الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديات الحوارية العامة > منتدى الحوار الفكري العام

منتدى الحوار الفكري العام الثقافة ديوان الأقلاميين..فلنتحاور هنا حول المعرفة..ولنفد المنتدى بكل ما هو جديد ومنوع.

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06-02-2009, 12:12 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د.مصطفى عطية جمعة مشاهدة المشاركة
أخي الحبيب / زياد هواش
تحياتي إليك
رائع أنت في هذا العرض الشيق لإدوارد سعيد وسمير أمين ، والأجمل أنك عرضته بشكل متتابع ، عرفنا منه أزمة الغرب في تعامله وفي نظرته إلى الشرق .
دعني أقدم عميق شكري إليك
وإلى جهدك الخلاق .
أخوك
د. مصطفى عطية

سيدي الفاضل ..

قد يكون كتاب ادوارد سعيد واحد من اهم ما كتب في القرن الماضي .

مع الامتنان لكريم مرورك وتشجيعك .

..






 
رد مع اقتباس
قديم 07-02-2009, 11:24 AM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

3

مشاريع

بالنسبة لأوروبا كان الشرق , باستثناء الإسلام , حتى القرن التاسع عشر ميدانا ذا تاريخ مستمر من السيطرة الغربية لم تُتَحَدَّ.
ويصدق هذا بجلاء على التجربة البريطانية في الهند , وعلى التجربة البرتغالية في جزر الهند الشرقية , والصين , واليابان , وعلى التجربتين الفرنسية والايطالية في أقاليم مختلفة من الشرق .
إلا أن الشرق العربي والإسلامي , بشكل عام , كانا الوحيدين اللذين واجها أوروبا بتحدٍّ لم تجد له حلا على الأصعدة السياسية , والفكرية , ولزمن قصير , الاقتصادية أيضا .
فقد حمل الاستشراق في داخله , إذن , لمعظم تاريخه , سمة موقف أوروبي إشكالي بإزاء الإسلام , وحول هذا الجانب شديد الحساسية من الاستشراق سيتمحور اهتمامي في الدراسة الحاضرة .
لقد كان الإسلام , دون شك , استفزازا حقيقيا بطرق عديدة .
فقد كان قريبا من المسيحية قربا مقلقا جغرافيا وثقافيا
.
وقد استقى من التقاليد اليهو_هيلينية , واستعار بشكل خلاق من المسيحية , وكان بمقدوره أن يفاخر بنجاحات لا تنافس عسكريا وسياسيا .
بل إن ذلك لم يكن كل شيء .
فالأصقاع الإسلامية تقوم مجاورة للأصقاع التوراتية , بل حتى فوقها , وأكثر من ذلك , فان قلب المجال الإسلامي كان دائما ولا يزال الإقليم الأكثر قربا إلى أوروبا , وهو ما سمي بالشرق الأدنى , أو المشرق الأدنى .
والعربية والعبرية لغتان ساميتان , وهما معا تفرزان , وتعيدان إفراز , موادّ هي باستمرار ذات أهمية حيوية مسيحية .
ومنذ نهاية القرن السابع عشر حتى معركة ليبانتو عام 1571 كان الإسلام , في شكله العربي , والعثماني , أو شمال – الأفريقي والاسباني , قد طغى على المسيحية الأوروبية أو هددها تهديدا فعّالا .
ولم يكن ممكنا أن يغيب عن ذهن أي أوروبي , ماضيا أو حاضرا , كون الإسلام قد فاق روما إشعاعا وسما عليه .
ولم يكن حتى غيبون نفسه استثناء على هذه القاعدة , كما هو جليّ في المقطع التالي من الانحدار والسقوط :
( عنوان كتاب غيبون : انحدار الإمبراطورية الرومانية وسقوطها ) .
"وفي أيام نصر الجمهورية الرومانية كان هدف مجلس الشيوخ أن يقصر قادته وفيالقه على حرب واحدة , وأن يخمدوا عدوا أول إخمادا كاملا قبل أن يستثيروا عداوة آخر . وقد قوبلت هذه المبادئ الأساسية الهيّابة للسياسة بالازدراء من قبل الخلفاء العرب المليئين شهامة وحماسة . وقد غزا هؤلاء الخلفاء بنبض الحيوية نفسه , وبالنجاح نفسه , خلفاء أغسطس وارتاكسيركس , وأصبح الملوك المتنافسون في الوقت نفسه فريسة لعدو كانوا لزمن طويل جدا قد اعتادوا أن يحتقروه . وخلال عشر سنوات من حكم عمر , أخضع العرب لطاعته 36 ألف مدينة وقلعة , ودمروا أربعة آلاف كنيسة ومعبدا للكافرين , وشيدوا 1400 جامع لممارسة ديانة محمد . وبعد مئة سنة من هروبه من مكة , امتد نفوذ خلفاء محمد وسلطانهم إلى المحيط الأطلسي , عبر الأقاليم المختلفة والنائية ...... "

كان السبيل إلى الثروات الهندية (الشرقية) يقتضي دائما المرور أولا عبر الأقاليم الإسلامية , كما كان يقتضي تحمل التأثير الخطر للإسلام من حيث هو نظام من المعتقدات شبه آري .
وقد دخلت فرنسا وبريطانيا في حروب ثنائية في الهند بين 1744 و 1748 ثم بين 1756 و 1763 قبل أن يخرج البريطانيون , في 1769 متملكين للسيطرة الفعلية اقتصاديا وسياسيا على شبه القارة الهندية .
فأي شيء كان أكثر حتمية من أن يختار نابليون الاستمرار في مضايقته لإمبراطورية بريطانيا الشرقية بان يعترض أولا سبيلها الإسلامي , مصر ؟
ورغم أن غزو نابليون لمصر عام 1798 كان قد سبقه , مباشرة تقريبا , مشروعان استشراقيان رئيسيان على الأقل , فان هذا الغزو , ثم الاندفاعة القصيرة إلى سوريا كان لهما دون منازع الأثر العظيم في تاريخ الاستشراق الحديث .

كانت لجميع المشاريع الاستشراقية قبل نابليون خصيصة مميزة هي انه لم يكن ثمة إلا القليل مما يمكن القيام به مسبقا من أجل نجاح المشروع .
لكن نابليون لم يكن يهدف بالمقابل إلى ما هو أقل من أخذ مصر بكاملها , وكانت تجهيزاته السابقة للحملة ضخمة ومحكمة بصورة لا مثيل لها .
ورغم ذلك , فقد كانت هذه التجهيزات خططية إلى درجة التعصب وكانت _ إذا كان لي أن استخدم الكلمة _ نصّية .
وما يقصد ب "نصيا" هنا هو كون مصر شيئا قرأ المرء عنه وخبره عبر كتابات ثقات أوروبيين محدثين وكلاسيكيين .
وإدراج نابليون لعدد كبير من المختصين في حملته المصرية من الشهرة بحيث لا يتطلب تفصيلا في السياق الحالي .
غير أن ما قد يكون أقل شهرة هو اعتماد نابليون السابق على الحملة على دراسات كونت دو فولني , وهو رحالة فرنسي نشر كتابه رحلة إلى مصر وسوريا في مجلدين عام 1787 .
يقول نابليون أن فولني رأى أن ثمة ثلاث حواجز في وجه السيطرة الفرنسية في الشرق , وأن أية قوة فرنسية لا بد أن تحارب , لذلك , ثلاثة حروب : الأولى ضد انكلترا , والثانية ضد الباب العالي العثماني , والثالثة , وهي أكثرها صعوبة , ضد المسلمين .
ومنذ الظهور الأول لجيش فرنسا على الأفق المصري , بذل نابليون ما في وسعه من جهد لإقناع المسلمين ب "أننا نحن المسلمون الحقيقيون" بعبارات نابليون بونابرت في إعلانه يوم 2 تموز (يوليو) لسكان الإسكندرية
.ومتسلحا بفريق من المستشرقين (جالسا في سفينة القيادة المسماة "الشرق") استغل نابليون عداء المصريين للماليك والجاذبية التي حملتها الفكرة الثورية عن تساوي الفرص أمام الجميع , ليشن ضد الإسلام حربا فريدة في رقتها وانتقائيتها .
وكان ما ترك أعمق الأثر في نفس المؤرخ العربي الأول للحملة , عبد الرحمن الجبرتي , اعتماد نابليون على الباحثين ليديروا اتصالاته مع السكان المحليين .
ولقد حاول نابليون في كل مجال أن يبرهن أنه كان يحارب من اجل الإسلام , وقد ترجم كل ما قاله إلى عربية قرآنية ...
وحين أصبح واضحا لنابليون أن القوة التي يقودها لم تكن كبيرة بحيث تستطيع أن تفرض نفسها على المصريين , حاول أن يجعل الأئمة , والقضاة , ورجال الإفتاء , والعلماء , يؤولون القرآن بما يخدم مصلحة الجيش العظيم .
وتحقيقا لهذا الغرض , دعي أساتذة الزهر العلماء الستون إلى مجلسه , واستقبلوا استقبالا عسكريا رسميا , ثم منحوا فرصة أن يتمتعوا بإطراء نابليون وإعجابه بالإسلام وبمحمد , بإجلاله للقرآن , الذي بدا على إلفة تامة به .
وقد نجحت خطة نابليون , وسرعان ما بدا سكان القاهرة وكأنهم فقدوا ريبتهم بالمحتلين .

وصار (وصف مصر) النمط الأعلى لجميع الجهود التالية التي بذلت لتقريب الشرق من أوروبا , ومن ثمّ لامتصاصه نهائيا ثم _وهذا ذو أهمية مركزية_ إلغاء أو , على الأقل إخضاع , غرابته أو تخفيفها أو , في حالة الإسلام بالذات , إخضاع عدائيته وتخفيفها .
ذلك أن الشرق الإسلامي منذ الآن سيبدو فصلة تشير إلى قوة المستشرق , لا إلى المسلمين من حيث هم بشر أو إلى تاريخهم من حيث هو تاريخ .

في فكرة قناة السويس ذاتها نجد الخاتمة المنطقية للفكر الاستشراقي بل , وذلك أكثر تشويقا , للجهد الاستشراقي .
كانت آسيا ذات يوم قد مثلت بالنسبة لأوروبا النأي والاغتراب الصامتين , وكان الإسلام العدائية الهجومية بالنسبة للمسيحية الأوروبية .
لقد دمّر دوليسبس وقناته , أخيرا , نأي الشرق , وحميميته المتشرنقة بعيدا عن الغرب , وغرابته المدهشة الصلدة .

ففي عرف امبرياليين مثل بلفور , أو عرف أعداء الامبريالية مثل جّي. أي. هوبسن , فان الشرقي , الإفريقي , هو أحد أفراد عرق محكوم , ولا يحدد بصورة مطلقة بكونه يقطن منطقة جغرافية ما .
لقد أذاب دوليسبس الهوية الجغرافية للشرق بجرّ الشرق ( بالمعنى الحرفي تقريبا ) إلى داخل الغرب وبنفي تهديد الإسلام أخيرا
.

خريف 2008

..
_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 08-02-2009, 12:37 PM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

4

أزمات

قد يبدو غريبا أن نصف شيئا ما بأنه يتخذ موقفا نصّيّا .

في ضوء ما سبق , انظر إلى نابليون ودوليسبس , لقد كان كل ما عرفاه , تقريبا نابعا من كتب ألفت في تراث الاستشراق , ووضعت في مكتبة عن الأفكار المتوارثة , وبالنسبة لهما , كان الشرق مثل الأسد الفتاك , شيئا سيواجه ويتعامل معه , إلى حد ما , لان النصوص جعلت ذلك الشرق ممكنا .
وشرق كهذا كان صامتا , في متناول يد أوروبا لتحقيق مشروعات شبكت السكان الأصليين , لكنها لم تكن أبدا مسؤولة مباشرة أمامهم , وعاجزا عن مقاومة المشروعات , والصور , أو حتى مجرد الأوصاف التي ابتكرت له .

إن وجود علاقة وثيقة بين السياسة والاستشراق أو , لنضع الأمر بشكل أكثر احتراسا , إن الاحتمال الكبير لإمكانية استخدام الأفكار المستنبطة حول الشرق من الاستشراق لأغراض سياسية , هو حقيقة هامة , لكنها حقيقة حسّاسة جدا .

