الزائر الكريم: يبدو أنك غير مسجل لدينا، لذا ندعوك للانضمام إلى أسرتنا الكبيرة عبر التسجيل باسمك الثنائي الحقيقي حتى نتمكن من تفعيل عضويتك.

منتديات  

نحن مع غزة
روابط مفيدة
استرجاع كلمة المرور | طلب عضوية | التشكيل الإداري | النظام الداخلي 

العودة   منتديات مجلة أقلام > المنتديــات الأدبيــة > منتدى القصة القصيرة

منتدى القصة القصيرة أحداث صاخبة ومفاجآت متعددة في كل مادة تفرد جناحيها في فضاء هذا المنتدى..فهيا لنحلق معا..

إضافة رد

مواقع النشر المفضلة (انشر هذا الموضوع ليصل للملايين خلال ثوان)
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17-08-2014, 12:56 PM   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
هارون غزي المحامي
أقلامي
 
إحصائية العضو







هارون غزي المحامي غير متصل


افتراضي رد: القصص القصيرة الفائزة بالجائزة الأولي.


في البدء كانت طيبة
بقلم : سمير الفيل

معفر الوجه بتراب طيبة . ابن رحلة الأحزان الشجية للشاطيء الغربي الذي في نهاية أفقه تغوص الشمس الإله . أرتحل بحنين نازف حاملا في الشفاه تلك المعزوفات التي طالما ترنموا بها فوق النهر . باليد خوصا أخضر قربانا جديداً.
عريف أمين رمسيس . جئت من الصهد والقيالة حيث النيل محمرا لا يزال حاملا ً معه خصوبته ، جاريا ً في رحم الغيطان التي ما فتئت تحلم بالأزهار.
ابن العفرة والندب في المآتم والسواد وأدوار الشاي السود الثقيل.
قريتنا شريط ضيق من حقول القصب التي تسورها البيوت الرمادية الكليلة الملامح ، وأشلاء معبد جرانيتي الأوصال ، صلب كوجوه الناس في بلدتنا.
قريتنا ، يا خلق الله ، متعلقة بكل حجر ، بكل عامود مهشم في هذا المعبد . جلساتهم لا تحلو إلا فوق وحول الصخور المتناثرة في فوضى محببة إلى نفوسهم . يشمون فيها رائحة الماضي ، وأنا مثلهم أبصر فيه ميلادا جديدا.
ـ إرسله يا ابن العم ليتعلم ، فبطون نسائنا ما أعطت إلا زرّاعــا ً .
ـ والمال؟
ـ أرضك . بعها إن لزم الأمر .
ـ يا خلق الله . أنا عبدالستار رمسيس ، الصعيدي ابن الطينة أفعلها ؟! كيف يكون جلوسي مع الرجال بعدها ؟!
ـ إذن اتركه يعزق الأرض ، ويجمع القصب ، ويقضي ليله مع النساء مثلنا . أتركه يا عبد الستار.
ـ أفكر ...
أهلي طيبون ، ولكنهم يتنازعون إذا رّن فأس في حقل ، وعرفوا أن صاحبه عثر على إناء من خزف أو تمثال من صخر ، واحتكره لنفسه ، ولم يتركهم يبصرونه ، يتحسسونه ، يقربونه من صدورهم ، يزيلون ما علق به من تراب في عشق لا يوصف.
