباس محمود العقاد / دار المعارف للطبع والنشر • مذكرات سعد زغلول ـ تحقيق د. عبد العظيم رمضان " ج 8 ـ ج 9 " / الهيئة المصرية العامة للكتاب
|
|||||
|
|