وأكثر من أي شيء آخر , فان الظروف السياسية والثقافية التي ازدهر فيها الاستشراق الغربي تلفت النظر إلى المكانة الوضيعة للشرق , أو الشرقي , من حيث هو موضوع للدراسة .
وهل بإمكان أية علاقة أخرى غير علاقة السيد_العبد السياسية أن تنتج الشرق المشرقن الذي جسد ملامحه أنور عبد الملك تجسيدا كاملا ؟
"ويرى المرء إلى أي مدى , بدءا من القرن الثامن عشر والى القرن العشرين , رافق تسلط الأقليات المالكة التي كشف عنها النقاب ماركس وانجلز , والتمركزية الإنسانية التي فككها فرويد , تمركزية أوروبية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية , وبالأخص في العلوم ذات العلاقة المباشرة بالشعوب غير الأوروبية ."
ويرى عبد الملك أن الاستشراق ذو تاريخ , قاده , في نظر "الشرقي" في الجزء الأخير من القرن العشرين , إلى الطريق المسدود الذي وصف أعلاه .

فقد كان للاستشراق منذ بدئه , إذن , خصيصتان عظيمتان :
1_ وعي للذات علمي طارئ مبني على أهمية الشرق اللغوية لأوروبا .
2_ ميل إلى التقسيم , والتفريع , وإعادة التقسيم , لموضوعه دون أن يغيّر أبدا نظرته إلى الشرق بوصفه دائما نفسه : شيئا لا متغيّرا , متجانسا , وشاذا شذوذا جذريا .

فقد بدت اللغة والعرق موحدين وحدة لا تنفصم عراها , وكان الشرق "الجيد" دون استثناء مرحلة كلاسيكية في مكان ما من هند ضاعت منذ زمن بعيد , أما الشرق "السيئ" فانه استمر في آسيا المعاصرة وأجزاء من شمال أفريقيا , وبلاد الإسلام في كل مكان .

إن الأمر ليبدو , من جهة أولى , كما لو أن ثمة برميلا اسمه "الشرقي" تطرح فيه دون تفكير جميع آراء الغرب السلطوية , اللامنسوبة , والتقليدية حول الشرق , بينما يستطيع المرء , من جهة أخرى , وبشكل يخلص لتراث فن القصاصين القائم على الحادثة المسلية , أن يصف رغم ذلك تجارب مع الشرق أو فيه ليس لها إلا علاقة عابرة بالبرميل الذي يؤدي الغرض بشكل عام .
*

لقد كان الإسلام , مثلا , شرقيا نمطيا في نظر مستشرقيّ أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين .

فقد قال "كارل بكر" إنه رغم أن "الإسلام" (لاحظ التعميمية الهائلة) ورث التراث الهيليني فانه لم يكن قادرا على أن يفهم أو يستخدم التراث اليوناني الإنساني .
وعلاوة , فمن أجل أن يفهم المرء الإسلام كان عليه قبل كل شيء آخر أن يعاينه لا بوصفه دينا "أصيلا" , بل بوصفه شيئا من محاولة شرقية فاشلة لاستخدام الفلسفة اليونانية في غياب للإلهام الخلّاق الذي نجده في أوروبا عصر النهضة
.

وكان الإسلام , في عرف لويس ماسينيون , الذي قد يكون أعظم المستشرقين الفرنسيين شهرة وتأثيرا , رفضا منتظما للتجسّد المسيحي , وكان بطل الإسلام الأعظم لا محمد أو ابن رشد بل الحلّاج ,القديس المسلم الذي صلبه السنيّون لجرأته على شخصنة الإسلام .
**

ومع نهاية الحرب العالمية الأولى شكلت كل من أفريقيا والشرق مجالا متميزا للغرب أكثر مما شكلت استثارة فكرية له .
وقد تطابق مجال الاستشراق بدقة مع مجال الإمبراطورية , وكانت هذه التوحدّية المطلقة بين الاثنين ما أثار الأزمة الوحيدة في تاريخ التفكير الغربي بالشرق والتعامل معه , وهي أزمة ما تزال مستمرة
.
وبدءا من العشرينيات , ومن أحد طرفي العالم الثالث إلى طرفه الآخر , كانت الاستجابة للإمبراطورية والإمبريالية استجابة جدلية (ديالكتيكية) .
ومع انعقاد مؤتمر باندونغ عام 1955 كان الشرق بأكمله قد حصل على استقلاله السياسي عن الإمبراطوريات الغربية وبدأ يجابه تجسيدا آخر للقوى الامبريالية متمثلا في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي .
ووجد الاستشراق نفسه الآن عاجزا عن تميّز "شرقه" في العالم الثالث الجديد , ويواجه شرقا جديدا ومسلحا سياسيا .
ويرى عبد الملك أن أحد مؤشرات الأزمة لم يكن ببساطة أن " حركات التحرر الوطنية " في الشرق " الذي كان مستعمرا , قد عصفت بتصورات المستشرقين عن شعوب محكومة سلبية , قدرية بددتها , بل كان ثمة , إضافة إلى ذلك , حقيقة أن المختصين , والجمهور الواسع , أصبحوا على وعي للمسافة الزمنية الفاصلة لا بين علم الاستشراق والمادة موضوع الدراسة فحسب , بل كذلك – وكان هذا العامل حاسما _ بين التصورات , والمناهج , وأدوات العمل في العلوم الإنسانية والاجتماعية وتلك التي استخدمها المستشرقون ."

وفي عرف الاستشراق , كان للإسلام معنى يمكن أن يوجد , إذا كان للمرء أن يبحث عن صياغته الأكثر دقة وجلاء , في رسالة رينان الأولى , فمن اجل أن يفهم الإسلام فهما أفضل , ينبغي أن يُقَلصَّ إلى "الخيمة والقبيلة"
أما تأثير الاستعمار, وظروف الحياة اليومية , والتطور التاريخي فإنها جميعا كانت بالنسبة للمستشرقين كالذباب بالنسبة إلى صبية عابثين ...

وهكذا , فبينما يجتاح الغليان الثوري الشرق المسلم , يذكرنا علماء الاجتماع بان العرب مدمنون على "الوظيفة الشفوية" , بينما يلاحظ الاقتصاديون _ وهم مستشرقون أعيد تصنيعهم _ بأنه لا رأس المالية ولا الاشتراكية تصلح , بالنسبة للإسلام الحديث , عنوانا ملائما .
وإذ يجتاح الشعور ضد الاستعمار العالم الشرقي بأكمله بل , في واقع الأمر , يوحّد هذا العالم , فان المستشرق يلعن ذلك كله , لا بوصفه إزعاجا فارغا فقط , بل بوصفه اهانة للديمقراطيات الغربية .

ويحذر خبراء العالم الخرافيون في وزارة الخارجية الأمريكية من مخططات العرب للاستيلاء على العالم .
ويوصف الصينيون والهنود نصف العراة , والمسلمون السلبيون بأنهم حدءات ستنهش عطايانا ...

تطغى هذه الآراء المعاصرة للمستشرقين على الصحافة والعقل الشعبي .
فالعرب , مثلا , يتصورون راكبي جمال , إرهابيين , معقوفي الأنوف , شهوانيين شرهين تمثل ثروتهم غير المستحقة اهانة للحضارة الحقيقية
.
وثمة , دائما , افتراض متربّص بان المستهلك الغربي , رغم كونه ينتمي إلى أقلية عددية , ذو حق شرعي إما في امتلاك معظم الموارد الطبيعية في العالم , أو في استهلاكها , أو في كليهما معا .
لماذا ؟ لأنه بخلاف الشرقي , إنسان حق .

وليس ثمة مثل أفضل اليوم على ما أسماه أنور عبد الملك "تسلط الأقليات المالكة" والتمركزية الإنسانية متحالفة مع التمركزية الأوروبية , في الحالة التالية :
إن غربيا ابيض ينتمي إلى الطبقة الوسطى يؤمن بأنه امتياز طبيعي له لا أن يدير شؤون العالم غير الأبيض وحسب , بل أن يمتلكه كذلك , لمجرد أن العالم الآخر , تحديدا , ليس بالضبط إنسانيا تماما بقدر ما "نحن" كذلك
.
***

ليس ثمة مثل أصفى من ذلك على الفكر المفرغ من الإنسانية .

وبمعنى ما , فان قصور الاستشراق ومحدوديته هما , كما قلت سابقا , القصور والمحدودية اللذان يأتيان نتيجة طبيعية لتجاهل ثقافة أخرى أو شعب آخر أو إقليم جغرافي آخر , وتحويلها إلى جوهر خالص , وتعريتها من إنسانيتها .
ولكن الاستشراق خطا خطوة أبعد في هذا الاتجاه , فهو يعاين الشرق بوصفه شيئا وجوده معروض دائما للغرب , وبوصفه أيضا شيئا ثابتا في الزمن والمكان , من أجل الغرب
.

خريف 2008

..

..................

*
ويرافق شعور الخيبة والنظرة المعممة _ كي لا أقول الانفصامية (الشيزوفرينية) _ إلى الشرق , عادة , خصلة شاذة أخرى .
فالشرق , لأنه حوّل إلى شيء عام , يمكن أن يجعل بأكمله وسيلة إيضاح لشكل خاص من أشكال السلوكية .
ها هو ذا فلوبير , مثلا , يصف معجبة الشرق :
" من أجل تسلية الجمهور , أخذ مهرج محمد علي امرأة في احد أسواق القاهرة ذات يوم , ومددها على دكة أحد الدكاكين وضاجعها علنا بينما كان صاحب الدكان يدخن غليونه بهدوء .
وقد توفي ناسك منذ فترة _ أبله _ كان قد اعتبر لزمن طويل قديسا اختاره الله , لقد جاءت إليه جميع النساء المسلمات يحلبن عضوه _ وأخيرا مات من الإعياء _ فمنذ الصباح حتى المساء كان الأمر خضا لا ينقطع ... " (ص 126)

**
على هذه النقطة نرتكز في رؤيتنا لضرورة إعادة النظر الشاملة والعميقة , بكل ما كتب عربيا وإسلاميا (عن الإسلام وتراثه) , من خلال تأثير مفترض للحضارة الهيلينية على مفكريه (القدماء والمعاصرين).
ولا بد دائما من التذكير , أثينا , كانت (سمراء) , استمدت فلسفتها من مصر الفراعنة , والتي بدورها استندت إلى عمق الرؤية التوحيدية لبلاد عسير مهد التوحيد الإنساني الأول .
(المجموعة)

***
هذا الغربي الأبيض المشبع بفلسفة الاستعمار والتفوق (العنصري) , نسميه في نصوصنا (الناخب الغربي) الحر الإرادي العاقل .
(المجموعة)

..
_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 08-02-2009, 12:45 PM   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

توقفنا عند هذا المقطع , ندونه حرفيا :
ففي رواية سكوت "الطلمسان" (1825) ينازل سير كنيث (من وحدة الفهد الجاثم) مسلما ويمنعه من التقدم في مكان ما من صحراء فلسطين , وحين يتبادل الصليبي وخصمه – وهو صلاح الدين مقنعا – الحديث فيما بعد , يكتشف المسيحي أن عدوه المسلم ليس شخصا سيئا على الإطلاق , رغم كل شيء .
وعلى ذلك يقول :
"لقد اعتقدت .... أن عرقك الأعمى قد انحدر من سلالة الشرير الرجيم الذي ما كنتم لتستطيعوا دون عونه أن تحتفظوا بأرض فلسطين المقدسة هذه في وجه هذا العدد من جنود الله الشجعان . وأنا لا أتحدث عنك أنت بالذات , أيها المسلم , بل , بشكل عام , عن قومك ودينك , ومع ذلك , فالغريب في نظري ليس أنك تنحدر من سلالة الشرير , بل انك أيضا تفاخر بذلك . "

ذلك أن المسلم بالفعل يفاخر بان نسب قومه متصل بإبليس , لوسيفر المسلمين .

لم يكن سكوت , على أية حال , اختصاصيا بالإسلام , وكان يسمح لنفسه بقدر هائل من الحرية في وصف دور إبليس بتحويله إلى بطل للمؤمنين .

الاستشراق
ادوارد سعيد
ص (125)

..
_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 09-02-2009, 11:46 AM   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

ماركس في "استشراق" ادوارد سعيد
هل العقل للغرب والقلب للشرق ؟

مهدي عامل

الكرمل
ربيع 1982
العدد السادس

ابتدئ هذه الكلمة بان أوضح للقارئ غايتها :
في أربع صفحات فقط من كتابه "الاستشراق" , الذي لا يزال يستثير اهتماما بالغا ونقاشا واسعا في العالم العربي وخارجه , يتحدث ادوارد سعيد عن علاقة ماركس بالفكر الاستشراقي وبالشرق الآسيوي , فيقول قولا يستوقف .
غايتي من هذه الكلمة أن أناقش هذا القول وحده , وقد انحصر بين الصفحة 170 والصفحة 173 من الطبعة العربية لهذا الكتاب الذي يتألف من 366 صفحة .

نقرا في النص السعيدي ما يلي : " .. كان ما حققه المستشرقون الأوائل , وما استغله الذين لم يكونوا مستشرقين في الغرب , نموذجا مصغرا للشرق ملائما للثقافة السائدة الطاغية وتفسيراتها النظرية (ثم العملية , في أعقاب النظرية مباشرة) " . (ص 170)

ابدأ بهذه الجملة من النص لأضع القارئ في إطار المقولة الأساسية التي تحكم فكر المؤلف في كتابه , عل امتداد صفحاته كلها .
فالشرق الذي يجري عليه الكلام في كلام الاستشراق ليس الشرق نفسه , بل هو "شرق" ينتجه الفكر الاستشراقي على صورته , "ملائما للثقافة السائدة الطاغية" .
والثقافة هذه هي , في الغرب , الثقافة البرجوازية المسيطرة .
لكن النص السعيدي لا يحدد طابعها الطبقي التاريخي , بل يكتفي بالقول عنها أنها ثقافة الغرب , أو الثقافة الأوروبية الغربية .
وهي "السائدة الطاغية" من حيث هي هذه الثقافة الغربية , لا من حيث هي الثقافة البرجوازية المسيطرة .
بانتفاء طابعها الطبقي التاريخي في تحديدها السعيدي هذا , تنتفي إمكانية وجود نقيضها نفسه , فتكتسب , بهذا الانتفاء , طابعا شموليا تحتل به كامل الفضاء الثقافي .
وهذا ما تطمح إليه , من موقع وجودها المسيطر
.
إنها تطمح إلى إلغاء كل ما ليس هي , والى الظهور بمظهر الثقافة الواحدة بالمطلق .
لكن بين وجودها التاريخي الفعلي كثقافة برجوازية مسيطرة , أي كثقافة الطبقة المسيطرة , وبين الشكل الذي تطمح إلى الوجود فيه من حيث هي الثقافة بالمطلق , أو من حيث هي ثقافة الأمة بكاملها , ثمة فارق هو الذي يزيله من ينظر إلى التاريخ من موقع الفكر الطبقي المسيطر , حتى لو كان ينظر فيه بعين ناقدة .
وهو الذي يؤكده من ينظر في التاريخ من موقع الفكر الطبقي النقيض , في حركة الصراع والتناقض بين الاثنين .
من هنا أتت الضرورة في أن يكون الفكر الناظر في التاريخ فكرا ماديا , حتى يتمكن من أن يكون علميا .
أما الفكر الذي يستوي عنده ظاهر الشيء والشيء نفسه , فيلغي التناقض والصراع في تاريخ الفكر , بين الأفكار , ويأخذ بواحدية الثقافة , إذ يرى الثقافة المسيطرة أو "السائدة الطاغية" , الثقافة كلها , ولا يترك لنقيضها إمكان وجود , فهو فكر أقل ما يقال فيه مثالي , يرى التاريخ بعين الفكر المسيطر , حتى لو حاول أن يكون ضده .
( كلمات مهدي عامل هنا , رؤيته , وضعناها , بعد مرورنا على آراء للمفكر الماركسي أنور عبد الملك , استشهد فيها بحرفيتها ادوارد سعيد وثبتنا بعضها , في ما سبق .
مهدي عامل يوسع دائرة رؤية الماركسية للاستشراق , ورؤية ادوارد سعيد لفكر ماركس . "المجموعة" )

(يعتبر مهدي عامل أن ادوارد سعيد , نظر إلى فكر ماركس , باعتباره فكرا غربيا , محكوما بمنطق الفكر الاستشراقي .)

كمبدأ عام يصح على ماركس كما يصح على غيره .
إذ "ليس في وسع أي باحث (...) أن يقاوم ضغوط أمته , أو ضغوط التقليد البحثي الذي يعمل في سياق , عليه" (ص 273) .
(مهدي عامل يشير هنا إلى (التعميم) في نظرة "سعيد" , علما أن كتابه مبني أصلا على رفض فكرة التعميم الغربي في نظرته للشرق ..!!)

هذا هو القانون العام الذي يصوغه ادوارد سعيد للفكر , على قاعدة إلغاء الطابع الطبقي التاريخي للأفكار , وبالتالي , على قاعدة إلغاء حركة الصراع والتناقض بينهما .
فالحقل الفكري في مجتمع ما هو , عنده , حقل الفكر السائد وحده , وبنية هذا الحقل بنية بسيطة تنحصر في بنية هذا الفكر , إذ لا وجود لغيره .
ليست بنية هذا الحقل , كما هي في واقعها المادي التاريخي الاجتماعي , بنية معقدة من مجموعة بنى فكرية متناقضة متصارعة في حركة تاريخية موّحدة بحركة الصراعات الطبقية الاجتماعية .
إنها بالعكس عنده , بنية واحدية هي , بالضبط , بنية فكر الطبقة المسيطرة , يضعها كأنها بنية فكر الأمة .
بمثل هذا الطرح الذي بإمكان القارئ أن يتلمس بعضا من ملامحه في ما نسميه , في لغتنا السياسية الدارجة , "الفكر القومي" تنقلب علاقة التناقض الداخلي في حقل الصراع الطبقي الإيديولوجي بين البنى الفكرية المتصارعة , علاقة تناقض خارجي بين فكر الأمة وفكر الفرد .

لكن الفرد ليس في وسعه أن يقاوم بفكره فكر أمته السائد .

انه قانون سيادة الفكر القومي , لا يخرج عليه فرد , إلا "بين حين وحين" , في حالات استثنائية هي , إن وجدت , تأكيد لسيادته أكثر منها إلغاء لها .
فالاستثناء يؤكد القاعدة , من حيث هو , بالضبط , خروج عليها .

في مثل هذه الحيرة يقع النص "السعيدي" الذي قرأنا : كيف يتأول ماركس وعلاقته بالشرق وبالفكر الاستشراقي ؟
هل هو استثناء من قاعدة هذا الفكر , أم هو من هذا الفكر نفسه ؟

هل يقع ماركس أسير الفكر الاستشراقي حينا , بينما يفلت منه , أو على الأقل يحاول الإفلات منه حينا آخر , بحيث يحتار الناقد في أمر فكره ...

هذا ما قام به ادوارد سعيد في قراءته النص الماركسي .
لقد قرأه في ضوء منطق من الفكر تتعدد أشكاله وهو واحد فيها جميعا .
انه منطق التماثل , به يقوم الفكر القومي , أو ما يسمى كذلك , وبه يقوم الفكر التجريبي والوضعي .
ظهر الأول في ذلك المبدأ العام الذي وضعه مؤلف "الاستشراق" للفكر بعامة , وبه تأول نص ماركس , فأتى الفكر الماركسي , بضرورة هذا المبدأ القومي , خاضعا للفكر السائد في الغرب _أي للفكر البرجوازي_ متماثلا به , مندرجا في بنيته , برغم كونه مختلفا عنه , بل نقيضه الطبقي المباشر .

وهنا يظهر دور الفكر التجريبي , أو الوضعي , في قراءة الفكر الدياليكتيكي في النص الماركسي قراءة تشدّه في اتجاه الفكر الاستشراقي .

هذا , بالضبط , هو العقل الوضعي , وهذا , بالضبط , هو العقل من موقع فكر الطبقة البرجوازية المسيطرة .
مثل هذا العقل يرفض الاختلاف , ولا يطيقه , ويرفض , التناقض وحركته الدياليكتيكيه .

يحشر مؤلف "الاستشراق" ماركس في الصيغة الشكلية التي ذكرنا : إما أن يكون ماركس استثناء من قاعدة الفكر الاستشراقي , وإما أن يكون محكوما , في فكره , بهذه القاعدة .

من جهة الشعور , العاطفة , الإحساس , أي بكلمة , من جهة القلب يخرج ماركس , بحسب هذا المؤلف , على بنية الفكر الاستشراقي .
لكنه يعود , من جهة العقل , فيندرج فيها .
كأنه في صراع بين القلب والعقل .
كأن القلب للشرق , والعقل للغرب , فان نطق القلب سكت العقل , وانهزم الفكر الاستشراقي .

خريف 2008

..

م : ظهّرنا رأيا ضروريا في الكتاب الذي نتناوله .
قد يكون لنا عودة إلى نظرة مهدي عامل للكتاب , ولو أنه اهتم أساسا بنظرة ادوارد سعيد لكارل ماركس عبر نصوص الاستشراق .

..
_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 09-02-2009, 11:49 AM   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

ماركس في "استشراق" ادوارد سعيد
هل العقل للغرب والقلب للشرق ؟

مهدي عامل

الكرمل
ربيع 1982
العدد السادس

ابتدئ هذه الكلمة بان أوضح للقارئ غايتها :
في أربع صفحات فقط من كتابه "الاستشراق" , الذي لا يزال يستثير اهتماما بالغا ونقاشا واسعا في العالم العربي وخارجه , يتحدث ادوارد سعيد عن علاقة ماركس بالفكر الاستشراقي وبالشرق الآسيوي , فيقول قولا يستوقف .
غايتي من هذه الكلمة أن أناقش هذا القول وحده , وقد انحصر بين الصفحة 170 والصفحة 173 من الطبعة العربية لهذا الكتاب الذي يتألف من 366 صفحة .

..

لنتابع مع "مهدي عامل" , نقده للنص السعيدي وهو يعالج الماركسية , من خلال دراسته للاستشراق .
سنأخذ من النص "العاملي" الغني والكثيف , ما نعتقده نقدا ماركسيا لادوارد سعيد , وليس دفاعا عن الماركسية فقط .

مهدي عامل :
فليسمح لنا القارئ , إذن , بإثبات هذا النص , كما ورد , بكامله , حتى يتسنى لنا أن نناقش قراءته السعيدية .
يقول ماركس " الآن بالرغم من الاشمئزاز الذي لا بد أن تثيره في المشاعر الإنسانية رؤية هذه المئات من التنظيمات الاجتماعية ذات النظام الأبوي , والكادحة التي لا تسبب أذى , تفك وينحل تنظيمها إلى وحداتها (الأولية) وتقذف إلى لجج من المحبة , ويفقد أفرادها في الوقت نفسه الشكل القديم من الحضارة الذي عرفوه ووسائل تحصيل قوتهم الموروثة , فلا ينبغي علينا أن ننسى أن هذه المجتمعات القروية الرعوية , مع ما تبدو عليه من المسالمة والبعد عن الأذى , كانت دائما وما تزال الأساس الصلب للطغيان الشرقي , وأنها حصرت العقل الإنساني ضمن أضيق نطاق ممكن , جاعلة منه أداة التطيّر المستسلمة دون مقاومة , ومستعبدة اياه للقواعد والأعراف التقليدية , ومجردة اياه من الجلال كله ومن الطاقات الحيوية التاريخية كلها .
لقد كانت انكلترة , دون شك , في تسببها لحدوث ثورة اجتماعية في الهندستان مدفوعة بأكثر المصالح القذرة , كما كانت حمقاء في الطريقة التي بها فرضت هذه المصالح , لكن هذا ليس السؤال الحق .
بل السؤال هو , هل يستطيع الإنسان أن يحقق مصيره دون ثورة جذرية في الوضع الاجتماعي لآسيا , وإذا كان الجواب بالنفي فمهما تكن الجرائم التي قد تكون انكلترة ارتكبتها , فإنها الأداة غير الواعية للتاريخ في انجاز هذه الثورة .
وإذن , فأياً كانت المرارة التي يتركها مشهد عالم قديم يتهاوى في مشاعرنا الشخصية , فان لنا الحق , في منظور التاريخ , أن نهتف بتعجب مع غوته :
" أينبغي إذن لهذا التعذيب أن يعذبنا
ما دام يهبنا متعة أعظم ؟
أو لم تفترس أرواح لا تحصى دون
قيد عبر حكم تيمورلنك ؟" .

يتألف هذا النص من ثلاث فقرات , يعرض ماركس في الأولى والثانية منها رأيه في العلاقة التاريخية بين الاستعمار الانكليزي وبين الهند , وفي آثارها في بنية المجتمع الهندي .
ويؤيد في الفقرة الثالثة , هذا الرأي باقتباس من شعر غوته .
منطق القراءة السليمة يقضي بوضع هذا الاقتباس في سياقه , وبالنظر في معناه في ضوء ما سبق من قول , أي بالتحديد , في ضوء مضمون الفقرتين الاوليين , فالمضمون هذا هو الذي يحكم معنى الاقتباس وليس العكس .

ماذا يقول ماركس في نصه ؟
لو طرح القارئ على نفسه هذا السؤال الذي نطرحه بدورنا على مؤلف "الاستشراق" لكان عليه أن يبحث عن الجواب في نص ماركس , لا في شعر غوته .

ومن الخطأ قلب هذه العلاقة بين النص والاقتباس , لأن في هذا تشويها للاثنين معا . وهذا ما يقوم به ادوارد سعيد . بل هو , في تأويله النص الماركسي , يسقط منه فقرتيه الاوليين , ولا يستبقي من الفقرة الثالثة سوى أبيات غوته التي يقتطعها من سياقها في فكر ماركس , ليضعها في سياق فكره الذي به تكتسب معنى آخر غير الذي لها في سياقها , فيستقيم التأويل بتغييب ماركس في غوته , ويكتفي المتأول بقراءة شعر هذا لفهم ذاك .

ونعود إلى النص الأصلي فنرى , باختصار , أن الكلام يجري في فقرتيه الاوليين , على حركة دياليكتيكية موضوعية هي الحركة التاريخية المادية لتفكك "التنظيمات الاجتماعية ذات النظام الأبوي" في الهند , بفعل الاستعمار الانكليزي وتوسع الرأسمالية .
والكلام يجري , بالطبع , من موقع إدانة هذا الاستعمار الذي يثير "الاشمئزاز في المشاعر الإنسانية" .
لكنه ليس كلاما وصفيا .
أو قل انه لا ينحصر في وصف الآثار المدمّرة لذاك الاستعمار , ولا في وصف هذه المشاعر , بل أهم ما فيه انه يطرح سؤالا يحدده , بوضوح , على الوجه التالي :
" هل يستطيع الإنسان أن يحقق مصيره دون ثورة جذرية في الوضع الاجتماعي لآسيا ؟"
فالقضية الرئيسية في نص ماركس هي , إذن , قضية الثورة وضرورتها , كشرط لتحرير الإنسان في آسيا .
ولئن قرأنا الفقرة الأولى من هذا النص بشيء من العقل , لرأينا أن ما يقف عائقا في وجه هذا التحرير هو , بالضبط , تلك "المجتمعات القروية الرعوية" التي "كانت دائما وما تزال الأساس الصلب للطغيان الشرقي .. " وهي التي تكبح "الطاقات الحيوية التاريخية كلها " .
هذا يعني أن ضرورة التاريخ تقضي بتقويض هذه المجتمعات حتى يتحرر التاريخ , فيتحرر الإنسان بتحريره .

من هذا الموقع ينظر ماركس في حركة تقويض المجتمعات الآسيوية وتفكيكها , وفي العلاقة بين هذه الحركة وبين الاستعمار الانكليزي , فيرى في انكلترا "الأداة غير الواعية للتاريخ في انجاز هذه الثورة" .
وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن الترجمة العربية للعبارة الأخيرة من هذا النص ليست دقيقة . فالنص الانكليزي الأصلي لا يتكلم على "انجاز الثورة" بل , حرفيا , على "الاتيان بها" , أو كما ورد في الترجمة الفرنسية , على "استثارتها" .

فبين استثارة الثورة وانجازها فارق كبير هو القائم بين حركة مادية , أي موضوعية , للتاريخ , تؤسس للجديد في تدميرها القديم نفسه , وبين حركة قاصدة تظهر في الوعي المثالي للتاريخ , بفعل إلغاء التناقض المادي فيه , كأنها حركة "إعادة الحياة إلى آسيا فاقدة للحياة" , كما في التأويل السعيدي .

ثمة فرق كبير , إذن , بين أن تكون انكلترا , كما هي في النص الماركسي , "أداة غير واعية للتاريخ " في حركة موضوعية يجري فيها التاريخ بحسب منطقه المادي الديالكتيكي , ومن خارج الوعي والإرادة الإنسانيين , بل ضدهما , وبين أن تكون , كما هي في هذا التأويل , "سيّدة التاريخ" , في حركة قاصدة يجري فيها التاريخ بحسب منطقها الإيديولوجي الذي هو منطق الوعي الاستشراقي , أي الاستعماري .
والفارق هذا هو القائم بين نظرتين للتاريخ : الأولى مادية , والثانية مثالية , بل ذاتية .
ولا يصح تأويل النص الماركسي بحسب هذه النظرة الأخيرة , كما يفعل ادوارد سعيد , لا سيما الفقرة الثالثة نفسها من النص الذي يستشهد فيها ماركس بشعر غوته تؤكد , بوضوح , أن "في منظور التاريخ" يجري الكلام , وفيه تندرج أبيات غوته .

يتابع مهدي عامل , رصد (تأويل) النص السعيدي , عن ماركس , ويقتبس من الاستشراق :
" _ إن على انكلترا آن تحقق في الهند رسالة مزدوجة : الأولى تدميرية , والثانية إحيائية تجديدية _ إفناء المجتمع الآسيوي , وإرساء الأسس المادية للمجتمع الغربي في آسيا ."

عن قصد أثبتنا النص الماركسي بكامله , وعن قصد نثبت هذا الجزء من تأويله السعيدي .
أبمثل هذه الخفة يكون النقد ؟ نتساءل , ونشهد للمؤلف بجرأة قد لا نحسده عليها .

نتابع تسجيل جمل ذات دلالة في نقد مهدي عامل لاستشراق ادوار سعيد , بحيث لا نغرق الموضوع ونقده , معا ..

_ قديمة هي الفكرة التي تردّ ماركس إلى مصادر مسيحية , وتردّ الثورة في مفهومها الماركسي , إلى مثل هذا المشروع . قديمة وبالية .
_ بتكرار (سعيد) منطلقه المعرفي الضمني , إثبات أن فكر الفرد , حتى لو كان فكر ماركس , عاجز عن الخروج على الفكر المسيطر الذي هو فكر الأمة السائد .
_ هكذا تفقد الثورة , بقدرة هذا التأويل ومنطقه , ضرورتها التاريخية , وتنقلب مجرد مشروع رومانسي شائع في أدبيات الفكر السائد , هو مشروع مسيحي لخلاص النفس البشرية , عبر عذابات هي مطهر ضروري لإنتاج المتعة .

يلمس في ما يلي مهدي عامل , عمق رؤية ادوارد سعيد , لماركس والاستشراق , وربطه بينهما , فيقول :
من زاوية الأخلاق ينظر المؤلف في الاستشراق ويدينه .
ومن زاوية الأخلاق أيضا ينظر في الاستعمار ويدينه .
ويظن أن التحرر من فكر الاستشراق ومن فكر الاستعمار _ إن لم نقل من الاستعمار نفسه ومن الامبريالية _ يكون بموقف أخلاقي هو تغليب للقلب , على العقل . فالعقل للغرب وحده . أما القلب , فللشرق . ولا توفيق بين الاثنين , فإما هذا , وإما ذاك .
هنا يتضح المأخذ الأساسي للمؤلف على ماركس : لقد حاول ماركس أن يوفق , في موقفه من الشرق , بين القلب , (في استنكاره عذابات الشرقيين) , وبين العقل (في قوله بالضرورة التاريخية لتحولات المجتمع الآسيوي) , فباءت محاولته بالفشل , وانتهى به الأمر أخيرا إلى تغليب العقل على القلب , فانحاز لغرب في انحيازه للعقل , وانضوى فكره تحت لواء فكر الاستشراق .
خطأ التأويل متعدد الأوجه , مترابط .
تنقلب قضية الاستعمار واستشراقه قضية أخلاقية تجد حلها في إدانة أخلاقية للاستعمار واستشراقه , ليس لها , في منظور التاريخ وحركته فاعلية تذكر .
لكن القضية , في هذا المنظور , ليست قضية أخلاقية , وحلها ليس , بالتالي , حلا أخلاقيا .
إنها , في النص الماركسي , قضية الثورة الاجتماعية في ضرورتها التاريخية .
هذا ما يؤكده ماركس , مباشرة بعد إدانته الاستعمار الانكليزي وآثاره المدمرة , إذ يقول , مستدركا : " لكن هذا ليس هو السؤال الحق , بل السؤال هو , هل يستطيع الإنسان أن يحقق دون ثورة جذرية في الوضع الاجتماعي لآسيا ؟" .
هذا ما يدفعنا إلى القول أن التأويل السعيدي ليس , في حقيقته النهائية , تأويلا للنص الماركسي , بقدر ما هو إلغاء له , بإحلال نص آخر محله يظهره كأنه تأويل لنص ماركس .

..

سنكتفي هنا بما نقلناه من نقد مهدي عامل , لكتاب الاستشراق , في حديثه عن الماركسية وعلاقة ماركس بالاستشراق .

قد نعود تاليا , لمزيد من الاقتباس من رؤية مهدي عامل , عند الوصول إلى موضع النقد هنا , في سياق تقديم الكتاب .
ولكننا فضلنا وضعه بعد استناد ادوارد سعيد على فكر أنور عبد الملك ..

لنتذكر ..

وهل بإمكان أية علاقة أخرى غير علاقة السيد_العبد السياسية أن تنتج الشرق المشرقن الذي جسد ملامحه أنور عبد الملك تجسيدا كاملا ؟
"ويرى المرء إلى أي مدى , بدءا من القرن الثامن عشر والى القرن العشرين , رافق تسلط الأقليات المالكة التي كشف عنها النقاب ماركس وانجلز , والتمركزية الإنسانية التي فككها فرويد , تمركزية أوروبية في مجال العلوم الاجتماعية والإنسانية , وبالأخص في العلوم ذات العلاقة المباشرة بالشعوب غير الأوروبية ."
ويرى عبد الملك أن الاستشراق ذو تاريخ , قاده , في نظر "الشرقي" في الجزء الأخير من القرن العشرين , إلى الطريق المسدود الذي وصف أعلاه .

فقد كان للاستشراق منذ بدئه , إذن , خصيصتان عظيمتان :
1_ وعي للذات علمي طارئ مبني على أهمية الشرق اللغوية لأوروبا .
2_ ميل إلى التقسيم , والتفريع , وإعادة التقسيم , لموضوعه دون أن يغيّر أبدا نظرته إلى الشرق بوصفه دائما نفسه : شيئا لا متغيّرا , متجانسا , وشاذا شذوذا جذريا .

فقد بدت اللغة والعرق موحدين وحدة لا تنفصم عراها , وكان الشرق "الجيد" دون استثناء مرحلة كلاسيكية في مكان ما من هند ضاعت منذ زمن بعيد , أما الشرق "السيئ" فانه استمر في آسيا المعاصرة وأجزاء من شمال أفريقيا , وبلاد الإسلام في كل مكان .

وليس ثمة مثل أفضل اليوم على ما أسماه أنور عبد الملك "تسلط الأقليات المالكة" والتمركزية الإنسانية متحالفة مع التمركزية الأوروبية , في الحالة التالية :
إن غربيا ابيض ينتمي إلى الطبقة الوسطى يؤمن بأنه امتياز طبيعي له لا أن يدير شؤون العالم غير الأبيض وحسب , بل أن يمتلكه كذلك , لمجرد أن العالم الآخر , تحديدا , ليس بالضبط إنسانيا تماما بقدر ما "نحن" كذلك .

ما يهمنا تسجيله , كنقاط استناد مستقبلية :
_ واضح أن ادوارد سعيد غير متمكن من الماركسية , لذلك ذهب إلى تحليل الجانب الأدبي في فكر كارل ماركس , مدخلا لرؤيته المضطربة فعلا عند قراءته للاستشراق .
ولذلك استعان بالمفكر الماركسي أنور عبد الملك , ليقدم الرؤية الشرقية , للاسشتراق الغربي , من حيث أن الماركسيين في الشرق هم من انتبه ودرس وفكك ظاهرة الاستشراق , أولا .

ولا يبدو أن مهدي عامل , قد اعترض على الاقتباس السعيدي لفكر أنور عبد الملك .

_ أنور عبد الملك , يقرأ بدقة رؤية الغرب "العدائية" , للشرق , لغويا .

خريف 2008

..
_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 10-02-2009, 11:08 AM   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

الفصل الثاني

البنى الاستشراقية وإعادة خلق البنى

"حين زوج نقيب الأشراف , السيد عمر , إحدى بناته ... منذ خمسة وأربعين عاما تقريبا , مشى أمام الموكب شاب كان قد أحدث ثقبا في بطنه , وسحب قسما كبيرا من أمعائه , وحمله أمامه على صينية فضية . وبعد انتهاء الحفل , أعاده إلى موضعه , وبقي في الفراش أياما قبل أن يشفى من آثار هذا العمل الأحمق المقرف " .

ادوارد وليم لين
"مسالك المصريين المعاصرين وعاداتهم"

1

حدود أعيد رسمها , قضايا أعيد تحديدها , والدين المعلمن

في النص "السعيدي" هنا , يتناول المؤلف فترة نهاية القرن الثامن عشر , يقول :

وينبغي أن نتذكر إلى أي مدى كان جزء رئيسي من المشروع الروحي والفكري للفترة الأخيرة من القرن الثامن عشر لاهوتيا معاد التركيب _"الخارق للطبيعة الطبيعي"_ , وهذا النمط من التفكير استمر في المواقف النمطية للقرن التاسع عشر ...
... , _ ابتعاث آسيا للنضارة والحيوية في أوروبا _ فكرة رومانسية عميقة التأثير , فقد حثَّ ............... والأوربيون بشكل عام , على دراسة الهند دراسة مفصلة لأن ثقافة الهند وديانتها كانتا قادرتين , في رأيهما , على هزيمة المادية والآلية (والروح الجمهورية) في الثقافة الغربية .
ومن هذه الهزيمة ستنهض أوروبا جديدة معافاة مجدّدة الحيوية : وفي هذه الوصفة العلاجية تبرز بوضوح الصورة الكتابية (نسبة إلى "الكتاب المقدس") للموت , والولادة الجديدة , والخلاص .
لكن ما كان ذا أهمية لم يكن آسيا نفسها بقدر ما كان جدوى آسيا بالنسبة لأوروبا .
.... المدافع عن , والمؤمن بأسطورة علمانية بعد عصر التنوير كانت خطوطها العامة , بصورة لا يخطئها الإدراك , خطوطا مسيحية .
لكن القرن الثامن عشر شهد تنامي عدد من العناصر الجديدة المتشابكة التي ألمحت إلى المرحلة الايفانجيلية المقبلة ...
فمن جهة , كان الشرق الآن يُوسَّع ويُمَدُّ إلى مدى بعيد خارج نطاق العالم الإسلامي .
وكان هذا التغيير الكمي , إلى درجة كبيرة , حصيلة الاستكشافات الأوربية المستمرة والمتزايدة للأجزاء الأخرى من العالم
.

ذلك أنه حتى حين تحركت أوروبا باتجاه الخارج , كان إحساسها بالقوة الثقافية يزداد تدعيما . ومن حكايات الرحالة , لا من مؤسسات عظيمة مثل شركات الهند المتعددة وحسب , خُلقت المستعمرات , وضُمنت منظورات عرقية التمركز .
ومن جهة أخرى , اكتسبت نظرة اكثر معرفة للأجنبي والغريب والمدهش الدعم والقوة لا من الرحالة والمستكشفين فقط , بل كذلك من المؤرخين الذين كان يمكن للتجربة الأوروبية , في عرفهم , أن تقارن مقارنة مفيدة بحضارات أخرى أقدم .
وقد عنى ذلك التيار القومي في علم الإنسان التاريخي (الانثروبولوجيا التاريخية) في القرن الثامن عشر , الذي وصفه الباحثون بأنه مجابهة للآلهة , أن "غيبون" كان سيقرأ موعظة سقوط روما في علو شأن الإسلام , تماما كما استطاع "فيكو" أن يفهم الحضارة الحديثة في إطار الجلال والرونق الشعري البربري لأصولها المبكرة .
وبينما اعتبر مؤرخو عصر النهضة الشرق , بتصلب حاد , عدوا , فان مؤرخي القرن الثامن عشر واجهوا شواذات الشرق بشيء من الانفصالية والتجرد وببعض من محاولة للتعامل المباشر مع المصادر الشرقية الأصلية , وربما تمَّ ذلك لان تقنية كهذه كانت تعين الأوروبي على أن يفهم نفسه بصورة أفضل .
وتوضِّح التغير الذي حصل ترجمة "جورج سيل" للقرآن وإنشاؤه التمهيدي المرافق لها . فبخلاف من سبقه , حاول "سيل" أن يتعامل مع التاريخ العربي ضمن معطيات المصادر العربية , بل انه , إضافة , ترك المعلّقين المسلمين على النص القرآني يتحدثون بأنفسهم وينطقون بوجهات نظرهم .
وفي عمل "سيل" , كما هي الحال عبر القرن الثامن عشر كله , كانت المقارنيّة البسيطة المرحلة المبكرة لفروع المعرفة المقارنة (فقه اللغة , التشريح , الفقه , الدين) التي كان لها أن تصبح مزهاة القرن التاسع عشر .

تشكل العناصر الأربعة التي وصفتها
_ التوسع , المجابهة التاريخية , التعاطف , التصنيف _
التيارات الفكرية في القرن الثامن عشر التي تعتمد عليها البنى الفكرية والمؤسساتية المحددة للاستشراق الحديث .
ولولا هذه التيارات , كما سنرى الآن , لما حدث الاستشراق .
وإضافة , فقد كان من أثر هذه التيارات أنها أطلقت سراح الشرق عامة , والإسلام خاصة , من عقال التقصي الديني الضيق إلي كان , حتى ذلك الوقت , قد استخدم في تحليله (والحكم عليه) من قبل الغرب المسيحي .
وبكلمات أخرى , فان الاستشراق يشتق من عناصر مُعلمَنه في الثقافة الأوروبية في القرن الثامن عشر .
أولا , كان كن أثر احدها , وهو توسع الشرق جغرافيا إلى آماد شرقية أبعد , وتوسعه زمانيا إلى آماد أكثر غورا , أنه أرخى , بل حلَّ , الإطار الكتابي إلى درجة كبيرة . ولم تعد النقاط المرجعية المسيحية واليهودية , بتقويميهما الزمنيين وخرائطهما المتواضعة نسبيا , بل أصبحت هذه النقاط الهند , والصين , واليابان , وسومر , والبوذية , والسانسكريتية , والزرادشتية , والمانوية .
ثانيا , إن القدرة على التعامل التاريخي (لا عن طريق التقليص , من حيث هو موضوع من موضوعات السياسة الكنسية) مع الثقافات غير الأوروبية وغير اليهو_مسيحية قد تدعمت وازدادت قوة إذ أصبح التاريخ نفسه يُتَصوَّر بطريقة أكثر جذرية من السابق , وأصبح فهم أوروبا فهما سليما يعني أيضا فهم العلاقة بين أوروبا وبين حدودها الزمانية والثقافية التي لم يكن ليمكن الوصول إليها قبل ذلك .
ثالثا , كان من أثر عملية توحيد هوّية انتقائية مع أقاليم وثقافات غير إقليم المرء وثقافته أنها ألانت عناد الذات والهوية , الذي كان قد حُوِّل إلى قطبين يشغلهما مجتمع من المؤمنين وأسراب من البرابرة في مواجهته , ولم تعد حدود أوروبا المسيحية تؤدي وظيفة مبنى للجمارك ...
رابعا , لقد ضوعفت تصنيفات البشر بصورة منتظمة من التشذيب والتنقية اللذين طرءا على إمكانيات التخصص والاشتقاق فتجاوزت بذلك ما كان "فيكو" قد اسماه المم المقدسة والمم الأخرى الدنسة , وطغى التمايز في العرق , واللون , والأصل , والمزاج , والشخصية , والأنماط على التمايز بين المسيحيين وكل من عداهم .
لكن , لئن كانت هذه العناصر المتداخلة المترابطة تمثل اتجاها معلمنا , أن ذلك لا يعني القول بأن الأنساق الدينية القديمة للتاريخ والمصير الإنساني والمناسق الوجودية أزيلت .
هيهات : بل إنها قد أعيد تركيبها , وأعيدت موضَعَتها , وأعيد توزيعها ضمن الأطر العلمانية التي عددت قبل قليل .
وكان كل من درس الشرق بحاجة إلى مفردات لغة علمانية تنسجم مع هذه الأطر . ومع ذلك , فلئن كان الاستشراق قد وفّر المفردات , والمخزون التصوّري , والتقنيات _ ذلك أن هذا هو ما فعله الاستشراق وما كانه الاستشراق , منذ نهاية القرن الثامن عشر_ لقد احتفظ بنزوع ديني مُستبنى , بخارق للطبيعة مُطَبْعَن , من حيث هما تيار صامد لم يتزحزح ضمن إنشائه .
وما سأحاول أن أظهره هو أن هذا النزوع في الاستشراق استقر في تصور المستشرق لنفسه , وللشرق , ولحقل تخصصه .
كان المستشرق الحديث , في نظر نفسه , بطلا ينقذ الشرق من مطاوي الإبهام , والاغتراب , والغرابة التي كان هو ذاته قد تميزها تميزا سليما .
وقد أعادت أبحاثه بناء لغات الشرق الضائعة , وعاداته , بل حتى عقلياته , كما أعاد شامبليون بناء الهيروغليفية المصرية من حجر رشيد .
لكن الشرق , وفروع دراسة المستشرق , تغيرت , أثناء هذه العملية , تغيرا جدليا , لأنها لم تكن لتقدر على البقاء في أشكالها الأصلية .

( توفي "غوستاف فلوبير" عام 1880 دون أن ينهي بوفار وبيكوشيه , روايته الملهاتية الموسوعية عن انحلال المعرفة وتفاهة الجهد الإنساني .
... ثم _ إذ يختتم "فلوبير" التخطيط التحضيري _ "ينهمكان" : يبدآن . وعلى هذا النحو , يُقَلَّص بوفار وبيكوشيه في النهاية , من محاولة أن يعيشا عبر المعرفة وأن يطبقاها بصورة مباشرة تقريبا , إلى نقلها نقلا لا نقديا من نص إلى نص آخر .)

ولقد كان "فلوبير" نافذ البصيرة بما يكفي ليرى أن المستشرق الحديث سيغدو ناسخا , مثل بوفار وبيكوشيه , بيد أن مثل هذا الخطر لم يكن ظاهرا في المرحلة المبكرة , في حياة سلفستر دو ساسي وإرنست رينان وعملهما

وإذا اتخذنا حملة نابليون (1798_1801) تجربة أولى مقوية للاستشراق الحديث , فإننا نستطيع أن نعتبر أبطالها المدشِّنين _في الدراسات الإسلامية , ساسي ورينان ولين_ بناة للحقل , خالقين للتراث , وأسلافا للأخوة الاستشراقية .
وما فعله ساسي ورينان ولين هو أنهم منحوا الاستشراق أسساً علمية وعقلانية .

فمع نهاية الحرب العالمية الأولى كانت أوروبا قد استعمرت 85% من سطح الأرض . وأن يقول المرء ببساطة أن الاستشراق كان جانبا من جوانب الامبريالية والاستعمار ليس قولا مثيرا لكثير من الجدل .
غير أن ذلك لا يكفي بل , بل أن ذلك ليحتاج إلى أن يُكتَنَه تحليليا وتاريخيا .

خريف 2008

..




_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 11-02-2009, 11:46 AM   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

2

سلفستر دو ساسي وارنست رينان :
علم الإنسان العقلاني والمختبر فقه اللغوي

سلفستر "دو ساسي" , ولد عام 1757 , درس العربية , والسريانية , والكلدانية , أولا , ثم العبرية .
... منذ العام 1805 , كان يشغل منصب المستشرق المقيم في وزارة الخارجية الفرنسية .
كان عمله في الوزارة أن يترجم نشرات الجيش العظيم وبيان نابليون عام 1806 ... وعندما استولى الفرنسيون على الجزائر عام 1830 , كان "دو ساسي" هو من ترجم البيان الموجه للجزائريين , وكان يستشار بانتظام حول جميع المسائل المتعلقة بالشرق من قبل وزير الخارجية , وفي حالات معينة , من قبل وزير الحربية أيضا .

كان عمل "ساسي" أساسا تصنيفي , ومن ثم فانه تعليمي بصورة احتفالية وتنقيحي حتى الإجهاد . والى جانب مبادئ النحو العام , صنّف ساسي المقتطفات العربية في ثلاثة أجزاء (1825) , وكتابات في النحو العربي 1810 , ورسائل في العروض العربي , وديانة الدروز ...

ومن هنا فان فائدة المستشرق تكمن في انه يضع في متناول مواطنيه مدى كبيرا متنوعا من التجربة غير المألوفة , بل ما هو أكثر نفعا من ذلك , نمطا من الأدب قادرا على أن يعيننا على فهم الشعر "الإلهي بحق" الذي ألفه العبرانيون .

ويثقل الشرق بعقلانية المستشرق , وتصبح مبادئُه مبادئَه . فمن كونه قصياً , يغدو في المتناول , ومن كونه غير قادر على الوقوف بنفسه , يصير , تعليميا , نافعا , ومن كونه ضائعاً , يوجد , حتى إذا كانت أجزاؤه المفقودة قد أُسقِطتْ منه خلال هذه العملية .
ولا تكمل مختارات "ساسي" الشرق وحسب , بل إنها تقدمه للغرب في هيئة حضور شرقي .
ويحيل عمل "ساسي" الشرق إلى شرق شرعي رسمي , وينجب شريعة من الأشياء النصية تنتقل من جيل من الطلبة إلى جيل لاحق .

ولقد كان التراث الحي لحواريي "ساسي" مذهلا . إذ أن كل مستعرب مهمّ في أوروبا خلال القرن التاسع عشر يعود بسلطته الفكرية إليه .

لقد تمثلت أصالة "ساسي" النسبية في كونه عالج الشرق بوصفه شيئا ينبغي أن يرمّم ليس بسبب ليس بسبب فوضى في الشرق الحديث وحضوره السرابي وحسب , بل , كذلك , بالرغم منهما .

ولقد خلق كل مستشرق شرقه من جديد , طبقا للقواعد المعرفية الجوهرية المتعلقة بالخسارة والكسب التي كان "ساسي" أوّل من وفّرها وطبقها .

على أي حال , فان العملية التي بدأها ساسي ستستمر , وبشكل خاص مع تطوير فقه اللغة لقوى منتظمة ومؤسساتية لم يكن ساسي قد استغلها أبدا .

وكان هذا ما أنجزه رينان : وهو أنه ربط الشرق بأكثر فروع المعرفة المقارنة حداثَة عهد , هذه الفروع التي كان فقه اللغة من أبرزها .

بين "ساسي" ورينان فرق هو الفرق بين التدشين والاستمرارية . "فساسي" هو البادئ المؤصِّل , الذي يمثل عمله بروز الميدان ومكانته من حيث هو احد مذاهب القرن التاسع عشر ذو الجذور في الرومانسية الثورية .
أما رينان فانه يشتق من الجيل الثاني للاستشراق , وكان دوره منح التماسك والصلابة للإنشاء الرسمي للاستشراق , ومنح الانتظام لحدوسه ونظراته الثابته , وتأسيس مؤسساته الفكرية والمادية .
وبالنسبة "لساسي" , فقد كانت جهوده الفردية هي التي بدأت حقل الاستشراق وبنيته ومنحتها الحيوية , أما بالنسبة لرينان , فقد كانت أقلمته للاستشراق مع فقه اللغة وأقلمته كليهما مع ثقافة عصره الفكرية ما منح البنى الاستشراقية ديمومتها الفكرية وجعلها أبرز حضورا للعيان .

ولقد كان رينان شخصية مستقلة ليست بذات أصالة كلية ولا اشتقاقية مطلقة .

بل أن رينان يمكن أن يفهم الفهم الأسلم بوصفه قوة حيوية (ديناميكية) كانت الفرص المثلى له قد خُلقت من قبل على يد روّاد مثل "ساسي" .

فرينان , بإيجاز , شخصية ينبغي أن تفهم بوصفها نمطا من التطبيق الثقافي والفكري , وبوصفها أسلوبا لصياغة تقريرات استشراقية في نطاق ما كان ميشيل فوكو ليسميه سجل حفظ عصره .

فقه اللغة يخلق الإشكالية في ذاته وفي من يمارسه , وفي الحاضر .

ثمة إرنست رينان , فقيه اللغة الشرقي , الذي كان أيضا رجلا ذا حسّ معقد وشيق بالطريقة التي ينشبك بها كل من فقه اللغة والثقافة الحديثة أحدهما بالآخر .
ففي كتابه "مستقبل العلم الحديث" كتب يقول "إن مؤسِّسي العقل الإنساني هم فقهاء اللغة" .
ويتابع رينان قائلا : إن فقه اللغة هو , في آن واحد , مذهب مقارن لا يمتلكه إلا المحدثون ورمز للتفوق الحديث ( والأوروبي ) , وكل تقدم حققته الإنسانية منذ القرن الخامس عشر يمكن أن يعزى إلى عقول وينبغي أن نسميها فقه_لغوية .
ومهمة فقه اللغة في الثقافة الحديثة (التي يسميها رينان فقه_لغوية) هي أن يستمر في رؤية الواقع والطبيعة رؤية واضحة , ويدمر , بهذه الطريقة , الخارق للطبيعة , وأن يظل قادرا على مجاراة الاكتشافات التي تقوم بها العلوم الطبيعية .
غير أن فقه اللغة فوق هذا كله , يجعل ممكنا تحقيق نظرة عامة للحياة الإنسانية ولنظام الأشياء : " أنا , في كينونتي هناك في المركز , أتنشق عطر كل شيء , محاكما , مقارنا , دامجا , ومستقرئا ولهذه الطريقة سوف أصل إلى لباب نظام الأشياء " .
ثمة هالة من القوة لا يخطئها الإدراك تحيط الفقيه اللغوي .

ذلك انه , في حقيقة الأمر , لم يكن يتحدث (رينان) حديث فرد إلى جميع البشر , بل كان يتحدث بوصفه صوتا تأمليا , متخصصا اعتبر عدم المساواة بين الشعوب _ كما قال في مقدمته للكتاب عام 1890 _ والسيطرة الضرورية من قبل أقلية منها على الأكثرية , أمراً بديهيا باعتباره قانونا , من قوانين الطبيعة والمجتمع , لا ديمقراطيا .

وقد عرف رينان معرفة تامة أن الفرق بين التاريخ الذي قدمته المسيحية داخليا والتاريخ الذي قدمه فقه اللغة , وهو مذهب حديث نسبيا , هو بالضبط ما جعل فقه اللغة الحديث ممكنا .
ذلك أننا , كلما ذكر "فقه اللغة" حول نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر , يراد لنا أن نفهم أن المقصود هو فقه اللغة الجديد الذي كان بين نجاحاته الرئيسية النحو المقارن , وإعادة تصنيف اللغات إلى عائلات , ثم الرفض النهائي للاعتقاد بالأصول الإلهية للغة .
وليس من المبالغة أن يقال إن هذه الانجازات كانت إلى حد بعيد نتيجة مباشرة لوجهة النظر التي اعتبرت اللغة ظاهرة إنسانية بصورة مطلقة .
وقد راجت هذه النظرة حين اكتُشِفت تجريبيا أن ما سمي اللغات المقدّسة ( والعبرية بشكل رئيسي ) لم تكن تنتمي إلى زمن بدئي ضارب في القدم , كما أنها لم تكن ذات مصدر الهي .
ولذلك فان ما أسماه فوكو "اكتشاف اللغة" كان حدثا علمانيا أدى إلى تصور ديني عن كيفية منح الله اللغة للإنسان في جنة عدن , والحلول محله
.

ومن كل الجوانب , وبطرق مختلفة عديدة , ... , هو أن السلالة الإلهية للغة قد مزقت كفكرة تمزيقا نهائيا وأُعلن عن إفلاسها .
وأصبح تصور تاريخي جديد , باختصار , ضرورة لان المسيحية بدت عاجزة عن البقاء بعد الدليل التجريبي الذي ضاءل المكانة الإلهية لنصها الرئيسي .

بالنسبة للبعض , ... , كان الإيمان راسخا لا يتزعزع رغم المعرفة الجديدة بأن السنسكريتية كانت سابقة على العبرية ...
... , فقد أدّت دراسة اللغة إلى تاريخ , وفلسفة , ومعرفة خاصة بها , نفت جميعها , أي مفهوم للغة بدئية أساسية أعطاها الله للإنسان في عدن .

... , لأن الانكليز الذين امتلكوا الهند والألمان الذين درسوها , كانوا قد حولوا الهند بإصرار لا يكلّ إلى منبع واصل لكل شيء في الوجود .
ثم كان هناك الفرنسيون الذين قرروا بعد نابليون وشامبليون أن كل شيء بدأ في مصر والشرق الجديد .
... , من أن الشرق هو أصفى أشكال الرومانسية .

كان ما حفظه جيل رينان من هذه الحماسة كلها للشرق ضرورة الشرق فكريا للباحث الغربي في اللغات , والثقافات , والأديان .

... , ثم سيتابع عمله ليفصح عن الشرق ويصوغه , جاعلا الشرق يكشف عن أسراره بإشراف ثقة متفقه مختص بفقه اللغة يستقي قوته من مقدرة على فك ألغاز لغات سرية , غريبة , فان هذا الموقف سيستمر بإلحاح في عمل رينان .
أما ما لم يستمر لدى رينان حين كان يقوم بتدريبه المهني كفقيه لغة , فقد كان الموقف الاحتدامي : إذ أن هذا الأخير قد استُبدِل بالموقف العلمي .

... , أما بالنسبة لرينان , فان كونه فقيه لغة كان يعني صرم كل علاقة ممكنة مع الإله المسيحي القديم , لكي ينشا بدلا منه معتقد جديد _ربما كان العلم_ ويقف , لنقل , حراً وفي مكان جديد .

كانت اللغات السامية الدراسة العلمية التي تحوّل إليها رينان بعد فقدانه لعقيدته المسيحية مباشرة ,
وينبغي ألا يغيب عن بالنا إطلاقا أن السامية كانت بالنسبة لأنا رينان رمزا للسيطرة الأوروبية (وبالتالي سيطرته هو) على الشرق وعلى عصره نفسه .

ويتعامل رينان في كل موضع من عمله مع اللغة , التاريخ , الثقافة , العقل , الخيال _ كأشياء تحولت إلى غير ذاتها , كأشياء منحرفة بشكل شاذ , لأنها سامية وشرقية , ولأنها تنتهي إلى المختبر من أجل تحليلها . وهكذا فان الساميين وحدانيون متعجّلون لم ينتجوا تراثا أسطوريا , أو فناً , أو تجارة , أو حضارة , ووعيهم ضيق وحاد الصلابة , وبشكل عام , فإنهم يمثلون , "تركيبا دونيا للطبيعة الإنسانية" .

وفي عرف رينان , إذن , أن اللغة السامية ظاهرة أعيق تطورها وتوقف بالمقارنة مع اللغات والثقافات الناضجة للمجموعة الهندو_أوروبية , ...
... , بكلمات أخرى , يبرهن رينان على أن السامية ليست لغة حية , وأن الساميين , في نهاية المطاف , ليسوا مخلوقات حية .
(الساميين : المسلمين واليهود) .

ينبغي على فقيه اللغة في عرف رينان , أن يفضل الغبطة على اللذة .
وبقدر معرفتي , فليس في كتابات رينان كلها إلا لحظات قليلة يسند فيها دور خير ونافع للمرأة .
ويقول رينان : " الإنسان لا ينتمي إلى لغته أو إلى عرقه , بل ينتمي إلى نفسه قبل كل شيء , إذ انه قبل كل شيء كائن ح وكائن أخلاقي . " لقد كان الإنسان حراً وأخلاقيا , إذ أنه كان مقيدا بالعرق , والتاريخ , والعلم كما رآها رينان , بشروط مفروضة من قبل الباحث على الإنسان .

ويحق لنا أن نتساءل عمّا إذا كانت هذه الاستقلالية الجديدة ضمن الثقافة هي الحرية التي أمل رينان أن يخلقها علم استشراقه فقه اللغوي , أو إذا كانت , من مطلق المؤرخ النقدي للاستشراق , قد خلقت وشائج قربى معقدة بين الاستشراق وموضوعه الإنساني المزعوم , وشائج كانت , في نهاية المطاف , مبنية على القوة لا على الموضوعية المتجردة بحق .

خريف 2008

..
_________________







 
رد مع اقتباس
قديم 01-06-2009, 09:35 PM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

3

الإقامة في الشرق والبحث :
متطلبات المعجمية والخيال

لا تنتمي آراء رينان في الساميين الشرقيين , بالطبع , إلى عالم التحيز الشائع واللاسامية المنتشرة بقدر ما تنتمي إلى عالم فقه اللغة الشرقي العلمي .
فحين نقرأ رينان وساسي نلاحظ مباشرة كيف بدأ التعميم الثقافي يكتسب مناعة التقرير العلمي وجو الدراسة التصحيحية .
وقد امسك الاستشراق الحديث , مثل كثير من التخصصات الجامعية الأخرى في مراحلها المبكرة , بموضوعه بقبضة كالملزمة صارمة وفعل كل ما بوسعه تقريبا من اجل أن يدعمها ويبقي عليها .
وهكذا تنامت مفردات لغوية عارفة , وموضعت وظائفها , كما موضع أسلوبها , الشرق في إطار مقارن , من النوع الذي استخدمه واستغله رينان .
ونادرا ما تكون مقارنة كهذه وصفية , فهي في الأغلب تقييميه واستعراضيه شرحيه وها هو ذا رينان يقارن بطريقة نمطية تمثل طبيعة عمله :
" إن الإنسان ليرى في كل شيء أن العرق السامي يبدو عرقا غير مكتمل بسبب بساطته .
وهذا العرق , بالقياس إلى العائلة الهندو_أوروبية , مثل تخطيط بقلم رصاص _ إذا جرؤت على استخدام هذا القياس_ بالنسبة إلى لوحة فنية , فهو يفتقر إلى ذلك التنوع , وذلك الثراء , وتلك الوفرة الفائضة من الحياة التي تشكل شرط الاكتمال . "
والهندو_أوربيون هم حجر الزاوية هنا , تماما كما هم حين يقول رينان أن الحساسية السامية الشرقية لم تصل أبدا إلى مشارف السمو التي وصلتها العروق الهندو_أوروبية .

ليس في مقدورنا الحكم , بثقة مطلقة , على كون هذا الموقف المقارن ضرورة بحثية بصورة رئيسية أو كونه عنصرية وتمركزا عرقيين مقنّعين .
لكن بمقدورنا القول أن هذين "الاحتمالين" يعملان معا , ويدعم أحدهما الآخر .
فما حاول رينان وساسي أن يفعلاه هو أن يصغّرا الشرق إلى شيء من التسطح الإنساني الذي يكشف خصائصه بيسر أمام التمحيص والاكتناه ويزيل من الشرق إنسانيته المعقدة لطبيعته .
وفي حالة رينان , منح فقهُ اللغة الشرعيةَ المطلوبة لجهوده , لأن منطلقات هذا العلم العقائدية (الإيديولوجية) تشجّع تصغير اللغة إلى جذورها , وبعد ذلك يجد فقيه اللغة أن من الممكن أن يربط بين هذه الجذور اللغوية وبين العرق , والعقل والشخصية , والمزاج والطبع على مستواها الجذري , كما فعل رينان وآخرون .

بين حين وحين , يعثر المرء على استثناءات , وعلى حالات إن لم تكن استثناءات فهي تعقيدات وتشابكات شيّقة , لهذه الشراكة اللامتساوية بين الشرق والغرب .
فقد ميّز كارل ماركس هوّية مفهوم نظام اقتصادي آسيوي في تحليله عام 1853 للحكم البريطاني في الهند , ثم وضع إلى جانب ذلك مباشرة الاستلاب الإنساني الذي أدخله إلى هذا النظام التدخل الاستعماري الانكليزي والجشع , والقسوة الوحشية الصريحة .
وفي مقالة تلو أخرى , عاد ماركس بقناعة متنامية إلى فكرة أن بريطانيا , حتى بتدميرها لآسيا , كانت تجعل خلق ثورة اجتماعية حقيقية فيها أمرا ممكنا .
ويحشدنا أسلوب ماركس وجها لوجه أمام صعوبة التوفيق بين استنكارنا الطبيعي , كمخلوقات مماثلة , لعذابات الشرقيين والألام التي يقاسونها فيما يُحوّل مجتمعهم بعنف ضار , وبين الضرورة التاريخية لهذه التحولات ...
... وإذن , فأيا كانت المرارة التي يتركها مشهد عالم قديم يتهاوى في مشاعرنا الشخصية , فان لنا الحق , في منظور التاريخ , أن نهتف بتعجب مع غوته :
" أينبغي إذن لهذا التعذيب أن يعذبنا
ما دام يهبنا متعة أعظم ؟
أولم تُفترس أرواح لا تحصى دون
قيد عبر حكم تيمورلنك ؟ "
والاقتباس , الذي دعم منظومة ماركس في العذاب الذي ينتج المتعة , مأخوذ من الديوان الغربي الشرقي , وهو يحدّد هوية مصادر تصوّر ماركس للشرق .
وهي مصادر رومانسية بل مسيحانية أيضا : فالشرق أقل أهمية , من حيث هو مادة إنسانية , منه من حيث هو عنصر في مشروع رومانسي للخلاص .
وهكذا فان تحليلا ماركس الاقتصادية تغدو ملائمة تماما لمشروع رومانسي شائع و رغم أن إنسانية ماركس , وتعاطفه مع بؤس البشر , قد أُوِقظا بشكل جلي .
لكن , في نهاية الأمر , يكون الرابح الرؤيا الرومانسية الاستشراقية , إذ تغدو آراء ماركس الاقتصادية غارقة في هذه الصورة الشائعة الراسخة :
"إن على انكلترة أن تحقق في الهند رسالة مزدوجة : الأولى تدميرية , والثانية إحيائية تجديدية _ إفناء المجتمع الآسيوي , وإرساء الأسس المادية للمجتمع الغربي في آسيا . "
وتشكل فكرة إعادة الحياة إلى آسيا فاقدة للحياة , جوهريا , جزءا من الاستشراق الرومانسي الخالص , طبعا , لكن صدورها هنا عن الكاتب نفسه الذي لم يكن ليستطيع بسهولة أن ينسى المعاناة الإنسانية الناجمة , يجعلها محيرة فعلا .
فهي تفرض علينا أن نسأل , أولا , كيف تنتهي معادلة ماركس الأخلاقية للخسارة الآسيوية بالحكم الاستعماري البريطاني الذي يدينه بأن تُدفع من جديد في اتجاه المفهوم القديم للتفاوت بين الشرق والغرب الذي كنا قد لاحظناه .
وهي تفرض علينا , ثانيا , أن نتساءل أين ضاع التعاطف الإنساني , وفي أي عالم من الفكر تلاشى لتحل محله الرؤيا الاستشراقية ؟

ويعيدنا الأمر مباشرة إلى أدراك أن المستشرقين , مثل كثير من مفكري أوائل القرن التاسع عشر , يتصورون الإنسانية إما ضمن معطيات جمعية كبيرة أو في إطار عموميات مجردة .

وليس ماركس بمستثنى من ذلك .
فقد كان استخدام الشرق الجمعي وسيلة إيضاح للنظرية , بالنسبة إليه , أكثر سهولة من استخدام هويات وجودية بشرية .
ذلك أنه , بين الشرق والغرب , كما هو الأمر في ادعاء يهدف إلى تحقيق ذاته , ليس ثمة ما يهم أو يوجد إلا الجمعية الهائلة التي لا هوّية لها , وما من تفاعل من نمط آخر , حتى لو كان ذا طبيعة محدودة ومقيّدة جدا , يمكن أن ينشأ .

(لنتذكر رأي مهدي عامل في نقد ادوارد سعيد لماركس)

يستطيع المستشرق أن يقلّد الشرق دون أن يكون العكس صحيحا .
ولذلك ينبغي فهم ما يقوله عن الشرق باعتباره وصفا اكُتسِب في عملية تبادل وحيدة الاتجاه : ففيما كانوا هم يتحدثون ويتصرفون , كان هو يلاحظ ويدوّن .
وكانت قوته كامنة في كونه وجد بينهم كمتحدث أصيل باللغة , على سبيل القول , وككاتب سري أيضا .

لقد نظم الاستشراق نفسه بصورة مطردة بوصفه حصولا على المادة الشرقية ونشرا مقننا لها كشكل من أشكال المعرفة المتخصصة .

ومع أواسط القرن التاسع عشر , كان الشرق قد أصبح , كما قال دزرائيلي , صنعة لا يستطيع فيها المرء أن يرمم الشرق ويعيد صنعه وحسب , بل أن يرمم نفسه ويعيد صنعها كذلك .

حزيران 2009

..







 
رد مع اقتباس
قديم 02-06-2009, 10:05 PM   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

4

الحج والحجاج , بريطانيين وفرنسيين

كان كل رحالة أو مقيم أوروبي في الشرق , وما يزال , مضطرا إلى أن يحمي نفسه من تأثيرات الشرق المقلقة .

ومع ذلك , فمن إحدى نهايتي القرن التاسع عشر إلى نهايته الأخرى _ بعد نابليون , طبعا _ كان الشرق مكانا للحج , وقد استقى كل عمل رئيسي ينتمي إلى استشراق أصيل , إن لم ينتمِ دائما إلى استشراق "جامعي" , شكله , وأسلوبه , ونيته من فكرة الحج إلى الشرق .
وفي هذه الفكرة , كما في الكثير من أشكال الكتابة الاستشراقية الأخرى التي ما زلنا نناقشها , يشكل المفهوم الرومانسي لإعادة البناء الترميمية (الطبيعي الخارق للطبيعة) المصدر الرئيسي .
كل حاجّ يرى الأشياء بطريقته الخاصة , غير أن ثمة حدودا لما يمكن أن يستخدم الحج من اجله , وللهيئة والشكل اللذين يمكن أن يتخذهما , وللحقائق التي يكشفها .
لقد عبرت جميع زيارات الحج إلى الشرق , أو فرض عليها أن تعبر , بأرض الكتاب المقدس .
إن معظمها , في الحقيقة , كان محاولات إما لعيش جزء ما من الواقع اليهودي_المسيحي / اليوناني من جديد , أو لتحريره من الشرق الواسع , الفسيح إلى درجة لا تصدق .
وقد كان الشرق المشرقن , شرق الباحثين الاستشراقيين , بالنسبة لهؤلاء الحجاج تحديا ينبغي أن يجابه , تماما كما كان الكتاب المقدس , والحروب الصليبية , والإسلام , ونابليون , والاسكندر أسلافا مهيبين ينبغي أن يحسب لهم حساب .
ولا يقتصر الأمر على أن شرقا متفقها يكبح تأملات الحاج وأوهامه الخاصة , بل إن أقدميته تقيم الحواجز بين الرحالة المعاصر وكتاباته , إلا إذا بُتر العمل الاستشراقي عن المكتبة وأُسر في المشروع الجمالي ...
وثمة خوف كابح آخر هو أن كتابات المستشرقين مؤطرة إلى درجة سلبية بالمتطلبات الرسمية للمعرفة الاستشراقية ...

أي شيء كان الشرق بالنسبة للرحالة الفرد في القرن التاسع عشر ؟

أنظر أولا إلى الفروق بين متحدث بالانكليزية ومتحدث بالفرنسية .
كان الشرق بالنسبة إلى الأول هو الهند طبعا , أي ممتلكا بريطانيا فعليا , وكان عبور المرء للشرق الأدنى , لذلك , يعني العبور في الطريق إلى مستعمرة رئيسية .
أي أن المجال المتاح لمراح الخيال كان محصورا سلفا بواقعيات الإدارة , والشرعية الجغرافية , والسلطة التنفيذية .
وكانت انكلترا قد هزمت نابليون , وأجلت فرنسا : وكان ما قام العقل الانكليزي بمسحه مجالا إمبراطوريا كان قد أصبح مع ال 1880 قطعه متصلة من الأصقاع التي تسيطر عليها بريطانيا , من المتوسط إلى الهند .
وكان أن يكتب المرء عن مصر , أو سوريا , أو تركية , تماما كأن يسافر فيها , مسألة تطواف في عالم الإرادة السياسية , والإدارة السياسية , والتحديد السياسي , وكانت الضرورة الجغرافية الملزمة تفرض نفسها بشدة , حتى على كاتب لا يكبح جماحه , مثل دزرائيلي , الذي لا تشكّل روايته "تانكرد" مجرد معاينة شرقية بل تدريبا في الممارسة الماكرة للإدارة السياسية لقوى فعلية في أقاليم جغرافية فعلية .
وبالمقابل , فان الحاج الفرنسي كان مفعم بإحساس بالضياع الحاد في الشرق .
فقد جاء ثمة إلى مكان لم يكن لفرنسا فيه , بخلاف بريطانيا , أي حضور من السيادة .
وكان البحر المتوسط يرجّع صدى الهزائم الفرنسية , من الحروب الصليبية إلى نابليون .
وقد بدا ما عرف فيما بعد "بالرسالة التحضيرية" في القرن التاسع عشر كثاني أفضلين سياسي للحضور البريطاني .
ونتيجة , فان الحجاج الفرنسيين , رسموا , وتخيلوا , وخططوا وتأملوا في أمكنة كانت قائمة , أساسيا , في أذهانهم , وقد وضعوا تخطيطات لإيقاع فرنسي , بل ربما أوروبي , نمطي في الشرق , افترضوا طبعا أنهم سيكونون من سيناغمون عزفه .
وكان شرقهم شرق الذكريات , والآثار الموحية , والأسرار المنسية , والتراسلات الخفية , وأسلوب كينونة الطهر والفضيلة تقريبا , شرقا وجدت أشكاله الأدبية الأسمى , التي سُمّرت بصلابة في بُعد تخيلي يستحيل تحققه (إلا جماليا) .

إن نموّ المعرفة , وبصورة خاصة المعرفة المتخصصة , عملية بطيئة جدا , ذلك أن هذا النمو ليس مجرد إضافة أو تراكم , بل هو عملية انتقائية من التكديس , والإزاحة , والحذف , وإعادة الترتيب , والإصرار , في إطار ما أطلق عليه اسم الإجماع البحثي .
وقد نبعت شرعية معرفة الاستشراق خلال القرن التاسع عشر لا من السلطة الدينية , كما كانت الحال قبل عصر التنوير , بل مما يمكن أن نسميه الاقتباس الترميمي للسلطة المرجعية السابقة .
فبدءا من ساسي كان موقف المستشرق المتفقه موقف عالم يقوم بمسح سلسلة من الشذرات النصية التي يقوم بعد تحريرها وترتيبها كما يفعل مرمم لتخطيطات أولية إذ يضع سلسلة منها معا لينتج الصورة التراكمية التي تمثلها التخطيطات ضمنيا .
ونتيجة , فان المستشرقين , فيما بينهم , يعاملون نصوص بعضهم بعضا بالطريقة الاقتباسية نفسها .

وبإيجاز , فان الاستشراق , بوصفه شكلا من أشكال المعرفة النامية , لجأ بشكل رئيسي إلى اقتباس الباحثين الأسلاف في هذا الحقل من اجل قوته وانتعاشه .
وقد حاكم المستشرق حتى المادة الجديدة التي وقعت له , حين وقعت له مادة جديدة , بان استعار من أسلافه (كما يفعل الباحثون كثيرا) منظوراتهم وطروحاتهم المادية .
وبشكل حازم إذن , فان المستشرقين بعد ساسي ولين أعادوا كتابة ساسي ولين , وبعد شاتوبريان , أعاد الحجاج كتابة شاتوبريان .

والشرق , في نظام المعرفة المتعلقة به , ليس مكانا بقدر ما هو قضية , طقم من الإشارات , كتلة من الخصائص , يبدو أن أصولها تنتمي إلى فقرة مقتبسه , أو شذرة من نص , أو إلى اقتباس من عمل إنسان ما عن الشرق , أو نتفه ما من تخيل سبق , أو اندماج لهذه الأشياء جميعها .

وقد أضيف إلى التنظيم الخانق للمادة الشرقية الاهتمام المتسارع الذي أولته القوى العظمى (كما لقّبت الإمبراطوريات الأوروبية) للشرق ولشرقي المتوسط بصورة خاصة .
ومنذ وقعت معاهدة شَنَك عام 1806 بين الإمبراطورية العثمانية وبريطانيا العظمى , فقد كانت المسالة الشرقية تحوّم في الأفق الأوروبي المتوسطي بصورة متزايدة البروز .
ولقد كانت مصالح بريطانيا في الشرق أضخم من مصالح فرنسا , لكن علينا ألا ننسى تحركات روسيا إلى الشرق (فقد احتلت سمرقند وبخارى عام 1868 , وكان الخط الحديدي عابر الخزر يزداد امتدادا بانتظام) , أو تحركات ألمانيا أو النمسا_هنغاريا .
بيد أن تدخل فرنسا في شمال أفريقيا لم يكن المكوّن الوحيد لسياستها الإسلامية . ففي 1860 , أثناء الصدامات بين الموارنة والدروز في لبنان (التي كان لامارتين ونرفال قد تنبآ بها) , دعمت فرنسا المسيحيين بينما دعمت انكلترا الدروز , ذلك أن ما كان يقف في المركز من السياسة الأوربية في المشرق بأكملها هو مسالة الأقليات , التي ادّعت القوى العظمى كلّ بطريقتها الخاصة , أنها تحمي "مصالحها" وتمثّلها .
وقد درست جميع الأقليات من يهود , وروم أرثوذكس , وأرثوذكس روسيين , ودروز , وشركس , وأرمنيين , وأكراد , والمذاهب والملل المسيحية الصغيرة المختلفة وخطّط لها , وتؤومر عليها من قبل القوى الأوروبية التي كانت ترتجل , كما كانت تصوغ وتبني , سياساتها الشرقية .

أنني لأذكر مثل هذه الأمور ببساطة كوسيلة لأبقي حيا أحس بتراكم طبقة فوق طبقة من المصالح , والمعرفة الرسمية , والضغط المؤسساتي , الذي غطى الشرق , كموضوع وكإقليم جغرافي , خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر .

كان لدى الكتاب الانكليز بشكل عام حس أكثر بروزا وصلابة لما كان يمكن لحج إلى الشرق أن يستتبعه مما كان لدى الفرنسيين .
ولقد كانت الهند ثابتا حقيقيا قيما في هذا الحس , ولذلك فقد اكتسبت الأقاليم الواقعة بين البحر المتوسط وبين الهند أهمية خاصة تنسجم مع تلك الحقيقة .

لنسمي بعضا من الكتاب الانكليز , المستشرقين من حيث هم عملاء امبرياليون مثل :
تي . اس . لورنس
ادوارد هنري بالمر
دي . جي . هوغارت
جرترود بل
رونالد ستورز
سانت جون فيلبي
وليام غيفورد بالغريف

حزيران 2009

..







 
آخر تعديل زياد هواش يوم 04-06-2009 في 10:56 AM.
رد مع اقتباس
قديم 03-06-2019, 11:47 AM   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
زياد هواش
طاقم الإشراف
 
إحصائية العضو







زياد هواش غير متصل


افتراضي رد: الاستشراق .. ادوارد سعيد .

بتأثير عمل وثائقي ممتاز
بعد غربة بلاد الشام العثمانية عن جزيرة العرب ثم غربتها القومية عن جزيرة العرب من الجيد أن تعود حركة الفكر العربي واللغة العربية والهوية العربية والشخصية العربية الى جزيرة العرب الى الرحم والأم والأصل والهوية.

الاستشراق كتاب يتجاوز قدرات أي كاتب في موضوعته الاستثنائية
الاستشراق أقوى بكثير من ادوارد سعيد وهو أدرك ذلك فقدم المعلومة الشاملة وتدخل في تعليلها وتفسيرها قليلا جدا وخيرا فعل

ما تقوله المعلومة في كتاب الاستشراق الذي ألفه الغرب العنصري الذكوري الأبيض عبر نُخبه ومفكريه عن نفسه وحرره بأناقة ادوارد سعيد أو لنقل ترجمه من الانكليزية الى الامريكية: الغرب الفقير يسرق الشرق الغني من أيام سرقة روما لأثينا الى يوم سرق الغرب مُجتمِعا فلسطين

الاوربيون المتفاخرون بسرقة أثينا والمتعالون على الشرق بسرقة المسيحية ثم الحضارة العربية الإسلامية لا يزالون يشرعون الاستعمار ويبررون الغزو ويعتبرون العنف وسيلة علمية لصناعة الحضارة في الوقت الذي كانوا ولا زالوا يدمرون في الشرق تحديدا أسس الحضارة الانسانية

ثم قُدّر لنا أن نعاصر زمن محمد علي بك ترامب الكبير الممتد لسنوات قادمة بشخصه الالباني وملامحه الامريكية ليقدم لنا صورة عن الغرب المتوحش بقيادة أمريكا بدون أي غطاء او قناع او رداء او مواربة: نحن لصوص هذا العالم وبرابرته
لقد قرأ ادوارد سعيد زمن ترامب حين نقب عن مومياء أجداده

اعتقد أنني قرأت مرّة نصا لمحمود درويش في مجلة الكرمل الفصلية التي كان يصدرها من بيروت ثم من ليماسول عن نزار قباني يرثيه في رحيله اللندني
لا أزال أتمنى لو أن محمود درويش مات في فلسطين وليس في أمريكا وكتب نصا فلسطينيا عن أدوار سعيد وليس قصيدة ملحمية

صارت تقليدا او تراثا تلك الجملة الذكورية او الاستشراقية التي تقول: خلف كل عظيم امرأة
اليوم يجب ان نقول: أمام كل عظيم امرأة حتى تقول هي بنفسها: بل الى جانبه وبجواره وحوله
فكيف وفي حالة ادوارد سعيد تلك المرأة اللبنانية
انها سيدة مختلفة بالفعل

محمود درويش يمثل في حضوره وفي غيابه الشاعر الإنساني والهوية الفلسطينية
وأما ادوارد سعيد فيمثل المفكر الإنساني وفلسطين الإنسان
هو ليس أكبر من فلسطين هو الجانب الإنساني والبعد الأممي للمأساة الفلسطينية والمؤرخ الأخلاقي للمعاناة الفلسطينية والظلم الطالع من تلك العنصرية الغربية

لا تزال القضية الفلسطينية مقدسة ولا تزال أول القضايا الإنسانية وكل قضايا أحرار هذا العالم ولكن كلمات للتاريخ أو ربما للمستقبل يجب أحيانا ان تُقال:
أضعف المناضلين الفلسطينيين هم سياسيو القضية ورموزها التاريخيون لم يكونوا يعرفون ماذا يفعلون ولربما ما زالوا

إذا كانت الأمم الحقيقية في التاريخ قد سقطت بفعل حتمية التطور وعلمية قوانينه
الإشكالية ليست في حتمية سقوط الكيانات المُغتصِبة التي لن تكون يوما أمما ولن يعطيها التاريخ أملا بل في ضرورة الحفاظ على الذاكرة وعلى الهوية:
المقاومة الفلسطينية المنتصرة هي حتما: فكر وشعر واغنية وكوفية.
3/6/2019

صافيتا/زياد هواش

..







التوقيع

__ لا ترضخ لوطأة الجمهور، مسلما كنت، نصرانيا أو موسويا، أو يقبلوك كما أنت أو يفقدوك. __

 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:25 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط