.. زيد بن حارثة ..
لقب زيد بن حارثة ب «حِب رسول الله»، حيث أحبه النبي حباً عظيماً، حتى أسماه الصحابة «زيد الحب»، وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما بعث رسول الله زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمّره عليهم، ولو بقي حياً بعد الرسول لاستخلفه.
كان زيد بن حارثة أقرب الناس إلى النبي عليه الصلاة والسلام، وقد التقيا قبل أن بعثه النبي، وكان زيد صغير السن عمره لا يزيد على ثماني سنوات، فكان مع أمه في زيارة بيت جده، وجاءت غارة فأخذته وباعته في سوق عكاظ عبداً، واشتراه حكيم بن حزام بن خويلد بأربع مئة درهم، واشترى معه طائفةً من الغلمان وعاد بهم إلى مكة، فلما عرفت عمته خديجة بنت خوَيلد بمقدمه زارته، فقال: يا عمة، لقد ابتعت من سوق عكاظٍ طائفةً من الغلمان، فاختاري أياً منهم تشاءين فهو هدية لكِ، فاختارت زيداً لِما بدا لها من نجابته، وبعد أن تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم، أهدت له غلامها زيد، فأعتقه النبي، ولكنه بقي عنده حراً ليس عبداً، وفي موسمٍ من مواسم الحج قصد البيتَ الحرام نفر من قوم زيد، فعرفوه وعرفهم، وقال لهم زيد: أخبروا أبي أني مع أكرمِ والد.
لما علم حارثة أن ابنه بمكة توجه إليها ومعه أخوه، وطلباً من النبي أن يستردا ابنهما بأي مبلغ من المال، فقال النبي: أدعوه لكم فخيروه بيني وبينكم، فإن اختاركم، فهو لكم بِغير مال، وإن اختارني، فما أنا بالذي يرغب عمن اختاره، فاختار زيد النبي قائلاً: بل أُقيم معك، وما أنا بالذي أختار عليك أحداً أنت الأب والعم، وعندما نهره أبوه قال: إني رأيت من هذا الرجل شيئاً أنساني كل إنسان، ما أنا بالذي يفارقه أبداً.
ولما رأى النبي عليه الصلاة والسلام من زيد ما رأى أخذ بِيده وأخرجه إلى البيت الحرام، ووقف به بِالحجر على ملأ من قريش، وقال: يا معشر قريش، اِشهدوا أن هذا ابني يرثني وأرثه، فلما بُعث النبي، وأبطل الإسلام التبني عاد النبي وناداه زيد بن حارثة امتثالاً لأمر الله، وتطيباً لخاطره ذكر الله اسمه في القرآن الكريم.
أحب النبي زيداً وخلطه بِأهله وبنيه وكان يشتاق إليه إذا غاب عنه، ويفرح بقدومه إذا عاد إليه، ويلقاه لقاء، لا يحظى بِمثله أحد، فاحتل زيد عند النبي صلى الله عليه وسلم مكانة كبيرة، وكان أمين سره رغم صغر سنه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تلومونا على حب زيد».
وتروي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها مشهداً يدل على حب النبي العظيم لزيد قائلة: قدم زيد بن حارِثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فقرعَ الباب، وكان رسول الله متخففاً من ثيابه، فلما علِمَ أن زيداً قد جاء فمن شِدة شوقه لِزيد واهتِمامه به نسِيَ أن يرتدي ثِيابه الخارِجِية، فلما قرع الباب قام إليه النبي بِثيابه الخفيفة، ومضى نحو الباب يجر ثوبه فاعتنقه وقبله، ووالله ما رأيت رسول الله يستقبل أحداً قبله ولا بعده بِهذه الثِّياب.
استشهد زيد بن حارثة في غزوة مؤتة في العام الثامن للهجرة، وكان النبي عليه الصلاة والسلام قد عينه القائِد الأول للجيش، وحزن على زيد وبكاه، فقال له سعد بن عبادة: ما هذا يا رسول الله؟، قال: «شوق الحبيب إلى حبيبه».