السلام عليكم
هناك أمر أقف عنده كثيراً, وأعتبر أننا كمسلمين نفهمه بصورة خاطئة, هذا الأمر هو مسألة الهلاك, هلاك الأمم الظالمة.
كثير منا يعتقد أن الزلازل والأعاصير والبراكين وكوارث الطبيعة هي طريقة يرسلها الله لإهلاك الظالمين, وفي الحقيقة هي عوامل طبيعية تحدث بأسباب معروفة, أما مسألة أن تكون هلاكاً فهي مسألة أخرى.
الهلاك رديف الظلم يقول تعالى: "أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ" (الأنعام:6) , وقال أيضاً : "كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ" (لأنفال:54) .
تدبروا قوله تعالى : "أهلكناهم بذنوبهم" , فكان هلاكهم بواسطة ذنوبهم وظلمهم لأنفسهم لأنهم لم يحصنوا أنفسهم ضد هذا الهلاك.
فالإعصار كاترينا مثلاً كان هلاكاً ليس انتقاماً من الله لنا ولكنه كان هلاكاً عليهم لأنهم لم يعدوا العدة اللازمة للتخفيف من ضرره, ولو أن هذا الإعصار جاء على بلد مسلم لا سمح الله من بلاد المسلمين اليوم لدمره كله بسبب تقصير المسلمين.
هذه الزلازل تضرب بقاعاً مختلفة في العالم, أمم كافرة, وبلاد مسلمة, برأيك هل تكون الخسائر واحدة؟ اليابان استطاعت التأقلم مع الزلازل حتى حدّت كثيراً من أضرارها هل معنى هذا أن اليابان أمة مؤمنة؟
لا علاقة للإيمان والكفر بهذا, العلاقة هي بين الهلاك والظلم, الظلم بمعنى التقصير, عدم الأخذ بالأسباب, عدم دراسة سنن الله في الأرض, أما ما نظنه تلازماً بين الهلاك وعدم الإيمان فهو تلازم وهمي لأن الله لا يمنع خيره عمن يأخذ بسننه حتى لو لم يكن مؤمناً.
أمريكا دولة مجرمة لا ريب في ذلك, لكن ما أصابها ليس لأنها تشن على المسلمين حرباً صليبية كما قلت, ما أصابها هو من تقصيرها وعدم استعدادها لمواجهة هذا الإعصار, والله لن يدافع عنا وينتقم لنا لأننا مسلمون, الله سيحاسبنا لأننا ظلمنا أنفسنا وظلمنا العالم بتقصيرنا نحن الذين كلّفنا بأمانة التبليغ.
قلت يا أخي : "فمحور حديثك عن أسلوب الدعوة الى الله ومشاعر الداعية أما محور حديثى فعن دولة مجرمة أعلنت حربا صليبية جيشت فيها الجيوش واستخدمت الأسلحة المحرمة دوليا ... ومارست فيها ألوانا من الاجرام والافساد فى الأرض فقتلت و شردت واغتصبت واستباحت وعذبت ودمرت ... فانتقم الله للمستضعفين الذين لا يملكون دفعا للعدوان ولا ردا للطغيان ... والله تعالى أرسل عليهم الطوفان لبغيهم وعدوانهم وظلمهم وهو سبحانه منزه عن الظلم ."
لو فهمت حديثي لعرفت أنني لا أتحدث عن الدعوة, ومشاعر الداعية, أنا تحدثت عن مهمتنا التي يجب أن نلتفت إليها ونهيئ أنفسنا للإضطلاع بها, وفكرة أن الله سينتقم لنا من هذه الدولة الصليبية الكافرة هي فكرة خاطئة, الله انتقم منا بها لأننا قصرنا بمهمتنا, نقول قصرنا, وعندما نراجع أنفسنا نلعن قادتنا ونضع عليهم ذنب ما نحن فيه من خمول وضلال ولا يفكر واحدنا بإصلاح نفسه هو, كيف سأكون مسلماً حاملاً لرسالة الله وأنا أكذب؟ كيف أدعو للخير وأنا أمنع خيري عن أقرب الناس لي؟ كيف أعلم الناس التسامح وأنا لا أسامح أخي إذا أخطأ بحقي..........
هل سيمنعني أحد عن تزكية نفسي؟ طبعاً لا.
نحن أمة متواكلة , ننتظر نصر الله بأيسر السبل, بالسب والدعاء على الأعداء, ومشكلتنا أننا نظن أن الله سينتقم لنا نحن الضعفاء المساكين الذين لا نريد أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا, يا أخي لسنا شعب الله المختار, العذاب والهلاك سيصيبنا ولن نكون في مأمن منه لأننا مسلمون اسمع قوله تعالى : " وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد: من الآية38).
إذاً لنلتفت لأنفسنا, الجهاد الأصغر الذي تحدثت عنه لا معنى له من دون أن نكون قد جاهدنا الجهاد الأكبر, جهاد النفوس, إصلاح النفوس, لم يبعثني الله لأحمل سيفاً أقطع به الرؤوس, بل بعثنا هداة, السيف له وقته, لكن الأهم هو إصلاح النفوس.
أنا أحمل المسلمين مسؤولية المصائب التي يعيشها العالم, مسؤولية الظلم والتخلف والجهل, "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" (البقرة: من الآية143)
عندما نعود أمة الوسط, أمة الحق والعدل والرحمة, عندها سيكون العالم كله بخير, لأن ديننا يحملنا مسؤولية العالم كله "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الانبياء:107) .
وعندها سنحمي المصاحف من التدنيس وسنحمي الأعراض والأموال, وسننشر الخير والعدل.