أهلي طيبون ، ولكنني لا أعرف لماذا تنازعوا جسد مومياء عثروا عليها عندما كانوا يجففون المستنقع الموجود بناحية الشرق ، وصمم كل منهم أن يدفنها من جديد في قبر عائلته ، واتسع الخلاف ، وحدثت خصومات ، وفي نهاية الأمر اشتركوا جميعا في بناء مدفن جديد يضعون فيه كل ما يعثرون عليه من موميات.
لا أنسى ذلك اليوم ، لبسوا السواد ، حتى أبي الكهل ، أحضروا مقرئا يلبس قفطانا باهت الخطوط . تلى من القرآن سورا لا أذكرها . هزوا رءوسهم في حزن ، حتى النساء صبغن خدودهن بالنيلة . يا أيها الموت القديم العظيم : ناشدوك أن تترفق بهم في بردياتهم .
( أيا من يعجل سير جناح الزمان ،
يا من يسكن خفايا الحياة .
يا من يحصي كل كلمة أنطق بها .
أنظر .
إنك تستحي مني وأنا ولدك .
وقلبك مفعم بالحزن والخجل .
ألا فسالمني .. ألا فسالمني ..
وحطم الحواجز القائمة بينك وبيني ) .
عريف أمين رمسيس . أرسلوني إلى الجامعة بعد أن باع أبي نصف أرضه ، وباعت أمي مصاغها ، وذهبت لأعود إليهم في كل إجازة . أحكي لهم ما تعلمته في " مصر" من حكايات عن جدودنا . هؤلاء الأحباب الذين تركوا بقريتنا أعمدة معابدهم ، وبعض حليهم ، وخزفهم ، حتى أجسادهم الملتفة في أشرطة الكتان المتيبسة ، ورحلوا .
في ليلة كل إجازة كنت أرجع فيها من الكلية إلى قريتنا كانوا يتحلقون منقدا عليه إبريق الشاي النحاسي في نفس المكان ، يهزون رؤوسهم . كبيرهم وصغيرهم كان يفعل . ينتظرون أن أقص عليهم كل شيء .
أهلي الطيبون . عمي خضير الذي كان أثناء حديثي يقوم من مجلسنا ويتحسس النقوش الغائرة في العمود الوحيد الذي بقى قائما في المعبد القديم . هذا العم . نسيت أن أقول أنه كليل البصر ، ولكنكم لو ترونه . كالطفل الشقي الذي يضحك ويحزن ويقفز ويسكن ، عندما أحكي .
عريف أمين رمسيس . عرفني الجميع في أمسياتهم بالأستاذ . رغم أنني كنت أحرص كل الحرص على أن أرتدي نفس الجلباب الذي كان لا يفارق جسدي قبل ذهابي إلى الجامعة ، إلا أنهم أصروا على أن ينادونني بهذا اللقب .
وعندما تخرجت ، وجندت وذهبت للقرية بالكاكي . نظروا إلى ّ طويلا ، وصمت أهل قريتنا جميعا ، إلا عمي خضير فقد ضمني إلى صدره ، وشد على يدي : رجل يا أمين ، من ضهر رجل .
يومها فرحت . نظرت لأبي من طرف عيني يضحك . كلهم يضحكون ، ولم يعفونني من الجلسة المعتادة ، لكنهم أصبحوا يسألونني أيضا عن الجندية .عن الكاكي . عن مصر .
عريف أمين رسمسيس . يا أهل قريتي البعيدة. عبرت وحاربت ، وبكيت كالجميع . أنا الصعيدي الذي قضيت نصف عمري لم أضع في قدمي حذاء . أسرت الكثير منهم , لكنكم لستم غرباء . ستسمعون قصتي مع أهل قريتي . قصة طيبة المعادة .
هذه أول إجازة لي بعد أن عبرنا القناة . كنت مرتديا الكاكي . نظروا إلى ّفي فرحة . حملوني على الأعناق ، جروا بي إلى المعبد قبل أن اذهب لداري . يومها لم يسألونني أن أقص عليهم حكاياتي لكنهم تحسسوا ملابسي . جسدي . نظروا في عينيّ ، حتى أطفالهم شدوا أطراف سترتي . ضحكوا يومها كثيرا .
وفي المساء كنت أجلس معهم . في مكاننا الذي لم يتغير . بجلبابي الأبيض ، وبشعري الحليق ، وكان أبي هو الذي يوزع أدوار الشاي في فرحة ، وكان عمي خضير يربت على كتفي من وقت لآخر ، وكانت تتنازعني رغبات غير محدودة في أن أرقص . أقوم وسط أهلي وأرقص . أنا الذي لم أفعلها من قبل .
ـ إحك .. إحك لنا.
ـ لا تنس شيئا .
أنسى ! أنا أنسى ؟ سأقص يا أهلي . من البرديات أقرأ ، ومن النقوش في أعمدة وجدران المعابد أستعيد الحكاية ..
( لا أعرف لماذا قد نزلت بنا صاعقة في عهد " تحتمس " من غضب الإله ، فقد تجرأ قوم من أصل وضيع من الشرق على غزو بلادنا . وقد كان مجيئهم أمرا مفاجئا . وقد تسلطوا على البلاد بمجرد القوة في غير ما صعوبة . وبدون نشوب موقعة حربية ) .
لماذا كل هذا الحزن يا عمي خضير؟ لماذا كففت عن توزيع أدوار الشاي يا أبي . مازلت في أول الحكاية . البردية لم تنته بعد . لا , لا أريد شايا . لقد نسيته في موقعي الجديد.
( أحرقوا المدن بوحشية ، وأزالوا معابد الآلهة من أساسها ، وساروا في معاملة الأهلين بكل قوة ، فقتلوا بعض القوم ، وسبوا نساء وأطفال أناس آخرين ) .
يا ذلك الندب الأبدي الحزين . يا طيبة كيف صبرت على كل هذا الهوان ؟؟ وماكـّـف آمون عن العطاء . يا طيبة . غسلنا بدموعنا خطايانا . رفض الآلهة القرابين . أمرتنا بأن نسترجع ما سلبوه من زهور اللوتس . ما حطموه من معابد . تأملوا جميعا كل كلمة في حكايتي . تأمل يا عمي خضير . تأمل..
( تأمل إنها الدلتا في أيدي من لا يعرفها مثل أولئك الذين يعرفونها ، وإان الأسيويين مهرة في مهن أرض المستنقعات) .
في ايدي من لا يعرفونها يا أبي . وفي القلب جرح نازف . وما سكتنا .
( ولكن الجائحة الشنعاء في بلد العامو ، وكان الأمير " أبوفيس " في اواريس " ، وكاتنت كل البلاد خاضعة له . وكذلك كل حاصلاتها بأكملها . وكذلك كل طيبات " تميرا " .. )
نعم . إحكي لكم . لا تسألونني كيف عبرت مع الرجال ، ولا كيف سمعت نداء طيبة ، وآمون ، والرحلة الحنون إلى الغرب . ونظرات أمي بعينيها المكحولتين بالترقب . لا تسألونني كيف عبرت ، ولكن أسألوني كيف كان اللقاء . تأملوا...
( تأملوا فإني سأحارب " العامو" ، وإن النصر سيأتي ، وإذا بالبكاء .... فإن الأرض قاطبة سترحب بي ، بوصفي محاربا لأهزم " العامو " بأمر " آمون" صادق النصيحة . وقد كان جيشي شجاع يسير أمامي كأنه عاصفة من نار ) .
فجأة يا عمي حدث ما حلمنا به طويلا . أعطونا القوارب . هذه أرضكم السليبة . أستعيدوها . يا من انتظرتم كل هذه السنوات ، وبالألم مضت أيامكم .
كنت أحملكم في أوصالي ، ومعبدي ، بردياتي . طيبة، الطيبة ، القوية ، السمراء ، النيلية ، الخصبة ، التفتق ، الزاخر . لا تسألونني ، ولا تدمع عيونكم . ما زالت هناك سطور .
( ثم جعلت " العامو " الذين اعتدوا على مصر يولون الأدبار ) .. حدث هذا يا أهل قريتي ، وكانت فرحة ..( وأمضيت الليلة في سفينتي ، وقلبي فرح ، وعندما أضاء النهار انقضضت عليه كالصقر ، وعندما جاء وقت تعطر الفم كنت قد هزمته ) .
بحق النبتة المعطاءة في الوادي ، وأسوار المعبد المقدسة أقسموا ، وأقسم برغيف الخبز يشبع الأطفال . أنا الصعيدي الأسمر . لم أشعر بحبي لطيبة مثلما شعرت ونحن نخلصها ( وكان جيشي كالأسود عندما ينقضون على الفريسة ، ومعهم العبيد ، والقطعان ، والآدم ، والشهد . فقسموا غنائمهم وقلوبهم فرحة) .
عريف أمين رمسيس . أسرت من الأعداء أربعة بمعونة زميلي في الكتيبة . لا يا عمي خضير . ما كانوا يرتجفون بردا لكن ذعرا . يا أبي الطيب . إبنك حارب . كأحمس بن أبانا الذي لم يكن ملكا ، ولكن فلاحا من " طيبة " . يحب اللوتس والبردي . يستهويه اللون الأخضر . لم يعتل عرشا . ولم يمسك صولجانا ، ولكنه تشرب حب الأرض والحياة.
يا أبي الطيب . أحمس بن أبانا هذا ، ما صنعوا لجثته هرما ، ولا جرجروا من أجله الأحجار مئات الفراسخ بل ابن فلاح أتلفت الديدان نصف قمحه ، وأكلت أفراس البحر ما بقى منه ، ووهب ابنه جنديا شجاعا لمصر . هذا هو الابن ..
( وعندما بدءوا الحرب على الماء في القناة " بزدكوا اواريس " أسرت أسيرا ، أحضرت يدا . وقد أعلن ذلك لحاجب فرعون ، ومن أجل هذا أعطيت ذهب الشجاعة ) .
نحن يا أبي الذين حاربنا .
كل حفنة رمل استرجعناها كنا نحتضنها . نستنشق النسمات التي لم تكن تدخل رئاتنا إلا محروقة . أسرنا الكثير يا أبي . كنا نعهد بهم أحيان كثيرة لبعض جنود الصاعقة ، على أن يحملوهم على الشاطيء الآخر . كانت هواية محببة للكثير . هواية قديمة . البردية تحكي ..
( وعندما حابوا في مصر في الجزء الجنوبي من هذا البلد ، أحضرت أسيرا حيا ، وقد ذهبت إلى الماء لأنه قد أسر في الجهة الأخرى ، وقد أعلن حاجب الملك بذلك ، وتأمل . لقد كوفئت بذهب الشجاعة من جديد ) .
عريف أمين رمسيس . أبي كهل باع نصف أرضه لتعليمي . عمي خضير يحتضنني كلما رآني مرتديا الكاكي . بقريتنا معبد فرعوني من نقوشه أرتل. مع أهلي اجلس في المساء . لنسترجع قصة طيبة . نسترجعها من جديد.


* تعليق مجلة صباح الخير :
هذه هي القصة الفائزة في المسابقة التي نظمتها أمانة الشباب بالاشتراك مع مجلة صباح الخير .
الرابط http://www.asmarna.net/al_moltqa/showthread.php?t=14357






 
رد مع اقتباس
قديم 21-08-2014, 03:49 PM   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
هارون غزي المحامي
أقلامي
 
إحصائية العضو







هارون غزي المحامي غير متصل


افتراضي رد: القصص القصيرة الفائزة بالجائزة الأولي.

الـــــحــــرب
للقاص/ حسن الرموتي.
ملاحظة :
القصة فازت بالرتبة الاولى في مسابقة العربي الكويتية ،
هذه القصة نشرتها مجلة العربي الكويتية عدد غشت 2011
كما نشرتها المجلة العربية السعودية عدد 405 سنة 2010


و صلت العربة للقرية عند الغروب ، توقف أزيز عجلاتها ، العربة يجرها بغل ، و البغل يستعيد أنفاسه بعد أن قطع مسافة طويلة من الأتربة و الحصى ، نط الحوذي من العربة متكئا على ظهر البغل، تمطى وسار يجر قدميه متثاقلا بجلبابه الصوفي و نعليه المصنوعين من عجلات الشاحنات . عيناه جاحظتان و شعيرات بيضاء متناثرة على ذقنه ، ابتعد قليلا و غاب خلف جدار متهدم ، تبول ثم عاد مبتسما ينفض عن صدره غبار الطريق ، تجمع الأطفال حول العربة ، البغل يبدو سعيدا و هو ينش بذيله ،طلب الحوذي من طفل سطل ماء ليشرب هو و البغل . من الجهة الخلفية للعربة نزل شاب يبدو أكبر من سنه بكثير ، رنا إلى الأطفال قليلا ، وجه لفحته أشعة الشمس و آثار شظايا واضحة على محياه ، يرتدي بذلة عسكرية قديمة ، ضرب الأرض بحذائه العسكري الثقيل ثم ابتسم للأطفال ، حين ظهرت أسنانه البيضاء صاح طفل وقد أطلق ساقيه للريح :
- لقد عاد عمّي عباس ، لقد عاد عمي عباس من الڭيرا – الحرب - .
لحق به الأطفال الذين تفرقوا بين أزقة القرية الضيقة كالنمل يرددون نفس كلام الطفل . سمعت النساء صوت الأطفال و خرجن مهرولات تفوح من ثيابهن رائحة الطعام و الحنطة وقد تركن العشاء ينضج فوق نار الخشب و روث الأبقار ، أما الرجال فكانوا في المسجد ينتظرون صلاة العشاء ، لحق الرجال بالنساء وصوت إمام المسجد يصل من بعيد إلى آذانهم :
- لا تنسوا الصلاة ، إن الصلاة لها ميقات معلوم .
تجمع الكل حول العربة، كان عباس مازال واقفا مع الحوذي يتحدثان، و يناوله شيئا ،حملق الرجال في عباس و قال أحدهم :
- ملامحه تغيرت كثيرا ، يبدو أنه ليس عباسا الذي نعرفه .
تقدم عباس نحو الرجل ثم همس له بسر في أذنه يبدو أنه لا يعرفه غيرهما، وضع الرجل أصبعه على فمه مشيرا لعباس الاّ يتكلم ثم انقض عليه وعانقه طويلا ، تبعه رجال القرية ، وجاء دور النساء و الأطفال . الحوذي يتأمل المشهد و يبدو أنه لم يفهم شيئا . الكلب الوحيد الحاضر يتبول وقد أحدث حفرة في الأرض ، هرّ ثم أقعى على مؤخرته و انتصبت أذناه مستسلما ...
في المسجد و بعد الصلاة و العشاء قال أحد شيوخ القرية بصوت مسموع و مفعم بالرضا :
- نحن فخورون بك أيها البطل ، فخورون بانتصاركم في الحرب .
قال عباس بنبرة حزينة و بغصة أحس بها وحده في حلقه: - من قال إننا انتصرنا ؟
أجاب شيخ وقور : سمعنا البلاغ في الراديو ، و أناشيد النصر لم تتوقف .
قال عباس : - لم تكن هناك أصلا حرب .
تبادل الرجال و الشيوخ النظرات و يبدو أنهم لم يفهموا شيئا .
صاح أحد الرجال بانفعال : إذن أين هم شبان القرية الخمسة الآخرون ؟
قال عباس : لقد ماتوا ، رأيتهم بعيني ، و دفنوا بسرعة .
قال أحد الشبان : إذن كانت هناك حرب .
أجاب عباس منفعلا : قيل لنا إنها حرب ، نحن لم نر عدوا .
قال إمام المسجد هامسا: - يبدو أن مشاهد الحرب أثرت على القوى العقلية للرجل ،و لم يعد عباس يميز بين النصر و الهزيمة .
قال آخر: ربما الحكومة أمرته بقول ذلك حفاظا على أسرارها .
و حكى عباس قائلا : بعد رحلة شاقة داخل الشاحنات، لم نكن نر شيئا، ساعات طويلة
و الشاحنات تلتهم الطريق ، تلصص أحد الرفاق و قال أننا نسير فوق جسر ضيق .. وصلنا منهوكين عند المساء ، وزعوا علينا بنادق قديمة ، اكتشفت فيما بعد أنها لم تكن محشوة ،و أنا لم استعمل البندقية يوما في حياتي ، و كم حلمت بواحدة و تأسفت على عدد الأرانب
و أسراب القطا التي مرت من أمامي ...
قال أحد الجنود – إن كان يعرف معنى الجندية - ببراءة واضحة :
- كيف نستخدمها ؟
- أجاب آخر : فقط اضغط على الزناد و هو يشير للبندقية .
تساءل آخر يبدو أنه كان متعلما : هل بمثل هذه الأسلحة سنحارب ؟ ثم أضاف ، هل نحارب من أجل قضية عادلة ؟ يبدو أننا خدعنا لأمر ما و لمصالح خفية ، السياسة في النهاية هي فن اللعب على الحبال ، تبادل الجنود الذين كانوا معي النظرات و لم ينبس أحد ببنت شفة. بِتُ ساهرا ، بعضنا نام نوما متقطعا خوفا من العدو المتربص بنا ، هذا ما قاله الضابط ، الضابط أمرنا أن نتقدم صباحا إلى الأمام و ألا نوقد النار ليلا ، لم نعلم شيئا عن الخطط العسكرية ، قبل شروق الشمس بقليل ، جاء البلاغ من مكبر الصوت :
- اهجموا ، تقدموا ، أطلقوا النار، أدركت أن الصوت كان مسجلا ، لم يكن هناك ضباط و لا جنرالات .. لم أسمع هدير محركات السيارات و الشاحنات ،أو أزيز الطائرات ، قلت في نفسي : هل هناك حرب دون طائرات ؟كنا وحدنا نتقدم ، نسير خلف دبابات قديمة نحتمي من ورائها ... علا الغبار و ملأ الفضاء ولم نعد نميز شيئا ، فجأة رأيت الدبابات تقوم بنصف دورة و تطلق النار في اتجاهنا .. سقط الكثير ...شظايا أصابت وجهي ، سقطت ، خضبت ملابسي و رأسي بدماء القتلى و بقيت جامدا دون حركة طوال يومين ، تبولت في ملابسي و كنت أقتات على بقايا خبز يابس في سترتي العسكرية التي تفوق مقاسي قليلا ، كنت على يقين أنها خدعة ... في اليوم الثالث جاء مكبر الصوت من جديد ، لم يكن هذه المرة مسجلا :
- لقد انتهت الحرب ، لقد انتهت الحرب ..لقد فزنا ، العدو استسلم و قبل بشروطنا ... ،أما أنا فلم أر عدوا أمامي ، و لا أعرف عن أي شروط يتحدث ...
قمت متثاقلا أجر قدمي ، وجهي يؤلمني ، كنا قلة ، سرنا نحو الضابط الوحيد الذي كان في استقبالنا ، ابتسم لنا قائلا :
- لقد انتصرنا أيها الأبطال، الوطن يقلدكم بوسام الشجاعة... أخرج عباس من جيبه قلادة ، تناوبتها الأيدي، ثم أعادتها لعباس الذي أقسم في نفسه ألا يضعها على صدره يوما .
قال أحد الشبان مبتسما: إذن الشبان الخمسة ماتوا بأسلحة صديقة كما يقولون في المذياع.
أجاب عباس بيأس واضح:
- بل بأسلحة شقيقة .
تبادل الرجال النظرات من جديد ، لم يفهموا شيئا ...
بعد أسبوعين توقفت وسط القرية سيارة جيب عسكرية تبحث عن عباس . هناك حرب ثانية قادمة قال الضابط ، لكن عباس ابتلعته الغابة المجاورة للقرية و لم يظهر له أثر منذ أسبوع .

الرابط:
http://j-m-m.in-goo.net/t4885-topic?...DE%D5%ED%D1%C9







 
رد مع اقتباس
قديم 14-04-2023, 03:45 AM   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
ربيع عبد الرحمن
طاقم الإشراف
 
الصورة الرمزية ربيع عبد الرحمن
 

 

 
إحصائية العضو







ربيع عبد الرحمن غير متصل


افتراضي رد: القصص القصيرة الفائزة بالجائزة الأولي.

أستاذي هارون غزي المحامي
مجهود كبير
يلفت و يتبع لما يحمل من غني نحن في حجة إليه لنتعلم


تحياتي أستاذي

كل عام و انت بخير و سعادة







 
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 09:41 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.3
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والردود المنشورة في أقلام لا تعبر إلا عن آراء أصحابها فقط