الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة > قسم الرواية

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 15-09-2014, 02:57 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
فاطِمة أحمد
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية فاطِمة أحمد
 

 

 
إحصائية العضو







فاطِمة أحمد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

أحببت العودة هنا للإشادة بالجهد الذي تقومين به أستاذة راحيل الأيسر
جزاك الله خيرًا

والحق يقال، إن منتدى أقلام يمتاز بكم كتابًا باحثين عن الإرتقاء وأساتذة موجهين بالكلمة الهادفة والإنارة اللغوية والأدبية

سبقتني راحيل، كنت أفكر في نقلها أو تثبيتها في الواعد

ممتنة لكم جميعًا لألقكم في تقديم الحرف كما ينبغي أن يقدم

محبتي.







 
رد مع اقتباس
قديم 17-09-2014, 03:00 AM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
خليف محفوظ
أقلامي
 
الصورة الرمزية خليف محفوظ
 

 

 
إحصائية العضو







خليف محفوظ غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

إمتاع أدبي يمنحك إياه نص صيغ بأسلوب جميل ينبض بتجربة شعورية مؤثرة ... متابع لهذه الحلقات بكل شغف أدبي .







 
رد مع اقتباس
قديم 19-09-2014, 12:19 AM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

(5)

نَ بعض اللحظاتِ أعمق من أن تُعاش وتَندثر،
لِأُعيدَ إحياء الصور والجُمل الحزينة، بإسم الحُب والوفاء لِندباتنا ألقديمة، بسمةً تركت أو ألمًا..
أكتُبُ لكِ الآن...!

.
.

أتعلمين يا غالية؟
كُنتِ في أصدق حالاتك النقديّة حين نَصحتني بالابتعاد عن الكتابة قَليلًا،
فدائمًا ما كانت تُلازمني نوبة مزاجية عَكِرة بعد ليلة طويلة من البُكاءِ بين أحضان الورق. ورُغم ادعاءاتي المُنمقة بأنه لا دواءَ لي أفضلُ من حرفٍ تكتبه الروح إزدتِّ انتِ اصرارًا بأن البوحَ بمكنوناتها يُساهم في قَتلها مرتين.
وهذا بالفعل ما يَحدث!

أُحاولُ جاهدة رسم أيامنا في العامِ الماضي علّها تُضفي بعض الحُبور على مكاني الجديد البارد، الخالي من كُل سماتِ الحياة لأنه يَخلو منك.
أيُعقل بأن تَهديدكِ لي بتركي وَحيدة في الجامعة حينها لِأجنّ من فرط ارتباط كل شيء في ذاك المكان بكِ باتَ واقعًا؟

ليسَت الأماكن السبب في الحنين يا غالية، بل الاشخاص الذين يَتركونَ فينا قِطعة منهم حينَ يَرحلون.

تَنقُصني انتقاداتُك لارتدائي المتكرر للاسود، لسوءِ اختيار المعارف، لَتجرع كاسات النسكآفيه اللامتناهية، لقض مضجع الليل بعالمٍ الكتروني...
أفتقدُ صمتك آن ثَرثرتي واعتزالُكِ الرد على ما أنطُقُ به من سخافة،
أفتقدُ تَقوّس حاجبيكِ وأنتِ في انتظاري وحيدة،
أفتقدُكِ في زوايا هذا المكان الذي لم تطأهُ رجلك قط،
افتقدُ قراءتك لكل نصٍ حديثِ الولادة وتَفاخُركِ بأنك مُلهمتي قَبل أن يُشوّه هوَ عالمي -على حد قَولك.

أفتقِدُكِ يا غالية بشكلٍ مؤذٍ، بطريقةٍ مؤلمة تَدفعني للتفكير بالكفر بالكتابة علّ اتباعي لِنصائحك يُضفي على غُربتي القليلُ منكِ. فقليلكُ هو كل ما احتاج،
قليلٌ منك يَطردُ من داخلي كُل الاشباح.


سأكفُرُ بالكتابة يا غالية،
سأمنحُ روحي فُرصة أخيره لدفنه بينَ اوراقي، ومن ثم سأعتزلُ الابجدية.

أعِدُكِ.






 
رد مع اقتباس
قديم 19-09-2014, 12:29 AM   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

راحيل الرائعة..
لا يمكنني بعد اقتباس المشاركات لذا ساجيبُ على جميعها بردٍ واحد.
اولًا اشكرك بحجم السماء لاقتطاعك بعض الوقت لمعاينة ما تنثره لوحة مفاتيحي، فهذا يعني لي اكثر مما تتصورين.

استوقفني كثيرًا ردك الاول، ورحت اعاود قراءته مرة واثنتين وثلاثة. لديكِ طريقةٌ في التعبير عما يخالجك أحني لها قبعتي احترامًا!
نحنُ بالفعل نبحث عن نقيضنا، ودائمًا ما كنت أؤمن بأن الفراغات ما بين الاصابع خُلقت لتجد من يُكملها.. والاكمالُ وظيفة النقيض لا الشبيه.

انا لا زلتُ حديثة الكتابة كما اسلفتِ، واشكرك كل الشكر على ضمي بين جناحيّ العلم سأُعدل كل ما ذكرتِ بالطبع..

بالنسبة لمعالم الرواية..
الفكرة هي كتابٌ يضم بين جلدتيه رسائل بين صديقتين، في الاجزاء الاولى تظهر المراسلة مشاعر متخبطة فقط، لكنني ارجو ان تنتظري قليلًا فالاجزاء المقبلة تمحو عنان الغموضِ







 
رد مع اقتباس
قديم 19-09-2014, 12:34 AM   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

فاطمة أحمد..
كتابة رواية امرٌ متعب حقًا، وخصوصًا البداية التي لا تزال تُسقى بعينٍ من الأمل، لكنني أتوسم في هذا المكانِ ارضٌ طيبة.
شُكرًا لك، لكلماتك وقعٌ طيب في النفس.

رانيا حاتم ابو النادي..
بل الشكر، كل الشكر لكِ لمتابعتك ولاطراءك الرائع!
يُسعدني انك تنوين المتابعة

خليف محفوظ..
أنا اكثر من ممتنة لكلماتك ولمتابعتك!
شُكرًا لك







 
رد مع اقتباس
قديم 19-09-2014, 12:37 AM   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

اعتذرُ عن انشغالي في الفترة السابقة وتقصيري في نشر المقاطع
------------------------------------

(6)

لطالما كانَ طريقُ الاحلام مُغريًا لنشقُ فيه خطواتنا بعيدًا عن زُقاقِ الواقع المُزدحم، لكن ما أن تتعثرُ تلك الطريقُ بالكمال سنضطر لندفعَ الثمن غاليًا.

وها انا ذا يا غالية، أدفعُ ثمن أحلامي بِكُلِ دقيقة لعينة تركتني ارسمها فيها وهي تراقبني صامتة.

/\
\/

-أنا مُنهك وُمنتهك!
أنهكتني مُحاولة مُجاراتك في السنتين الماضيتين.
انتِ فتاةٌ صعبة! وطريقُ الوصول اليكِ مليئة بالمرتفعات التي استنفذت مني كُل ما املك!

- لكنني لم أطلبُ منك شيئًا فضلًا على ان تكون انتَ!...

- لكن مثلي لا يكفيكِ، ولا يليقُ بك!
أتعلمين؟
حينَ سمعتكِ للمرة الاولى تتحدثين في المكتبة مع غالية بتلك اللهفة عرفتُ بأنكِ لستِ كغيرك من الفتيات، وراهنتُ نفسي حينها بأنني استطيعُ اقتطاف قلبك من وراء حِصن الكتب والفلسفة التي تُحيطينَ نفسكِ فيها، لكنني لم أكن أعلم بمدى اتساع هذا القلب، وبأنني حال اقتحام جداره سأغرقُ لا محالة.
كنتُ أظنُ بأن من لديه الجرأه ليُخرج المواضيع الممنوعة من وراء كواليس المجتمع للضياء قد تلطخت يداهُ ولو بالقليل منها، لكنكِ نقية، نقية لدرجة لم أتمكن من استيعابها.

كان عليّ يا امل ان أجتهدَ في كُلِ شيء لأكسبكِ،
كانَ عليّ أن أخلعَ ماضيَّ وأرتدي في كل مرة اراكِ او احدثكِ فيها زيًا جديدًا يليقُ بحضورك وبقدرتكِ المخيفة في السيطرة على الاحاديث.
حتّمتِ عليَّ أن اسرقَ قلبكِ مُجددًا في كل لقاء ومع كل نظرة، لأنني موقن بأنه لولا تلكَ الاقنعة لفرّ قلبك مني هاربًا.

أتعلمين؟
تلكَ المرات العديدة التي كنتُ أتجاهلُ فيها اتصالاتك او اللقاء بكِ، لم تكن الا محطاتُ استراحة خلفَ خشبة المسرح الذي بنيته لأجلك.
ولن أكذبَ عليكِ، كانتَ محاولات ذليلة لتتخلصي مني وحدك دونَ اضطراري لكشفَ شخصيتي الحقيقيّة امامك.
لكنني كُلما عُدتُ اليكِ وجدتُكِ بانتظاري مليئة بالمغفرة، وكانَ شوقي اليكِ يَمنحُ قذارتي فسحةً جديدة للاختفاء عن ناظريكِ حتى أنهل منهما أكثر.

مؤذيةٌ انتِ بقدرتك اللامتناهية في العطاء، ومجرمٌ أنا لجعلك تتعلقينَ بوهمٍ ظننته مع الوقت قد يُصبح لأجلكِ حقيقة.

لكنني الان انتهيت، لم يتبق في داخلي شيءٌ يبتكر ليَسجِنكِ في أضلُعي أكثر.

حرري قلبكِ مني يا أمل، فهو لا يزالُ طفل وله كُل الحقِ بأن يعيش.

/\
\/


ثُمَ أغلقَ الهاتف.






 
رد مع اقتباس
قديم 22-09-2014, 12:29 PM   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

(7)

وحدها الأماكن الضيقة القادرة على احتضانِ أوجاعنا، فهي تحتضنها بشكلٍ واسعٍ!

//

كانت نظراتي حائرة بين هاتفٍ اختطفت كلماته أنفاسي كُلها وبين مكانٍ يصلحُ أن يكون بديلًا لتلك الزاوية المنسية في منزلك التي اعتدتُ البكاء فيها.
لكن جسدي يرفضُ القبول بدفء زائفٍ يا غالية!

كنتِ دائمًا تُرددين على مسامعي بأن العالم يتسعُ لعددٍ أكبر من الاشخاص الذي حصرته حولهم، فكيفَ لعالمك الواسع هذا أن يضيقَ عليّ الأن؟؟

لم أشعرُ يومًا بهذا القدرِ من التعب، وكقطعة قُماشٍ منسيّة في زخم العَجلة استلقيتُ على الارضِ الباردة وعينايّ مُحدقتان في سقف الغرفة الذي يأبى أن يَكُفَّ عن الدوران.
شعرتُ وكأن كَميّة مُخيفةَ العُمقِ من اللاشيء تَبتلعني وليس هُنالك أحدٌ لينتشلني منها.

بقيتُ مستلقية وجوارحي فاقدةٌ لأي روحٍ، حتى تذكرت!
كان قَد بقي لأحد امتحاناتنا يومٌ ونصفٌ من الدراسة – او الكآبة كما كنتِ تُطلقينَ عليها ، جلستُ على المقعد المقابل لباب المكتبة، ذاك المقعد الذي اعتدنا ان نقضي فُرصنا عليه – فأي مَكانٍ أفضل من باب المكتبة الذي لا ينفكَ يتحرك ليذكرنا بأن عقارب الوقتِ تتحركُ أيضًا وبنفس السرعة ؟
كانت هذه المرة الاولى التي أقتطعُ من وقت الدراسة بُرهة من الزمن دون أن اخبركِ لتُرافقينني فيها.
رأيتُ بان عيناكِ اصطادتاني من خلفِ الزُجاج فرُحتُ افتش في هاتفي باحثة عن مخبأ منهما، لكنني فشلت. أتيتِ، وعوضًا عن توبيخي لتضيع وقتِ الدراسة الثمين جلستِ بجانبي صامتة، أسندتُ رأسي على كتفكِ وبكيت. وكأن صمتك هذا ضغطَ على الزر المُناسب لأتناثر.
بكيتُ أنه سافرَ في هذه الفترة بالذات...
بكيتُ الفصل الدراسي الصعب الذي خُضناهُ سويًا...
بكيتُ الامتحانات والمواد وكل الدراسة اللانهائية...
بكيتُ وجودي في هذه البلدة وبُعدي عن البيت...
بكيتُ نفسي وشعوري بالوحدة رُغم كثرة الاصحاب...
بكيتُ كثيرًا حتى شعرتُ بدموعي تختلطُ بعبراتك. رفعتُ رأسي لأرى مقلتيكِ تُشاركانني في النحيب وقد كانت هذه المرة الاولى التي اراكِ فيها تبكين.

بالكادِ لملمنا شُتاتنا المُبلل وعدنا ادراجنا للدراسة دون أن ننبس ببنت شفة.

مر اليوم، ومرت ايامٌ بعده ولم أشحذ في داخلي أي قدرٍ من الجرأة لأسألكِ عن سبب بكاءك حينها، لكنني أعلم بأن رؤية وجهك مُنكدرٌ بهذا الشكل أنستني سخافاتي كُلها.
فحينَ يَنكسرُ الكبار، على صغارهم أن يتظاهروا بالقوة ليجدوا من يستندوا عليه، وهنا تَكمنُ كل العظمة.

تذكرتُكِ، وتذكرتُ ايمانك الموجع بقوتي التي ادعي عدم أمتلاكها.
تذكرتُ قولك بأنه وحدهم الاقوياء هم من يبتسمون في وجه نرجسية الألم، وأنه ما من شيء على وجه هذا العالم الواسع يستحقُ مأتمًا مُزمنًا.

أنا بخير.
رحتُ أرددها بصوتٍ عالٍ حتى توقفت الغرفة عن الدوران.






 
رد مع اقتباس
قديم 28-09-2014, 02:47 PM   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

(8)

القَهوة لا تُشرب على عجل،
القهوة اخت الوقت تُحتسى على مهل!
القهوة صوت المذاق،
صوت الرائحة،
القهوة تَأمُل وتغلغل في النَفسِ وفي الذكريات!"

في النَفسِ وفي الذكرياتِ يا غالية!
وآهٍ كم أخطأتُ انا وكم صَدقَ دَرويش.

حينَ دخلتُ الفصل الاول كُنتُ لا ازالُ احتفظِ من الطفولةِ ببعض البراءة، وببعض الافكارِ الخرافيّة وبِحبي المُفرطِ لكل التفاصيل الصغيرة التي تُضفي للصورة الاكبر بعض الرونق والكَمال.
عندَ اجتماعنا بعدَ المحاضراتِ او في فُرص الزمن المسروقة من وقتِ الدراسة كُنتِ انتِ اول من يَطلب القهوة – وبدونِ سُكر – ثم يَعقبكُ كل من يرافقنا الا انا، وكنتِ في كُلِ مرة تُلحين عليّ بتجربتها بادعاءِ انني دونها لن استطيعَ اجتياز الفصل الاول فكم بالحري اربعُ سنواتٍ، ودائمًا كان نصيبُ الحاحكِ الرفض.

الى ان آل بنا القدرُ لتلكِ اللحظة؛

كُنا نجلسُ وحدنا في رُكننا المعتاد بعيدًا عن عيون العابرين، كنتِ تَحتسينَ قهوتك بهدوءٍ غَريب، وكأن حدسك الباطني يعلمُ بأننا نعيشُ لحظةً مفصليّة وبأنني في غُضونِ دقائق قليلة سأفتحُ أبوابَ الجحيمِ على مصراعيها.

- اتعلمين يا غالية، أجدُ بأن حُبي العميق للكتب البيوغرافية وللرسائل التي تُنشر بعد موتِ كاتبها و لليوميات الشخصية غير مُبرَر.

- لماذا؟

- لأنني أؤمن بشدة أن اللحظات الشخصية يجبُ الا تُنشر على الملأ، سعادة حملت او المًا، فبهذا تفقدُ قيمتها. جمالُ لحظاتنا بأننا عشناها بكل حضورٍ وبكل قوة، وبأنها مُلكٌ لنا وحدنا نستطيعُ الرجوع اليها بمرافئ الذاكرة دونَ التفكير بأي عواقبٍ اجتماعية. ويجبُ أن نصونَ نحنُ بدورنا هذه الخصوصيّة.

- ولماذا تقرأينها اذًا؟ ام انكِ ايمانك لا يُصدّقُ بالفعل؟
اقتحمَ صوتهُ بنبرةٍ تكادُ تخترقُ الاثير من شدة غروره، للمرة الثانية، الحديثَ دون أي مُقدمة.

" أنتَ!"

قُلتها بصوتٍ يرتجف يحاولُ اخفاءَ اهتزاز قَلبي بينَ اضلعي الذي يخشى عليّ من استفزازٍ مُتكرر.

- اجابةٌ خاطئة يا... أمل، اليسَ كذلك؟

- بلى، ولم أتوسّم في سؤالك أي مِفتاحٍ لمحادثة وديّة لأبادلك الاجابة.

- فنُ الحكِمة يا امل يَكمنُ في معرفتك متى تُجيب ومتى تتجاهل. وأظنُ بأنه اختلطت عليكِ الامورُ قليلًا، هذا موضعٍ رائع لتُدافعي عن اهتماماتك امام نفسكِ اولًا وامامَ اصدقاءك. انتهزيه.

- هاه! وتقتبس جيمس ايضًا؟ اليست نظرياته خرافة لا تمتُ لواقعنا بصلة؟ أم ان ارائك تتغير وفق ما يدعمُ موقفك؟

- ابدًا، لكنني احاول التحدثُ معك بلغتك.

- لا تزالُ تحتاجُ من الضوءِ سنوات كثيرة.

- ما زلتِ تتهربين من الاجابة.

- اقرأها لانني ابحثُ عن ذاتي فيها.

- وهل تحتاجين لحياةِ الاخرينَ لفّكِ شيفرة خاصتك؟

- بل احتاجُ لجرأتهم في التفكير والكتابة والاعتراف والمحاولة.

- مشكلتكِ بسيطة، بدلًا من التلصص على حياةِ الاخرين والسمو بنفسكِ العزيزة فوقَ نكساتهم عليكِ أن تُحرريها من قيودها واحد تلو الاخر.

- فكُ القيودِ ليسَ بالسهولة التي تُصورها كلماتك.

- ابدأي بأصغرها حتى ترضخَ لكِ الكبيرة. الم تَقولي بأنكِ تحتاجينَ للجرأة في المحاولة؟

- بلا. ولكن...

- قاموس حديثك يحتاجُ بعضًا من الحزم! القيدُ الاول، عليكِ ان تتخلصي من استعمال الكلماتِ المُترددة.

تنهدتِ تنيهدةً طويلة وانسحبتِ من حديثٍ لم يُبادلكِ فيه الطرفانِ بشيء مُتحججة بأن قهوتك تحتاجُ للتسخينِ من جديد.

أردَف...
- لمَ لم تأخذ صديقتُك كوبك أيضًا؟ الم تبردُ قهوتك؟

- انا لا اشربُ القهوة.

- كم عُمرك؟

- انتَ مُستفز!

- وانتِ سريعةُ الاشتعال. لم لا تشربينَ القهوة؟

- لانها الخطُ الفاصل ما بينَ الطفولةِ والكِبر، ولا اريدُ ان أكبر بعد.

- بل انتِ تخافينَ النضوج وتحمل المسؤولية كاملة.

- المسؤولية عن ماذا؟

- عن أي شيء، عن كل شيء! تجدينَ لكل هفواتِك سترًا وغطاء تحتمينَ تحته، فانتِ لم تَكبُري بعد.

- يا لشدةِ خطأك! انا لا اخشى المسؤولية، فلي منها حُصة الاسد منذ نعومة اظافري. لكنني لا أريدُ ان أكونُ في سِجّل المُجتمعِ "كبيرة" فأفقدُ في ظل هذا المُسمى مُتعة الحب الطفولي لهذا العالم.

- تستطيعينِ أن تحظي بفوائدِ الطرفين. القهوة توقِظُ الواقع في داخلك لئلا ترتطم فيه احلامك الوردية، عليكِ فقط ايجادُ المكانِ المناسب والزمان.

- رُبما.

- الان!

- لاحِقًا.

- الم تقولي بأنكِ تحتاجين للجرأةِ في المحاولة؟

- انتَ مُستفز!

- وانتِ سريعةُ الاشتعال.

احضرَ لي فنجان قهوةٍ سوداء ساخنة، وقد ختَمَ عليها بخطٍ أحمر عريض الرقم واحد، واسمه، سام!
امسكَ يدي، ثُمَ أحكمَ إغلاقها حولَ الفنجان دونَ أن يُدرك بأنه في تلكَ اللحظة بالذات هي أضعفُ من أن تمسكَ أي شيء.
وغادرَ مُبتسمًا.

لا أعرفُ كيفَ خُضتُ في حديثٍ كهذا مع شخصٍ لا أعرفُ عنه شيئًا، حتى اسمه.
كنتُ بحاجة ان القي اللومَ على أحدٍ حتى اتمكن من لملمة شُتاتي. نظرتُ اليكِ بعينٍ تشتعلُ من الغضب وصرختُ بأن صمتك وحياديتك هي السبب. ثُمَ ارتشفتُ قليلًا من القهوةِ لأول مرة.

كُنتِ تُدركين حينها بأنني استندُ عليكِ ليسَ إلا، وبأنني اغوصُ في دوامة كلماته التي حلّت بي كاللعنة، وبأنني دخلتُ في غيبوبة عشقٍ لا محالة.
اقتربتِ مني واحتضنتني بشدة.
أخبرتني بأن سام مَفعوله كإسمه وبأنه عليّ ان أحذرَ من أن أُدمن قَهوته فينهش دواخلي بهدوءٍ تعجزينَ عن مُجاراته.

لم أفهم حينها ماذا قصدتِ، لكنني اعلمُ اليومَ يا غالية بأن اعتيادي على مرارِ تلكَ القهوةِ كان خَيارًا أحمق وليسَ مُتعة، وبأنَ اللذة التي كُنتُ أرتشفها كُل صباحٍ باتت مُنشط لألمٍ لا سبيلَ للفطامِ منه.

ليتَ بوسعّنا تجريد الامورِ من رمزيّتها ومنحها هوية جديدة تَليقُ بقلوبنا كُلما تُكسَر!






 
رد مع اقتباس
قديم 07-10-2014, 05:11 PM   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

(9)

كنتِ دائمًا تُخبرينني يا غالية بأن افراطي في تفاصيل علاقتي بسام ستتحول في يومٍ ما لمقصلةٍ تقضُ الحياة من مضجعي كلما حاولتُ المضي قدمًا.
انا دائمةُ الافراطِ في كل شيء فكيفَ ان كان الامرُ متعلقًا بقلبي؟
لكن تحذيركِ لي جاء متأخرًا عن موعدِ الأمانِ بسنواتٍ ضوئية كثيرة!

فمنذُ رشفة القهوةِ الاولى بدأتُ بالغرقِ بسرعة لا تستطيعُ أي معادلة فيزيائية استيعابها. لكن غرقي كان هادئًا ودافئًا حد الادمان، وكانت أمواجه تحتضنني من كل جانب - وكم كنتُ في ذاك الوقت بحاجة للاحتضان!- وتخترقني ببطء قاتلٍ حتى اصبحتُ في محيطِه كحورية سجينة، أتوقُ للحياة بعيدًا عنه لكن رئتاي يرفضنَ أي شيء غير اوكسجينه الملوث!

ولا أخفي عليكِ يا غالية، كنتُ انذاك امرُ بمرحلةٍ انتقاليّة صعبة، كالأفعى التي تُغير جلدها بينَ الفصول، وما بينَ رداءٍ لاخر هي أضعفُ ما يكون. استطاعَ سام أن يستغلَ ضعفي ليكونَ لي الرداء الجديد، وحينَ انتزعته عني انتزعتُ جزءًا من كياني لأعودَ أضعف مما كُنت، لا حيلة لي على الحياة ولا قوّة.

الذكرياتُ المشتركة لعنةٌ يا غالية! فالفراقُ ليسَ صعبًا ابدًا، الصعوبة تكمن في مواجهة كل التفاصيل التي كانت تدورُ حوله. وكل تفاصيلي وعاداتي صغيرة كانت ام كبيرة مرتبطة به!

فكيفَ لي ان اعتاد قراءة أي كتابٍ لم ينصحني به هو؟ او لا اطالعه بعينٍ ناقدة لارى ان كان يلائم ذوقه لاهديه اياه بعد اتمامي منه؟ كيف لي ان امرَّ بين صفحاته دون تظليل الجمل التي تُذكرني به؟ او التي اكادُ أُقسِمُ بانها كُتبت عنا؟

كيفَ لي أن ادخلَ ستاربكس دون أن اراهُ في الواجهة؟

كيف لي أن أدخلَ الحديقة العامة وأمر بذلك المقعد كأنه لم يشهد يومًا على شيء؟

كيف لي أن انتقى ملابسي صباحًا لوحدي دون أن أتذمر لكِ من تدخله المستفز في كل قطعة ارتديها؟

كيفَ لي أن اقضم اظافري كلما شعرتُ بالخوفِ او القلق دون أن يسحبَ يدي بينَ يديه ويوبخني كطفلةٍ صغيرة تحتاجُ لاعادة تذكيرٍ بشيفرة التصرف العام؟

كيف لي أن اكتُبَ نصًا جديدًا دون أن اسارعَ اليه بلهفةٍ ليقرأه ويَمُنّ علي بالموافقة على نشره؟

كيفَ لي ان استشعرَ الموسيقى من جديد وهو ينبضُ بداخلي مع كل حرفٍ وكل نوتة؟
لائحتي المُتكررة تصرخُ به!
لكلُ اغنيةٍ ذكرى حَفرت في صرح علاقتنا دمعة وابتسامة جعلت منها نشيد حُبنا الوطني.
كيفَ لي ان استمعَ لفيروزٍ صباحًا دونَ ان اتذكر كيفَ كان صوتها يصاحبُ تمتمته بأنني " بعدي على باله" في كل محادثةٍ صباحية بعد ليلٍ طويلٍ من الخصامِ والمجافاة؟
كيف لي أن ادرسَ او اكتبَ او انشغلَ بأي شيءٍ دون الاستماعِ لـ Adele لتُذكرني مرة بعد مرة بأنه تركَ في داخلي شرخًا ولن أجد someone like him ليرأبه؟

أتذكرينَ يا غالية ولعي الشديد بكل اغنية كانَ يُسجلها لي بصوته؟ كانَ ذلك نادرَ الحدوث! فكلما ناشدته ان يُخلد لي أغنيةً كانَ يقول لي بأنه يخشى على قلبي من المرض به إن فقدته يومًا فيُصبح صوته هاجسًا يراودني كل يوم. وكأن فراقنا كان في مُخططه منذ البداية! وكم كانَ خبيرًا بخُبث صوته وبما يُحدِثُ في داخلي من حرائق!

لا ازالُ اسمع ساعة المنبه في هاتفي تصدحُ بصوته وتوقظني من كوابيسي فيه كل ليلة لأجدَ نفسي في واقعٍ اكثر بشاعةً، يخلو منه لكن طيفهُ يلاحقني مثلما وصف نفسه، كالمَرض!

" مَن تكون حَبيبتي أنا...
يُفكرون، يتساءلون، يتهامسون، يتخيلون اسماء واسماء اشياء واشياء
ويضيع كل هذا هباء؛
لا تخافي، واهدئي يا صغيرتي
لا تبالي فانني يا حبيبتي اخفي هواكِ عن العيون، فكيف مني يعرفون..."

كان كُلما ردد هذه الابياتَ على مسامعي أنتشي فرحًا لأنني حظيتُ بمن يحرصُ عليّ كعينيهِ ويخبئني بكل حُبٍ عن العالم لئلا أُخدش.
كُنت أشعرُ وكأنني تمكنتُ من احتلالِ العالم حينَ يُناديني بأسمٍ يختتمه بياء المُلكية، فقد كنتُ وجعه وقلبه وصغيرته ودميته ومدللته. كم كنتُ غبية حينَ ظننتُ بذلك اعلانًا بشرعيتي له واقتراني، ولو عاطفيًا، به. وكم احتجتُ من الصفعاتِ الكثير لأفهمَ بأنني لم اكن سوى غرضًا وجدَ في امتلاكه تحديًا جديدًا وفي اخفائه فُرَصًا متاحة لتحدياتٍ لا بُدَ من اغتنامها اذ طرأت في منتصف الطريق.

لم أكُن سوى فريسةً جديدة لانانيته وجشعه...
كُنت له ولأجلهِ ومعه ومنه واليه.

لكنه لم يَكن يومًا لي.






 
رد مع اقتباس
قديم 25-10-2014, 03:53 AM   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

(10)


مرّ على انتهاءِ الفصل الدراسيّ يومان. يومانِ من الشقاء والفراغِ القاتلِ. الفراغُ الذي ينهشُ دواخلي ويرفضُ أن يمتلأ!
لا أدري كيف استطاعَ سام ان يمتلكني بهذا الشكل وأن يتحكم بي بهذه الطريقة العنيفة. فكُلما هممتُ لأن افعل شيء - أي شيء- اراهُ ممتثلًا امامي بتلكِ النظرة العميقة فلا اعد استطيعُ الحراك.
كنتُ اظن بأنني الان سأكون قد تمكنت من التخلص منه، لكنني كلما قاربتُ على الشفاءِ وجد لنفسه طريقًا ليعود فيَنتشرَ في داخلي من جديدٍ.
وحدهُ القادر على اشعالي في لحظة ووحده العالم على أي زرٍ عليه ان يضغط لأرقد كطفلةٍ تاهت عنها دُميتها فوجدتها بعد عناءٍ من البكاء.

كنتُ دائمًا بعد كل مشاجرة بيننا أنهي الحديثَ بأن مخزون حبي له قد شارف على الانتهاء ليُقابلني بضحكةِ الواثق من حُسنِ امتلاكه لي وليخبرني بأنني مهما فعلت لن استطيعَ انتزاعه من بينَ أضلعي. وكم أخشى يا غالية من ثقته وصوابه.

أتذكرينَ حينَ ارغمتُكِ على قراءةِ فوضى الحواسِ؟ كنتُ قد انهيتُ قراءته بعد ان أهداني اياهُ سام بثلاثةِ ايام وجئتُ اليكِ مُحمرةَ العينينِ بعد ليلٍ طويلٍ من السهر والبكاء، لم يُهدني يومًا كتابًا ولم يرسل لي يومًا مقالًا لأقرأه دون هدفٍ مخبوء وراءه ولم أدري ما الذي قصده من هذا الكتابِ بالذات لكنني كنت متيقنة بأنه يتحدثُ عنا.
بقي الكتابُ مركونًا على طرفِ مكتبتك لا تحركينه الا لفضِّ الغبار عنه لمدة شهرين تقريبًا، ولا أدري ما الذي جعلك تتخلين عن كبرياءك بمعاندتي وبأنك ترفضين أن تكوني جزءًا في علاقةٍ نهايتها تراجيديّة وتقرأينه. انقطعتِ عني يومينِ كاملينِ ثم فككتِ المقاطعة برسالة الكترونية تحملُ اكثرُ جمل الرواية المًا:

“سـ تتعلمين كيف تتخلين كل مرة عن شيء منك ..
كيف تتركين كل مرة أحداً .. أو مبدأ .. أو حلماً .. !
نحن نأتي الحياة كـ من ينقل أثاثه و أشياءه ..
محملين بـ المباديء .. مثقلين بـ الأحلام ..
محوطين بـ الأهل و الأصدقاء ..
ثم كلما تقدم بنا السفر ..
فقدنا شيئاً .. و تركنا خلفنا أحداً ..
لـ يبقى لنا في النهاية ما نعتقده الأهم .. !
و الذي أصبح كذلك .. لـ أنه تسلق سلم الأهميات ..
بعدما فقدنا ما كان منه أهم .. !!”

لم تقو رجليّ على الحراكِ بعد قراءتي لرسالتك من فرطِ السعادة. كان هدفك اخباري بأنه عليّ ان اضعَ نفسي في اعلى سلم الاوليات وأن أُدرجَ ما تبقى في اسفل القائمة، فاذا ما اضطررتُ ان اتركَ خلفي شيئًا مهما كان قيمًا سيبقى بحوزتي دائمًا الأهم.
وأردفتِ كعادتك بأن تأثيرَ سام على هذا السلم خطيرٌ جدًا، وبأن عشوائيتي تجاه نفسي خللٌ في مُخطط الكون نتيجته دمارٌ شامل لا محالة.
لكن سعادتي باختيارك هذا الجزء من الكتابِ بالذاتِ كانت أكبر من أن يكسرها ذمّكِ المتكرر لسام.

ما لم اخبركِ به انذاك يا غالية بأنه عندما اهداني سام الكتاب كان قد وضعَ في داخله قصاصةً صغيرةَ تحملُ هذا الاقتباسَ وأضاف عليه
" لقد أجبرتني الحياةُ على التخلي عن الكثيرِ، وقد انتزعت هي بدورها مني الكثير ايضًا، لكنها لم تقو على ان تُخلصني من "أملي" ومهما حاوَلت – وحتى ولو فقدتُكِ – ستكونينَ دائمًا الأهم"

هاتفني سام تلك الليلة وطلبَ مني ان اقابله في الحديقة المقابلة لشقتي ورفضَ ان يدخل هو رغم محاولاتي العديدة باغرائه بكوبِ القهوة الساخن الذي يحب ان أصنعه له، فعلمتُ حينها بأن هنالك خطبٌ ما. ارتديتُ معطفي الاسود واخذتُ بطانية دافئة ونزلتُ مسرعة لملاقاته. وجدته منتظرًا على غير عادة، فأنا التي كانت دائمًا تنتظر.
جلستُ بجانبه وأثنيتُ على دقةِ موعده هذه المرة لكنه لم يقابل تهكمي بجوابٍ ساخرٍ كعادته، بل وضعَ يدي بين يديه الباردتين وابتسم.

- ما بكَ يا سامي؟

- انا متعبٌ يا امل. لم أعد استطيع احتمال هدايا القدرِ الثقيلة أكثر.

- لو لم يكن القدر عالمٌ بمدى صلب عودك لما هداكَ اياها. الم تقل لي دائمًا بأنك لا تُكسر وبأنه لا شيء يقف أمامك؟ اين ذهبت هذه الثقة؟ اين ذهب ايمانك؟

- عن أي ايمان تتكلمين؟ انا لم اعد اؤمن بشيء!

- الا تؤمن بي؟

- انتِ اليقينُ الوحيد الذي اراهُ الان.

- اذًا فلتعلم بأنني سأكون معك ولأجلك وسأعيدُ تجميعك اذا ما تناثرت. ليسَ هنالك شيءٌ اقوى من الميثاق الذي يربطني بك وان كنت فعلًا تؤمن بي سنواجه الهدايا معًا. أشركني فقط يا سامي!

- أنتِ تعلمينَ عني كل شيء. ماذا احبُ وماذا اكره، برامجي المفضلة، عاداتي الصغيرة، برنامجي اليومي، قطع ملابسي حتى... لكنك دائمًا ما كنتِ تشتكينَ من شيء واحد. أتذكرين ما هو؟

- أنك ترفضُ ادخالي لاطار عائلتك.

- وأنتِ تظنين طبعًا بأنني اريدُ ان ابقيكِ بعيدة عن عائلتي لئلا تُصبح علاقتنا "حقيقية" في عيون المجتمع.

- well ...

- انتِ اليقينُ الوحيد الذي اؤمن به يا امل، لأنني فقدتُ ايماني بالعائلة. ابقيتُك كل هذه المدة بعيدة عن اخبارهم وعن أي معلومة عنهم ليس للتنصل من علاقتنا متى شئت، بل لاحافظ عليكِ من الهروب، لابقيكِ بجانبي، لئلا اخسرك!

- تخسرني؟ من اجل ماذا؟

صمتَ طويلًا محاولًا منعَ هروبِ دمعة من عينيه. ثم قال:

- سيتمُ غدًا الافراجَ عن اخي بعدَ ان كانَ سجينًا لانه قتلَ احدهم وهو تحتَ تأثيرِ المُخدر. بدأ ادمانه على المخدراتِ قبل اربع سنواتٍ بعد موتِ والدتي بفترةٍ وجيزة. والدي مُقعد اثر حادثِ عملٍ اوشك ان يودي بحياته والذي بسببه اصبحَ اخي المعيل الاساسي للعائلة. تركَ تعليمه الجامعي لكي استطيعَ انا ان اكمله ولكي نجدَ ما نأكله في اخر النهار. كانَ قاسيًا غليظَ القلبِ يا امل، وكان ينظرُ الي كلما دخلتُ عليه وكأنني من سرق منه مستقبله. بيدَ ان علاقته بوالدتي كانت مُختلفة تمامًا. كان يُحبها كثيرًا، ويعاملها كأنه لم يُخلق على وجه الارضِ امرأةٌ بعدها. كان دخولها عليه كأنما حلّت عليه السكينة، فان كان يصرخ بي – صمت. وان كان غاضبًا – هدأ. تأثيرها عليه كان اسرًا يا امل، وموتها كذلك اسره في تابوتٍ من الحزن والكآبة. ومنذ تلك اللحظة لم يعد للحياة فيه من اثر.

- لماذا لم تخبرني ذلك قبل الان؟

- خفت من العيون.

- خفت مني انا؟

- خاصة منك!

- سامي، أتظنُ بأنني احببتك لأني حسبتك ولي عهدٍ في مملكة ما؟ او لأنني رتبتُ لنفسي معك حياة رغيدة؟

- كلا. ولكن...

- احببتكَ لأنك تَرأبُ ثغرات روحي بقلبك...
لأنك تَمنحُ لاحلامي الصغيرة مساحة لتكبر...
لأنك تنفخُ في هشاشتي قوّة، وتقابل عاطفتي بكل عقلانيّة.
احببتكَ لأنك رممتني من الداخل!
ولانك تفهمُ صمتي وتشعر بي...
ولأنك رأيتني حينما لم أكن مرئية.
انتَ كل عالمي يا سامي، دعني اكن لكَ كذلك!

- لا قدرةَ لي على تحمل نقاءك يا امل.

- هراء! انت الرجل الذي لا يُكسر... انتَ رَجُلي الذي لا يُكسر!

اقتربَ مني ببطء وسحبَ خيطًا من طرف معطفي وأحاطَ به بُنصر يدي اليمنى ثم نادى باعلى صوته:

- انتِ اسمي وسمائي وعائلتي وبيتي ومكاني وحلالي ساعة الحشر!

ثم احتضنني بقوة كادت أن تتفتت منها أضلعي حُبًا ودفئًا.
كانتَ هذه المرة الاولى التي ارى فيها دموعه تنهمرُ من مقلتيه يا غالية، والمرة الاولى الذي يخترقُ فيها قوانيننا ويحتضنني.

اخبريني بالله عليكِ..

كيفَ لي أن اشفى منه؟ وهو الذي جعلَ من قلبي عنانًا يعجزُ عنه كل الرجال.






 
رد مع اقتباس
قديم 28-11-2014, 01:30 AM   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
عبدالكريم قاسم
أقلامي
 
الصورة الرمزية عبدالكريم قاسم
 

 

 
إحصائية العضو







عبدالكريم قاسم غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

الاخت الاديبة القديرة علا وتد تحية لك ولقلمك الساحر ......
في البداية تخيلت انها خاطرة ،ولكن حين تعمقت في النصوص ادركت قدرة الكاتبة على السرد بطريقة شاعرية معبرة ،خلت نفسي اقرأ لاحلام مستغانمي باسلوبها المميز الفريد في السرد بادق التفاصيل حتى تعطي القاريء الصورة الكاملة عن الاحداث وما حولها بتماسك عجيب
انت هنا ابدعت بجذب القاريء وشده الى معرفة كافة الاحداث بكليتها
ونحن بلا شك ننتظر كل هذا الامتاع فلا تطيلي علينا البقية .
لك كل التقدير والاحترام







 
رد مع اقتباس
قديم 28-11-2014, 01:35 AM   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
عُلا وَتد
أقلامي
 
إحصائية العضو







عُلا وَتد غير متصل


افتراضي رد: وَلي فيها ذِكريات،! || رواية

(11)

" ....وأعلمُ أنكِ وانت تقرأين كلماتي الان تتمزقين شوقًا للصراخ في وجهي بأنك تكرهين عنادي ولكن كيفَ لي ان يَمر عيدك دونَ ان ارسل امنياتي لك وللسماء؟
أتمنى هذه السنة ان تكبري فعلًا!
وان تغرقي فيّ اكثر لدرجة لن يستطيعَ انقاذك فيها أحد.
سام."

غدًا يُصادف يوم ميلادي يا غالية، ولولا مُعايدتك المُستعجلة لما تذكرت ولما عدتُ في بريدي الوارد الى ذكريات اعيادي الماضية التي كانت معه. كم كُنت اسخر من ضعف الإناثِ امام العاطفة والذكريات، وها انا الان اسقطُ على ابوابِها مستأذنة الدخول بمشاعري اليها مُجددًا وكأن سحرًا قد حل بي ولا حول لي امامها ولا قوة.

كُنتِ تعرفينَ بأن اعياد الميلادِ تُسبب لي من الكآبة ما تفعل وكنتِ ولا زلتِ تتعمدين على ارسالِ معايدتك لي قبل يوم ميلادي بيومٍ واحد لأستطيعَ ان اشعرَ بما تُرسلينه دون تأثيرات نفسيتي العقيمة. لكنه كان يرفضُ ان يفعل مثلك.
كان يُردد دائمًا بأنني أخلِقُ لنفسي الحواجز بسبب خوفي من ان أعيشَ الحاضر وأغامر، وأن تأويلاتي الكثيرة للامور تُجرد اللحظة من كل معنى. وراهن بحُبي له أنه يستطيعُ اخراجي من تلك القوقعة وبأنه سيكون لي العينَ الوردية لارى العالم من خلاله ما دام حيًا.

لا اخافُ من العُمر يا غالية، ولكن الايام تمر بسرعة مُخيفة وأخشى انني اقل كفاءة من أن أجاريها الركض والسباق.
الايامُ تمرُ بسرعة، وها انا اوشك على ان ابلغ من العمر اربع وعشرون ربيعًا وأحلامي لا تزالُ على قيد الانتظار. وهو الذي وعدني بتحقيقها معي واحدًا تلو الاخر استطاعَ ان يُنسيني اياها ليُصبح هو الهدف الاسمى والمستحيل.

أتعلمين؟ راجعتُ رسائله واحدة تلو الاخرى، ومع أنني اذكر كل حرفٍ فيها وكل علامة توقف – كان أكثر رجولةً وحزمًا من أن يستعمل أي من علامات الترقيم المُترددة كالفاصلة مثلًا – الا ان قراءتي هذه المرة كانت كأنها الاولى.

اؤمن يا غالية بأن البدايات والنهايات هي أكثر ما يتركُ أثرًا، لذا كنتُ اجتهدُ بأن اجعل بدايات رسائلي له ونهاياتها تُحفَرُ بكل مثالية في عقله. لكنه لم يكن يُبالي بخواتم الامورِ، كان يُلقي في رسالته ما يريدُ اخباري به ودون تمهيداتٍ للنهاية يُذللها باسمه فقط.
كانت رسائله مقتضبة وواثقة وصاخبة جدًا، كل كلمة فيها تُحدث في داخلي جلبة أعجزُ عن السيطرة عليها.

في كُلِ ليلةِ ميلادٍ لي أحرص على اغلاق هاتفي قبل ان يدقَ منتصف الليل لئلا أُحاط ببحرٍ من التبريكاتِ والمعايدات من معارفٍ وزملاء لا تتخطى علاقتنا الابتسامة والتحية، وأنا كل ما اريده أن اكون وحيدة وأن أقض مضجع الليل بمشاهدة F.R.I.E.N.D.S لأمنع نفسي عن التفكير والخوضِ في معركةٍ مع البكاء لكي أستطيعَ في الغدِ ان استجمع قوايّ المسرحيّة وارتدي وجهي المُبتسم وأجامل الناس وأتشكر لُطف مواقعهم الاجتماعية التي ذكرتهم بأنني قطعتُ شوطًا اخر حول الشمس.

في مثل هذا اليومِ في العام الماضي كُنت قد بدأت أحضر طقوسي الاحتفالية ابكر من كل عام؛ بطانيّة دافئة امام الموقد وكوب كبير من القهوة الساخنة وبعضُ الاشرطة المسجلّة عليها حلقاتي المُفضلة من ذاتِ البرنامج الذي يرافقني في ليلتي هذه كل سنة، ومحبرة واوراق في حال ضربت القراراتُ اطنابها وأنا ثملةُ المكابرة، لئلا انساها حينَ استيقظَ صباحًا.
لكن هذه المرة قررتُ اغلاق هاتفي مُبكرًا، فلم يكن بي طاقة لمشاجرات سام الروتينية ومعايرته لي بأنني طفلة وعليّ ان انفُض سخافاتي عني وأكبر. وقررتُ ايضًا ان ابدأ مارثون المشاهدة باكرًا لئلا التفت للساعة حين ينتصفُ الليل، لكن هذه المرة تزامن انتصافه مع دقاتٍ سريعة على الباب. نظرتُ لساعة الحائط التي لا تنفك تُذكرني بأن الوقت يمضي أسرع مما ينبغي ولم ادري ما انا بفاعلة. بقيتُ لا ابرحُ مكاني، ونظراتي تتراكضُ بين الساعة والباب الذي لا ينفك يُطرق، بضعُ ثوانٍ شعرتُ وكأنها دهر. لا أدري كيف استعدتُ بضعًا من اوردتي الدموية لأتمكن من الحديث:

- Who is it?
- It's your fairy, open up

امتلأتُ غضبًا وسعادة في آنٍ واحد وأسرعتُ لافتح له الباب وكأنه لم يكن هنالك "احتفالٌ سنوي" ينتظر.

- سامي! ما الذي اتى بك بهذه الساعة؟! كيف تدقُ الباب بهذه الطريقة؟! انا استغربُ احيانًا كيف تُفكر! انت....
- كُل عامٍ وانتِ لي يا وجعي.

استطاع، ككل مرة، أن يُطفأ اشتعالي بكلماتٍ قليلة مُنتقاة.

- أغلقتِ هاتفك باكرًا هذه المرة. الا تُريدين ان تُنهي عامًا وتبدأي اخر دون ان تكبري –طبعًا – على صوتي؟

ابتسمتُ، ولم أنطق بكلمة واحدة. فاكمل حديثه...

- أين الـ manners يا امل؟ ألن تدعينني للدخول؟
- كلا.
- حسنًا، سأدخل اذًا دون دعوة. غالية ليست هُنا اليسَ كذلك؟

دخل، وأغلقَ الباب خلفه كأنه صاحب المكان وبدأ باعادة ترتيب الصالة كما يشاء. اغلقَ التلفاز واعادَ الاشرطة المتناثرة لمكانها ثم فرشَ البطانية كالبساطِ امام الموقد وأشارَ لي أن اتي لأجلس امامه فأطعتُ صامتة مُبتسمة. وما ان جلستُ حتى اخرجَ من حقيبته ثلاثة وعشرون قصاصة ورقٍ وعددًا من الشموع.

- هذه القهوة لي. انتِ بت تستهلكين الكثير من الكافئيين. لا اريدُ لهذه العينين أن تذبل.
- كان من الحري بك ان لا تُجبرني على ادمانها منذ البداية.
- يا نكديّة! هذه اول صفة سنتخلص منها.
- سَــ.. ماذا؟
- الم نقل بأننا علينا التخلص من قيودك واحدًا تلو الاخر لكي تصلي لأمل المثالية؟
- الا زلتَ تذكر؟
- انا لا انسى احاديثنا. مضى على اتفاقنا ذاك اكثر من سنة ولم نحقق منه الا القليل. لذلك علينا الان أن نُضاعف العمل لئلا تَهربي من نطاق قدرتي على اللحاق بك.

لم افهم في البداية ماذا يُريدني أن افعل. سحبَ اول ورقة من القصاصاتِ التي احضرها وكتب عليها بخطٍ عريض (نكـــديـــــــة). ثم أشعلَ احدى الشموعِ وبدأ باحراق الورقة.

- هيا، تبقى لدينا اثنا وعشرون صفة او عائق او ذكرى لنتخلص منها حتى تتحرري!

وقضينا الليلة ما بينَ ضحكٍ على الصفاتِ التي يُريدني ان أتخلص منها لأصبح "مطيعة"، ودموعٍ حارة كلما سجلتُ ذكرى على القصاصة قبل أن احرقها.
مرت تلك الليلة دونَ ان اشعر بالوقتِ يخزُ في احلامي كل ثانية كما يفعل كل سنة.
مرت الليلة وأنا سعيدة.

حين همّ ليُغادر ناولني هدية مُغلفة وأخبرني ان أفتحها فقط حين اراه استقل عربته وابتعد عن البناية. وهكذا فعلت.
بقيتُ اتوسدُ النافذة اراقبه حتى ابتلعته الطريق. فتحتُ المُغلّف؛ love locket يحمل تاريخ لقاءنا الاول - لم يفارق عُنقي منذ تلك اللحظة - وكتاب P.S I Love You
. فتحتُ اول صفحة من الكتاب لأجده قد تركَ لي اهداءً بخطه النزق...

" لأن ثمانية وعشرون حرفًا تعجزُ على اشعالِ صلاةِ شُكرٍ واحدة في مساحاتك...
كُل عامٍ وأنتِ طفلتي المُدللة.
سام.
26.01.2012 "

استطاعَ سام في تلك الليلة ان يكسر كل الحواجز فيما بيننا وأن يدخل اعماقي ويستقر فيها. استطاعَ ان يلمسَ كُل نقاطِ ضعفي وأن يبثَ فيها القوة.
استطاعَ سامَ يا غالية في تلك الليلة أن يحتل كُل خلية في جسدي وروحي.
ويا له من احتلالٍ.






 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 12:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط