الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة > قسم الرواية

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-03-2023, 11:34 AM   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابراهيم امين مؤمن
أقلامي
 
إحصائية العضو







ابراهيم امين مؤمن متصل الآن


افتراضي مفاتيح الرواية الاحترافية ج1

مفاتيح الرواية الاحترافية

سنتعرض في هذا المقال إلى كيفية مقاومة التحديات التي تؤهل الروائي لكتابة رواية بشكل احترافي، كما سنتعرض لما يلزمه من متطلبات لبلوغ نفس الهدف.
كل روائي منا يريد أن يكتب رواية قوية، وليس هذا فحسب؛ بل يريد أن تخلّد تلك الرواية عبر الزمان، ولن يستطيع الوصول إلى مأربه إلا بتوفر
شرطين أساسيين: الأول ارتكاز الموهبة في خلجة نفسه، والآخر تعبئة تلك الموهبة وأصقلها بالدراسة والبحث لسنوات طوال على أن يتحلى
بالصبر ورباطة الجأش، ولا تخش من الفشل؛ فالشرط الأول يدفعك دفعا لتحقيق الآخر دون كلل أو ملل.
لكن ثمة شيء هام، لقد خلقنا الله متفاوتين في القدرات، وهذه مشيئة إلهية، لذلك تجد أن حجم تلك الموهبة والقدرة على صقلها تختلف من روائي إلى آخر، وينجم عن هذا تفاوت في مهارة الروائيين مما يؤدي بدوره لصعود بعضهم إلى قمة الهرم وتعثر البعض الآخر وسقوطه فور صعوده لسفح الهرم.
وهذه المقالة قد تكون مؤشرا لاستشراف حجم موهبتك بالضبط ومدى قدرتك على مواجهة التحديات، فهيا بنا نغوص ونوغل فيهما.

1-الفكرة المبتكرة
أهمية الفكرة:
اعلم أن الوصول إلى فكرة مبتكرة هو أصعب شيء في الرواية على الإطلاق، وأنها لب الرواية وقلبها، فمنها تستطيع أن تفرع عناصرها، ومنها يمكنك أن تحدد شكل شخصياتك وأماكن الصراع وزمنه.

الفكرة المتقنة والفكرة المضطربة:
والوصول إلى الفكرة قد يستغرق وقتا طويلا، فإذا نجح في الوصول إلى فكرة راسخة مبتكرة وضم عناصر يافعة تلتف حولها وتدور في فلكها
-لتغذيها وتؤويها- خرجت الرواية بيضاء ناصعة لا تشوبها شائبة.
وعلى العكس قد تخرج الفكرة مقلدة، والتقليد ليس كالأصل مما يؤدي بدوره لظهورها (الفكرة) مضطربة، وتأتي عناصرها تبعا لذلك مضطربة فلا تستطيع أن تلتف حولها وتدور في فلكها فتهوى في متاهات لا نهاية لها وتترك الفكرة عارية لا مأوى لها.

كيفية الوصول إلى الفكرة:
ونوع الفكرة هي نقطة البداية على الإطلاق، فهي التي تحدد المراجع -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي سوف تعكف على
دراستها، ومن رحم تلك المراجع تستطيع أن تنجب فكرة، لكنها سوف تكون في طور التنشئة فقط، وسوف تترعرع وتشب بضم عناصر لها
فضلا عن توفير بقية أركان الرواية من شخصيات وحبكة وزمان ومكان وحوار.
وثمة عامل قوي آخر يساعدك على الوصول إلى الفكرة، هو أن ترسم لوحة فنية تعبر عن فكرتك العامة بعد دراستك للمراجع، وتحدد مجموعة
من الشخصيات الافتراضية، وكذلك مكان وزمان افتراضيين، حتى الحوار فلن يعدو في البداية أكثر من مجرد مسودة.

تطبيق:
أنتَ تريد أن تكتب رواية عن الفضاء.
فابدأ بإعداد مراجعك -كالكتب والمقالات والأفلام الوثائقية السينمائية- التي خُطت وأعدت لتقدم لك منهجا متكاملا عن علوم الفضاء، أمعن
النظر فيما قرأت وشاهدت وسمعت حتى تصل لفكرة مبتكرة، فإن لم تستطع الوصول بعد إلى الفكرة فواصل الكفاح ولا تيأس.
إذا وصلت إلى الفكرة فغالبا ما تكون فكرة في بداية أطوارها، ولن تتبلور إلا عند وضع بعض العناصر السردية التي سوف تدور في فلكها -

لتشد من أزرها- ووضع شخصيات تنفعل معها، وتحديد زمن ومكان مسرح الأحداث، عندئذ سوف تخرج راسخة ولاسيما بعد ضم الخواطر
إليها؛ تلك التي ترد إليك وأنت تخط روايتك.


2- الشخصيات

اختيار الشخصيات:
الشخصيات ركن من أركان الرواية، ويستحيل أن تكون ثمة رواية بدون شخصيات، كما هو مستحيل أن تختار شخصيات لرواية لم تحدد فكرتها
الأولية، ومن العسير أن تحدد كل شخصيات روايتك إلا بعد تبلور فكرة الرواية واكتمال عناصرها، وليس هذا فحسب؛ فربما وأن تحاول أن تكمل
حبكة الرواية تحتاج إلى إضافة بعض الشخصيات التي بمثابة ضيوف شرف في روايتك.

اختيار أوصاف الشخصيات:
لابد أن تكون سمات الشخصيات تتواءم مع فكرة الرواية وعناصرها، سواء تلك الصفات الخلقية أو الخلْقية حتى تدور تلك الصفات في فلك الفكرة وعناصرها وكذلك الحبكة.
وفور أن تضع للشخوص أوصافها لابد أن ترفع قلمك عن التعبير عن ثقافتك أو مشاعرك أو انفعالاتك أو إمكاناتك لأنك ببساطة بت ممثلا عن كل هذه الشخوص وعليك بإتقان أدوارها أمام القارئ.

دور الشخصيات في الحوار:
والشخصيات لها انفعالات داخلية أثناء تفاعلها مع أحداث الرواية، عليك أن تبرزها على السطح باستخراجها من مكامنها، وتنقل بقلمك انفعالاتها، وربما تكون وسيلتك في ذلك إبراز لغة جسدها مع نقل ملامح وجهها أثناء تفاعلها في الحوار.
فإن قصرت في نقل انفعالاتها الداخلية أثناء أداء دورها في الرواية فسوف تخرج شخصيات روايتك ميتة لا حياة فيها، مما يؤثر تبعا على بقية أركانها فيعتريها الضعف والفشل.

تطبيق:
هذا الكلام ينقسم إلى ثلاثة جمل: «فانحنى عوده قليلا وهو يزفر من الأعماق، وغمغم.»
فانحنى عوده قليلا: جملة خاصة بلغة الجسد وتشير إلى انتباه الشخصية بما قيل أو سوف يقال.
يزفر من الأعماق: جملة خاصة بالانفعال، وأغلب الأحوال تأتي الزفرة من كلام آلمه، وربما أغضبه لينفس بها عن غضبه.
وغمغم: جملة خاصة بالانفعال، والغمغمة تصدر عن الخائف وربما عن الغاضب.
ولن تحدد ملامح تلك الجمل الحوارية إلا عندما تعرف أوصاف صاحبها والكلام الذي وجه إليه من محاوره.

وهذه الجمل جاء بها "محفوظ" ليبث الروح في الشخصية كي تشارك في الحوار الذي يخدم بدوره الرواية بوجه عام.

3-الحوار بين الشخصيات

لا يجب تدخل سارد الرواية في أقوال الشخصيات المذكورة في الحوار، بل الشخصيات هي التي تملي عليه ما سوف يسرده في روايته، فالحوار
يخرج من عواطف الشخصيات وانفعالاتها لا عواطف وانفعالات سارد الرواية نفسه.
دور السارد مقتصر على تنظيم ما يصدر عنها من كلام وانفعالات عن تلك الشخصيات، لأن الشخصية الحوارية لا تتحدث عن مشاعرها الداخلية أثناء الحوار إلا قليلا.

علاقة الحوار بالفكرة والحبكة:
والحوار الذي يصدر عن الشخصيات لابد أن يكون له سمة يتجانس مع صفة تلك الشخصيات، وليس ذلك فحسب بل لابد أن تدور الحوارات في
فلك فكرة الرواية وحبكتها وعناصرها، فإن كان الحوار منسقا ومعبرا عن طبيعة الشخصيات ولكنه لا يدور في فلك فكرة الرواية وحبكتها فهو دخيل محتل كفيروسات الحاسوب التي تقلل من كفاءة أداء نسخة الويندوز.

تطبيق عن دور الحوار في الفكرة الرئيسة:
فمثلا بطل روايتك رائد فضاء كبطل رواية المريخي لآندي وير، هو فوق سطح المريخ يصارع طبيعة المريخ القاسية من أجل البقاء، عندما يصنع حوارا داخليا مع نفسه لا يصح أن يخاطبها عن مشكلة عانى منها منذ صغره بسبب والده أو والدته، وإنما يجب أن يقتصر حديث النفس عن مهاراته وخبراته الطويلة في دراسة كيفية مواجهة الطبيعة القاسية بمناخها والتغلب عليها من أجل النجاة من الموت.

تطبيقات عن الانفعالات:
انظر إلى تلك الجمل الحوارية التي تعبر عن الانفعالات الداخلية إزاء الأحداث: «خاننا المحامي اللئيم، فتصلبت وجوههم وتبادلوا النظرات في انزعاج.»
جملة حوارية ذكرت في رواية أبناء حارتنا، وتصلب الوجوه مع تبادل النظرات في انزعاج يبين مدى الفاجعة التي حلت بهؤلاء من خيانة المحامي، والانزعاج قد يدل على الهوان، لذلك لم تظهر على وجوههم نظرات الحنق والغضب الذي قد يكون دالة على القوة.
وجملة أخرى: «وحيّاه الناس مضاعفين له التودد مدارة لسخطهم.»
تجد في هذه الجملة الحوارية أن النفوس بلغ بها السخط إلى منتهاه تجاه هذا الشخص الذي يحيونه، ولم يجدوا وسيلة لطمس هذا السخط المرتكز في قلوبهم والذي لابد أن يظهر على ملامح وجوههم ولهجاتهم سوى مداراته بالمزيد والمزيد من التودد إليه.


مساحة الحوارات في الرواية:
والحوار بين الشخصيات له مساحة كبيرة جدا في الرواية، فإذا أخذ مساحة كل الرواية فإنها باتت أشبه بالسيناريو، وكأن السارد لسان حاله يقول: «كل أحداث الرواية مع الشخصيات.»
وهذا مستحيل، فثمة أمور لابد أن يسردها الراوي بنفسه بمنأى عن الشخصيات كوصف مسرح الأحداث والتعبير عن خلجات الشخصيات.
وبناء على ذلك لا يجب أن يفاجئ الروائي القارئ بوجبة دسمة من الحوار بين الشخصيات دون أن ينبه القارئ به من خلال سرده في أول
الحوار، ويرسم الرتوش الأولية استعدادا لنصب حوار بين الشخصيات كأن يذكر المكان الذي سوف يحدث فيه الحوار أو يذكر حدثا ماضيا له علاقة بالحوار الآتي.

المنطقية في الحوار وإن كان يخدم الفكرة والحبكة:
ولابد أن يكون الحوار منطقيا، ومنطقية الحوار أصعب ما يواجهه الراوي في روايته، فهو القاسم المشترك مع صعوبة الوصول إلى فكرة مبتكرة
والحبكة الجيدة.
ولنجاح الحوار لابد أن يمتلك السارد خبرة وثقافة واسعتين، وقد يستعيض السارد عن قلة خبراته وثقافته من خلال الارتكاز على كم هائل من المراجع من نفس جنس نوع روايته.
ومنطقية الحوار بمنزلة جهاز استشعار، لكنه جهاز يستطيع أن يميز به بين الروائي الهاوي والمحترف وشديد الاحترافية.

تنبيهات عن منطقية الحوار:
عند السرد لا تستخدم أحداثا مفتعلة من أجل أن تخدم فكرتك أو حبكتك، وحاذر من صياغة جمل ممكن أن تُئول إلى أكثر من معنى فتتسبب في

اضطراب قارئك، وعند عرض وجهة نظر أحد شخوص روايتك فحاذر أن تكون قابلة للتأويل، فالروائي الماهر واضح في أسلوبه وطريقة عرض
أفكار شخوصه.
وقد يخرج الحوار مترهلا مهلهلا، فمثلا أمامنا حوار بين أربع شخصيات، هذا الحوار دائر في مسألة ما، فيحيد القاص عن تلك المسألة دون مبرر، أو ينقل انفعالات شخصية لم تكن من عادتها إظهار ذلك الانفعال لحسم الأمور والنظر فيها، أو يسرد جملا مبهمة أو قابلة للتأويل، أو لا ينسق حديث الشخصيات الأربع لتتناغم معا، كل هذه المثالب تتسبب في اضطراب الحوار فيخرج مترهلا مهلهلا.

4- المكان والزمان

مسرح أحداث الرواية:
الأماكن التي تدور فيها الأحداث لابد أن تلتف حول فكرة الرواية وعناصرها وشخصياتها، فالارتباط بين الأماكن والفكرة والشخصيات لابد أن يكون حاضرا لدى الراوي لأن هذا الارتباط يساعده على الخروج بحبكة الرواية إلى بر الأمان.

تطبيق:
الرواية حربية، يكون عندئذ مسرح أحداث الرواية عبارة عن أماكن معسكرات ومخازن أسلحة على سبيل المثال لا الحصر، وقلما ينتقل الراوي من تلك الأماكن إلى أماكن أخرى كأماكن اللهو إلا حين يستذكر البطل جوانب من حياة الماضي، وإذا ذكر يذكر ذلك بصورة عابرة ثم يلتف ويعاود بسرعة إلى مسرح الأحداث.

الأماكن الخاصة بالشخصيات:
إن أماكن إقامة شخصيات الرواية وما بداخلها من محتويات ينم عن طبيعة الشخصيات وسلوكياتها وأسلوب تفكيرها.
فالسارد عندما يصف أماكن الشخصيات ومحتوياتها الداخلية لابد أن يضع في اعتباره أمرين، الأول طبيعة الشخصية وسلوكياتها وانفعالاتها مع الأحداث، والآخر وظيفة المكان ومحتوياته في إدارة الفكرة والحبكة معا.
تطبيق:
بطل الرواية لاعب كرة قدم محترف، تكون عندئذ جدران الحجرة التي يمكث فيها تحتوي على صور من إنجازاته، وليس هذا فحسب؛ فلابد أن تشارك تلك الصور في الرواية بحيث تكون جزءا من فكرتها أو حبكتها.

زمن أحداث الرواية:
الزمن إما أن يكون ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا.
والراوي قد يحتاج إلى سرد أحداث روايته بالتنقل بين تلك الثلاثية الزمنية.
كأن يتذكر أحد أبطال الرواية مشاهدا من أحداث نكسة عام 1967 وتداعياتها السيئة على المجتمع المصري والسوري والفلسطيني آنذاك، ثم بعد ذلك تنشب حرب عام 1973 التي ردت الكرامة إلى المصريين، ثم يستشرف المستقبل فيرسم صورة مستقبلية للمجتمع المصري في ظل هذا الانتصار عكس التداعيات السيئة التي خلفتها حرب 1967.

أدوات الزمن:
ولكل زمن أدواته التي تنفعل مع شخصياته، وتنعكس أيضا على عاداته من ملبس ومأكل وسلوكيات.
فبالنظر مثلا إلى الإذاعة نجد أنها انتقلت بين مراحل عدة.
فبدأت بالإذاعة المسموعة عام 1906، ثم البث التلفزيوني عام 1927 باللونين الأبيض والأسود، ثم بعد ذلك نجد في الستينيات أن البث بات بجميع الألوان.
والشخصيات تؤدي حياتها اليومية من خلال تلك الأدوات الموجودة في الزمن الذي تعيش فيه، فلا يصح مثلا أن يقص الروائي رواية جرت

أحداثها في القرن الثامن عشر ثم نجد الروائي يتكلم عن أحد شخوصه بأنه شاهد مباراة لكرة القدم في كأس العالم، أو تكون أحداث الرواية جرت قبل الستينيات مباشرة ثم نجد الروائي يخبر عن أحد الشخوص بأنه شاهد فيلما ملونا.
السؤال: كيف تدرج مقاطعك السردية في ضوء عاملي المكان والزمن؟
الذي يحدد ترتيب المقاطع أو الأحداث عاملان؛ وهما عاملي الزمن والمكان.
فلابد من معرفة الميقات الذي تسرد فيه، ووقت استغراق الحدث الذي تسرده، والمكان الذي تجري فيه الأحداث، كي تدرجه في المكان الصحيح من روايتك، فقد تتنقل ما بين السرد المتسلسل والسرد المنقطع بناء على تحديد الزمن والمكان.
فإذا سردت حدثا في مكان (أ) -وليكن بداية السرد الساعة السادسة- عن شخصية تؤدي عملا يستغرق نحو نصف ساعة، ثم أتبعت ذلك بأن الشخصية خرجت من المكان (أ) إلى المكان (ب) وأجرت مع شخصية أخرى حوارا بدأ من الساعة السابعة، وكان قطع المسافة من (أ) إلى (ب) يستغرق 45 دقيقة تكون قد أخللت بعامل الزمن السردي.

5-الوصف
الوصف لا يخلو عن وصف الشخصيات والأمكنة والأزمنة والأحداث، ولابد أن يؤهل الراوي كل هذه الأوصاف لتشارك في الفكرة والحبكة.
فالوصف لا يجب أن يكون وصفا عبثيا؛ فالغرض الأساسي هو القصّ، قصّ عن فكرة تعالج قضية ما، لذلك لابد أن يؤدي الوصف دوره في معالجة تلك القضية.
وقد يظن الراوي أنه أجاد وأصاب عندما تمكن من وصف شخصياته أو أماكنه أو أحداثه أو زمانه بكل دقة وإتقان، وفي الحقيقة أنه لم يجد ولم
يصب بل إنه عبث بروايته لأن تلك الصفات بعيدة كل البعد عن تأهيل كل ما سبق من وصف للمشاركة في الفكرة الرئيسة للرواية.
كما أن الاسترسال في الوصف الذي يشارك الفكرة وعناصرها وحبكتها غير مفيد أيضا، يكفيك من الوصف ما يشق قلب الفكرة وحبكتها.
والرواية قد تدور في أماكن عدة، وقد يشاركها العديد من الشخصيات، لذلك عليك بوصف المكان الرئيسي فحسب، ولا بأس أن تصفه وصفا دقيقا، ويكفيك من وصف الشخصيات أبطالها.
ولا تستعرض في وصف حروف اللغة العربية وجمالها ظنا منك أنها سوف تزيد روايتك روعة وجمالا، والحقيقة أنك تأخذنا من جو الرواية إلى أحد برامج اللغة العربية.

تطبيق:
تجسيد الوصف في رواية العجوز والبحر
ودعونا نستعرض كل التنبيهات السابقة من خلال رواية العجوز والبحر.
لو نظرنا إلى رواية العجوز والبحر لأرنست همنجواي، نجد دقة وصف مسرح الأحداث وهو البحر، وعاد همنجواي ليصف أيضا العجوز بكلمات موجزة، وقد تداخل وصف البعد الزمني كذلك.
والآن سنذكر فكرة الرواية الأساسية بإيجاز شديد كي نبين كيف أدخل همنجواي وصف البطل ووصف مسرح الأحداث في قلب الفكرة الأم فاستحق أن ينال جائزة نوبل.
الفكرة والرمزية:
الرواية تصور الصراع الأزلي بين الإنسان المتمثل في العجوز "سانتياجو" وقوى الطبيعة المتمثلة في الصراع المستمر بينه وبين السمكة الكبيرة التي تغلب عليها ومن بعده أسماك القرش التي تغلبت عليه.
والآن ألا تشتم رائحة من الفكرة أيها القارئ؟!
الإنسان استطاع أن يقهر قوة أقوى منه بكثير بعقله وعزيمته وتراكم خبراته في مجاله والمتمثل في نجاحه عن صيد سمكة كبيرة بهذا الحجم
الهائل، لكن عندما اتحدت هذه القوى المتمثلة في مجموعة من أسماك القرش قهرته، فالاتحاد قاهر غير مقهور حتى لو كان يبارز العزيمة المتلبسة بالخير.
وصف بطل الرواية: «كان العجوز جسدا ناحل (هزيل) العود، توغلت في قفاه غضون (تجاعيد) عميقة، وقد عدت حرقة الشمس في انعكاساتها على مياه البحر، على بشرته عدوانا قاسيا، فملأت خديه بالبثور، واستدارت فنثرت الكثير منها على جانبي وجهه، أما كفاه، فقد حفرت فيهما الحبال التي طالما جرر بها الأسماك الثقيلة، جراحا عميقة الغور ليس بينها جرح جديد، فهي جميعا قديمة قدم الحفريات في صحراء عديمة الأسماك، كان كل ما فيه عجوزا مثله.. إلا عينيه، عيناه كانتا في صفاء مياه البحر، يطل منهما المرح، عدم الاعتراف بالهزيمة.»
والسؤال الآن: كيف شارك هذا الوصف في فكرة الرواية وحبكتها؟
الإجابة: تشكلَ كل جسده بعامل البيئة، فهرم فيه، وما عامل البيئة إلا مسرح الأحداث، ويأتي همنجواي بوصف عينيه في النهاية ليخدم فكرة
الرواية، فالنظر إلى التحديات والتيارات الجارفة بعين التفاؤل وتوفير الخبرة والعزيمة -المتمثلة في وصف جسده ووجهه- من أجل مصارعتها يحقق الفوز لا محالة.

وصف مسرح الرواية: «كان زورق العجوز قد أوغل في البحر، حتى بدت السحب فوق الأرض، كأنما هي جبال، وبدا الشاطئ كأنما هو شريط طويل مخضوضر تطل من ورائه التلال الشهباء الضاربة إلى الزرقة. أما الماء، فقد ضرب لونه إلى الزرقة الحالكة المشوبة بلون الأرجوان. وتملى (تمتع) العجوز الماء وراح يراقب استقامة حباله فيه، وهبوطها إلى أغوار لا تراها العين. وكان الضوء العجيب الذي ترسله الشمس في الماء بعد أن ازدادت سموقا (علوا) في كبد السماء، بشيرا بجو طيب، يؤكده شكل السحب المترامية على الأرض في الأفق، وكان الطائر قد أوشك أن يغيب عن مدى الرؤية، ولم يعد على وجه الماء غير بضع بقع من أعشاب السرخس الصفراء، وحولها مثانات (أكياس ملآنة بالبول) بعض الطيور المغردة، عائمة حول الزورق، تتخللها بعض السميكات الصغيرة تسبح في الماء وترسل فقاعات لطيفة الصورة.»
كل هذا الوصف له علاقة مباشرة بأحداث الرواية الضاربة في الفكرة الرئيسة.
الزورق، والسحب، واستقامة حبال الماء وهبوطه في الأغوار، والشمس السامقة، ووجود الطيور، كل هذه الأشياء سوف تتحد معا ليعدّ من خلالها همنجواي المعركة الكبرى التي سوف تدور بين العجوز والسمكة ومن بعدها مجموعة من المعارك مع القروش الضخمة، ومن كل هذه المعارك نستخلص الصراع الأزلي بين الإنسان وقوى الطبيعة، والتي يظهر فيها جليا أن عامل الاعتصام قاهر غير مقهور ولو كان المبارز يتسم بخبرة ورباطة جأش وشدة بأس، لذلك أشار همنجواي في مواضع كثيرة إلى حاجته إلى الغلام ليعاونه على الصراع الذي فرض عليه.








 
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:36 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط